الجمعة، 2 مارس 2012

السحر في هوليود.. هاري بوتر

يحاول أصدقاء هاري تخليصه من أسر عمه له في منزله، فيأتون ليلا وهم يقودون سيارة أبيهم السحرية القادرة علي الطيران والاختفاء ، ومسلحين بعصيانهم السحرية ، وبالفعل يهرب هاري من نافذة غرفته ، ويحلق معهم بعيدا ليستعد للفصل الدراسي الذي سيحضره في مدرسة "هوجوارتس لتعليم فنون السحر والشعوذة "!! . هذا المشهد من فيلم "هاري بوتر وحجرة الأسرار" ، وهو واحد من سلسلة أفلام تتحدث عن الولد هاري بوتر ورحلته في عالم غريب يمتلئ بالتعاويذ السحرية والمخلوقات الغريبة .

لقد حقق هذا الفيلم إيرادات ضخمة ، دخلت جيوب كبري شركات الإنتاج في هوليود التي صنعت هذا الحلم _عن قصة لكاتبة إنجليزية اسمها جوانا رولينج _ وتأثر به ملايين الأطفال والكبار حول العالم ، ولكن السؤال هنا هو : ما قصة هوليود وأصحابها مع السحر هذه الأيام ؟! ولماذا هذا الاهتمام المتزايد في هذه المرحلة بالذات ؟! .. هذا هو ما سنحاول الإجابة عنه من خلال هذا المقال.

الحقيقة أن قصة السينما الأمريكية _والإعلام الأمريكي علي وجه العموم من تليفزيون وإذاعة وغيرهما_ مع السحر ، هي قصة قديمة ، من الصعب تحديد بدايتها بدقة ، ومن الصعب أيضا أن نتجاهل أهميتها وتأثيرها . فلقد أصبحت الساحرة التي تطير علي مكنسة سحرية ، أو الأميرة الجميلة التي سحرها مشعوذ شرير وحولها إلي قط أليف ، أو الرجل العجوز ذو اللحية البيضاء و "الطرطور" الأزرق ، "تيمات" أساسية في الأفلام ، يحبها الصغار ولا يخجل الكبار من الاعتراف بإعجابهم بها ، والفضل في ذلك يرجع _بصورة كبيرة_ لما كانت تخرجه الاستوديوهات الأمريكية للعالم طوال عشرات السنين التي تلت بداية فن السينما ، وإلي الآن .

في البدية ، كان الغرب يتعامل مع السحر علي أنه اختراع شرقي ، وأفلام مثل "لص بغداد" تمثل هذا الاتجاه ، وكان هذا _في لا وعي الشعب الأمريكي_ يرمز للفجوة العلمية والحضارية بين الشرق والغرب . فهم يقولون في مثل هذه النوعية من الأفلام ، أن الشرق هو عالم الأساطير والخرافات ، في حين أن الغرب واقعي يعيش بالعلم ويحقق به فوق ما يراه الشرقيون في أحلامهم ! ، فلو كانت ألف ليلة وليلة تحكي عن البساط السحري الذي يطير به صاحبه، فإن الغرب اخترع الطائرة التي تحمل ألف راكب مرة واحدة وتطير بهم فوق السحاب .

وحتي لو كان هذا فيه جزء من الحقيقة ، فإن التاريخ يخبرنا أن السحر ازدهرت سوقه لا عندنا بل في ربوع أوربا ، وبين أحضان العالم الغربي! ، فتاريخ محاربة الكنيسة الأوربية للسحرة في العصور الوسطي ، تاريخ ممتد وطويل . كانوا يبحثون عمن يمارس السحر بعيدا عن أعين السلطات ، ثم يعذبونه حتى يعترف ويحرقونه بعد ذلك . ولقد كانت هذه الأحكام _علي عدالتها_ تطبق بقسوة وعن غير تدقيق ، فقتلت محاكم التفتيش _التي كانت تعينها الكنيسة_ الكثيرين ظلما ممن لم تكن لهم أية صلة بالسحر .

ولكن الآن ، بعدما زال تأثير الدين والكنيسة عن الشعوب الأوربية العلمانية ، لم يعد السحر شيئا مستقبحا ، بل أصبح مسليا ويستخدم للترفيه ! ، هذا غير أن البعض _لاسيما من البروتستانت في أمريكا_ زاد اقتناعهم بقدرة البشر علي التنبؤ ومعرفة الغيب ، ومما له صلة بالسحر وفنونه ، حتى أن أحد رؤساء أمريكا السابقين اعترف في مذكراته بأنه كان يوظف دجالا معه في البيت الأبيض ليستشيره عند الحاجة لاتخاذ قرار !!

وبطبيعة الحال ، الناس علي دين ملوكهم ، فأصبح الشعب الأمريكي يميل للأفلام التي تتحدث عن السحر ، وبالأخص السحر العصري الذي يعتمد علي الإبهار ، وانتشرت عروض السحر في الكازينوهات وغيرها ، وصعدت أسماء مثل دافيد كوبرفيلد الساحر الشهير ، وزادت العروض التليفزيونية التي تعالج العالم السحري وخباياه .

ولكن هل هذا هو التفسير الوحيد لانتشار مواضيع السحر في هوليود ؟! ، أشك في ذلك . فلقد عودنا الأمريكان علي أن السينما التي ينتجونها تتعدي أهدافها الترفيه أو مجرد الربح ، بل هي _وربما في الأساس !_ وسيلة لنشر الثقافة الأمريكية للعالم ، وأداة أخري للاحتلال لا تقل خطورة عن الجيوش . فكم من شعوب - كاليابان مثلا - لم يتم احتلال أمريكا لها إلا بعد أن خرج منها العساكر والضباط الأمريكان بالفعل ، ليفسحوا الطريق لدخول نجوم هوليود حاملين معهم سم "أمركة الثقافة" في عسل "الأفلام والمسلسلات"!

إذن ما الهدف الحقيقي الخبيث  - في الغالب - وراء هذا؟! .. هل هو تهيئة الساحة العالمية لأحداث جسام سيستخدم فيها السحر كوسيلة ضمن وسائل أخري لتنفيذ مهمة سرية الأهداف ؟! هل رأيت أين أوصلنا الحديث عن (هاري بوتر) ؟! .. حسنا، من الأفضل أن نتوقف هنا الآن ، لنستكمل ذلك الحديث في وقت لاحق.

ساعات مهدورة في دنيا الوهم

هرش رأسه حوالي نصف دقيقة مفكرا بعمق ثم قال أخيرا وهو ينظر لنا في وقار:
" ترينيتي طبعا! .. (منة) أقل منها بمراحل "

علت الأصوات ما بين محتج ومؤيد, حتى أن بعض المارة التفتوا لمكاننا على مقهى (حسونة) متوقعين أن يتطور هذا الجدال الصاخب في لحظة واحدة لمعركة بأكواب الشاي واللكمات.

أصل الحكاية هو أن واحدا منا نحن الأربعة طرح السؤال التالي لـ" يشغل الوقت " كما قال : (أيهما أكثر سخونة وأنوثة, بطلة فيلم الماتريكس- ترينيتي - أم منة شلبي؟). لم أجب في الحال مفضلا سماع باقي الآراء أولا رغم أن المسألة عندي محسومة تماما.

في البداية انفعل صلاح الدين. فالقرص الصلب لجهازه يحوي - كم نعلم جميعا - كل صورة تم نشرها على الإنترنت لـ ( كاري آن موس ) - الممثلة التي أدت دور ترينيتي - وهو يعتبر نفسه المتحدث الرسمي باسمها والمدافع عن فنها بكل قطرة من دمه, مع أنها تجهل وجوده في هذه الدنيا أساسا !.. كلنا يعلم هذا لذا كان الأسلم غلق باب النقاش تجنبا للخلاف.

