الأربعاء، 17 نوفمبر 2010

الفاعل والمفعول

منذ الأزل, كان هناك نوعان من البشر: من يحرك الأحداث ومن يتأثر بها. فكن فاعلا لا مفعولا به. والحياة في حركة دائمة,فإن لم يكن بك فبغيرك. وإن لم تحركها لمصلحتك ستسير في اتجاه مصلحة عدوك. واعلم أن لكل منا دورا في هذه الدنيا, هناك من يموت وهو حائر لا يعرف دوره - عافانا الله من الجهل!-, وهناك من يعرف ماذا يفعل لكن لا يعرف كيف يفعله - رحمنا الله من العجز!-, وهناك أيضا من يعرف ويملك القدرة ويتقاعس تاركا المهمة لغيره - شفانا الله من الكسل!-.. والمصيبة أن دورك الذي تركته سيأخذه يهودي أو نصراني أو من لا دين له ولا ملة, فتكون كمن حارب الله وساعد أعداء الإسلام بأن أعطيت لهم بيديك السيف الذي يذبحونك به.
# كل ما يريده أهل الشر لتنجح خططهم هو ألا يفعل أهل الخير شيئا ! .. فالدنيا في توازن بين الفريقين, وأي نقص عند أحدهما يُعوض تلقائيا بزيادة لدى الآخر. وقد حاولت أن أبيّن في هذه الفكرة الأسباب التي قد تدعونا لعدم فعل شيء ضد قوى الشر, وملخصها في نظري هو: (الجهل والعجز والكسل).وقد كَانَ رَسُولُ اللّهِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ.
# قد يتعلل البعض بحالة الترهيب الحالية وأنه مجبر على عدم فعل الصواب وليس مختارا, والجواب هو أن ما لا يُدرك كله لا يُترك كله. فمن الصعب تصديق أنك ممنوع من تقديم صدقة قليلة أو المشاركة في محادثة هادفة, فدائما تترك حكومات القمع الشمولية هامشا من الحرية لتتجنب انفجار الشعوب, ومن هنا عليك أن تبدأ .. ومن يدري كيف سينتهي بك الحال؟ .." فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ .. " التغابن 16. وأعظم النار من مستصغر الشرر.

الشيطان الأخرس

من يعرف أنه مخدوع ويسكت, هو كالديوث الذي يرى الزنا في زوجته ولا يفعل شيئا, بل يعلل نفسه بقلة الحيلة و(قصر اليد)!..
# الساكت عن الحق شيطان أخرس. ومادام في مكان ما من هذه الدنيا واحد فقط استطاع أن يقوم بما أملاه الله عليه من واجبات, فلا حجة لك يوم الحساب ولا عذر.فلو أخذنا المثال الذي طرحناه لوجدنا أن هذا الديوث كانت لديه القدرة على تطليق زوجته الخائنة لكنه استكان للوضع الرديء . فهذا هو الحال مع من يرضى بالاحتلال في بلده بل ويعامل مغتصب أرضه وعرضه بوجه بشوش وابتسامة عريضة !
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا          النساء 97
وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا     النساء 100

وهديناه النجدين

احظت - وسبحان الله في تقديره وتنظيمه لهذا الكون - أن كل خصلة أو صفة أو قدرة يستخدمها ابن آدم في الشر, يمكن استخدامها في الخير, فالله الرحيم أعطانا الاختيار وهدانا النجدين. انظر للغضب والشتم والقدرة على القتل والذبح, والكره والكذب والخداع, كل هذا يصير حلالا إذا فعلناه في حرب العدو!.. فبدون الغضب والكره لا يستبسل الجندي في القتال, لكن الناس يوجهون غضبهم لما يكسبهم السيئة لا الحسنة, ويقتلون بعضهم ويسرقون تاركين الكفار في بلادهم ينعمون بالسلام والغنائم الباردة. وقس على هذا باقي النعم : فالصوت الجميل يستعملونه في الغناء لا قراءة القرآن, وبدلا من تمضية ساعة في طاعة الله يستخدمون الوقت في معصيته.

· الإنسان عنده قدر محدد من جميع المشاعر تقريبا, ومنها مشاعر الكراهية. فإن لم يتم توجيهها الوجهة السليمة ضد أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين, ارتدت - لا محالة - لتصيب من يحيط بك من إخوانك المسلمين. فلا تحب عدوك ولا تقل : أنا لا أبالي به. بل اكرهه يستقم حال مجتمعك ويستقر. وهذا جزء من عقيدة الولاء والبراء في الإسلام.

