الأحد، 20 أبريل 2014

تدليس زغلول النجار

د/ زغلول النجار‬ ليس مجرد مخدوع يقلد الغرب كما كنت أظنه، بل يقوم واعيا بتزييف الأحاديث ونسبتها للرسول ليجعلها توافق نظرياته!!

كتب فصلا في كتاب «الإعجاز العلمي في السنة النبوية» وجعله فيديو مسجل أيضا، يعتمد بشكل أساسي على "حديث" غير موجود أصلا في كتب الحديث!
لا الصحيحة ولا الضعيفة.
ثم نسبه لكتاب أسماه "مسند الإمام الهمداني" ، وهو كتاب غير موجود أساسا!

والناس بحسن نية بدأت تبحث عن مصدر الحديث لتعرف قوته أو ضعفه، لكن بالطبع لا يوجد له أثر.

- من أين أتى عنوان "مسند الهمداني"؟
- هو اسم كتاب مفقود منسوب للطبراني في الكتب القديمة، لم يره القدماء ولم يصل أيضا لعصورنا الحديثة.
والهمداني المقصود في العنوان هو أبو إسحق السَبيعي الهمداني.

المصيبة هنا هي أن زغلول النجار يخدع الناس بتقديم الحديث وكأنه من كلام الرسول فعلا، وأنه موجود في كتب الأحاديث.. مع أنه في الحقيقة "لا أصل له" !!


http://www.ahram.org.eg/archive/2002/11/8/RAMA3.HTM

الجمعة، 18 أبريل 2014

حضرة الوزير.. والدراما العربية الكاسدة

عند مقارنة كتّاب الدراما العرب بالغربيين لا أجد وصفا أدق لما يفعله مؤلفو المسلسلات العربية إلا أنه «لعب عيال» !!
مؤلف ساذج يستهتر بعقول المشاهدين، ويعطيهم منتجا استهلاكه ضار جدا بالصحة العقلية!
أما هناك.. في القارة الأوروبية أو الأمريكية، نرى محاولة المؤلف لإتقان عمله الذي تم تكليفه به، وعرضه في أبهى صورة ممكنة.
وسأعطيك مثالا واحدا..
الإنجليز مشهورون بمسلسلاتهم الكوميدية القصيرة التي تنضح ذكاءً.. سواء في الحبكة نفسها أو الحوار بين الشخصيات.. إلا أن المسلسلات الأمريكية تفوقهم شهرة بسبب الدعم المالي الأكبر الذي لا يمكن لدورة صغيرة حاليا كبريطانيا أن تقدم ما يوازيه (خصوصا بعد أن فقدت إمبراطوريتها)
وما يفقده الإنجليز في البهرجة مرتفعة الثمن، يعوضونه في الجوانب الأخرى. فتجد المواضيع التي تعالجها الدراما الإنجليزية أكثر أهمية بمراحل من مثيلتها الأمريكية.

في الثمانينيات، قامت تليفزيون الـ BBC بإنتاج عدة مواسم من مسلسل (نعم يا حضرة الوزير) الذي خلط بين السياسة والكوميديا بنجاح غير مسبوق.. وإلى اليوم لا أعرف له نظيرا!
والسبب هو جرأة وصراحة تعليق المسلسل على الواقع السياسي العالمي وقتها.. وكيف يتم تحريك السياسة الداخلية والخارجية عن طريق تلاعب موظفي الحكومة بعقول الشعب، عن طريق الكذب السياسي المحترف، والصحافة الموجهة، وإلهاء الشعب بالفرعيات.

وبعد نجاح المسلسل تم إنتاج حلقات جديدة بنفس الشخصيات الثلاث الأساسية، مع ترقية شخصية الوزير إلى رئيس الوزراء.

هنا سأعرض عليك محتوى حلقة واحدة من مسلسل Yes Minister لترى كيف نجح المؤلف في تقديم 3 قصص متداخلة في نصف ساعة فقط، هي مدة الحلقة الرابعة من الموسم الثالث!