لكن الهجوم المضاد الذي شنه (عمر) - وهو مشعل الفتنة أساسا بسؤاله - زاد من حدة الموقف. فوجهة نظره أن المنتج ( المحلي) مهما كانت عيوبه, هو أفضل من أي منتج (مستورد), وبالتالي علينا تشجيع الأنوثة البلدية لا الغربية, وبهذا - وأنا أنقل كلامه بالحرف! - نفوز في ( صراع الحضارات )!!.

لم تهدأ الأمور بهذا التصريح, بل اتجه الكلام نحو العولمة و( عقدة الخواجة ) , وتطايرت الاتهامات بيننا..

"خائن!"
"عميل للإمبريالية الأمريكية!"
"عديم الذوق في النساء!"
" بيئة! 
"الحساب!"

الصيحة الأخيرة كان مصدرها الجرسون الواقف أمامنا مطالبا بالحساب. دفعنا في صمت وقمنا.

بعد خطوات قليلة أردت تخفيف جو الخصام الناتج من النقاش فقلت في نبرة عاقلة : " لن نخسر صداقتنا من أجل شيء صغير كهذا. عيب جدا على شباب مثقف مثلنا! " , وفعلا جاءت كلماتي بنتيجة فورية, إذ أطرق الثلاثة والندم يكاد ينطق من ملامحهم. حتى أن عمر رفع رأسه وقال: " المسألة لا تستحق.. أنا نفسي لم أشاهد أي فيلم لمنة شلبي!.. وكدليل على الصلح من ناحيتي سأدفع الآن ثمن أي دي.في.دي تختارونه لنشاهده معا على كمبيوتر صلاح"

ابتسمت لموجة الكرم غير المسبوقة هذه, لكن ما لبثت ابتسامتي أن اختفت حين أكمل حديثه. " .., ما اختياركم إذن؟ .. هاري بوتر أم تيتانيك؟ " , وهنا علت أصوات الجدال من جديد.


----




((تعليق القصصي المغربي الشاب رفعت خالد على القصة))

السلام عليكم..

قصة تركز فيها الكاميرا على لقطة تافهة من حديث تافه من أحاديث المقهى التافهة... و كم من الأشياء التافهة التي تبدو في غاية الأهمية إذا ما سُلّط عليها الضوء.

لن أناقش رأيك لأني لا أعلمه صراحة فالعنوان يشي بعكس ما تحمله القصة و لكن حديثي عن القصة و أبطالها..

فعلا، معظم شبابنا حاليا منشغل بقضايا كهذه.. مدى سخونة الممثلات ؟.. و آخر صورة نُشرت للممثلة فلانة و المغنية علانة.. و ربما اللون المفضل لأخرى ! !... سبحان الله !..

أيصل الفراغ و انعدام الهمة بهم إلى هذا الحد ؟.. أيكونون على هذه الدرجة من الهوان و الذل ؟..

و لكنها، برأيي، التربية الغائبة التي تجعل شبابنا يتربون على يد الأفلام و المسلسلات و الكليبات.. و المشكل أن هذا لم يصبح مقتصرا على فئة معينة نسلط عليها الضوء و ندرسها بدقة.. إنما أصبح العكس هو من يشكل الفئة النادرة التي يدرسها البعض بصفتها فئة متزمتة، رجعية (لا) حضارية !..

هذا ما يحز في قلبي.. عندما تجد صورهن و صورهم في كل مكان و قد أضحوا قدوات و مناهج حياة.. حتى أنك تجد من الفتيات من تقول أن الممثل فلان هو رجل حياتي !.. و قد شاهدت، بالمناسبة، فيديو على يوتوب يعرض مقطعا من برنامج ما يستضيف (الفنان) تامر حسني حيث اتصلت إحداهن و قالت أن تامر هو رجل حياتها و أنها مستعدة للارتباط به حتى لو كانت المرأة (السادسة) بحياته ثم انفجرت باكية !..

فكم من الشباب اليوم الذين يرون أن هناك شيئا ليس على ما يرام في كل هذا ؟..

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.




الرقم 42

الرقم 42
هناك بعض الأرقام لها أهمية خاصة عند بعض الحضارات ومن هذه الأرقام ما سنتحدث عنه هنا وهو الرقم 42 
# في الأدب الغربي توجد سلسلة شهيرة جدا من الروايات باسم (دليل المسافر عبر المجرة) The Hitchhiker's Guide to the Galaxy للمؤلف Douglas Adams
 وفيها يقابل البطل حاسبا عملاقا يخبره أن الإجابة للسؤال: "ما هي الحياة والكون وكل شيء" هي 42 !! ومن يومها انتشرت هذه الصلة بين الرقم والسؤال. لكن هل كان دوجلاس آدمز هو أول من اخترع لهذا الرقم أهمية أم أنه كان يعتمد على تراث سابق ؟
الحقيقة هي أن الرقم له أهمية كبيرة عند اليهود, فعنده أن الرب اسمه مكون من 42 حرفا عبريا وهو اسم مقدس لا يحفظ إلا مع فئة خاصة من اليهود الأنقياء. وفي القبالا (وهي الصوفية اليهودية المرتبطة بالسحر والأرقام) يقولون أن الرب خلق الكون بهذا الاسم المكون من الـ 42 حرفا ولهم فيه تخريجات معقدة وخرافات نتجنب الاسهاب فيها.
أما عند النصارى ففي إنجيل متى هناك 42 جيلا لنسب المسيح , وفي سفر الرؤيا مكتوب أن الوحش - وهو تصورهم للمسيح الدجال كما يظن البعض - سيحكم الأرض فترة 42 شهرا.
أما في الأساطير الفرعونية فيقال أن الميت يقف أمام 42 ربا وربة - عافانا الله من الشرك - ليحاسبوه ويختبروه.
# الزاوية التي ينعكس عليها الضوء ليتكون قوس قزح هي 42 !!
# لويس كارول مؤلف قصة أليس في بلاد العجائب كان مهتما بالرقم وذكره عدة مرات في قصصه ومؤلفاته ولاحظ البعض أن قصته بها 42 رسما يرافق النثر !
# أما في التليفزيون فالرقم موجود بكثرة: فرقم شقة البطل في مسلسل الملفات السرية X-Files هو 42 , والبطل في مسلسل House الطبي قال أن الرقم 42 هو رقمه المفضل , والمسلسل الشهير Lost به مجموعة من الأرقام تتكرر في حلقاته وعليها يقوم لغز الحبكة وآخرها هو 42 !!
# أما في أمريكا فهناك شارع شهير اسمه 42 في نيويورك وتلاحظ ظهوره كثيرا في الأفلام الأمريكية.
أما في محرك البحثGoogle إن كتبت
the answer to life the universe and everything""
فستجد الإجابة بالخط العريض هي الرقم 42 !

ما السر وراء كل هذا ؟! .. انا لا أؤمن بالصدفة وأعتقد أن كل شيء له سبب, لكن السبب هنا قد يظل مجهولا لفترة طويلة.

