الأربعاء، 17 نوفمبر 2010

خط الدفاع

في المعتاد, فإنه لا يمكن لعادة أن تنتشر بين الناس وتصبح عالمية إلا لو توافر لها شرطان: 1- أن تحمل شيئا يتفق مع رغبة مشتركة عند غالبية البشر 2- أن ترعاها قوة كبيرة كبلد استعماري مثلا. كرة القدم وشرب الشاي نشرتهما بريطانيا في الدول التي احتلتها عسكريا كمصر. والسجائر والجينـز نشرتهما أمريكا التي تحتل العالم ثقافيا والآن عسكريا. فالمغلوب يميل لتقليد الغالب إن لم تكن عنده عقيدة قوية تحميه.
# ولا ينطبق هذا على العادات فقط بل يتعداه لمختلف مناحي الحياة. فالناس كلهم لديهم قابلية للشر بحكم فطرتهم, لذا عندما يدفع العدو الخارجي ملايين الدولارات لإفساد أمة.. يسهل عليه تحقيق مأربه.
لكن خط دفاعنا الأول والأخير للحماية هو الدين وبخاصة العقيدة. فيخبرنا التاريخ أن الهجمة الثانية للتتار أيام المماليك قد نجحت بقيادة تيمورلنك في هزيمة المسلمين عسكريا, لكنها سرعان ما اندمجت في المجتمع الإسلامي ودخل جند التتار في الإسلام!. إذن المسألة هي قدرتنا على صد أفكار العدو وإذابتها أم لا, حتى وإن فاقنا جندا وسلاحا. فلنتذكر أن المسلمين الأوائل لم ينتصروا بكثرة العدد بل بقوة عقيدتهم وفضل الله بعد أن أعدُّوا ما استطاعوا من قوة. الدين أولا والدين أخيرا.. هذا هو ملخص الكلام.

الدواء المر

كما يؤجل الطالب مذاكرته إلى الشهر الأخير قبل الامتحان, نجد العربي يتفادى مواجهة مشاكله قدر المستطاع أو يحاول ترقيع الخرق بدلا من تجديد الثوب, حتى تأتي اللحظة الأخيرة التي تنسد فيها سبل كل الحلول البديلة التي توهمها من قبل, فيلجأ -مضطرا - إلى الحل الأمثل الوحيد, فيلملم ذاته ويجمع شتاته. تلك الطريقة في التفكير تسيطر على الشعوب العربية منذ قرون, وتظهر بالذات في مجتمعنا المصري, في حين أن أوربا مثلا يسرع أفرادها لاقتناص الفرص والتصرف الفوري الذي قد يتطور فيصير تهورا.. وخير الأمور الاعتدال, فلا تهور ولا كسل. ولننظر للتاريخ فنرى أن دويلات العرب تقاتلت وكادت تهلك نفسها حتى دهمها العدو من الداخل والخارج, فاحتل الشيعة الفاطميين مصر واحتل النصارى الصليبيين الشام, فاضطر المسلمون لتوحيد كلمتهم والتجمع تحت راية صلاح الدين فكان الفتح على يديه بحمد الله. والعبرة هنا هي أن الشعوب وقتها كانت تريد الاتحاد فعلا وكان على صلاح الدين أن يزيل فقط بعض الملوك المتمسكين بعروشهم الرافضين للمشاركة. لكن حال الشعوب اليوم ليس هكذا, فالسعودي يحتقر المصري والليبي يكره السعودي والكويتي يشمئز من سيرة العراقي, إلخ .. فما أراه هو أن جمع هؤلاء المتنافرين سيكون عن طريق شيئين: 1- كارثة تصيبنا فتعجل بصحوتنا وتفيقنا من غفلتنا 2- قائد شرس له ميول توسعية يجبر البلاد العربية المسلمة على الوحدة تحت قيادته فتكون خطوة أولى نحو قيام الخلافة الجديدة. والأمران "بشائرهما" تلوح في الأفق لمن يراقب ويحلل.
# إن الله قد ينصر هذا الدين بالفاسق!.. فالبشارات القرآنية والحديثية تؤكد توحد المسلمين يوما وتمكنهم من الأرض, فإن لم نتحد بالحسنى والتراضي قد يحدث هذا قهرا وغصبا! مثل الذين وصفهم الرسول بأنهم يدخلون الجنة بالسلاسل أي يقعون منهزمين في أسر المسلمين وبعدها يهديهم الله للإسلام.