عنوان الحلقة: The Moral Dimension (البعد الأخلاقي)
وتعالج مسألة الفساد الأخلاقي في أروقة الحكومات، وارتباط هذا بالعالم العربي.
شخصيات المسلسل:
وزير الشؤون الإدارية: هاكر
مساعد مكتب الوزير: سير همفري
المساعد الشخصي للوزير: برنارد

تبدأ الحلقة والوزير على طائرة حكومية مسافرة إلى بلد عربي خليجي نفطي يسمى (قمران) ، ومعه همفري وبرنارد وزوجته، لحضور توقيع عقد كبير بين الحكومة البريطانية والحكومة قمران العربية.
يتم إخبار الوزير أن الحفل الرسمي لن يُسمح فيه بشرب الخمور، بسبب القوانين الإسلامية، مما يصيبه - وبقية الموظفين - بعدم الارتياح.. إلا أنه يقترح خطة كوميدية لحل الموقف!
أن يتم استدعاؤه أثناء الحفل الرسمي إلى حجرة خاصة بالسفارة البريطانية المجاورة، تحت إدعاء تلقيه مكالمة تليفونية مفاجئة، يقوم هو خلال هذا الوقت باحتساء رشفات سريعة من الخمر "تساعده" على تمضية الوقت دون الإساءة بشكل علني للحكومة العربية المستضيفة. وتنجح الخطة.
أثناء الحفل تتلقى زوجة الوزير هدية رسمية من الوزير العربي، في شكل آنية زهور أثرية، لكن برنارد يصدمها عندما يخبرها أن الهدايا يتم تسليمها للحكومة البريطانية ولا يُسمح للوزير بالاحتفاظ بها ما دامت غالية الثمن.
وهنا تقوم الزوجة بالإيحاء لبرنارد بضرورة حل الموقف. فيقوم أحد الموظفين العرب بالتطوع بكتابة تقرير "تثمين" مزيف يقول أن الإناء مجرد تقليد وليس حقيقيا، مما سيسمح بالتالي بجعل ثمنه في الأوراق الرسمية مجرد 50 جنيه بدلا من 5 آلاف جنيه!
لكن أثناء هذا يتلقى برنارد صدمة أخرى عندما يعرف أن العقد المبرم بين الحكومتين اعتمد على تقديم الإنجليز لرشوة مقدارها مليون جنيه، تم توزيعها على الوزير العربي وموظفيه، كإجراء تقليدي يحدث دائما في الصفقات العربية-الأجنبية!!

بعد عودة الوزير لبريطانيا، حدث أن إحدى الجرائد كتبت مقالا تكشف فيه أن الجكومة البريطانية كسبت العقد مع الحكومة القمرانية العربية عن طريق رشوة!
مما جعل من الضروري على مكتب الوزير أن يقدم تبريرا منمقا للصحافة لمسألة المليون جنيه، مع نفي تقديم أي رشوة.

وهنا نعرف في حوار بين همفري والوزير أن الوزير لم يكن على علم بمسألة الرشوة، وأن الحكومة البريطانية تعتبر هذا أسلوب العمل الوحيد مع البلاد العربية التي يسودها الفساد الحكومي. وهنا يقرر الوزير أنه سيرفض الاستمرار في هذه الصفقة المشبوهة، ويقول أن عنده "بعدا أخلاقيا" للمسألة لن يحيد عنه.

مما سيسبب بالطبع إحراجا للحكومة البريطانية بشكل عام إن تأكدت الصحافة من موضوع الرشاوي.

لكن الحبكة تتعقد عندما يعرف الوزير أن الصحافية التي ستسأله عن مسألة الرشوة ستسأله أيضا عن سبب احتفاظ زوجته بإناء أثري كان يجب أن يتم تسليمه لعهدة الحكومة!!
وبالطبع لا يمكن أن يكذب عليها ويخبرها أنه إناء تقليد ومزيف، لأن هذا الكلام سيغضب حكومة قمران ويجعلهم يظهرون في صورة من يقدمون هدايا رسمية مزيفة قليلة القيمة!