عن المسيح الدجال


من هو ؟!
لقد خلق الله في هذه الدنيا عدة شخصيات متفردة , لا مثيل لها . تظهر علي مسرح الأحداث لتقوم بدورها ثم تعود لتختفي , والدجال من هذه الشخصيات . في الغرب يسمونه Anti- Christ  أي "ضد المسيح" , وعندنا هو "المسيح الدجال" مسيح الضلالة , للتفرقة بينه وبين مسيح الرحمة والهداية عيسى عليه السلام . التقارب بين الاسمين له مغزى خاص , فكما روي لنا الرسول صلي الله عليه وسلم , فإن المسيح عيسى سيقتل المسيح الدجال بحربته , منهيا حياته , ومعها تقارب فترة الفتنة علي الانتهاء . تلك الفتنة التي سيدعي فيها الدجال أنه رسول بعد محمد خاتم الأنبياء وسيصدقه البعض من المسلمين ! , ثم سيلبث مدة ويدعي بعدها أنه هو رب السماوات والأرض , وللأسف سيتبعه الكثير من الناس أيضا !! .. محنة شديدة عافانا الله منها وإياكم .
ما من نبي إلا وحذر قومه من الدجال , حتى جاء لنا الرسول وبين بأحاديث واضحة صريحة لا يشوبها غموض كيف سيكون شكل الدجال وماذا سيقول وكيف سينخدع الناس بسحره وشياطينه , وهن سنوضح بعض ما وصلنا من أخباره .
في البداية , أيام الرسول والصحابة , كان هناك رجل يهودي _والدجال قريب للغاية من اليهود كما ستري فيما بعد !_ يسكن بالقرب من المدينة المنورة , اسمه صاف ابن صياد . سمع الرسول عنه أخبارا فشك في حقيقته وظن أنه الدجال بالفعل فذهب مستخفيا مع عمر بن الخطاب ليري ويتأكد بنفسه . كان ابن صياد صغيرا ونائما بالقرب من نخلة يتمتم في نومه بكلام غير مفهوم , عندما حاول الرسول أن يسمع ماذا يقول خرجت أمه من المنزل وأيقظته وحذرته من أن الرسول جاء ليستمع إليه , فقال النبي "لو تركته بيّن" أي لو كانت تركته لغمغمته لفهم الرسول حقيقته وعرف إن كان هو الدجال أم لا . قام صاف بن صياد وتحاور مع النبي قليلا مما كشف عن صلته بالشياطين وسحرهم , فأراد ابن الخطاب أن يقتله فمنعه الرسول وقال قولته المشهورة "إن يكن هو فلن تسلط عليه , وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله " , لتأكد الرسول من أن الوحيد الذي سيقتل الدجال الحقيقي هو المسيح بن مريم .
وهكذا ساد الاعتقاد عند أغلب علماء المسلمين أن ابن صياد ليس هو الدجال الذي سيخرج في آخر الزمان و إن كان دجالا صغيرا يهوديا . وأكد هذا أن أحد الصحابه رضوان الله عليهم رأي الدجال الحقيقي بنفسه وهو مكبل بالأغلال انتظارا ليوم خروجه علي العالم ! , وهذا الصحابي هو تميم الداري . كان نصرانيا وأسلم فجاء للرسول صلي الله عليه وسلم وأخبره بقصة رحلة من رحلاته التي قام بها قبل الإسلام ورأي فيها الجساسة وهي تعيش مع الدجال المحبوس علي جزيرة بعيدة . وتلك الجساسة هي دابة غريبة الشكل غزيرة الشعر.
والحديث الذي رواه تميم الداري هو حديث صحيح رواه الإمام مسلم , ويتلخص في أن الدجال موجود الآن بالفعل علي الجزيرة المجهولة التي وصل إليها تميم بسفينته , وأنه ينتظر أن يأذن له الله بالخروج علي الناس فيسير بينهم بالشر . ويدخل كل مدينة علي وجه الأرض إلا مكة والمدينة لأن الملائكة تمنعه منهما , ويكون الزمان زمن مجاعة وجفاف فيمر الدجال علي جماعة من الناس ويأمرهم أن يعبدوه من دون الله , فإن أطاعوه أعطاهم ذهبا وخبزا وماء وإن عصوه سلط عليهم الجفاف أكثر وأكثر , وهذا من ابتلاء الله لخلقه . وسيمر الدجال علي بلد من البلاد فيخرج له الناس , والرسول أمرنا أن نقرأ ونحفظ آيات معينة من سورة الكهف لتحفظنا من الدجال إن رأيناه , فسيكون معه شبه النار وشبه الجنة , من كفر بالله وعبد الدجال قذفه في جنته ومن تمسك بدين الله قذفه في ناره . والأمر لا يعدو أن يكون وهما , فجنته نار وناره هي في الحقيقة جنة كما أخبرنا الرسول في حديثه .
الفترة الزمنية التي سيبقاها الدجال علي الأرض حددتها الأحاديث بأربعين يوما , ولكنها أيام عجيبة في طولها وتختلف بعض الشيء عن أيامنا هذه المعتادة . يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة (أي كأسبوع) وباقي الأيام كأيامنا هذه .. فيصبح المجموع سنة وشهرين ونصف بالتمام , ينزل بعدها عيسى بن مريم ليقتل الدجال علي أحد أبواب المسجد الأقصى وفوق أرض فلسطين .
كيف سيكون شكله ؟
الدجال اختلف العلماء فيه جنسه , هل هو من الإنس أم من شياطين الجن , والأرجح أنه بشري ولكنه يستعين بالشياطين واليهود لقضاء مفاسده في الأرض . وسيكون شكله مميزا جدا بحيث يعرف كل من يراه حقيقة كذبه , ومع ذلك سيتبعه الآلاف _من اليهود خاصة كما جاء في الحديث سيسير معه سبعون ألفا_ , ومكتوب علي جبينه كلمة (ك - ف-  ر) يقرأها كل الناس حتى من لا يعرف القراءة . وهو أعور .
ما وقت خروجه ؟
عندما يعلن المهدي عودة الخلافة الإسلامية , ويحارب ليوحد بلاد الإسلام مرة أخري (كما فعل صلاح الدين) , سيثير هذا أوربا (الروم) ويخيفها من قوة الإسلام واحتمالية حكمه للعالم , لاسيما أن العديد من الروم سيكونون قد أسلموا بالفعل ويشكل الإسلام خطرا علي المصالح الأوربية , ستنشب الحرب بين جيش الإسلام وجيش الروم في معركة شديدة ومصيرية وهي الملحمة التي ذكرها الرسول في حديثه , ويطلق الغرب عليها اسما من الإنجيل وهو "هرمجدون" . وسننتصر في تلك المعركة وتبدأ الجيوش بالزحف لتدخل (ومعها الإسلام) لقلب أوربا , فلا يحتمل الدجال هذا النصر لدين الحق , ويغضب غضبة شديدة يخرج بعدها علي العالم لتبدأ فتنته التي تحدثنا عنها من قبل .
الحقيقة هي أن الدجال هو أكبر فتنة سيمر بها العالم . فلقد كان قبله وعبر العصور دجاجلة صغار ادعوا النبوة والألوهية كمسيلمة الكذاب وغيره , ولكن فتنة المسيح الدجال شاملة لأغلب أراض هذا الكوكب الذي نعيش عليه . فلقد أعطاه الله قدرة علي التنقل من مكان لآخر بسرعة فائقة ليمتحن به الله صدق إيماننا .. ولقد اقترب زمن خروجه فما أحوجنا الآن أن نفهم مقدار خطورته وصعوبة الخلاص من فتنته .
ومع كل هذا , فإنه سيقتل نفسا واحدة فقط طوال فترة فتنته . وتفصيل هذا هو أن أحد الشباب المسلمين وقت خروج الدجال سيكون قد قرأ وتعلم من الأحاديث النبوية من هو الدجال وأن من يقذفه الدجال في ناره التي تسير معه , إنما هو في جنة الخلد عند الله , والعكس بالعكس . فعندما يقترب الدجال من بلدة الشاب سيخرج له ويواجهه ويحاول إخبار الناس أن هذا الذي يدعي الربانية إنما هو كاذب .. فيغضب عليه ويشق جسده نصفين بالمنشار ثم يمر بين النصفين ويحاول إبهار الجموع وإقناعهم بأنه قد قتله وأنه سيعيد إليه الحياة , فيأمر النصفين بالالتقاء فيقوم الشاب حيا سليما !! , ومع ذلك يصرخ في وجه الدجال ويقول له أنه تأكد الآن من شخصيته أكثر من قبل , وأنه مازال عابدا لله رب العالمين .. فيقتله الدجال ويرميه في ناره فيدخل الشاب الجنة , رضي الله عنه وجعلنا إياه أو في منزلته.

