السبت، 25 يناير 2014

تكبير النوافذ تلقائيا في توزيعة لوبونتو

بعض التعديلات البسيطة على واجهة نظام التشغيل تؤدي لتحسن كبير في أسلوب العمل..
ومن هذا النوع من التعديلات مسألة فتح نوافذ البرامج - فور تشغيلها - في وضع التكبير Maximized
فلا يضطر المستخدم لإعادة تكبيرها كل مرة.

كيفية عمل هذا التعديل البسيط على توزيعة لوبونتو (التي تستخدم openbox للتعامل مع النوافذ) :
https://help.ubuntu.com/community/Lubuntu/Windows#Launching_Windows_Maximized

- فتح الملف الآتي بمحرر نصوص
/.config/openbox/lubuntu-rc.xml

- البحث عن السطور التالية
<!-- Maximize all normal windows when launched
    <application type="normal">
      <maximized>true</maximized>
    </application>
    -->
- قم بتفعيلها، بإلغاء وضعها الحالي (كمجرد تعليق داخل الكود) وتحويله لكود حقيقي.. وذلك بتغييرها إلى الآتي
    <!-- Maximize all normal windows when launched -->
    <application type="normal">
      <maximized>true</maximized>
    </application>
- حفظ الملف.

- فتح الطرفية وكتابة الأمر الآتي، ليتم تفعيل التغيير الذي قمت به
openbox --reconfigure
- انتهى.

والآن كلما فتحت المتصفح أو محرر النصوص إلخ فستجده تلقائيا في وضع التكبير.

الخميس، 9 يناير 2014

فن الترجمة عن الإنجليزية 1

قيل قديما: لا تعطني سمكة..بل علمني الصيد.
وفي رأيي أنه من أفضل الخبرات والمهن التي قد تنفع الشاب العربي حاليا حرفة الترجمة عن الإنجليزية.
أطنان من الكتب تنتظر من ينقلها للغتنا.. جبال من الأفكار محجوبة عن أذهان شعوبنا لمجرد أنه لا يوجد فينا من تصدى لترجمتها.
لكني بالطبع لا أنوي أن أحوّل هذه التدوينة لدرس أو محاضرة تعلّمك فن الترجمة، فلذلك مصادره الأخرى المعروفة وطرقه التقليدية المجرَّبة.. بل ما أنويه هو تشويقك للمجال..
إثارة فضولك للمسألة بأسلوب جديد لن تجده مستخدما في الدروس التعليمية التقليدية..
وإن نجحتُ في إيقاد الشعلة داخلك وتحبيبك في هذا المجال بحيث تتولد داخلك الرغبة في البحث عن المزيد، فساعتها سأعرف أن هدفي من هذه الكلمات قد تحقق!



ما هي الترجمة؟
المترجم ليس مجرد ناقل للمعنى، بل مفسر لمقصود المؤلف الأصلي. انظر مثلا للصحابي ابن عباس والذي كان يقال له (ترجمان القرآن) لبراعته في تفسيره.
فإن كنت تريد ترجمة نص إنجليزي فلا مفر من فهمه واستيعاب معانيه قبل البدء في أي من خطوات الترجمة الفعلية.
قد تبدو لك هذه النصيحة بديهية.. لكن واقع الحال يخبرنا أن (الترجمة قبل قراءة النص بالكامل وفهمه) هي من الأخطاء الشائعة جدا حاليا.. خصوصا والعصر يغلب عليه الاستعجال ويفتقد شبابه روح التأني!!

والأكثر شيوعا هو الإسراع في فتح القواميس بعد الإطلاع السريع على النص مرة واحدة فقط..
وتكون نتيجة هذا أن الترجمة تخرج مهلهلة، غير متسقة، وفاقدة لذلك الخط الذي يربط بداياتها بنهايتها.

ولهذا يمكنني أن ألخص لك الخطوات الأساسية للتعامل مع النص المراد ترجمته للعربية:
1- قراءة وفهم الأصل
2- إعادة القراءة مع تظليل Highlighting الكلمات والجمل التي تستشعر أنها ستتطلب منك بحثا أو قدرا أعلى من الاهتمام.. ويزيد هذا الأمر في النصوص المُشْكِلة (أي التي تُشَكِّل ترجمتها لأول وهلة مشكلة)
3- تقسيم النص لفقرات إن لم يكن مقسما بالفعل؛ ليسهل عليك "هضمه" وليخف شعورك بضخامة المهمة التي أمامك.
4- ترجمة فقرة ثم مراجعتها مرة أولى
(أغلب استهلاك وقت المترجم يكون في المراجعة والتدقيق وإحكام الترجمة وتشذيبها، وتحسين "وقعها"، ووضع علامات الترقيم المناسبة)
5- التعامل بنفس الأسلوب مع الفقرة التالية.. وهكذا
6- القيام بمراجعة نهائية عامة

ولا تختلف هذه الفقرات الأساسية كثيرا حسب نوع النص.. سواء كان سهلا أو صعبا، شكسبير أو فيزياء الكم أو حوارا بين بطوط وميكي!


وحدة الترجمة:
يجب أن تكون الكلمة الواحدة أو المصطلح الواحد – ضمن مشروع العمل – ذات ترجمة واحدة ثابتة.
فلا يصح أن تترجم (The X-Files) بـ"الملفات السرية" ، ثم بعد عدة فقرات (عندما يعيد المؤلف استخدامها) نجدك ترجمتها بـ"الملفات الغامضة" أو "ملفات إكس"!!
فهذا من علامات شرود ذهن المترجم وعدم تمكنه من أدواته، ويخلق جوا من الحيرة وسوء الفهم عند القارئ.

ذوق المترجم:
مسألة الذوق يصعب توصيفها وتحديدها بشكل واضح، لكن المحاولة لن تضر.
إن شعرتَ أن المؤلف الأصلي يتعامل – مثلا – مع اسم (The X-files) على أنه معروف ولا يحتاج توضيحا للقارئ الغربي، فلا تفترض نفس الشيء عند القارئ العربي، لاختلاف البيئة والثقافة والاهتمامات.
فحاول إضافة ما تظن أن توضيح السياق يقتضيه، إما في الهامش أو ضمن النص نفسه، كجملة اعتراضية أو بين هلالين.
فقل مثلا: «مسلسل "الملفات السرية"» (فتكون أضفت كلمة مسلسل للتوضيح)
أو قل: «المسلسل المختص بالغوامض، والمسمى: الملفات السرية» (فتكون أسهبت في توضيح المقصود)
ولا تبخل على القارئ العربي بأن تضيف الاسم الإنجليزي ضمن الترجمة، لعله يحتاج للبحث عنه بنفسه لمزيد من المعلومات عن الموضوع. لكن لا تسرف أيضا في هذه المسألة بحيث تكون صفحة ترجمتك تحوي من الكلمات الإنجليزية ما يقترب من الكلمات العربية!

ترجمة العناوين:
هي فن في حد ذاتها!.. خصوصا عندما يكون المطلوب هو جذب القارئ لشراء الكتاب المترجم.
فالترجمة الحرفية لا محل لها هنا، لأنك تخاطب قارئا مختلفا عن القارئ الذي كان مستهدفا بالنص الأصلي.
مثال عملي:
صدر كتاب في أمريكا عنوانه RFK Must Die وموضوعه حادثة اغتيال السيناتور روبرت كينيدي أثناء حملته الرئاسية. وكان المتهم هو الفلسطيني سرحان بشارة سرحان.
العنوان مأخوذ بالحرف من مذكرات شخصية كان يكتبها سرحان في حالة تشبه التنويم المغناطيسي.. ويعيد تكرارها لعشرات المرات في الصفحة بخطه..
RFK Must Die.. RFK Must Die وهكذا..
لكن عند صدور الترجمة العربية للكتاب كان العنوان الذي اختارته دار النشر هو (روبرت كينيدي يجب أن يموت)
والسبب هو أن القارئ الأمريكي معتاد على الحروف الأولى للاسم.. فبمجرد أن يقرأ RFK سيفهم من هو المقصود. أما نحن فلن يكون للكلمة نفس الوقع في أذهاننا إن رأيناها مكتوبة هكذا (ر ف ك يجب أن يموت)
فالترجمة الحرفية – كما ترى – كانت ستؤدي للغموض والتعمية.. في حين أن هدف المترجم الناجح هو التفسير والتوضيح.