وهنا يحاول الوزير الاحتفاظ بنقائه الأخلاقي للنهاية، ما دامت مسألة الرشوة لم يكن هو أصلا على علم لها ولم يكن مشتركا فيها، وما دامت مسألة الإناء الأثري هي نتاج اتفاق زوجته مع برنارد، دون علم الوزير بأن تقرير التثمين كان مزيفا.
لكن سير همفري يتدخل، بحركة مضادة تجبر الوزير على "مجاراة" التيار، وأن يترك المسار الأخلاقي الذي يتظاهر بالتمسك به.
كيف؟؟
قال همفري - بطريقة ماكرة - أنه اقتنع تماما بما يقوله الوزير، وأن الصراحة وإلتزام البعد الأخلاقي هي أمور فائقة الأهمية، ولهذا سيريح همفري ضميره الشخصي بأن يذهب للصحافة معترفا بما فعله الوزير من خداع للحكومة القمرانية أثناء الحفل، وأنه شرب الخمر في السر!!

وكتنت هذه هي القشة التي قسمت ظهر بعير الوزير. إذ سرعان ما تخلى عن أي "بعد أخلاقي" وطلب من همفري الكتمان، وقال أنه سيحل المسألة بأسلوب سياسي "ماكر"

لما جاءت الصحفية استخدم الوزير معها أسلوب نابليون حين يكون الجيش في حالة ضعف، (الهجوم خير وسيلة للدفاع) ، وسارع بنفي وجود أي رشوة، وأكد لها أن كل المصروفات كانت مبررة قانونا ومشروعة، وأن الصحافة البريطانية بأسلوبها التفتيشي هذا تؤدي لإضعاف الاقتصاد البريطاني وتشوبه سمعته في الخارج!
فاضطربت الصحفية أمام هذا الهجوم، وقررت حذف موضوع الرشوة، ودخلت في موضوع الإناء الأثري الموجود بمنزل الوزير.
فكان رده الحاسم هو أن الإناء موجود في بيته بشكل مؤقت فقط، وأن إشاعة أن إناء مزيف كان غرضها حماية هذا الأثر من طمع اللصوص إلى أن يتم تسليم الإناء للحكومة البريطانية لتودعه في المتحف البريطاني!
فكانت النتيجة أن الصحفية قررت حذف هذا الموضوع أيضا، وخرجت من المكتب بخفي حُنين، وبلا أي اتهامات ضد الوزير!

وهنا تنتهي الحلقة.

=====

والآن، هل يمكن لمؤلف عربي أن يقدم كل هذه الخطوط الدرامية في شكل كوميدي مكثف (28 دقيقة) كما فعل مؤلفو هذه الحلقة؟!!
أشك بشدة.

د عادل العشري


في تدوينة سابقة سردت كثيرا من كتب العلماء المسلمين الذين ناصروا مسألة جريان الشمس حول الأرض..
(الرابط: http://aboutsalama.blogspot.com/2001/11/Geocentric-Islam.html )


وفي رأيي أن أقوى المعاصرين المتكلمين في هذا الموضوع هو أ/ عيد ورداني، السكندري، وكتابه الشهير هو «قصة الخلق من العرش إلى الفرش» في 600 صفحة
لكن هنا أريد التركيز بشكل أكبر على باحث آخر، وهو الطبيب المصري  د/ عادل السيد العشري ، من الدقهلية.

للأسف لا توجد نسخة كاملة من كتابه على الشبكة، إلا أن أحد طلبة العلم منذ فترة رفع بضع صفحات مصورة من كتابه الذي أسماه «دوران الأرض بين الحقيقة والخرافة»
رابط الصور هنا:
http://www.4shared.com/rar/f8nx9K2ice/_3__________1_.html

وأظن أن أسلوب هذا الرجل في إيصال المحتوى العلمي سيكون مناسبا جدا لمن يريد فتح نقاش هادئ حول الموضوع.. دون صدام.
انظر مثلا هذا الڤيديو الوحيد المنشور له على الإنترنت، لترى الطريقة الهادئة التي يستخدمها لمناقشة موضوع تتحول نقاشاته - في الغالب - لجدالات صاخبة!!

رابط الفيديو: http://www.youtube.com/watch?v=bIOb4IxIlzA



الدكتور عادل توفاه الله في 2009 بعد عملية جراحية، ووجدت أن كل من يعرفه يشهد له بالرحمة والإيمان وحب الخير للناس، والدقة في المسائل العلمية.
قيل أنه الوحيد من أطباء منطقته الذي رفض رفع ثمن تسعيرة الكشف الطبي عنده حتى بعد تزايد شهرته.
ولاحظت أنه حتى مخالفيه فيما ذهب إليه يعاملونه باحترام زائد.. وهي مهابة يضعها الله لبعض عباده في قلوب الناس.