# من الملاحظ تاريخيا أن تفكك النظام الاجتماعي وضعف سلطة العائلة وتحول مجتمعاتنا لخلايا أسرية صغيرة معزولة, كان متزامنا مع تعطيل فرض الجهاد الشرعي. وقد يعود هذا للرأي الذي أوضحته في الفكرة الأولى. فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله!. وبغلق المنفذ الطبيعي للمشاعر السلبية تحول مسارها داخليا لتصيب صاحبها ومن حوله.

وبدلا من أن يتفادى الحكام هذا الخطأ الفادح ويعيدوا سنة الجهاد, وجدوا البديل في "التنفيس" عن تلك المشاعر بطرق اصطناعية غير طبيعية أصبحت مع الوقت هي عماد صناعة الترفيه في الوقت الحالي عند شعوب الأرض. المسرح والتلفاز والسينما .. المباريات الكروية التي يتنافس فيها فريقان لكل منهما جماعة مشجعة منحازة تصيح وتسب الآخر وكأنها حرب (فهي في الحقيقة بديل يلهي المسلمين عن التفكير في الحرب طالما لا تريدها الحكومات!)

وهكذا تتجنب الحكومات صحوة شعوبها وتدخلهم في تجربة وهمية تستنفد غضبهم – الذي مبعثه أساسا الحكومات ذاتها ! – فيخرجون منه مستعدين لعيش يوم جديد خانعين راضين.

# وهناك "فائدة" أخرى لمشاهد لعنف والإباحية غير تنفيس الغضب, فهي تجعل تقبل مثل هذه الأشياء في الحياة الواقعية ممكنا, فلا تثور ثائرة المسلم إن علم أن 70 مسلما عراقيا قد قُتلوا على يد الأمريكان بالأمس مثلا كما تقول نشرات الأخبار, فقد تم تحصيننا ضد التأثر بمثل هذه الأمور والانفعال لها.. وكما نرى فقد ساد صدأ القلوب وقسوتها حتى مل الناس من مشاهد القتل الحقيقية وسئموا متابعتها وتحولوا للأخبار الفنية والطريفة والأفلام المستهترة بالعقول. وهذا هو أقصى أماني العدو من ناحيتنا .. أن نغض الطرف ولا نهتم بما يفعل بإخواننا إلى أن يحين وقتنا !

لو تجمعت الخراف واتحدت لقتلت الجزار, لكن كل منها منشغل بهمه غير فاهم أن السكين الذي حز رقبة أخيه بالأمس يتم شحذه اليوم له.

أصول الحكم

يجب أن نعترف بحقيقة أن الناس في المجتمع ثلاثة أنواع: حاكم وعالم وعامي. وأن الأقلية المفكرة تدير أمور الأغلبية الغوغائية. لكن ما يفرق المجتمع السليم عن الفاسد هو 1- أن يكون الحكام وأعوانهم ومستشاريهم من العلماء هم بالفعل صفوة الناس ومفكريهم, فلا يصل للمنصب أحمق أو مشبوه أو مدعي. 2- أن يتم التحرك بين الطبقات بسلاسة, فلا نمنع الذكي الذي يظهر في بيئة العوام من الصعود لمنصب العالم والأخذ برأيه, ولا تستبد أسرة بالحكم وتمنعه عن المتطلعين للرئاسة من أصحاب الشخصية القيادية. والأهم هو معرفة تلك الحقيقة البليغة: لو أرادت كل الصخور في قاعدة الهرم أن تصبح في القمة لانهار الهرم من أساسه!, فسنة الحياة أن المجتمع كالهرم, قاعدته دائما واسعة لكنها قوية, وقمته ضيقة لكنها سريعة الزوال بعوامل الجو ومرور الزمن.والمجتمع أيضا كجسد الإنسان, فالعلاقة المثلى هي التكامل بين الرأس المحرك والقدمين المنفذتين لأمر الحركة, فلا غنى لأحدهما عن الآخر.