وهناك مثال عكسي شهير:
فعندما تمت ترجمة رواية نجيب محفوظ (أولاد حارتنا) للإنجليزية، اختار المترجم أن يغير العنوان إلى (أبناء الجبلاوي).. ربما لصعوبة ترجمة مفهوم "الحارة الشعبية المصرية" للإنجليزية، وربما لأن الاسم الغريب على أسماع الإنجليز (أي: الجبلاوي) سيجتذب القارئ لمعرفة معناه، فيشتري الكتاب.
فكلها عمليات ذوقية يصعب قياسها بدقة، لكنها هامة بالتأكيد.
=====


(عالم الترجمة واسع ومترامي الأطراف.. ولهذا لن أطيل عليك هنا أكثر من هذا، بل سنبدأ معا سلسلة تدوينات بعنوان: فن الترجمة عن الإنجليزية ، على أن تنتهي كل تدوينة ببضعة أسئلة خفيفة لشحذ الذهن وإثارة التفكير، تمهيدا لما سيأتي بعدها.. فما رأيك؟)


أسئلة:
كيف تترجم التالي للقارئ العربي، ولماذا؟
Devil's Advocate
DeJa Vu
XIV
Love Child




هذه التدوينة مشاركة في مسابقة التدوين الثانية، التي عرضها المدوّن: عبد الله المهيري
http://abdulla79.blogspot.com/2014/01/blog-post_9.html

الثلاثاء، 7 يناير 2014

كروبيم رؤيا حزقيال وابن أبي الصلت

قمت منذ فترة بما يمكن تسميته بعملية "فك شفرة" لأحد أهم ألغاز سِفر حزقيال التوراتي..
فقرات وقف أمامها كثير من الباحثين اليهود والنصارى، إلا أن فهمها لا يتم إلا بعد الاعتراف بأن النص بشري محرّف.. ولهذا استغلق فهمها عليهم..
لن أطيل في تفاصيل المسألة ولا مقدماتها؛ لأن محل هذا هو فصول كتاب «أساطير الأولين والديانات الباطنية» بإذن الله، لكن سأذكر هنا بحثا فرعيا قادني بحث المسألة إليه، ﻷنه طريف، بالمعنى الحرفي القديم لكلمة طريف، أي جديد.

يقول مؤلفو سفر حزقيال أنه رأى رؤيا.. ويسردون هذه الرؤيا بتفاصيل مبهمة أحيانا وعجيبة أحيانا أخرى.. وملخصها هو أنه رأى الملائكة حملة العرش، وأن "الحضور الإلهي" الذي كان قابعا على الهيكل قد ارتفع عنه لما وقع العقاب الإلهي على بني إسرائيل بأن تم سبيهم إلى بابل.
والنص يركز على الشكل الغريب لحملة العرش، وينسب لهم أوصافا اتفق كثير من الباحثين أنها أوصاف اقتبسها المؤلفون من التماثيل التي كانت منتشرة في الحضارات الوثية المجاورة لليهود.
فيقول النص مثلا أن الحملة كانوا أربعة.. واسمهم أو نوعهم هو "كروبيم"، الجمع العبري لكلمة "كَروب".. ولهم نقاشات وجدالات كبيرة في المسألة، وفي رتبة هؤلاء بين طبقات الملائكة، إلخ.

المهم في الموضوع هو أن النص يصف كل كروب بأن له أربعة وجوه!!
كل وجه في اتجاه. واحد على شكل ثور، والآخر بشري، والثالث كالنسر، والرابع كالأسد.
بعض الشراح يأخذون النص بقراءة حرفية.. والآخرون ينظرون إليه على أنه رمز لشيء ما وليس توصيفا فعليا.
مؤخرا بدأ يسود الرأي القائل أنها رموز للأبراج الفلكية النجمية، وأنها متأثرة بهوس البابليين بالفلك وعبادة الأجرام.. وهو الرأي الأقرب للصواب.
لكن محاولات إسقاط الرموز على الأبراج (كبرج الثور مثلا، وبرج الأسد) لم تصل لتوافق علمي واضح بخصوص الرمزين الباقيين.. لكن بتوفيق من الله أستطيع أن أقول أن المسألة تم حلها.

في بداية النص التوراتي للرؤيا الحزقيالية تركيز على أنها جاءته وهو واقف على نهر، ثم رأى الكائنات الكروبية تأتي ناحيته من جهة الشَمال.. وقد كان هذا مفتاح المسألة!
فالقدماء وضعوا تصوراتٍ تصويرية للكوكبات النجمية، كما هو معروف.. ومحبو الفلك وهواة الرصد يعرفونها..
فهناك، على سبيل المثال، كوكبة أندروميدا، والتي يسميها العرب "المرأة المسلسَلة".. وكوكبة بيجاسوس، الفرس الطائر المجنح.. وكوكبة الدب الأصغر، أي (أورسا ماينور)، والتي تشتهر بوجود النجم القطبي الشمالي فيها، مكان ذيل الدب.. وهكذا

لكن ما يهمنا هنا هو كوكبة النهر، والتي تقبع في السماء عند قدم كوكبة الصياد (أوريون، الجبار)، والذي هو على صورة رجل قوي يحمل هراوة يرفعها في وجه كوكبة هامة أخرى هي كوكبة الثور!!
هل بدأت الصورة تتضح لك الآن؟.. فها هو النهر، والبشري، والثور.. أما كوكبة الأسد والنسر (طائر العُقاب) فمعروفان.
وإن كنت تنظر للرجل والثور والأسد والنسر وأنت واقف على النهر تنظر، كما يقول النص، فستجدهم في جهة الشمال!



تفاصيل المسألة - مع مزيد من الرسوم التوضيحية - سأضعها في فصل "حزقيال" من الكتاب بعون الله.. لكن ما فات هو جوهر الموضوع.
أما الطريف والذي كنت وعدت به في بداية التدوينة، فهو أن المسألة كانت معروفة، بشكل ما، منذ الجاهلية!
فخلال بحثي وجدت بيت شعر للشاعر الجاهلي أمية بن أبي الصلت، يشير لفهمه لحقيقة النص، وأن المقصود به هو رموز فلكية.

ابن أبي الصلت كان مثقفا ومحبا للمعرفة في عصره، وخالط الرهبان وتعلم منهم.. وكان يريد أن يكون هو رسول الفترة الذي كان العالم ينتظره.. ولهذا يقال أن حسده للرسول - لما نزلت الرسالة على محمد صلى الله عليه وسلم - منعه من الدخول في الإسلام.

لو فتحت ديوان أمية بن أبي الصلت (طبعة بيروت، تحقيق د/ سجيع جميل الجبيلي ، 1998) صفحة 49 ، فستجد قصيدة عجيبة من 15 بيتا.. هذه القصيدة تركز على وصف القمر، وفيها ذكر للنجوم والشمس أيضا.
أول بيت من القصيدة يتحدث عن الحياة والموت:
حيا وميتا لا أبا لك إنما .. طول الحياة كزاد غادٍ ينفد
أي أن عمر الإنسان كالطعام الذي يحمله المسافر في سفره، ينفد في النهاية

والشهر بين هلاله ومحاقه أجل لعلم الناس كيف يعدد
أي أن العمر يشبه حياة القمر، منذ يكون هلالا صغيرا إلى أن يختفي مرة أخرى في نهاية الشهر

وباقي القصيدة هو كالآتي:
لا نقص فيه غير أن خبيئه قمر وساهور يسلّ ويغمد
خرق يهيم كهاجع فى نومه لم يقض ريب نعاسه فيهجد
فاذا مرته ليلتان وراءه فقضى سراه أو كراه يسأد
لمواعد تجرى النجوم أمامه ومعمم بحذائهن مسود
مستخفيا وبنات نعش حوله وعن اليمين إذا يغيب الفرقد
حبس السرافيل الصوافي تحته لا واهن منهم ولا مستوغد
رجل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأخرى وليث مرصد
حال الدرارى دونه فتجنه لا أن يراه كل من يتلدد
والشمس تطلع كل آخر ليلة حمراء يصبح لونها يتورد
ليست بطالعة لهم فى رسلها إلا معذبة وإلا تجلد
لا تستطيع بأن تقصر ساعة وبذاك تدأب يومها وتشرّد
ولسوف ينسى ما أقول معاشر ولسوف يذكره الذى لا يزهد
فاغفر لعبد إن أول ذنبه شرب وأيسار يشاركها دد

تأمل معي هذين البيتين:
حُبِس السُرافيل الصوافي تحته .. لا واهن منهم ولا مستوغد
رَجُل وثور تحت رِجل يمينه .. والنسر للأخرى وليث مُرصَد


من السياق الذي قبله نفهم أن الكلام عن القمر، وأنه يختفي لليلتين ثم يولد هلالا من جديد، وأن النجوم تظهر حوله في صفحة السماء.. ومنها نجم الفرقد ومجموعة نجوم بنات نعش.
وأنه ليس ضعيفا (واهن\مستوغد)، بل قويا لدرجة أن الشاعر يصوره بأنه يضع السرافيل تحت قدميه، مع أنها من الصفوة.
فما هي هذه "السُرافيل"؟!