وجدت منشورا له على أحد المنتديات، في 2008، قبل وفاته بقليل، يسرد فيه أسماء كتبه هكذا:
الكتاب الأول (دوران الأرض بين الحقيقة والخرافة)
الكتاب الثاني (تناقض نظريات الفلك مع نصوص القرآن ) وفيه توضيح لانزلاق علماء الإعجاز العلمي
الكتاب الثالث (نظرات في الفيزياء وخدعة الزمانكان والسفر في الزمان) تحت الطبع

فمن يستطيع رفع أي من هذه المؤلفات على الشبكة في صورة نصية، فسأكون له شاكرا، كي لا تبقى نتائج أبحاث هذا الرجل طي النسيان.

الأحد، 13 أبريل 2014

قيامة لوبونتو

انهار النظام!!
سقط نظام التشغيل «لوبونتو» وانهارت (آحاده وأصفاره) الإلكترونية، تاركةً إياي أضرب كفا بكف، متحسرا على ما أنفقت فيها من ساعات إعداد وتهيئة!
كان العيب "عتاديا".. من الهاردوير، لذا فمبرمجو لينُكس بريئون من تهمة الإهمال براءة الديب من دم يوسف.

وحيث أنه مع المحن تأتي المنح، ومع العسر يُسران، تجدني استغللت الموقف لأنظر بعين النقد لمسألة البرامج التي أحتاجها، أو "أظن" أني أحتاجها.

هل يحتاج المستخدم العادي لأكثر من متصفح شبكي واحد على جهازه؟؟
لعدة مشغلات ڤيديو؟؟
وهل يمكن الاكتفاء بالبرامج البسيطة والاستغناء عن المبهرجة، الثقيلة على الذاكرة، المتضخمة بلا طائل؟

لما تجد الفرصة أمامك للبدء مع نسخة "فريش" من نظام تشغيلك المفضل.. هل ستعيد تكرار نفس الأخطاء أم ستحجم عن تركيب البرامج الـ"سمينة" مكتفيا بـ"الثمينة"؟!
=====

بعد تثبيت النظام الجديد بدأت بحذف المتصفح الافتراضي Chromium وتثبيت فايرفوكس
ثم طلبت من مستودع برامج أوبونتو أن يثبّت Wine ، والذي أحتاجه لتشغيل Davar3 و Sakhr Dictionary Dic32
وبالطبع كان التالي هو برنامج الكاتب Writer من حزمة LibreOffice
(مع بعض الخطوط القديمة، كالهيروغليفية والعبرية)

ثم:
uGet - FatRat - Moltaqa Library - KSU Ayat - Othman Qur'an Browser - eVince PDF viewer - Gnome MPlayer2 -
وهي في مجموعها - مع "اعتمادياتها" - حوالي 1 جيجا من مساحة النظام.

=====

لاحظت بعد ذلك تكراري لعدة تحسينات بسيطة كنت أستخدمها في النظام السابق..
1- تبسيط الواجهة وتقليل مؤثرات النظام "الجمالية" التي أراها مفتعلة
2- إضافة سكريبت (تكبير النوافذ للحد الأقصى تلقائيا فور فتحها)
3- حذف بعض البرامج التي تعمل تلقائيا فور بدء النظام.. وتجدها في الغالب ضمن هذا المسار
/etc/xdg/autostart
4- وطبعا قبل كل هذا كانت العقبة الأولى التي يجب تخطيها هي تعريف كارت الشبكة! فهو من نوع BCM 43Legacy ذي المشاكل المعروفة مع أنظمة التشغيل مفتوحة المصدر

(ويمكن أن أضيف أيضا أن صعوبة تعريفه على نظام Porteus كانت السبب الرئيسي لعودتي لـ لوبونتو بعد أن كنت نويت الانتقال لـ سلاكوير!!)