جولة في فيلا نوسترادام (قصة قصيرة)

جولة في فيلا نوسترادام
 
(أحداث هذه القصة فيها شيء من الحقيقة. تذكر.. الحقيقة قد تكون أحيانا أبشع من الخيال!)

---
تحتي شيء ملمسه غريب, متصلب وغير مستو. فتحت عينيّ وأغلقتهما مرة بعد الأخرى لكن الظلام المحيط لم يتغير. سواد حالك يحيط بي من كل مكان, يخنقني. الهواء يزداد ثقلا مع كل نفس أسحبه ورأسي لا يكف عن الدوران وكأني في دوامة. أصوات ضحكات مكتومة تتسرب إليّ عبر جدران لا أراها, مخلوطة بما يشبه صوت الجاروف. شعرت بالاختناق وبالنهاية تقترب رويدا رويدا ثم فجأة..
تررن .. تررن
أيقظني صوت الجرس من كابوسي الغريب. العرق يغمرني وعضلات جسمي متخشبة كالذي يقوم من موت. فاتت برهة قبل أن أتنبه لمحيطي. استجمعت قواي ونهضت لألتقط السماعة. على الطرف الآخر اسمع نتف من حديث هامس لا أتبينه قبل أن يكلمني صوت مضطرب لم أتعرفه في البداية, لكن بعد بضعة كلمات أسعفتني ذاكرتي بالاسم.
"ضاري ؟!.. ماذا جرى لصوتك ؟ تبدو منزعجا على غير عادتك"
"لا شيء. المهم أن تسمعني. لدي لك خبر ممتاز. يجب أن تحضر حالا. فيلا نوسترادام بشارع زرقاء اليمامة"
استمرت المكالمة دقيقتين أخرتين ثم أغلقت الهاتف على وعد بالحضور بأسرع ما يمكنني.
ضاري هو صديقي منذ فترة ويساعدني في محتويات مدونتي الإلكترونية أو (البلوج) blog كما يقال بالإنجليزية. فأنا لدي موقع على الإنترنت يختص بنظريات المؤامرة وخفايا السياسة يسمى (نعاج) وهي الحروف الأولى من عبارة (نظام عالمي أمريكي جديد). أعجبني الاختصار لكونه يمثل حالة الشعوب في السير كالنعاج وراء ما يخطط لها في الظلام. كنت قد بدأت أحظى ببعض الشهرة على الإنترنت وفي محيط المهتمين بمثل هذه المواضيع حتى أن جريدة محلية أجرت معي مؤخرا حوارا استغرق ساعتين. للأسف لم ينشر منه إلا فقرات ومعها أخطأوا في كتابة العنوان الإلكتروني للموقع, لكن هذا على الأقل خير من لا شيء.
والآن ضاري يخبرني أنه وقع على قصة جديدة ومثيرة ستتحرك لها شهيتي الصحفية لكن الأمر يتطلب حضوري الفوري لهذا العنوان. ارتديت ملابسي في عجلة وتمنيت ألا تتعطل السيارة الصغيرة كالعادة, فلا مواصلات متيسرة في مثل هذه الساعة من الليل.
وصلت بسرعة إذ كان الطريق أمامي خاليا. حي الأغنياء, لم أزر المكان كثيرا لكن استطعت التعرف على الفيلا المطلوبة برقعة الاسم على واجهتها والأضواء المنبعثة منها. كلما اقتربت زاد الصخب وتبينت أصوات ضحكات. تذكرت الحلم لكن سرعان ما نفضته من ذهني ووقفت أدق زر الجرس الصغير. خشيت ألا يسمعوني. فكرت في العودة لكن القصة الصحفية التي وُعدت بها وفضولي تمكنا مني فانتظرت.
انفتحت البوابة الحديدية الخضراء وظهر من يشبه رؤساء الخدم في روايات أجاثا كريستي. لم يتفوه بكلمة بل كان كل ما فعله هو أن أشار لي بالدخول. خيل إليّ أني لمحت نظرة غريبة في عينيه وكأنه يريد أن يقول شيئا ولا يقدر. قادني عبر حديقة بدت معتنى بها وسرت خلفه في سرعة محاولا اللحاق بخطواته الواسعة. دهمني شعور مفاجئ بالغربة. ماذا أفعل هنا ؟ أين ضاري ؟ ترى ما الذي أوقعت نفسي فيه ؟ أرجو ألا تكون خدعة سخيفة أو مقلب.
ولجنا باب الفيلا الواسع تاركين الحديقة خلفنا. ذكرني تصميم المكان بالمسلسلات التاريخية القديمة أيام حقبة الباشاوات.على الجانب سلم طويل يقود حتما للدور الثاني. اللوحات على الجدران في إطارات مذهبة, بعضها مناظر طبيعية والآخر أجساد عارية في أوضاع غير محتشمة. تساءلت من يعرض لوحات كهذه في مدخل بيته ؟ إما جريء لا يخشى رأي الزوار أو عديم للذوق.
اختفى الخادم قليلا ثم عاد بكأس عصير مثلج. رشفت رشفتين ثم وضعت الكأس على منضدة خشبية مجاورة تبدو أثرية.
سمعت خطوات أعلى السلم فرفعت رأسي. واجهني هابطا رجل متقدم السن أشيب له ملامح أجنبية واضحة ويرتدي رداء منزليا مزينا بصور عديدة لفراشات ملونة. في يده اليمنى تلمع ساعة يد تبدو باهظة الثمن. اقترب مني وعلى وجهه ابتسامة.
"How do you do?"
كدت أجيبه بالإنجليزية قبل أن يعود ويتكلم بالعربية.
"آسف, إنها العادة. أنا أتحدث العربية بلهجات عدة منها المصرية كما ترى, وإن كنت أحن من وقت لآخر للغتي الأم"
كانت لهجته مصرية بالفعل لكن فيها لكنة يمكن تبينها بسهولة. وضع ذراعه على كتفي في عفوية وكأننا أصدقاء طفولة وسار بي إلى باب خلفي خرجنا منه فوجدت أمامي ما صدمني. لم استوعب كامل المشهد إلا بعد لحظات.
كان حمام السباحة يتلألأ بأضواء مصابيح تحيط بجوانبه الأربعة. على سطح الماء تسبح بتلات لأزهار حمراء وعوامة هوائية على شكل سرير, لكن لم يكن هذا الشيء الوحيد الذي يسبح.