الكلمة ليس المقصود بها الملاك إسرافيل، لأن الكلمة في صيغة الجمع هنا لا المفرد.. (انظر: الصوافي ، منهم)
المقصود بها هو نوع الملائكة الذي يسميه اليهود ملائكة الـ سرافيم، أي المشتعلة الحارقة الملتهبة، ومفردها سراف.. وهي مثل الكروبيم.
ثم يفسر الشاعر ويفصل مقصوده من السُرافيل عندما يقول أنها أربعة.. رجل وثور ونسر وليث.
وبالطبع ليس مقصوده هو أن الملائكة خاضعة تحت قدميّ القمر!.. بل أنها نجوم، أو مجموعات نجوم، يقل ضوءها عن نور القمر.. كما أورد مثلا ذِكر نجم الفرقد ونجوم بنات نعش، والكواكب الدراري (أي المضيئة).

وهذا البيت الشعري الجاهلي زيادة في التأكيد على أن الكائنات الموصوفة في رؤيا حزقيال هي رموز لكوكبات نجمية معينة ومحددة ومعروفة لمؤلفي النص..
الصياد أوريون (رَجُل)، والثور، والنَسر، والأسد (ليث)




 

=====
للأسف وقع سوء فهم لهذا البيت الشعري عند بعض المفسرين وعلماء الحديث، فأخرجوه من سياقه، وظنوا أن جملة (حبس السرافيل الصوافي تحته) تعود على المولى سبحانه وتعالى، لا على القمر!
ولو بحثت في كتب الحديث ستجد حديثا - ضعفه الألباني - يزعم أن الرسول سمع البيت وصدّق على ما فيه.. ومن هنا قال بعض المفسرين أن الملائكة حملة العرش هم أربعة لهم هذه الأشكال المذكورة!!
بل حاولوا التوفيق بين هذا المفهوم ومفهوم الآية التي تقول:
« وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ » الحاقة 17
بأنهم الآن 4 ويوم القيامة 8 !!
=====

أعرف أن بعض هذه المعلومات قد تبدو معقدة للوهلة الأولى، إلا أن الأمور ستكون أوضح ضمن سياق فصول الكتاب، والذي سأحاول ترتيبه بشكل يجعل القارئ مندمجا مع السياق ومستمتعا بكل معلومة جديدة تأتي فتبني على ما عرفه في الفصل السابق..
ولولا المناخ الكئيب الذي يسبب الإحباط حاليا لكل صاحب مشروع فكري في مصر، لخرج العمل للنور مبكرا..
لكن رب ضارة نافعة.. فلو كنت أتممت الكتاب في السابق لما استطعت إضافة ما علمته مؤخرا، كتلك المسألة في سفر حزقيال، والذي كنت أتجنبه لعجزي عن فتح مغاليقه!



بعض الكلمات المفتاحية للموضوع:
كوكبة Constellation
كوكبة النهر Eridanus
كوكبة الثور Taurus
كوكبة الصياد/الجبار Orion
كوكبة الأسد Leo
كوكبة النسر/العُقاب Aquila
السيرافيم Seraphim
الكروبيم Cherubim
حزقيال Ezekiel

الاثنين، 6 يناير 2014

الموت وهاري بوتر


قبل صدور الجزء السابع والأخير من سلسلة روايات هاري بوتر، كان مجتمع محبي السلسلة يكاد يشتعل بالنظريات والنقاشات..
أغلبها كان يدور حول موضوع الموت.. ولا عجب، إذ عنوان الرواية المنتظرة كان (هاري بوتر ومقدسات الموت)!

في الجزء السابق، السادس، (الأمير الهجين)، تم قتل أهم شخصية في عالم السحرة.. الساحر دمبلدور، ناظر مدرسة هوجوارتس، على يد البروفيسور سيفيروس سنيب. وهو حدث هز محبي الرواية وعالم هاري بوتر، إلا أنه كان ضروريا للحبكة.
فكل سنوات دراسة هاري في المدرسة كانت تحت إشراف الناظر القوي دمبلدور بشكل أو بآخر.. وحيث أن الرواية الأخيرة يجب أن تركز على الصراع بين الشرير فولدمورت وهاري بوتر، فوجود شخصية قوية مثل دمبلدور كان سيبعد التركيز عن هاري. فالروايات - قبل كل شيء - تحكي رحلة هاري بوتر، لا رحلة دمبلدور!
وعلى الرغم من هذا فقد كان ألبوس دمبلدور هو الحاضر الغائب في الرواية الأخيرة.. إذ أفردت المؤلفة ج.ك.رولينج له عدة فصول تحكي قصة حياته في شبابه، قبل أن يعرفه بوتر.
دمبلدور
لكن الفترة البينية التي كانت بين الجزئين السادس والسابع شهدت ظهور نقاشات عنيفة تدور حول شيئين:
1- هل مات دمبلدور فعلا، أم أن المسألة خدعة.. أم يا ترى هل سيعود من الموت في الجزء الأخير؟
2- أي من أبطال الرواية الثلاثة - هاري ورون وهرميوني - سيموت مع نهاية الصراع والحرب الدائرة بين قوى الخير والشر في عالم السحرة؟

عشرات النظريات استمعت لها وقرأتها في تلك الفترة. وكنت أتابع أشهر بودكاست (مدونة صوتية) يصدرها الهواة المحبين للسلسلة، وأقصد بالطبع بودكاست ماجِل-كاست MuggleCast والذي استمر لما يقارب الـ 200 حلقة !!
وتطوع شخص ما بنشر موقع إلكتروني يجمع "أدلة" حياة دمبلدور وأنه لم يمت كما ظهر من أحداث الجزء السادس.. وحاز موقع DumbledoreIsNotDead.com على شهرة واسعة، ثم خبا بريقه بعد ظهور الجزء السابع الذي أكدت فيه المؤلفة موت دمبلدور.

في الجزء السابع من الرواية زار هاري قبر والديه لأول مرة. وقرأ على شاهد قبرهما جملة محفورة، مصدرها الإنجيل، ومنسوبة لبولس:
«آخر عدو سيُباد هو الموت» رسالة كورنثوس الأولى 15: 26
والمقصود هو أن يسوع سيقضي على الموت ذاته.
قبر والد ووالدة هاري بوتر
وهي فكرة الساحر الشرير فولدمورت وأتباعه من "آكلي الموت Death Eaters" الذي بحث عن الخلود عن طريق تقسيم روحه لأجزاء سبعة ليصعب قتله والتخلص منه!
في حين أن الرواية توجه القارئ لفكرة أن الموت لا مفر منه.. وأنه مرحلة على الإنسان أن يتقبلها لينتقل بها من هذه الحياة للحياة الأخرى.
فأم هاري وأبوه ماتا.. وأبوه الروحي (سيريوس بلاك) مات أيضا مقتولا.. ومعلمه ومرشده ألبوس دمبلدور مات.. لكن ذكراهم تحيا معه.