الثلاثاء، 8 أبريل 2014

الماتريكس والباطنية

«مقدمة فصل (الماتريكس) من كتابي: أساطير الأولين والديانات الباطنية»


لو كانت أهمية الأمور تقاس بدرجة تأثيرها، فبالتأكيد بداية ملحمة أفلام الماتريكس تعتبر من أهم أحداث سنة 1999 !!
نجح صانعو ثلاثية الماتريكس في خلق أسطورة جديدة ملائمة لذوق إنسان القرن الحادي والعشرين.. قاموا بإيصال نفس الرسالة الباطنية القديمة لكن في شكل مبتكر، براق، وفي براعة لا يمكن إنكارها.

موهبة اختراع الأساطير والحكايات الرمزية كانت مقصورة قديما على طبقة الكهنة، أما اليوم فالسينما تقوم بهذا الدور البديل!
في معابد مصر القديمة كان يقع على عاتق الكهنة تأليف قصص إيزيس وأوزيريس ورع وتحوت، ثم حشوها بالمعاني الدينية الباطنية المراد تمريرها إلى العوام بصورة تناسب عقولهم وتتقبلها أذواقهم..
وفي قبائل أفريقيا الوثنية والهنود الحمر كانت تقع هذه الوظيفة على عاتق الساحر أو العرّاف الذي يقص القصص الأسطورية على أفراد القبيلة وهم مجتمعون حول نار المخيم..
ومرت القرون وتغيرت ظروف البشر، لكن شغفهم بسماع الأسطورة لم يختفِ.. إذ نجد الأمريكان مثلا في السبعينيات من القرن العشرين منبهرين بتلك الملحمة الأسطورية التي صاغها چورچ لوكاس (حرب النجوم Star Wars) ، مع أن الحبكة قائمة بالكامل على نفس قواعد قصص "رحلة البطل" التي ترويها الأساطير الإغريقية القديمة!
(انظر مثلا دراسة چوزيف كامبل الشهيرة عن "البطل ذي الألف وجه"، وكيف أن كل الأساطير الناجحة - قديما وحديثا - تسير على نمط واحد محدد متشابه)
=====

قصة الماتريكس، ورحلة البطل «نيو Neo» يبدو أنها لمست وترا حساسا عند الكثيرين، ولهذا صدرت عدة كتب تناقش جوانب مختلفة من الفيلم، وتم عقد لقاءات وتسجيل محاضرات مع فلاسفة ومفكرين يعرضون وجهة نظرهم في القصة ومعانيها.
بل أن مواقع الإنترنت المخصصة لتحليل الثلاثية تضخم عددها بصورة غير مسبوقة في التاريخ.
حتى أن بعض الباحثين الكاثوليك كتبوا عن الفيلم و"أثره الضار" في إحياء الأفكار الغنوصية القديمة وتقديمها للجيل الجديد!
أما مراكز الدراسات الغنوصية فرحبت بالفيلم بالطبع وأثنت عليه.
وحركات المعارضة السياسية في أمريكا اهتمت أيضا بالفيلم ورأته كرمز لعملية الخداع وغسيل الذهن التي يقوم بها الإعلام الحكومي ضد طبقات الشعب!

لاحظ أن كل هذا التفاعل وكل هذه النقاشات والكتابات تعلق على فيلم يقوم - في الظاهر - على حركات الكونج-فو و"الأكشن" المفتعل المبالغ فيه!!
لكن الحقيقة التي يعلمها أغلب من شاهدوا الماتريكس هي أن القصة الظاهرية لها باطن عميق للغاية وفلسفي ومدروس بدقة.. وهذا "الباطن" هو ما سنتحدث عنه في هذا الفصل بالتفصيل، لأسباب ستتضح من السياق.
=====

الماتريكس Matrix (وجمعها matrices) كلمة تحمل عدة معانٍ مختلفة في نفس الوقت.. فأصل الكلمة من اللغة اللاتينية، وترتبط بكلمة (أم Mother) و (مادة Matter)
(انظر http://en.wiktionary.org/wiki/matrix)