نثرت فتاتان الماء من حولهما في لعب صبياني بريء وإن لم يكن بالمشهد أية براءة. كيوم ولدتهما أمهاتهما كانتا, وإن لم يولدا – أنا واثق – بأعضاء في مثل هذا النضج والأنوثة. هيئ لي أني رأيت شفتاهما تتلامسان للحظة لكن عدت وكذبت عيني. على كراسٍ مريحة جلس بجوار حمام السباحة رجال تتابع عيونهم النشاط النسائي في الماء. عددت ستة رجال, أغلبهم بكروش ضخمة وجسد غطاه الشعر. شيء ما كان مألوفا بخصوصهم وإن لم أضع إصبعي على كنه . اندفعت من أحد الأبواب مجموعة جديدة من الفتيات اللاتي – على عكس السابحتين – لم تكن ملامحهما غربية. تجمع بعضهن حول الرجل الجالس في أقصى اليمين وراحا يداعبانه في مجون واضح. شعرت بالدم يندفع لوجهي الذي بالتأكيد صار أحمر كحبة طماطم. التفت لمضيفي فوجدته لا يزال مبتسما. كان في ابتسامته ما يشبه الفخر, كالذي يريني قصة كتبها أو يزهو بأفعال ابن له. فكرت أن ألطمه لأزيل تلك الابتسامة اللزجة عن وجهه لكن غيرت رأيّ وتمالكت نفسي. ما معنى هذا ؟, فكرت في السؤال ثم نطقه لساني.
"أنت يا صديقي تحظى بشرف الانضمام لإحدى حفلاتي التي لا أقيمها إلا للنخبة.. النخبة فقط. من تراهم هنا هم من أهم رجال الاقتصاد والسياسة في البلد. أعضاء نادي لا يسمع عنه إلا القليل ومع ذلك فتأثيره تجده في كل شيء حولك, الأخبار والتعليم والإعلام والمال وحتى في كوب الماء الذي تشربه ومكالمة الجوال التي تقوم بها. إنك ببساطة داخل الرأس الحقيقية للدولة"
عرفت لم بدا لي الرجال مألوفين, فوجوههم تطالعني كل يوم في الجرائد وإن اختلف شكلهم بالسترات الرسمية عن حالهم الآن, عراة إلا من سراويل السباحة.
"اتبعني!". لا أعرف ما الذي دعاني للسير خلفه وعدم مغادرة المكان على الفور. لكن الفضول قتل القط كما يقولون. أخرجت جوالي والتقطت خفية صورا سريعة للجالسين. أكاد أجزم إن الرجل رآني بطرف عينه وإن لم يبد عليه أي رد فعل. أخفيت الجهاز في جيب سروالي وأنا أفكر في تأثير نشر مثل هذه الصور على الموقع. إنها خبطة العمر ولا شك .
وقف أمام باب موارب لحجرة. أشار لي بالاقتراب في هدوء.
مددت رأسي عبر الفتحة فكدت أتقيأ عشائي. كان بالغرفة رجلان عاريان يشتركان في فعل قبيح غير واعيين بمن يتلصص عليهما. زاد من وقع الصدمة أن تعرفت الرجل الراقد على بطنه.
"أليس هذا وزير الـ..؟!" قاطعني بإيماءة صغيرة ونفس الابتسامة.
عدنا لمنطقة حمام السباحة التي كان النشاط فيها قد تطور لمراحل جديدة. رأيت أفعالا يشترك فيها أكثر من فردين بل وثلاثة.
دخلنا حجرة أخرى أحد حوائطها زجاجي. أمام الزجاج جلس رجل وامرأة يتابعان ما يحدث خلف الزجاج. كانت هناك امرأة ترتدي ملابس جلدية سوداء لا تسترها, وتمسك في يدها سوطا قصيرا تضرب به الضربة تلو الأخرى رجلا قصيرا مربوطا من عنقه بسلسلة إلى الحائط, ويبدو عليه لا الألم بل الاستمتاع. تعرفت فورا على الأداء السادي الماسوشي الذي قرأت عنه من قبل ولم أره.
مال مضيفي المريب عليّ وقال "نحن نتابعك منذ مدة. ربما لا تعرف هذا لكن كتاباتك جذبت انتباه أناس في مواقع عالية, أعلى مما يتصوره عقلك الصغير. لقد لمست وترا كنا نحب ألا يسمع صوته أحد. إنك كنت تكتب عن أشياء لا تعرفها, والآن أعطيك جرعة من الحقيقة"
"ألا تخشى أن أذهب فور خروجي من هنا وأقوم بفضح كل ما رأيت ؟"
"لن يصدقك أحد. هذا غير أن رد الفعل سيكون عظيما. ربما يودي بأساسات الدولة كلها. بعض الأشياء لا يجب أن تقال"
لم أقتنع بكلمة قالها وعزمت أمري على النشر مهما يكن. كانت العناوين المثيرة تتشكل في ذهني وتتراقص الكلمات أمام عيني.
عاد يقول "لك أن تعرف أن من وراء كل هذا محركو خيوط, صانعو قرارات يملكون أوراق الجميع. الكل مكشوف أمامهم ومعروفة نقاط ضعفه ولا يكشفهم أحد. إن وراء الستار أمور لا تخطر لك على بال, ولن يكشف هؤلاء أقنعتهم إلا في يوم يكونون متأكدين فيه ألا عقبة أمام حلمهم الكبير"
"أي حلم ؟" , سكت ولم يجب.
"أنت تخدع نفسك يا مستر نوسترادام إن فكرت للحظة أن هذه المغريات التي تريني إياها ستغير من موقفي قيد شعرة. فأنا لا زلت أفكر بعقلي لا بجهازي التناسلي. إن دعوتي الليلة خطأ كبير من جانبك لن تدرك عواقبه إلا متأخرا للغاية"
"حسنا.. وإن كان رأيك هذا لن يكون ذا بال فور أن ترى المحطة القادمة والأخيرة من جولتنا"
وصلنا لجانب خلفي من الحديقة وأنا عازم على الرحيل, لكن بدأت تنتابني حالة غريبة من الخمول والدوار. تعثرت قليلا وكدت أقع أرضا. ترى ماذا وضعوا لي في شراب العصير ؟ . رأيت رجلان ضخمان واقفان ينظران لشيء ما على الأرض. اقتربت بخطى متثاقلة.
كانت التربة محفورة وأسفل الحفرة يرقد ما يشبه التابوت الضخم. داخله كان جسد.. جسد ضاري!
"ماذا فعلتم به أيها السفلة ؟".
شعرت بدفعة من خلفي. سقطت على ظهري فوق الجسد المتصلب. بسرعة رفع الرجلان غطاء أسود وأحكماه فوقي.
ساد الظلام.
ازداد الدوار.
أصوات ضحكات.
التراب أشعر به ينهال فوق غطاء التابوت. ارتفع نبض قلبي من الرعب.فتحت عينيّ وأغلقتهما لكن الظلام كان يحيط بي من كل جانب.
وتذكرت الحلم.