والجزء الأخير اسمه (هاري بوتر ومقدسات الموت) لسبب محدد، وهو أن القصة الأساسية في هذا الجزء تدور حول حكاية شعبية معروفة في عالم السحرة.. حكاية الإخوة الثلاثة الذين قابلوا الموت فأعطاهم ثلاث هدايا سحرية خارقة.
تقول الحكاية أن الأول كان مغرورا وأراد أن يذل الموت فطلب منه هدية هي عبارة عن عصا سحرية مقاتلة تنتصر في كل المبارزات..
والثاني طلب حجرا سحريا يستطيع به إعادة الموتى للحياة..
أما الثالث فكان ذكيا متواضعا، فطلب رداءا سحريا يحجب مرتديه عن كل الأنظار.. حتى عن نظر الموت ذاته.
الأخ الأول ذاعت شهرته وشهرة عصاه التي لا تهزم.. مما أثار حسد الحاسدين، فقتله أحد الأشخاص في نومه وسرق العصا منه.. ومن يومها تتناقلها يد بعد الأخرى، ناثرة الدمار والقتل أينما حلت.
والأخ الثاني أعاد حبيبته المتوفاة للحياة.. لكنها عادت كشبه شبح، غريبة عن الدنيا، مما أصابه بالاكتئاب فانتحر ليلحق بها.
وهكذا، تقول الحكاية، انتصر عليهما الموت.. ومات كلاهما.
أما الثالث فعاش حياته كاملة، والموت لا يراه، حتى إذا شبع من الحياة خلع رداءه وأعطاه ميراثا لابنه، وذهب مع الموت برضاه.
وتقول الحكاية أن من يستطيع تجميع الأشياء الثلاثة معه فسيكون "سيدا على الموت Master of Death".. وهو حلم سعى الكثيرون لتحقيقه بلا جدوى.
علامة مقدسات الموت
الدائرة للحجر، والخط للعصا، والمثلث رمز للرداء المحيط بالاثنين
وخلال أحداث الجزء السابع يعرف القارئ أن رداء الاختفاء وصل بالميراث إلى أبي هاري بوتر، ثم حفظه دمبلدور بعد موت الأب إلى أن أعطاه لهاري فيما بعد.
وأن حجر القيامة من الأموات كان ميراثا عائليا لدى فولدمورت، لكنه كان يجهل قصة المقدسات أصلا فلم يدرك أهميته.. وانتقل الحجر فيما بعد إلى دمبلدور الذي وجده بعد بحث، ثم أعطاه في وصيته - بعد موته - لهاري أيضا.
أما العصا القاتلة فكانت مع دمبلدور طيلة حياته، لأنه الأقدر على استخدامها الاستخدام الأمثل، في الخير دون الشر.. ثم تم دفنها مع جثته في قبره.
ولما علم فولدمورت بهذا سرقها من القبر لأنها أقوى أداة للقتل معروفة في عالم السحرة.

وقد دار في ذهني سؤال.. ما معنى أن من يجمع الثلاثة سيكون سيدا للموت ومتحكما فيه؟.. فالإجابة لم ترد صريحة في الرواية..
ثم عرفت الإجابة لما تذكرت رد النمرود على إبراهيم حين قال له: أنا أحيي وأميت!
فالعصا تقتل.. أي تسبب الموت.
والحجر يعيد الميت للحياة.
والرداء يحجب صاحبه عمن يريد قتله.
فصاحب الثلاثة يمكنه - على الأقل نظريا - قتل أعدائه، وحماية نفسه من القتل، وإعادة حلفائه المقتولين إلى الحياة!

لكن في نهاية الرواية يؤمن الأبطال أن الموت يجب تقبله حين يأتي.. وأن الهرب منه جبن.
ويتأكد هاري من هذا نتيجة لحواره مع أحد الأسباح الساكنين في هوجوارتس.. حيث يقول له أن كل ميت في عالم السحرة يتم تخييره بين الانتقال للحياة الأخرى أو البقاء في عالم الأحياء في صورة شبحية شفافة.. وأن خيار الجبناء هو البقاء كشبح!

وكنت عندما اقرأ سِفر التكوين التوراتي تعجبني جملة استخدمها المؤلفون لوصف موت إبراهيم عليه السلام:
«وفاضت روح إبراهيم ومات بشيبة صالحة، شيخا شبع من الحياة، وانضم إلى آبائه» تك 25: 8

ولنقارن هذا مثلا بموقف إبليس حين طلب من الله إمهاله وإطالة حياته إلى قرب يوم القيامة.. مع أن الشيطان متأكد من أن نهايته لا محالة ستكون في الجحيم!

«قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ» الحِجر 36
فطول عمره لن ينفعه بشيء.
وحياة قصيرة صالحة هي أفضل من طويلة فاسدة.. وإن كانت البركة في العمر مطلب جميع البشر.
فاللهم بارك في أعمارنا واجعلها في طاعتك.

أما اليهود فمسألة الموت تشكل هاجسا قويا عندهم.. ويحلمون بالخلود، وبأن الموتى منهم سيُبعثون للحياة الدنيا مرة أخرى حين يأتي مسيحهم المنتظر، فيعيشون معه ملوكا لمدة ألف عام.. فيما يعرف بعقيدة (المُلك الألفي).
ولاحظ أنه لا تركيز في اليهودية الحاخامية على الآخرة والجنة والنار.. بل كل اهتمامهم في المسألة منصب على وهم الحياة لألف عام في المستقبل!

« قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ *
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا
يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ
وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ » سورة البقرة 94-96

الأحد، 5 يناير 2014

الفيلم الأوروبي 2


كتبت من قبل عن الفترة التي تابعت فيها السينما الأوروبية، المختلفة كثيرا عن الأفلام الأمريكية الهوليوودية.
كانت العروض السينمائية تابعة لمهرجان الفيلم الأوروبي، كما قلت في تدوينة سابقة .. وبعدها بفترة حضرت – مع نفس الصديق – بعض العروض التي قدمتها مكتبة الإسكندرية، والتي كانت تابعة لحركة ما يسمى Dogme 95 ..
وهي حركة فنية سينمائية بدأها (لارس فون ترير) ، وكان هدفها الابتعاد عن المؤثرات والبهرجة التي سادت الأفلام مؤخرا.. والاعتماد على الإضاءة الطبيعية قدر الإمكان، مع الامتناع عن استخدام أي مؤثرات صوتية أو موسيقية يتم إضافتها بعد تصوير الفيلم!
وبهذا صار لصورة الفيلم المنتج بهذه الطريقة طابعا مميزا مختلفا.. وأصبح التركيز هو على القصة والشخصيات.

شاهدت مع صديقي عرضَين ولم استطع إكمال الثالث لأن محتواه كان صادما أكثر من المحتمل عندي!
الاثنان كانا من الدنمارك، وفي حين أن الثاني Mifune's Last Song لم أعد أتذكره بشكل جيد، إلا أن الأول Festen ظل عالقا بالذاكرة لسنوات.. وهذا دليل الجودة وقدرته على التأثير النفسي في المشاهد.
كلمة Festen بالدنماركي تعني الاحتفال The Celebration ، والفيلم تم إنتاجه 1998 ونال الكثير من الجوائز. والغريب أنه – على الرغم من اختلافه عن المعتاد – تم تقييمه على موقع IMDB بدرجة مرتفعة للغاية.
القصة أثبتت نجاحها حتى وصل الأمر إلى تحويل السيناريو لمسرحية تم تقديمها عدة مرات.. وعلمت مؤخرا أن الفيلم يتم تدريسه في معاهد السينما!

فيلم «الاحتفال» يمكن تصنيفه تحت بند الواقعية، على الرغم من أسلوبه الذي يقترب من الكوميديا السوداء والمبالغة.. وهو جمع صعب بين النوعين، الكوميديا والتراجيديا، لكن المحصلة النهائية تشهد بنجاح الخلطة.