# حاولت في هذه الفكرة أن أوضح نظام الحكم السليم الصحي, واستخدمت أسلوب "الحقيقة الصادمة" حيث لا مجال في موضوع كهذا للدوران حول الحقائق أو تجميلها. فالناس بالفعل هم طبقة فوق أخرى, هناك هرم اجتماعي وهرم اقتصادي وهرم علمي وآخر إيماني وهكذا, والتوازن يأتي عندما يكون كل فرد في موضعه المناسب له من الهرم بلا ظلم أو محاباة.

والمنطق يقول أنه للقضاء على الخلل والفساد يجب أن يقتنع الحاكم وبطانته بالأمر وينفذونه بصرامة, لكن قبل هذا يجب أن تتكون "رغبة عامة" لدى الأغلبية الجماهيرية لرفض الوضع المختل, وطالما أن هذا لم يتحقق فلا فائدة. فكما تكونوا يُوَلَّى عليكم.

فالملاحظ أن العامة قد يرفضون بألسنتهم المحسوبية والرشوة وأمثالهما لكن عند الموقف الحقيقي ينتهزون الفرصة ويستفيدون منها بقدر ما يستطيعون ناسين ما قالوا من قبل !, بل ويتهمون من يتعفف بالجبن أو الطهارة الزائفة.

# لطالما اتهمنا الحكومات الفاسدة أو قوى خارجية بأنها المسئولة عن حجب المواهب والشخصيات المؤثرة في مهدها فلا يصل صوتها ولا تأثيرها للناس. ومع صحة هذا الرأي إلا أن طبقات الشعب نفسها وصلت لدرجة من الخراب والحقد جعلتها تكره كل من يذكرها بالنقاء والحق فتسارع لاغتياله معنويا وتثبيطه أو إهماله كليا ووصمه بالجنون لينكتم صوته. وهذا بالضبط ما كان أهل القرى الكافرة يفعلونه مع رسل ربهم إليهم, وقد عاقبهم الله بالخسف وغيره, فهل من معتبر؟!..

ميراث الأجيال

لاحظت أن كل جيل تأتي له الفرصة للتغيير والإصلاح حتى لا تكون له عند الله حجة أن من سبقوه هم المفسدون وأنه ورث تركة معطوبة. ومثال ذلك حروبنا المتتالية مع إسرائيل - والفرص التي أتيحت لنا لقتالها فاخترنا الاستسلام والخنوع - وبالرغم من ذلك نسمع من يقول بوقاحة أن ما ضاع 1948 نحن غير مسئولين عنه! 

# أخطر ما نجحت فيه المؤامرة الكبرى على الإسلام هو فصل ما بين الماضي والحاضر من روابط, لمعرفة القائمين على هذه المؤامرة أن أمة بلا تاريخ هي أمة يسهل تشكيلها كما يريدون بعد أن فقدت خطوط دفاعها أمام الغزو الفكري والثقافي.

فعندما استطاعوا أن يخلقوا لنا قضايا جديدة وهمية غير قضايانا الأساسية الأصلية ثم أنسَوا الأجيال المعاصرة تاريخ العداء بيننا وبينهم, خلت لهم الساحة وتحكموا في عقول خصمهم التاريخي اللدود بعد أن أسلم لهم زمامه بيديه.