مهووس دوستويفسكي (قصة قصيرة)

مهووس دوستويفسكي
جلس الثلاثة على الكنبة وأمامهم جهاز الكمبيوتر المحمول مفتوحا. علت منه أصوات حراب وسكاكين وبين الحين والآخر ما يشبه صوت البازوكا. لم أكن أشاهد شيئا من "الأكشن" فشعرت بالضيق. فقد وقع الكرسي الخشبي المتهالك هذه المرة من نصيبي فجاء مجلسي خلف الجهاز المسنود على كرسي آخر ولم يكن يواجهني إلا ظهر الشاشة وعليه رمز التفاحة المقضومة علامة شركة Apple. حاولت زحزحة الكرسي بزاوية لأرى فشعرت بشيء حاد يخترق مؤخرتي. تبا لك من كرسي قديم ملئ بالمسامير. بحركة خفية تحسست المنطقة المصابة من البنطلون ولهلعي وجدت الثقب. توقفت عن العبث به حتى لا يتسع أكثر وعدت استمع للعبة التي كانت شاشتها الآن حمراء قانية أرى انعكاسها في نظارة طارق المحملق في الجهاز وفمه مفتوح وكأنه نسى أن يتنفس من أنفه. "جميلة" كانت عن يمينه تشجعه و"مدحت" عن يساره يحتل بجسده الضخم نصف الكنبة ويعطي من وقت لآخر نصائح مثل "نسيت أن تقتل هذا!" "ادخل تحت الجسر قبل أن يلتهمك" و"لا تجعل الأرنب يفلت منك".. تنهدت في حسرة وعدت انظر للتفاحة المقضومة في أسى.
كانت جميلة قد حملت اللعبة من على الإنترنت ولما عجزت عن لعبها جاءت بها لطارق عنتر باعتباره الخبير في هذا المجال بيننا, ولم تمر إلا دقائق حتى تمكن من أزرار التحكم وشرع يعبر المرحلة تلو الأخرى تاركا خلفه تلا من أجساد الجنود الذين تحاربهم أليس في بلاد العجائب وهي تبحث عن الأرنب الأبيض الذي هرب منها. لعبة مسلية جدا سمعت عنها من قبل ويجب أن أجربها فور أن ينتهي هو منها. تمنيت ألا ترحل جميلة مبكرة وتأخذ معها جهازها الذي اشتراه لها خطيبها من السعودية.
لم أحتمل الإثارة أكثر من ذلك فقمت ووقفت خلف الكنبة لأري ما يحدث على الشاشة. حك طارق لحيته الكثيفة للحظة كانت كافية لأن يقع في بحر من اللافا الحارقة وتظهر كلمةGame Over  بحروف سوداء كبيرة وموسيقى حزينة تصاحبها صورة أليس وقد تحولت لهيكل عظمي كئيب المظهر.
قال مدحت " ما هذا النحس؟ نظرة واحدة منك والبنت ماتت محروقة يا عيني"
دافعت عن نفسي وقلت " لم أكن أنا السبب. طارق هرش ذقنه فتشتت انتباهه"
قال طارق في عزم " سأبدأ المرحلة من البداية", لكن جميلة سحبت الجهاز ناحيتها وهي تقول " لا.. هذا يكفي. موعد المكالمة اقترب"
" آه.. الخطيب الولهان أهم طبعا من أصحابك. من لقى أحبابه .."
احمر وجهها لكلام مدحت وابتسمت ثم راحت توصل طرف سلك الإنترنت بالجهاز وتضبط السماعة فوق رأسها.
قام مدحت وتركنا ليسخن الشاي في المطبخ فجلست مكانه بجوار طارق الذي خلع نظارته ووضعها على المكتب وأراح رأسه للخلف وكأنه يفكر في المراحل القادمة من اللعبة. تنحنحت وقلت بصوت خافت " ما أخبار جدتك ؟ عندك حكايات جديدة عن أفعالها مع الجيران ؟"
" ما الذي فكرك بها الآن. على العموم بالأمس فقط كنت عندها – فهي تسكن فوقنا كما تعرف – وجاءت فاتورة الكهرباء فكادت تصاب بأزمة قلبية عندما رأت الرقم, مع أنه أقل من ربع ما ندفع نحن وراحت تساوم المحصل وكأنها تشتري طماطم من السوق"
كان سؤالي لغرض ما في نفسي. فجدة طارق هي "مشروعي" الذي أعمل عليه منذ مدة وحان وقت تنفيذه. فأنا اقرأ كثيرا, ومن قراءاتي هذه اكتشفت منذ سنة شيئا رهيبا غير حياتي. كنت أتصفح مقدمة رواية الأبله لدوستويفسكي عندما اكتشفت أن حياتي وحياة المؤلف متشابهتان لحد مذهل. بالطبع أنا لست روسيا ولم أعتقل أو أنفى لسيبيريا مثله لكن الروح واحدة. اقرأ كلامه فأحس أنه يتكلم بلساني أنا. أتنبئ بنهايات قصصه قبل أن أصل إليها. آراؤنا في تعفن الحضارة الغربية واحدة مائة بالمائة.
هزني الاكتشاف وقررت أن اتخذ قصص هذا الكاتب العظيم مثالا أقتدي به. وكان أول ما فعلته هو قراري أن أعطف على طفلة يتيمة مصابة بالقلب وأرعاها كما فعل بطل قصة "مذلون مهانون" لكن تعذر ذلك ولم أجد طفلة بهذه المواصفات هذا غير أن دخلي لا يسمح لي برعاية أحد. فكان أن أمعنت التفكير حتى اهتديت لحل بديل. فبدلا من طفلة سأربي قطة, وبدلا من مرض القلب ستكون قطتي مصابة بالجرب. وكان هذا حلا أيسر بمراحل. فأمام بيتنا صندوق قمامة تتجمع حوله القطط كل صباح لتنبش عن الطعام فاستيقظت مبكرا واخترت أضعف وأقذر واحدة منها وعدت بها قبل أن يراني أحد. حممتها ومشطت لها شعرها وأطعمتها لبنا وسمكا. لكن بعد ثلاثة أيام أخبرتني حساباتي أن إطعام قطة لا يقل كلفة كثيرا عن إطعام طفلة فاكتفيت بإعطائها الخبز والماء, فرحلت ولم تكلف نفسها حتى نظرة شكر وعرفان.
لم تحبطني تجربتي الأولى وتركت تلك القصة ورائي وعدت لرواية الجريمة والعقاب. وبصدفة غير عادية كلمني وقتها طارق عن جدته العجوز وبخلها الشديد على نفسها وأقاربها.. إلا طبعا في مسألة البسبوسة.
فكل أسبوع تنزل لتشتري من الحلواني كيلو بسبوسة بالقشطة لتأكله وحدها بعيدا عن أنظار الجميع. وأخبرني طارق أن لو حدث وزارها أحد وهي تقوم بهذا الطقس الأسبوعي ما فتحت له الباب ولا ردت عليه. أما في غير هذا التبذير الأسبوعي فهي تقتر على نفسها تقتيرا شديدا. فشقتها دائما مظلمة وملابسها قديمة لا تغيرها وفي الأعياد تكتفي بإعطاء أحفادها ربع جنيه ورقي مجعد وكأنه تمسح به الأرضية وإن احتج أحدهم سحبته من يده وحرمته إياه عيدين كاملين.
وقصة الجريمة والعقاب كما هو معروف تحكي عن شاب يريد أن يثبت لنفسه أنه قادر على القتل لو أراد فيذهب لعجوز مرابية بخيلة ومعه بلطة يخفيها تحت معطفه ويقتلها بشج رأسها ويسرق مالها لكن الندم يتملكه في النهاية فيعترف للبوليس.
أنا بالطبع لن أقتل أحدا بل قررت أن أكتفي بضربة خفيفة على الرأس أجري بعدها من المكان وأكون قد حققت روح القصة على قدر ما أستطيع.
نظرت حولي فرأيت أن جميلة قد انتهت من مكالمتها مع خطيبها فأخبرتهم أني راحل. قال مدحت وقد عاد بالشاي " لاتنس.. سنتقابل غدا في منزل طارق في السابعة. ولا تتأخر فعندي فيلم جديد أريد أن أريك إياه"
" حسنا.. إلى الغد إذن" وعدت لمنزلي أخطط لمغامرتي القادمة.
في اليوم التالي صعدت السلم ببطء ومعي في كيس قطعة خشبية وجدتها في مطبخنا ويبدو أن أمي كانت تستخدمها في تسليك البالوعة. مررت من أمام شقة طارق ونظرت لساعتي فوجدتها السابعة والربع. حزنت لأن هذه الفعلة التي أن مقدم عليها ستكلفني ولا شك صداقة طارق وستجعل الآخرين ينظرون لي كمجنون. لكن هكذا يجب أن تكون الأمور, ولا بد من تضحيات لأجل أي شيء يستحق.
وصلت للشقة وطرقت الباب فانفتح وحده. غريبة أن تترك بابها مفتوحا هكذا. دخلت بحذر فصعقني ما وجدت. كانت السيدة العجوز ترقد على الأرض ووجهها شديد الزرقة وبجانبها طبق بسبوسة مفتوح ومأكول منه قطعة. نسيت الخشبة وركعت على الأرض. ملت فوقها لأسمع تنفسها فلم أسمع شيئا. تحسست قلبها فوجدته يدق دقات ضعيفة.
لم أعلم ماذا أفعل. فكرت أن أصرخ مستنجدا لكن الوقت كان ضيق ولن يصلوا إلينا إلا وقد ماتت. لمحت في خاطري فكرة فشرعت في العمل فورا. دفعت أصابعي في فمها حتى وجدت ما أبحث عنه. أخرجت قطعة البسبوسة من مجرى التنفس فسعلت العجوز وتنشقت الهواء بقوة نظرت حولها في حيرة. وقع بصرها على الطبق المرمي على الأرض ثم على وجهي المضطرب ففهمت كل شيء وابتسمت.
بعد هذا اليوم صرت أنا والعجوز أعز صديقين ونظر لي أصدقائي وكأني بطل. إنه شعور جميل أن تنقذ حياة ما, والفضل في هذا لدوستويفسكي. وها هي صداقتنا الجديدة تعود علي بالنفع, فبالأمس أصلحت لي جدة طارق بنطلوني المثقوب.