مكان الأحداث هو قصر رجل ثري، كان في الأصل فندقا، يعيش فيه مع زوجته والكثير من الخدم.
الزمان هو احتفال وصوله لسن الستين، وحسب التقاليد ستتجمع العائلة والمعارف والأصدقاء في احتفال أرستوقراطي كبير.
تبدأ السيارات في الوصول للقصر.. الابن الأكبر كريستيان يأتي من باريس، حيث يعمل كصاحب سلسلة مطاعم ناجحة.
الابن الأصغر مايكل يأتي بزوجته وأطفاله. والابنة الوسطى هيلينا تأتي وحدها.
من الحوار نعرف أن كريستيان هو الابن العاقل، لكن علاقاته النسائية لا تنجح لسبب ما.
مايكل عنيف مع زوجته لكن بسذاجة، ويعتمد عليها تماما كالطفل مع أمه، وهو أقل العائلة نجاحا.. سريع الغضب لكن سريع الاعتذار.. وفي صغره عاش بعيدا عن البيت، في مدرسة داخلية. هذه النقطة ستثبت أهميتها للقصة فيما بعد.
كريستيان كان له أخت توأم انتحرت في حمام القصر قبل الأحداث بأسابيع قليلة..
تسير الأمور الاحتفالية طبيعية في البداية، لكن هيلينا تجد كتابة على حائط الحمام الذي ماتت فيه أختها، فتتذكر لعبة قديمة كانا يلعبانها في الطفولة.. وبتتبع الأسهم المرسومة على الحوائط تصل لرسالة كانت الأخت قد خبأتها قبل انتحارها!
لا نعرف المحتوى إلا بعد أن يحدث شيء آخر.. حيث يقوم كريستيان وسط الاحتفال ويخيّر أباه بين خطبتين سيلقي الابن إحداهما.. الصفراء أم الخضراء.. ويختار الأب الخضراء، فيصفها الابن بأنها ستكون: خطبة الحقيقة!
الصفراء أم الخضراء؟؟
"لقد كان أبي يغتصبني أنا وأختي المنتحرة ونحن صغار!".. هكذا يفجر كريستيان القنبلة بين الحضور.. لكن الغريب هو محاولة الجميع لتجاهل ما قال!
يستمرون في الاحتفال والشرب محاولين نسيان الموقف كله.. فينزوي الابن ويصمت منكسرا.
لكن كبير الطهاة في البيت يقوم بتشجيعه على مواصلة المواجهة.. فيقوم كريستيان مرة أخرى ويقول أن أفعال الأب هي السبب وراء الاضطراب النفسي للأخت وانتحارها.
يثور الضيوف، وخاصة الابن الأصغر مايكل، ويلقون بكريستيان خارج القصر.
يرفضون سماع الحقيقة المرة
 يعود مرة أخرى فيعاودون إخراجه بالقوة، لكن هذه المرة يربطونه في شجرة كي لا يفسد ليلتهم!
وتترى الأحداث، فنجد هيلينا تقرأ – باكيةً - رسالة أختها والتي تحوي اعترافا بجريمة الأب.
ويقول كريستيان أن الأم شاهدت الأب مرة وهو يعتدي جنسيا على ابنها الطفل لكنها صمتت لتحفظ صورة الأسرة!

في النهاية يقوم الابن مايكل بالتعدي الجسدي على الأب بعد أن اهتزت صورته أمامه.. على الرغم من أن الأب كان قبل ساعات قد وعده بمساعدته اجتماعيا عن طريق إدراجه في المحفل الماسوني الخاص بالأغنياء، والذي ينتمي إليه الأب!
الأب مضطرب بعد افتضاح جريمته
وفي الصباح يجتمع الضيوف بعد ليلة حافلة، ويتناولون الإفطار. فيقوم الأب بإلقاء كلمة اعتذار واعتراف بجريمته، ثم يخبره مايكل في أدب أن عليه الآن ترك المائدة كي يتناول الجميع طعامهم في هدوء.. فيستجيب الأب منكسرا.
وفي المشهد الأخير نرى أن كريستيان يفكر في الزواج من إحدى خادمات البيت والتي كان يحبها منذ صغره، والعودة معها لعمله في باريس بعد أن انتصر في معركته مع الأب – ومع نفسه – بأن فتح الجرح القديم ونظفه.. وسيدخل بعدها مرحلة الشفاء النفسي والنقاهة.

الفيلم به خيوط قصصية أخرى تجاوزتها هنا خشية الإطالة.. لكن أظن أن الفكرة الأساسية للحبكة واضحة الآن.
فيما بعد سأكتب عن فيلم أوروبي آخر لكنه يختلف تماما عن أسلوب Festen ، حيث يعتمد على المؤثرات والجرافيكس بصورة أساسية، لكنه يُثبت أن المؤثرات إن تم استخدامها بطريقة سليمة فقد تخدم الفيلم ولا تؤدي للـ"بهرجة" والابتذال، كما يظن أتباع مدرسة Dogme95 الفنية.
والفيلم المقصود هو نرويجي من إنتاج 2010 واسمه TrollHunter أي صائد العمالقة، ويجمع بين الفانتازيا والسخرية والأسلوب التوثيقي في مزيج مميز، لدرجة أن الأمريكان يفكرون في إعادة إنتاجه بممثلين أمريكيين ليتقبله الجمهور الأمريكي الذي يكره في الغالب قراءة شريط الترجمة الذي يكون مصاحبا للأفلام الأوروبية!

الجمعة، 3 يناير 2014

الاستبدال

من واقع الحال في مصر، وبمتابعة المتصدرين للدفاع عن الحق اليوم، أظن أن «سُنّة الاستبدال» قد وقعت على شيوخ الدعوة السلفية!
كما حدث عندما استبدل الله بالعرب خلافةً جديدة يتصدرها الأتراك، وانتقل الحُكم إلى العثمانيين عندما تقاعس العرب المسلمون عن نصرة دين الله.
لم لا نجد شيوخ مصر وعلماءها على كرسي ضيوف قناة الجزيرة يحاربون الظلم العسكري والطغيان الانقلابي؟!
تركوا نصرة المظلوم فتركتهم الجموع الثائرة ونبذتهم، إما بالنسيان الكلي أو الاحتقار.
وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ   (سورة محمد، والتي يقال لها سورة القتال)

إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ  (سورة التوبة، والتي يقال لها سورة براءة)



الثلاثاء، 31 ديسمبر 2013

مصر والشيطان الأمريكي



انتبه المثقفون الإسلاميون منذ سنوات إلى بعض ملامح الخطة الأمريكية لتغيير ما يسمى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENA ، أي الدول العربية الإسلامية.
وانتشرت بين مثقفينا كلمة قالها أحد واضعي السياسات الخارجية الأمريكية، عن أن العراق هدف تكتيكي، والسعودية هدف استراتيجي، ومصر هي الجائزة الكبرى.
لكن هناك ضعف في جودة ترجمة هذه الجملة، لأن قائلها لم يستخدم كلمة هدف Goal بل Pivot والتي تعني "محور".. وكان يقصد بها أن هذه الدول الثلاث هي «محاور تغيير شامل» يتم التخطيط له في الشرق الأوسط، وأن التغيير الذي سيتم فيها سيؤدي تلقائيا للقضاء على أي فكر إسلامي معادٍ للغرب، وأن النتيجة - بعد تنفيذ المخطط الذي رسمه قائل تلك الجملة - ستكون "شرق أوسط جديد" و "إسلام جديد" لن يُظهر أتباعه أي مشاعر كراهية للأفعال الأمريكية في بلادهم!

من القائل؟

باحث فرنسي لا يُخفي عداءه للإسلام، وله نفس الميول الاستعمارية/الاحتلالية التي عهدناها في الفرنسيين قديما.
اسمه Laurent Murawiec لوران مورافيتش، ولا عجب أن أفكاره واتجاهاته جعلته يعمل في مركز RAND للبحوث ومؤسسة Hudson ؛ ليتمكن من نشر سمومه في عقليات "صانع القرار" الأمريكي.
ظهر اسمه في 2002 عندما ألقى محاضرة على لجنة السياسات الدفاعية الأمريكية الحكومية، يحثهم فيها على احتلال العراق، وزعزعة السعودية، لأنها "دول راعية للإرهاب الإسلامي".
والحقيقة هي أن أنظمة هذه الدول لم تكن "ترعى إرهابا"، ولا حتى تميل لدعم الحركات الجهادية الإسلامية المشروعة.. إنما قصده كان هو تدمير سكان هذه الدول لا أنظمتها العميلة للغرب بالأساس، كما يعلم الجميع!