رأينا مثال هذا في تركيا وما فعله الخائن أتاتورك بتخطيط ماسوني يهودي ومباركة ومشاركة أوربية فنزعوا قلب الخلافة العثمانية الإسلامية وحولوه بالقوة والإرهاب والإغراء لبلد علماني في سخرية وحقد تاريخيين ردا على فتح المسلمين لتركيا قديما "القسطنطينية" على يد البطل العثماني السلطان محمد الفاتح. وعلى الفور أعلن أتاتورك تغيير حروف الكتابة واستخدام الحروف اللاتينية حتى يمنع الملايين من شباب وفتيات الأجيال الجديدة من الاطلاع على تراثهم الإسلامي وعز آبائهم الضائع. وقد نجحت خطته حيث نرى اليوم المظاهرات العاتية تخرج في شوارعهم إذا ترشح رجل متزوج من سيدة ترتدي الحجاب لمنصب في الحكومة وهم يهتفون أن هذا يعتبر تهديدا لأسس العلمانية التي تقوم عليها البلاد! .. كل هذا يحدث في المقر السابق لخليفة المسلمين! . وبعد هذا نسمع أصواتا مشبوهة تقول " أن ما فات مات, وأن الغرب لا يتعامل معنا من منطلق ديني تاريخي وعداء موروث بل حسب مصالحه الاقتصادية والسياسية فقط وأنه لا يهمه إن كنا مسلمين أم عبادا للبقر, فعصر الحروب الصليبية قد انقضى.".. نرد عليهم ونسأل: لماذا إذن يرفض الاتحاد الأوروبي انضمام تركيا إليه إلا بعد أن تعلن براءتها تماما من أية صلة بالإسلام وقضايا المسلمين ثم تبرهن على ولائها للغرب لأقصى حد؟! , لماذا إذن قال بوش بعد احتلاله للعراق أنها حرب صليبية؟!, لماذا تم احتلال دولا مسلمة في الحرب المزعومة على الإرهاب وتركت أمريكا كوريا الشمالية بل أن بوش يتودد للكوريين الشماليين ويصالحهم على جيرانهم الجنوبيين؟! أليس هذا لأنهم كفار لا يدينون بالإسلام ولذلك ليسوا على قمة قائمة الخطر, على العكس من التهديدات اليومية والإهانات لدول كـ (سوريا, السودان, الصومال) و زرع الفتن والـ "حوادث" الإرهابية عن طريق عملاء الـ سي.آي.إيه في بلاد المغرب وباكستان ومصر ولبنان والسعودية حتى يعطوا مبررا لحكومات هذه الدول أمام الرأي العام لتشديد قبضتها وممارسة المزيد من القمع وتنفيذ التغييرات التي تريدها لنا أمريكا في مناهجنا وأساليب حياتنا وطرق تفكيرنا ؟ ..

# ونعود لاستكمال التعليق على الفكرة بعد هذا الاستطراد فنقول: صلاح الدين مثلا لم يكن مسئولا عن ضياع بلاد الشام والقدس ومع ذلك جعل هدف حياته عندما وصل للحكم أن يعيد ما فقده الجيل السابق. فالابن يرث تركة والده سواء كانت هذه التركة ثروة أو ديونا !.

واليوم نحن في لحظة فاصلة جديدة في تاريخنا لن يبقى الوضع بعدها كما هو عليه الآن سواء انتهزناها أو لا. فإما سيسوء الحال ألف مرة ونهبط لحضيض وذل لم نشهده من قبل, أو ننتصر فنعود لمجد وكرامة سمعنا عنهما في الكتب ولم نرهما. فإن كنا قد عقدنا العزم على تضييع تلك الفرصة أيضا كسابقاتها فمن الأفضل أن نبدأ من الآن في تحضير تبرير نحفظ به ماء وجوهنا أمام الجيل القادم ونعلل لهم موقفنا المتخاذل ونترك لهم محاولة الحل في ظل ظروف قادمة نعرف أنها ستكون أصعب من ظروفنا وعالم أشد سوادا من عالمنا.

الأعداء

يجب أن نحدد من هو العدو الحقيقي لنا ؟.. فليس كل من تقول الحكومة أنه عدو هو كذلك, ولا من تقول أنه صديق وحليف هو كذلك!

# قد يكون انعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم شيئا طيبا في بعض الأحيان! . فقد جرّب آباؤنا عهدا سابقا ساق فيه الحاكم شعبه نحو الهاوية وهم يهللون له ويمجدون قراراته المحاربة للإسلام الناصرة للمنهج الاشتراكي المصبوغ في الشيوعية والإلحاد, فماذا كانت النتيجة غير ضياع ذلك الجيل بعد أن ورّثنا نكساته وهزائمه.

أما وجود القليل من الشك في قرارات الحكومة والحاكم فيخلق نوعا من الانتباه واليقظة يكون خداع الشعب معه عسيرا وإن كان ممكنا.

وهكذا تفقد تصريحات الحاكم عن هوية العدو والصديق مصداقيتها, ويبدأ عقل العامة – إن لم يتم شغله في أمور أخرى فرعية! – في بحث صحة أو خطأ هذه التصريحات. وفي التاريخ رأينا أن مصلحة العالم كانت في نشر الإسلام في أوربا وإخراج الناس من ضيق عبوديتهم للخلق إلى رحاب عبوديتهم للخالق الحق, لكن ما حدث هو أن أعلن الباباوات والملوك الغربيين لشعوبهم أن الخطر الحقيقي هو الإسلام وأن المسلمين هم العدو ويجب استئصالهم فكانت الحملات الصليبية. واليوم أيضا يخوّف بوش الأمريكان من "إرهاب" المسلمين مع أننا في حالة ضعف لا تخفى على أحد! .. نفس السيناريو يتكرر.