على المعبر (قصة قصيرة)


" على المعبر "

" لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ " الحشر 14


لم تعجبه مصر .. كان هذا هو الانطباع الأول الذي تكون لدى الماجور (هنري فورس) منذ أن وطأت قدمه أرض مطار العريش لأول مرة . عندما رأى مجموعة الاستقبال تنتظره وملامحهم تنطق بالشغف والحبور شد من قامته ومشى بخطى سريعة واثقة وكأنه يملك المكان وليس مجرد زائر, فهو قبل كل شيء ممثل لبلده ويتوقع رؤساؤه منه أن يعطي صورة مشرفة عن نظامهم العسكري لأهل العالم الثالث هؤلاء .
كل واحد من الواقفين شد على يده بقوة وهو يصافحهم, وحاول البعض النطق بكلمات ترحيب في إنجليزية ركيكة رد عليها هو بابتسامة متكلفة. فهو لم يأتي للترحيب به ومجاملته, بل عليه مهمة محددة يجب التأكد من تنفيذها على أكمل وجه, وتخول له الاتفاقية المبرمة بين الولايات المتحدة والمصريين الكثير من الصلاحيات والتسهيلات لتسهل عليه إتمام ما أتى من أجله.
ساد الاضطراب لحظة بينهم عندما حاول الاستفسار عمن المسؤول عن توصيله للمستشفى, ثم تقدم رجل قصير وقال وهو يبتسم ابتسامة لزجة:
- أنا (وليم حبيب) وسأكون المرافق لك طوال الرحلة من الآن حتى تصعد لطائرتك عند انتهاء الزيارة.
سار هنري مع الرجل حتى وصلا لصالة المطار وعبرا بلا تعقيدات أمام ضباط التفتيش .حتى عندما صفرت آلة الكشف عن المعادن لم يتوقفا لحظة واحدة وإن تابعتهم أعين بعض المسافرين قي دهشة ووصلت لأذنه بعض الهمسات فلم يلتفت بل كان كل ما فعله هو أن تحسس سلاحه حول وسطه في حركة سريعة غير ملحوظة وتابع سيره.
بعد ساعة ونصف كان الماجور فورس يعبر البوابة الزجاجية لمستشفى رفح وقد بللته قطرات المطر المتساقطة بالخارج وعن يمينه وليم وكظله مساعده الذي عرف أن اسمه (شوكت) . تقدم الثلاثة عبر صالة استقبال بيضاء الجدران ولاحظ المصريان أن الضيف الأمريكي يدير نظره في كل شيء بالمكان ويعاين بدقة كل ما تقع عليه عيناه وكأنه زبون حصيف يقيّم البضاعة قبل أن يشتريها. حاول أحد الأطباء أن يقترب منهم لكن قبل أن ينطق بكلمة كان وليم قد أخرج من حافظته بطاقة صغيرة وهمس بصوت خفيض في أذن الطبيب الذي استمع في انتباه وبصره لا يفارق سطور البطاقة , ولما أنهى الرجل حديثه انطلق بسرعة كاد معها أن يتعثر واتجه ناحية سلم فصعده درجتين درجتين في سرعة متجها للطابق الأعلى . وما هي إلا لحظات حتى عاد ومعه رجل سمين يرتدي نظارات سميكة أخذ يهرول نحو وليم وعيناه تتابعان الأمريكي الذي كان قد ابتعد وراح يفحص عبوات إطفاء الحريق المعلقة على أحد الجدران.
وبعد حديث سريع اتجه وليم وشوكت ومعهما الرجل السمين ناحية هنري الذي كان الآن يأخذ ملاحظات في نوتة صغيرة وهو يتابع طبيبا يفحص سيدة مسنة تتنفس بصعوبة .
بعد أن قدّم وليم مدير المستشفى لهنري وتم التعارف بينهما أخذ المدير يفتخر بكفاءة مستشفاه ويشيد بما تم فيها ووليم يترجم في سرعة للإنجليزية إلا أن الماجور استوقفه وقال :
- أنا أفهم العربية جيدا, لا داعي للترجمة ! . وكانت جملته بالعربية الفصحى. ثم استدار للمدير وسأله عن مكان حجرة العمليات , وهل بنك الدم بالمستشفي به ما يكفي وعن تفاصيل أخرى كثيرة لم يسمعها وليم إذ أخذ هنري المدير من يده واتجها معا نحو أقسام المستشفى الداخلية تاركين إياه مع شوكت الذي أصابته الحيرة من فهم فحوى ما يجري أمامه فحاول الاستفسار من رئيسه عما يحدث وعن مغزى تصرفات الضيف الأمريكي . رفض وليم في البداية لكن بعد إلحاح من مساعده ولملله من الوقوف منتظرا بجانب السيارة قال :
- إن السر هو في منتهى البساطة , فزيارة الماجور لرفح غرضها الاطمئنان أن مستشفاها متطورة بالقدر الذي يسمح لها باستقبال الجنود الأمريكيين لو قُدر ودعت الحاجة أحدهم للعلاج.
- لكن ما الذي سيأتي بجنود أمريكيين إلى هنا ؟
- ليسوا مجرد جنود, بل كتيبة كاملة متوقع أن تصل لحدودنا مع الفلسطينيين قريبا لتشرف على ضبط الحدود .
- ولماذا ضبط الحدود بالذات؟
- يبدو أنك تعيش في العسل يا عزيزي. فالأمريكان يريدون أن يتأكدوا بأنفسهم أن عمليات التهريب عبر الأنفاق الحدودية قد توقفت تماما وتم قطع كل منفذ يؤدي لغزة , لذا أرسلوا منذ شهور طواقم تضع أجهزة استشعار على طول الحدود يراقبون منها كل ضربة معول تحت الأرض. هذا غير خطتهم الأخرى.
- أي خطة ؟
- إنهم يصنعون جد..
لكن قطع استرساله في الحديث مرأى هنري فورس وهو يتقدم نحوهم ثم ما لبث أن ركبوا السيارة وانطلقوا وعقل شوكت لا يزال يفكر في كلام رئيسه ويتساءل : يا ترى عن أية خطة أخرى كان يتحدث ؟! .
---------------------------
كانت الحجرة يغلب عليها الظلام إلا من أضواء شاشات الرصد الثلاثة المنتشرة في المكان ويجلس أمام كل واحدة منها ضابط شاب في زي مدني وهو يضع سماعتين على أذنيه. وفي نهاية الحجرة جلس رجلان ملامحهما أجنبية يراقبان شاشة الكمبيوتر المركزي الذي يحلل ما ترسله أجهزة الرصد من بيانات ويعطي النتائج في صورة رسوم خرائط مطبوعة.