لاحظ الظرف التاريخي الذي قيلت فيه المحاضرة لتفهم سياق جملة مورافيتش الشهيرة:

سبتمبر 2001 - أحداث تدمير الأبراج الثلاثة في مركز التجارة العالمي WTC1 WTC2 WTC7 ، وإصابة جزء من مبنى البنتاجون (وزارة الدفاع)
أكتوبر 2001 - تنفيذ الخطة الهجومية المعدة مسبقا بضرب أفغانستان وإسقاط حكم طلبة الشريعة (الطالبان)
يوليو 2002 - يلقي لوران محاضرة presentation على لجنة السياسات الدفاعية الأمريكية، يرسم فيه خطة ضد الدول الثلاث (العراق - السعودية - مصر)
أغسطس 2002 - تسريب صحفي لمحتوى المحاضرة، مع ملف الـ باور-بوينت الذي استخدمه خلالها!
وانتشار آخر شريحة عرض من شرائح المحاضرة الـ 24 ، والتي تقول:
الاستراتيجية الكبرى نحو الشرق الأوسط هي: أن العراق محور تكتيكي، والسعودية محور استراتيجي، أما مصر فهي الجائزة Prize
ديسمبر 2002 – يكتب لوران تفاصيل رؤيته في 76 صفحة، ينشرها معهد هدسون Hudson Institute على موقعه الرسمي فيما بعد
مارس 2003 - احتلال الغرب للعراق وإسقاط نظام صدام حسين
أغسطس 2009 - مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي CFR ينشر مذكرة (الاضطراب السياسي في مصر) عن الثورة المصرية وكيف سيتم التعامل معها، مع توصية بدعم أمريكا والبنتاجون للمجلس العسكري الذي سيتسلم السلطة بعد سقوط مبارك. وعن الضربة القمعية التي سيوجهها الجيش المصري للحركات الإسلامية في حالة فوز الإسلاميين في الانتخابات!
أكتوبر 2009 - موت مورافيتش بالسرطان
يناير 2011 - تفجير كنيسة في الاسكندرية لتبرير حملة أمنية سيقوم بها نظام مبارك ضد الحركات والجماعات الإسلامية.. لكن الثورة تبدأ في اليوم المقرر لها، يوم الشرطة 25 يناير، وتتصاعد الأحداث ويسقط مبارك في فبراير 2011

ما لم يقله أحد حتى الآن

لا شك بالطبع أن أنظمة (عراق-صدام) و(سعودية-آل سعود) و(مصر-مبارك) هي أنظمة عميلة للغرب ومنبطحة لأمريكا، وتابعة لأسيادها في البنتاجون.. لكن لا شك عندي أيضا أن أمريكا تكره هذه الأنظمة وتعمل على إسقاطها وخيانتها كلما سنحت الفرصة، وتوريطها - مع شعوبها - في مصيبة تلو الأخرى!!
المتدثر بأمريكا عريان، كما يقال. ولا "ولاء" حقيقي عند أمريكا تجاه عملائها.
مَن يصير عبئا على الخطة الأمريكية الكبرى يتم التضحية به، مهما كان مطيعا وعميلا متميزا، وطاغية يقمع شعبه تنفيذا لما يأتيه من أوامر سادته!

التاريخ يخبرنا بوضوح أن صدام تم التلاعب به، والسماح له بغزو الكويت، مع وعد بالتغاضي عن المسألة. فلما فعل، ضربوه وهدموا قدرات العراق العسكرية. ثم سمحت أمريكا له بالبقاء في الحكم، على أن يكون طاغية مستبدا ديكتاتورا، يحارب الإسلام ويدعو للمنهج البعثي.
والسبب هو أن موعد العراق لم يكن قد حان بعد.
فلما جاء الوقت، وبدأ صدام يستشعر أن أمريكا ستضربه مرة أخرى نهائية، حاول بكل الطرق وبشتى الوسائل إظهار ولاءه التام للمخابرات الأمريكية، وأنه سيقوم بكل ما يطلبون.. لكنه فهم متأخرا حقيقة الوضع.
لآخر لحظة قبل احتلال العراق في 2003 كانت مخابرات العراق تستعطف مندوبي الـ CIA في العراق، وتقول لهم أنها ستقدم كل الأسماء التي تعرفها من الجهاديين الإسلاميين إلى أمريكا كهدية، وستقوم المعتقلات والسجون بالعمل بأقصى قدراتها على تعذيب المعتقلين واستخراج المعلومات المطلوبة، إلخ.
لكن خطة الضربة وما سيتبعها من احتلال كانت مرسومة بالفعل.. فالأمر ببساطة لا تحكمه العواطف بل الخطط والمصالح.
It's just business, nothing personal!

إحدى موظفات المخابرات الأمريكية في العراق تعجبت من رفض رؤسائها للعروض العراقية الانبطاحية. اسمها كان سوزان لينداور Susan Lindauer وتقول أنها حاولت إيقاف الحرب المرتقبة ثم فهمت أن "الأسباب الإعلامية" لاحتلال العراق لا صلة لها بالحقيقة!
فلا كان هناك أسلحة دمار شامل كيماوية ولا نووية.. ولا كان للعراق دور في أحداث 11 سبتمبر كما حاولت بعض قنوات الإعلام الأمريكي خداع بسطاء الأمريكان.. ولا كان صدام - كما كانت قناة فوكس نيوز التابعة للجمهوريين تشير بسذاجة - يدعم تنظيم القاعدة! بل على العكس، وكما يعرف كل باحث، كانت القاعدة تبغض النظام العراقي وتصفه بالكفر.
تم اعتقال سوزان دون محاكمة، تطبيقا لقانون الطوارئ الأمريكي الجديد الذي تم "تمريره" سريعا أيام بوش بعد 11 سبتمبر بحجة محاربة الإرهاب. ثم تم حبسها في مصحة عقلية لما تعذر تقديمها للمحاكمة. لأن وجودها مطلقة السراح أثناء الحملة الإعلامية الكاذبة التي كانت تطلقها أمريكا لتبرير الاحتلال كان سيؤثر سلبا على عملية الخداع الكبرى التي أريد فيها لبسطاء الأمريكان الاقتناع بوهم أسلحة الدمار الشامل العراقية!
ولما تم الغزو بنجاح تم إطلاق سراحها.. وإن لم تعد بالطبع لعملها في الـ CIA .. بل نشرت كتابا عن المسألة، وتقدم الآن برنامجا إذاعيا على الإنترنت لمحاولة فضح باقي الألاعيب المخابراتية الأمريكية.

فأمريكا صنعت صدام واستغلته في قمع العراقيين ومحاربة الإسلام وإضعاف العراق وتهجير العقول.. ثم أسقطته لما قضت وطرها منه، لأنه غير مناسب للمرحلة.
فوقت صدام كان المطلوب وجود حاكم قمعي سلطوي ديكتاتوري.. أما المرحلة الجديدة فكانت تتطلب العكس تماما. عدم وجود حاكم يجمع في يده السلطة، بل عدة ولايات متفرقة متنازعة متحاربة، وتفتيت، وتفجيرات شيعية-سنية إلخ.
وإلى الآن يحرص الأمريكان على عدم ظهور حاكم قوي عراقي، حتى لو كان طاغية تابعا لهم!

هذه كانت قصة العراق ببساطة. وربما نراها تتكرر في سوريا أيضا، بحكم أن سوريا - مثل العراق - تنتمي لأفكار حزب البعث المعادية للإسلام . فنظام بشار الأسد أثبت طاعته التامة للغرب، وفي نفس الوقت قدرته على الحفاظ على واجهة مزيفة تصوره كعدو للغرب ولإسرائيل.
إذ نجح نظام الأسد في إثبات ولائه عن طريق نسيانه مسألة استعادة أرض الجولان المحتلة، وحمايته للحدود الإسرائيلية بمنع أي عمليات فدائية ضد اليهود قد تحاول المرور عبر الحدود السورية-الإسرائيلية
وسكت عندما مرت الطائرات الصهيونية فوق قصره الرئاسي في العاصمة دمشق!
ومع كل هذا سيأتي وقت القضاء عليه قريبا، كصدام حسين. لكن بعد أن يتم استغلاله في إنهاك الشعب السوري، وتدمير بنية سوريا كما تم مع بنية العراق، كي لا تشكل سوريا – مهما كان حاكمها المستقبلي – أي خطر حقيقي على إسرائيل!
خطط استباقية محسوبة.. باردة في تعاملها مع أرواح البشر. وهي جزء مما يسمى الجيو-بوليتيك، أي الخطط الاستراتيجية الكبرى التي تشمل مناطق واسعة وبلدان متجاورة وفترات زمنية أطول من الخطط الاستراتيجية المحلية القصيرة المعتادة.