الجهاد

لقد أتى الحين حيث (السلامة في الموت, والموت في السلامة). فالسلام المزعوم مع العدو فيه موتنا على يديه.. والتضحية ببعض منا في سبيل الله فيها حياة بقيتنا. والسعيد من خرج من الدنيا شهيدا. 
 
# وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ   .. آل عمران 169
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ   .. محمد 7
«يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها، قلنا: يا رسول الله، أمِنْ قلة بنا يومئذٍ؟ قال: أنتم يومئذٍ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل، ينتزع المهابة من قلوب عدوّكم، ويجعل في قلوبكم الوهن، قلنا: وما الوهن؟ قال: حبُّ الحياة، وكراهية الموت». مسند أحمد
وإن لم يكن من الموت بد  ..  فمن العجز أن تموت جبانا        (المتنبي)

التوهان

كلنا واقعون تحت تأثير عملية تشتيت انتباه واسعة النطاق, بالثانوية العامة تارة وبمباريات الكرة تارة أخرى. وكلما هدأت الأوضاع قليلا والتفت الناس لرؤية مشاكلهم الحقيقية, تسارع الحكومة بصرف انتباهنا لجهة أخرى. هل كنت تظن أن الحكومات عاجزة عن محاولة الإصلاح والقضاء على الغلاء وجلب الازدهار؟!, بل هم يريدون أن يبقى الوضع كما هو عليه حتى لا نستقر ونفيق ونخلعهم من مناصبهم التي وضعهم فيها أسيادهم الأمريكان. وما أسهل تضليلهم لنا.. فالصحف في أيديهم والمرتبات يتحكمون بها في العباد, وتلفازهم ينشر الوهم 24 ساعة في اليوم.

# لعلك لاحظت وقوع حادثة ما في بلادنا فتُفرد لها صفحات الجرائد وتعليقات البرامج أياما وأياما, في حين يتزامن هذا – مصادفة؟! – مع اجتياح إسرائيلي جديد, أو عملية "تطهير" واسعة النطاق في بغداد !

إنها شبكة تشتيت على نطاق أوسع من حدود تصورك وتصوري معا. الكل مشترك فيها سواء بعلمه أو دون إدراكه للدور الذي يلعبه في المنظومة.

الفاعل والمفعول

منذ الأزل, كان هناك نوعان من البشر: من يحرك الأحداث ومن يتأثر بها. فكن فاعلا لا مفعولا به. والحياة في حركة دائمة,فإن لم يكن بك فبغيرك. وإن لم تحركها لمصلحتك ستسير في اتجاه مصلحة عدوك. واعلم أن لكل منا دورا في هذه الدنيا, هناك من يموت وهو حائر لا يعرف دوره - عافانا الله من الجهل!-, وهناك من يعرف ماذا يفعل لكن لا يعرف كيف يفعله - رحمنا الله من العجز!-, وهناك أيضا من يعرف ويملك القدرة ويتقاعس تاركا المهمة لغيره - شفانا الله من الكسل!-.. والمصيبة أن دورك الذي تركته سيأخذه يهودي أو نصراني أو من لا دين له ولا ملة, فتكون كمن حارب الله وساعد أعداء الإسلام بأن أعطيت لهم بيديك السيف الذي يذبحونك به.
# كل ما يريده أهل الشر لتنجح خططهم هو ألا يفعل أهل الخير شيئا ! .. فالدنيا في توازن بين الفريقين, وأي نقص عند أحدهما يُعوض تلقائيا بزيادة لدى الآخر. وقد حاولت أن أبيّن في هذه الفكرة الأسباب التي قد تدعونا لعدم فعل شيء ضد قوى الشر, وملخصها في نظري هو: (الجهل والعجز والكسل).وقد كَانَ رَسُولُ اللّهِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ.
# قد يتعلل البعض بحالة الترهيب الحالية وأنه مجبر على عدم فعل الصواب وليس مختارا, والجواب هو أن ما لا يُدرك كله لا يُترك كله. فمن الصعب تصديق أنك ممنوع من تقديم صدقة قليلة أو المشاركة في محادثة هادفة, فدائما تترك حكومات القمع الشمولية هامشا من الحرية لتتجنب انفجار الشعوب, ومن هنا عليك أن تبدأ .. ومن يدري كيف سينتهي بك الحال؟ .." فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ .. " التغابن 16. وأعظم النار من مستصغر الشرر.