فالحقيقة أن هذا المكان هو واحد من دستة أماكن مماثلة مهمتها منذ ما يزيد عن الستة أشهر هي مراقبة كل حركة على الخط الحدودي القائم بين قطاع غزة وشمال سيناء وتسجيلها وتحديد مصدرها بدقة هائلة ثم تحويل هذه البيانات لفريق آخر مهمته الوصول للمكان المحدد والتأكد من أن مصدر الحركة ليس أعمال حفر تحت الأرض .
في هذه اللحظة كان الهدوء يسود المكان حيث لم تسجل أجهزة الاستشعار أية نشاط على الحدود منذ ما يزيد عن الثلاثة أسابيع, لكن فجأة دخل ضابط طويل ذو شارب كث يتبعه آخر صغير السن ويبدو عليه الارتباك, وبا أنهما يكملان حديثا كانا قد بدءاه منذ فترة:
- ..وهنا غرفة الرصد والتحليل الأساسية حيث سيكون أغلب عملك, والغرفة تحوي كما ترى أجهزة استشعار الحركة المربوطة بالـsensors المدفونة على عمق 15 مترا على طول الحدود , وفور تسجيل أي شيء يتم نقله للفرق المسئولة عن المتابعة وأيضا يتم إرسال المعلومات للجانب الآخر عن طريق ضباط الاتصالات في الغرفة المجاورة لـ ..
- آسف للمقاطعة, لكن ماذا يعني "الجانب الآخر" ؟
- الإسرائيليون بالطبع , فالاتفاقية تحتم علينا التبليغ عن عمليات التهريب وقت وقوعها ليتخذوا الإجراءات اللازمة من طرفهم . فحتى لو فلت المهربون من ناحيتنا سيجدون من يستقبلهم في الجانب الآخر ويصطادهم كالفئران.
ثم ضحك الضابط عفيفي على نكتته الصغيرة والتفت لممدوح الذي كان يحاول الابتسام أيضا مجاملة للضابط الأعلى منه رتبة, ثم سأل:
- لكن الجانب الآخر هو في غزة, فكيف يصل الإسرائيليون لداخل القطاع بسرعة لضبط المهربين؟
- لا تشغل بالك بهذا , وعلى العموم فلليهود ناسهم حتى داخل القطاع ومن الفلسطينيين أنفسهم !
- و.. وماذا عن الجدار؟
توقف عفيفي عن الحركة بغتة وقال :
- من أخبرك بهذا ؟ إنها لا تزال معلومات سرية.
بدا على ممدوح الارتباك أكثر وتلعثم وهو يقول:
- سمعت بعض الزملاء يتحدثون عن الأمر عند وصولي, ولم أعرف أنها معلو..
قاطعه عفيفي وقال وقد لانت ملامحه بعض الشيء :
- لا تخف. أنت واحد مننا الآن ومن الأفضل أن تعرف كل شيء. فالخطة التي وضعها الأمريكان لمكافحة التهريب هي من شقين. الأول رأيته هنا أما الثاني - وهو من اقتراح الإسرائيليين بالمناسبة - فيقتضي إقامة جدار.
- لكن بالفعل هناك جدار أسمنتي على الحدود.
- لا. هذا جدار من نوع آخر . ألواح معدنية فولاذية طول الواحد 18 مترا وسمكه 5 سم, لا تؤثر فيها المعاول ويصعب اختراقها أو حتى تدميرها بالديناميت. ويتم الآن دفنها على عمق مترين قبل الشريط الحدودي بحيث لا تظهر فوق الأرض. وبهذه الطريقة حتى لو لم تلتقط أجهزة الاستشعار حركات المهربين فسيمنعهم الجدار الفولاذي من العبور لجانبنا. إنه الحل النهائي لعزل غزة تماما. خطة ذكية أليس كذلك؟ . الآن دعنا نكمل الدورة داخل المكان حتى تبدأ عملك غدا في أسرع وقت ممكن.
وخرجا من الغرفة فعاد الهدوء يسود المكان مرة أخرى.
----------------------------
تمنى طارق لو تهب نسمة هواء لتبدد الاختناق المحيط به, لكن هيهات. أدار عينيه فيما حوله من أشياء على ضوء الكشاف الهزيل, الأوعية المملوءة بالتراب والحجارة ومربوطة بالحبال التي تمتد خلفه وكأنما لما لانهاية, الجاروف الصغير والمعول وزجاجة ماء ذهب نصفها, قطعة القماش التي بللها عرقه وتغير لونها. لكن على الرغم من كل هذا كان مطمئن البال سعيدا بما يفعل. فهم ينتظرونه, الجميع ينتظره. على الجانب الآخر ينتظره من سيسلمه البضائع .
 في القطاع ينتظرون ما الذي سيأتي به من أطعمة ومقومات حياة .
 حتى الحكومة المصرية يخيم شبحها عليه وينتظره ليقبض عليه عند أول خطأ يرتكبه.
لكنه سيصل لنهاية النفق . سيرى الضوء بعد قليل ويعود كما جاء . لا .. ليس كما جاء, إنه سيعود منتصرا ومحملا بالعديد من الأشياء .
لا يدري لماذا تذكر أخاه الصغير وتخيله جالسا في بيتهم ينتظر الشموع والكيروسين ليذاكر دروسه على ضوئها. لا تكتئب يا أخي, لن يطول انتظارك.
نفض عنه الأفكار وشرع مرة أخرى في العمل.
مرت ساعة أو ربما أقل , فالوقت يمر هنا داخل النفق  ببطء شديد. سمع حركة غريبة فوقه فتوقف عن الضرب بالمعول ليرهف السمع. ربما تهيؤات, فالجو الخانق بالأسفل قد يلعب بعقلك الألاعيب. لكن الصوت تكرر مرة أخرى. ترى ماذا يعني؟ .
اهتز المكان حتى خاف أن تقع العوارض الخشبية التي تسند السقف. زاد الاهتزاز .. وفجأة انفتحت طاقة من نور فوقه . هل يحفر زملاؤه من الجانب الآخر؟ .
لكن شيئا ما في الأصوات التي سمعها أثار الرعب في قلبه .
أحدهم رمى شيئا عليه . إنها قنبلة دخان. كاد يختنق وملأت الدموع عينيه.
صرخ.
امتدت أيدي وسحبته بحركة عنيفة.
أحدهم يضربه في بطنه والآخر يلكمه في وجهه.
إنه الآن على سطح الأرض ويشعر بهبات النسيم تداعب وجهه, لكن بشكل ما لم يشعره هذا بأي تحسن .. هذا لم يكن النسيم الذي تمناه .
::: النهاية :::

كُتبت نهاية 2009 بعد قراءة خبر صحفي عن الجدار الفولاذي الذي سيسجن مسلمي غزة, وتقيمه الحكومة المصرية.