هل فرنسا وأمريكا وبريطانيا دول "صديقة" لنا كما تقول عناوين جرائدنا الرسمية في حين أن غزة وسوريا والسودان والصومال تمثل خطرا على أمننا القومي !! .

قبل أن نحاول تصنيف الدول والجماعات لعدو وصديق يجب أولا تحديد من نحن وما هي هويتنا الحقيقية. هل نحن قوميون عرب أم مصريون فراعنة أم متأمركون أم مسلمون ؟ . فقط بالإجابة على سؤال الهوية يتحدد الحليف والخصم .. وأشياء أخرى.

السير في المحل

مشكلة العديد من شباب الصحوة أن زمننا انعدم فيه (الأمان الفكري). بمعنى أن مناقشة الرأي والرأي الآخر صارت طريقة غير نافعة في التمييز بين الصحيح والخطأ. وسبب هذا أن البضاعة الفكرية المعروضة غالبها فاسد وسيطرة العدو على إعلامنا تمنع فضح الفساد. لذلك يتمسك بأول رأي سليم يلقاه - لاسيما لو كان قديما مأثورا عن عالم مشهود له - ويفر من أي جديد معروض ويفضل الشك فيه وعدم مناقشته لعدم ثقته - وعنده حق - في قدرته على الفصل بين الجيد والرديء .. فالزمن زمن فتنة, والأعمى الذي يصر على عبور الطريق الخطير بمفرده هو أحمق يلقي بنفسه إلى التهلكة. يعترض البعض على هذا المنهج ويصفه بأنه غير صحي - وإن كان يحمينا من الفتن - فهو لا يتقدم بنا للأمام.. فأقول لهم: هل نحتاج الآن أصلا للتقدم للأمام قبل أن نعيد بناء أسسنا المنهارة ؟!

# دائما هناك تلك الفئة الصغيرة الباقية على الحق حتى في أحلك عصور الفتنة والضياع لتكون حجة على من يتعللون بالضعف وعدم جدوى مقاومة العدو الجبار. لكن حتى داخل هذه الفئة قد نجد بعض السلبيات الناتجة عن تأثير المجتمع السيئ فيهم, حيث أن العزلة التامة غير ممكنة عمليا إلا بصعوبة ولأفراد قلائل, أما غالبية شباب الصحوة الإسلامية فمضطرون للتعامل مع الوسط الفاسد كل يوم وهكذا تنتقل بعض الأمراض عن طريق الاختلاط.

لكن ما عنيته في هذه الفكرة هو نوع آخر الأمراض سببه المغالاة في الابتعاد عن الطرف الفاسد حتى الوصول من النقيض للنقيض أي الهروب من أقصى اليسار لأقصى اليمين بعيدا عن المركز الذي يمثل الاعتدال. وسبب هذا كما أظن هو انعدام "القدوة الحية" أي المثال الذي يؤدي إتِّباعه إلى الخروج من المأزق. فالأمثلة الصالحة نقرأ عنها في كتب التاريخ والسير ولا نراها. وبما أن الزمان قد اختلف وتغيرت الظروف وطرأت مشاكل جديدة تحتاج للتحليل والدراسة قبل الحكم عليها فإن هؤلاء الشباب لا يكفيهم ما يقرءونه بل يريدون أن يروا التطبيق العملي وطريقة التعامل مع المشكلات العصرية من قِبل أناس يثقون فيهم. وحيث أن هذا نادر اليوم لما تقوم به الحكومات من تجفيف لأية منابع قد تُخرج مثل هذه الشخصيات القدوة, يكون رد فعل الشباب هو ذلك الانغلاق الذي تحدثنا عنه في البداية, وبذلك تتعطل مسيرة الإصلاح المتعثرة أصلا.

إذن .. هل نتقدم مخاطرين أم نحافظ على مواقعنا حتى يأتينا المدد ؟ . ليس لي أن أجيب على هذا السؤال الصعب, فكل حالة تختلف عن الأخرى وكل امرئ أدرى بنفسه وقدراته, فما تراه صالحا لك افعله. وعلى كل الأحوال فكلا الأمرين أفضل ألف مرة من خيار التقهقر والسير مع التيار والانسحاب الذي فضلته الأغلبية الساحقة.. أليس كذلك؟!