الشيطان الأخرس

من يعرف أنه مخدوع ويسكت, هو كالديوث الذي يرى الزنا في زوجته ولا يفعل شيئا, بل يعلل نفسه بقلة الحيلة و(قصر اليد)!..
# الساكت عن الحق شيطان أخرس. ومادام في مكان ما من هذه الدنيا واحد فقط استطاع أن يقوم بما أملاه الله عليه من واجبات, فلا حجة لك يوم الحساب ولا عذر.فلو أخذنا المثال الذي طرحناه لوجدنا أن هذا الديوث كانت لديه القدرة على تطليق زوجته الخائنة لكنه استكان للوضع الرديء . فهذا هو الحال مع من يرضى بالاحتلال في بلده بل ويعامل مغتصب أرضه وعرضه بوجه بشوش وابتسامة عريضة !
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا          النساء 97
وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا     النساء 100

وهديناه النجدين

احظت - وسبحان الله في تقديره وتنظيمه لهذا الكون - أن كل خصلة أو صفة أو قدرة يستخدمها ابن آدم في الشر, يمكن استخدامها في الخير, فالله الرحيم أعطانا الاختيار وهدانا النجدين. انظر للغضب والشتم والقدرة على القتل والذبح, والكره والكذب والخداع, كل هذا يصير حلالا إذا فعلناه في حرب العدو!.. فبدون الغضب والكره لا يستبسل الجندي في القتال, لكن الناس يوجهون غضبهم لما يكسبهم السيئة لا الحسنة, ويقتلون بعضهم ويسرقون تاركين الكفار في بلادهم ينعمون بالسلام والغنائم الباردة. وقس على هذا باقي النعم : فالصوت الجميل يستعملونه في الغناء لا قراءة القرآن, وبدلا من تمضية ساعة في طاعة الله يستخدمون الوقت في معصيته.

· الإنسان عنده قدر محدد من جميع المشاعر تقريبا, ومنها مشاعر الكراهية. فإن لم يتم توجيهها الوجهة السليمة ضد أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين, ارتدت - لا محالة - لتصيب من يحيط بك من إخوانك المسلمين. فلا تحب عدوك ولا تقل : أنا لا أبالي به. بل اكرهه يستقم حال مجتمعك ويستقر. وهذا جزء من عقيدة الولاء والبراء في الإسلام.

# من الملاحظ تاريخيا أن تفكك النظام الاجتماعي وضعف سلطة العائلة وتحول مجتمعاتنا لخلايا أسرية صغيرة معزولة, كان متزامنا مع تعطيل فرض الجهاد الشرعي. وقد يعود هذا للرأي الذي أوضحته في الفكرة الأولى. فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله!. وبغلق المنفذ الطبيعي للمشاعر السلبية تحول مسارها داخليا لتصيب صاحبها ومن حوله.

وبدلا من أن يتفادى الحكام هذا الخطأ الفادح ويعيدوا سنة الجهاد, وجدوا البديل في "التنفيس" عن تلك المشاعر بطرق اصطناعية غير طبيعية أصبحت مع الوقت هي عماد صناعة الترفيه في الوقت الحالي عند شعوب الأرض. المسرح والتلفاز والسينما .. المباريات الكروية التي يتنافس فيها فريقان لكل منهما جماعة مشجعة منحازة تصيح وتسب الآخر وكأنها حرب (فهي في الحقيقة بديل يلهي المسلمين عن التفكير في الحرب طالما لا تريدها الحكومات!)

وهكذا تتجنب الحكومات صحوة شعوبها وتدخلهم في تجربة وهمية تستنفد غضبهم – الذي مبعثه أساسا الحكومات ذاتها ! – فيخرجون منه مستعدين لعيش يوم جديد خانعين راضين.

# وهناك "فائدة" أخرى لمشاهد لعنف والإباحية غير تنفيس الغضب, فهي تجعل تقبل مثل هذه الأشياء في الحياة الواقعية ممكنا, فلا تثور ثائرة المسلم إن علم أن 70 مسلما عراقيا قد قُتلوا على يد الأمريكان بالأمس مثلا كما تقول نشرات الأخبار, فقد تم تحصيننا ضد التأثر بمثل هذه الأمور والانفعال لها.. وكما نرى فقد ساد صدأ القلوب وقسوتها حتى مل الناس من مشاهد القتل الحقيقية وسئموا متابعتها وتحولوا للأخبار الفنية والطريفة والأفلام المستهترة بالعقول. وهذا هو أقصى أماني العدو من ناحيتنا .. أن نغض الطرف ولا نهتم بما يفعل بإخواننا إلى أن يحين وقتنا !

لو تجمعت الخراف واتحدت لقتلت الجزار, لكن كل منها منشغل بهمه غير فاهم أن السكين الذي حز رقبة أخيه بالأمس يتم شحذه اليوم له.