إن أمريكا لم تقف بصدق مع حليفها مبارك في الساعات الأخيرة لنظامه، وهي أيضا لم تكن صادقة في حلفها مع نظام صدام.. المهم عند هؤلاء المخططين هو الشعوب نفسها وكيفية السيطرة عليهم وتوجيههم.. فلو انتهى دور مبارك يتم إخراجه من المشهد والإيعاز لقادة الجيش المصري بتنحيته.. وإذ لم ينتهِ بعد دور نظام بشار في إنهاك قوى بلده وتدمير كل ما يمكن تدميره، يتم السماح له بالاستمرار بعض الوقت، وحجب أي تدخلات عسكرية أوروبية قد تحسم الموقف سريعا، ثم عندما يأتي وقته المحسوب يتم إسقاطه.

محاضرة لوران كانت صريحة أكثر من اللازم، وكشفت أسلوب تعامل أمريكا مع الحكام العرب الطغاة، وكيف يتم استدراجهم لتنفيذ خطط لا تعود بالنفع الشخصي عليهم ولا على شعوبهم.
ويبدو أن المخابرات الأمريكية عندها قسم خاص بدراسة نفسية الحكام العرب بدقة لمعرفة "مداخلهم" و"مفاتيح" التلاعب بهم!
ولا يتم "تصعيد" أحدهم للمناصب العليا إلا بعد التأكد من قدرة أمريكا على التحكم فيه والتلاعب به والعزف على أوتار عيوبه الشخصية، كحب الزعامة أو الضعف أمام النساء أو الخوف من فضيحة في ماضيه، إلى آخر ما نعرفه من طرقهم.
(ولا تظن هذا الأسلوب مقتصرا على الزعامات فقط.. بل استخدمه أمن الدولة في مصر للتحكم في رؤوس الجماعات والحركات الشعبية قدر المستطاع)
وأظن أن الكثير من القرارات الهوجاء والسريعة الغريبة التي نراها من طغاة العرب – كمبارك والسيسي – هي مجرد رد فعلهم استجابة لطلبات وضغوط وإلحاحات وتهديدات أمريكية.. يقال لهم إملاءات وقرارات واجبة التنفيذ فيفعلونها خائفين طائعين.
يقول لوران بعنجهية أنه يجب على أمريكا أن تأمر نظام آل سعود، ولو بالتهديد الصريح، أن يتوقفوا عن دعم الأفكار الإسلامية في إعلامهم.. وأن يغلقوا كل المؤسسات والجمعيات الخيرية الإسلامية..
فهل يا ترى جاءت لحسني مبارك أوامر مماثلة عندما أغلق القنوات الإسلامية قبل ثورة يناير؟!
وهل يا ترى جاء للمجلس العسكري والسيسي أوامر مماثلة عندما أغلقوا القنوات الإسلامية بعد الانقلاب، ثم صادروا أموال الجمعيات الخيرية الإسلامية الطبية والإعانية؟!

ذُل العِمالة

يا حكام العرب إنكم أغبياء، لا ترون أنكم تقتلون مصادر قوتكم بأيديكم!
عندما حاول نظام صدام في اللحظات الأخيرة تجنب الغزو الأمريكي الوشيك قام بقمع وتعذيب الإسلاميين في أقبية سجونه، لعل المخابرات الأمريكية ترضى عنه وترى مدى "اجتهاده" في محاربة "الإرهاب"!
وأظن نفس الشيء حدث في يناير 2011 في مصر، عندما رأينا بوادر حملة أمنية يدبرها حبيب العادلي وعمر سليمان ضد الحركات الإسلامية.. حتى قال بعض ضباط أمن الدولة لبعض الإخوة الإسلاميين أن القضاء عليكم سيبدأ خلال أيام، خصوصا بعد عملية تفجير كنيسة القديسَين بالإسكندرية التي تم تدبيرها لتكون مبرر الضربة القمعية!
قد تكون تلك الضربة هي محاولة نظام مبارك الأخيرة لإرضاء أمريكا بعد أن استشعر أنها ستتخلى عنه في مظاهرات يوم 25 يناير المرتقب والذي كان يتم الإعداد له علنا على صفحات الفيسبوك.
ضع نفسك في موقف هذا النظام الطاغي الفاسد لترى كيف يعبث بهم أسيادهم!
فمن ناحية، هو مستسلم تماما لأمريكا ويعلم أن مصيره مرتبط برضاها وتنفيذه لأوامرها.. ومن ناحية أخرى هو في حالة شك دائمة في نواياها، خصوصا بعد سوابقها في التخلي عن حلفائها.
وللأمريكان مثل شعبي لمثل هذا الموقف، يقول

No rest for the wicked
أي لا راحة للأشرار!

أما نحن فنشبهه بما جاء في آية 16 من سورة الحشر:
كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين

فيا نظام بشار الأسد، لن ينفعك أنك تخلصت من أسلحتك الكيماوية لإرضاء الغرب.. فكل ما فعلته هو تأخير ضربتهم المرتقبة لك. فمرادهم أن يستمتعوا برؤية إلى أي مدى ستذل نفسك أمامهم، قبل أن يوجهوا لك الطعنة الأخيرة.
لو كان صدّام عاد لرشده في اللحظات الأخيرة لكان عليه إخراج المعتقلين المسلمين المجاهدين من السجون ليكونوا خط دفاع ضد الغزو الأمريكي، بدلا من الجيش العلماني الذي فر بعد ساعات معدودة من بدء المعركة!
فهل يصبر على القتال إلا من له مبدأ وإيمان ودين؟!..
كيف لجيش مصر أن يقتل المسلمين وهو يعلم أنهم سيكونوا أول من يساعده إن تعرضت البلد لخطر الغزو؟!
هل ميوعة اليساريين والعلمانيين ستنفع امرأة حرة مسلمة عندما تتوسع إسرائيل مرة أخرى على حساب حدودنا؟!.. لا والله. لن ينفعها إلا شباب الإسلاميين في سيناء وعلى حدود الوطن الأربعة.
ومع هذا نرى استدراج أمريكا وإسرائيل لفسدة الجيش المصري بجعلهم يقتلون بأيديهم شباب سيناء المجاهد، وكأنها عملية تطهير لأي عقبات قد تواجه إسرائيل عندما تقرر احتلالنا!
هل هناك غباء أكثر من هذا؟!

السعودية

النظام السعودي حليف لأمريكا.. ماله في بنوكها، وجنودها على أرضه تحمي نفطه، ومع ذلك لا نستبعد إطلاقا أن تكون أمريكا في نفس الوقت تعمل على إسقاط آل سعود عندما "يأتي وقتهم" وتحين خطة نشر الفوضى في بلاد الحرمين!
سيستخدم الأمريكان الشيعة في شرق السعودية لإثارة الاضطرابات، ثم يستخدمون هذه الورقة للضغط على آل سعود لمزيد من التنازلات، وخصوصا التنازلات الفكرية والاجتماعية الساعية لعلمنة عقليات الشباب السعودي وصرفه ناحية الثقافة الأمريكية.. ثم بعدما يقدمون أكثر ما يستطيعون من تنازلات سيتم التضحية بهم كمن سبقهم.. ويستمر المخطط بخطى سريعة نحو الهاوية المرسومة لنا!

والأنظمة القمعية السعودية والمصرية تستشعر أن التغيير قادم لا محالة، وترى أن ثورات الربيع العربي كانت أداة أمريكا لبدء تنفيذ خطة تغيير الشرق الأوسط الكبرى.. ولهذا يتعاون آل سعود والمجلس العسكري الانقلابي لقتل روح الثورة وإخماد أي ميول لدى الشعوب نحو أي تغيير!
يرجو طغاة مصر والسعودية أن تنسى أمريكا مخططها التغييري وتتركهم على عروشهم القديمة، ويعدونها بمزيد من الانبطاح والتبعية والعمالة إن تخلت عن مخطط نزعهم ونشر الفوضى في بلادهم!

لكن الشعوب الحرة ترفض كلا الخيارين.. فلا تريد تنفيذ مخطط الفوضى الأمريكي، ولا تريد استمرار حكم الطغاة. بل نريد الخيار الثالث.. لا فوضى ولا استبداد.. بل ثورة تصحيحية فكرية نابعة من عندنا، وبلا أي رؤوس "مستوردة" يزرعها الغرب في بلادنا لتقود حراكنا الثوري وتوجهه إلى وجهة لا نريدها.. كأمثال البرادعي الأمريكي صاحب مشروع تغيير عقيدة الجيش المصري لتكون مهمته الوحيدة هي الحرب على "الإرهاب" لا معاداة الصهاينة!

مصر

لو كنتُ أنا الآن في وضع أمريكا لاستخدمت غباء وفساد قادة الجيش المصري في إضعاف البلد اقتصاديا، وتكوين بذور يمكن تنميتها في أي وقت لإثارة وإشعال فوضى مخططة مدروسة.. ولاستخدمت أسلحتهم التي أعطيهم إياها في قتل كل من أعرف أنه لن "يطاوعني" فيما أريد تنفيذه في مصر في المستقبل.
لو كنتُ أمريكا لضربتُ كل الجماعات الإسلامية ببعضها.. ونشرت بينهم العداوة والبغضاء.. ولفرقت أهل مصر شيعا.. وجعلتهم يقتلون أبناءهم بأيديهم ويحرقون من قال ربي الله.. حتى إذا جاء الوقت المعلوم، أدخل البلد والطريق سالك أمامي، بلا عقبات ولا مقاومة فكرية أو فعلية.. ولبدأت عهدا جديدا من الاحتلال يشبه ما فعلته الامبراطورية البريطانية في السابق!
وما بدأ الاحتلال الإنجليزي إلا بعد إضعاف البلد فترة عرابي والخديوي الفاسد والاقتصاد المثقل بالديون الخارجية!

كلمة أخيرة

لو لم تفهم الرؤية التي عرضتها في هذا المقال فالعيب ليس عندي، بل في عدم قدرتك على الخروج من أسر قناعات مسبقة وعاطفية تكونت لديك نتيجة للأحداث. يجب أن تبعد قليلا عن تفاصيل المشهد لتراه بوضوح، وتطور رؤيتك العامة لوضعنا الحالي، كجزء من حركة التاريخ.
لا تكن ضيق الأفق قصير النظر، واترك لنفسك مجالا لرؤى جديدة، حتى وإن كانت مختلفة عما ألفته واعتدت عليه.
كن منتبها لما يحاك ويدبّر، لكن تأكد أن تدبيرهم هو نفسه تدميرهم. وكل ما أمرنا الله به هو الإعداد.. لأن التجهيز سيُرهب العدو الخفي الذي يتآمر علينا ونحن في غفلتنا جاهلين به أصلا!
اقرأ إن شئت: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل
ترهبون به عدو الله وعدوكم
وآخرين من دونهم لا تعلمونهم
الله يعلمهم.

مصادر واقتباسات

في عرض الباور-بوينت المصاحب لمحاضرة لوران مورفيتش سيئة الذِكر إشارة لمسألة التقسيم الحالي للدول العربية.
فمن المعروف أن الامبراطورية البريطانية والفرنسيين قاما بتقسيم الدول فيما بينهم فيما يعرف باتفاقية سايكس-بيكو. سايكس كان من إنجلترا وبيكو من فرنسا، والفريسة كانت الدول العربية الإسلامية التي صارت بلا قائد بعد انقلاب الجيش التركي العلماني على الخليفة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله.
كانت فترة سيئة للمسلمين بشكل عام.. سقوط الخلافة، ووعد بلفور، وإعلان الحماية البريطانية على مصر، وغيرها من النكبات..
ولما تم تقسيم الحدود الجديدة للدول العربية، تم أيضا تجهيز طاقم جديد من الحكام ليقوم بمعاونة الاحتلال والاستعمار على تنفيذ مخططاتهم للمنطقة.
ولما رحل الاستعمار كان رحيله ظاهريا فقط، لأنه ترك بدائل عميلة تحكم بلادنا، وتنفذ نفس سياساته لكن بمسميات مختلفة.
ويقول لوران أن هذا التقسيم الذي وضعته بريطانيا انتهت فائدته الآن، ولهذا يجب إعادة التشكيل والتقسيم من جديد، وهذه المرة برعاية أمريكية!
“تقسيم دول الشرق الأوسط تم بتصميمات بريطانية سنة 1917 ليحل محل امبراطورية الخلافة العثمانية وقتها، والآن صار منتهي الصلاحية”
“الدور الذي تم صناعة دولة السعودية من أجله انتهى.. فصارت أيضا منتهية الصلاحية obsolete”
“سنوجه إنذارا لآل سعود ليتوقفوا عن دعم أي مدرسة أصولية، أو عالم أو مسجد في العالم. وعليهم أيضا التوقف التام عن نشر أي مواد إعلامية ضد أمريكا أو الغرب أو إسرائيل. وعليهم أيضا حظر وتفكيك كل المؤسسات الخيرية الإسلامية داخل المملكة السعودية، ومصادرة أموالها”
“يجب على آل سعود قمع وعزل كل من له صلة بالأفكار الإرهابية، حتى لو كان داخل أجهزة المخابرات السعودية ذاتها”
“بعد القضاء على حكم آل سعود سيكون البديل الذي سيتسلم الأماكن المقدسة الإسلامية هو الهاشميين في الأردن”

الأفكار السابقة كانت من المحاضرة التي قدمها لوران للأمريكان ليرسم سياساتهم الواسعة في السعودية. لكن تفصيل أفكاره تجده في دراسته التي نشرها معهد هدسون..
“مبارك سمح لبعض الأفكار الإسلامية بالانتشار في المجتمع المصري.. وأعطى للأصوليين بعض الحرية في مخاطبة الجماهير”
“السياسة الأمريكية ستكون خاطئة إن ارتكزت على انتهازية مبارك وسمحت له بالبقاء في الحكم طالما سيقوم بنفسه بقمع الإسلاميين. مصر يجب أن يتم تغييرها محوريا وإعادة تشكيلها بعد الحرب التي ستشنها أمريكا على العراق"
(لاحظ أن هذا الكلام كان في 2002 قبل غزو العراق بشهور)
“إن مصر، بعدد سكانها، وتاريخها، ووضعها، وقدراتها المستقبلية، هي المكان الذي سيتم فيه تقرير مصير العالم العربي"
“لكن لا يجب أن يتم البدء في العمل على مصر إلا في المرحلة الأخيرة.. بعد أن يتم إسقاط صدام، وكسر سوريا وحزب الله، وإذلال السعوديين. ساعتها سيحين وقت التعامل ضد الطاغية المصري الفاشل عديم النفع!”

ثم يختم دراسته بجمل واضحة صريحة:
“لكي نقضي تماما، كأمريكيين، على الإرهاب العربي والإسلامي، يجب أن يتم تحويل الشرق الأوسط بشكل كامل"
“لنفعل كما فعلنا عندما واجهنا خطر النازيين والسوڤييت. علينا أن نعيد تشكيل المنطقة العربية، ثقافةً وديانةً!.. وهي مهمة صعبة لكنها ثمن النصر"
“نتيجة حربنا على الإرهاب ستكون مبهرة.. إذ سيصبح العرب جزءا من الغرب في النهاية. وكل الآلام والاضطرابات التي ستحدث ليتم هذا الأمر هي ضرورية لعملية (الخلق)!”


للمزيد من النصوص والمقالات الخاصة بالموضوع، انظر هذه الروابط:

The PowerPoint That Rocked the Pentagon
http://www.slate.com/articles/news_and_politics/press_box/2002/08/the_powerpoint_that_rocked_the_pentagon.single.html

Does Anyone Remember Egypt: The Prize
http://www.cnbc.com/id/41385785

An Alternative Strategy for the War on Terrorism
by Laurent Murawiec
http://www.hudson.org/index.cfm?fuseaction=publication_details&id=2869

الاضطراب السياسي في مصر Political Instability in Egypt
http://aboutsalama.blogspot.com/2012/05/political-instability-in-egypt.html

http://en.wikipedia.org/wiki/Laurent_Murawiec

د. عبد العزيز كامل (مصر ومخاطر التدويل ) 30 ديسمبر 2013
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=192533967614142&id=100005726197635




سلامة المصري «مصر والشيطان الأمريكي» 31 ديسمبر 2013