وفي علوم الرياضيات والحاسبات تعني المصفوفة العددية
وفي علم الأحياء تعني رحم الأم، وأيضا المادة التي تكون بين الخلايا.
وداخل الخلية الحيوانية يوجد عضيّ (تصغير كلمة عضو) هام وشهير اسمه الميتوكوندريا، مهمته توليد الطاقة للخلية.. والجزء الموجود داخل الميتوكوندريا يسمى - في علم التشريح والبيولوچيا - الـ ماتريكس.
وكل هذه المعاني تم دمجها داخل قصة الفيلم!!.. مما يعطيك لمحة عن مقدار الجهد المبذول في تأليف القصة وتنسيقها.
=====

القصة باختصار مخل هي كالآتي:
في المستقبل، يعيش البشر في عالم وهمي اصطناعي تحت سطوة آلات لها القدرة على التفكير. والأفلام الثلاثة هي رحلة البطل المسمى Neo لتحرير البشرية من هذا العالم الافتراضي المزيف، ومحاولة الانتصار على الآلات.

أضاف المؤلفان (لاري وأندي واتشوسكي) إلى هذا الخيال العلمي عدة أشياء أدت إلى اختلاف الفيلم وتميزه:
- حركات قتالية أنيقة مأخوذة من أفلام هونج-كونج القديمة
- مؤثرات جرافيك غير مسبوقة، تم اختراعها خصيصا للماتريكس على يد فريق من الخبراء المحترفين
- عدم قصر القصة على الفيلم.. بل ربطها بوسائط أخرى كالأفلام المتحركة والقصص المصورة وألعاب الڤيديو، بحيث صار متحتما على من يريد الإلمام بكل جوانب الملحمة ألا يقتصر على الفيلم فقط

ولو كانت القصة في أساسها ضعيفة لما احتملت توسيعها لهذه الدرجة.. لكن العالم الذي ابتكره الأخوان واتشوسكي كان غنيا وثريا بالتفاصيل لدرجة مدهشة.
=====

بالنسبة للأخين كان الماتريكس هو مشروع عمرهما كله، لأن التخطيط لكل الأحداث وكيفية تحويل القصة من فكرة إلى عمل فني فعلي، استلزم سنوات طويلة من الدراسة والكتابة.. لكن استوديوهات هوليوود كانت متخوفة - بطبيعة الحال - من إعطاء ميزانية ضخمة لمخرجين شابين لم يسبق لها العمل بالسينما.. لهذا تم عرض مشروع فيلم آخر عليهما لتنفيذه كتجربة واختبار، بميزانية صغيرة.. وكان هذا الفيلم المنسي اسمه Bound ويحكي عن علاقة حب بين امرأتين.
وبعد صدور الفيلم وتأكد شركات الانتاج من جدية المخرجين، تم البدء في العمل على الماتريكس.
من الغريب وقتها أن الأخين رفضا الظهور العلني للدعاية للفيلم، واشترطا هذا في العقد مع شركة الإنتاج.. وفيما بعد بسنوات بدأت بعض الأخبار الصحفية الغريبة تظهر عن علاقة لاري واتشوسكي بسيدة متخصصة في العلاقات الجنسية السادية-الماسوشية..

(السادية هي الشعور باللذة الجنسية أثناء تعذيب الآخرين جسديا. الماسوشية هي الشعور باللذة أثناء التعرض للتعذيب على يد الآخرين)

ثم قيل أنه يميل لارتداء ملابس النساء، فسارع منتج الفيلم اليهودي چو سيلڤر في نفي هذا تماما.
لكن بعدها بفترة خرج (لاري) معلنا أنه قام بعملية "تحويل جنس" وأن اسمه الآن (لانا) ، وأنه تزوج صديقته المذكورة سابقا!!

لاري واتشوسكي قبل وبعد العملية
لماذا أقص عليك كل هذا؟.. السبب هو أن معرفة خلفية وميول وأفكار أي فنان تؤدي بالتبعية لفهم أعمق لأعماله الفنية. والماتريكس هنا مثال واضح.

من تنحرف فطرتهم إلى درجة الرغبة في تغيير أعضائهم الجنسية يحاولون دائما تبرير المسألة بأنهم "روح أنثى محبوسة داخل جسد ذكري" ، وهي فكرة قريبة من الأفكار الباطنية الغنوصية كما رأيت في الفصول السابقة. ولهذا لا عجب أن يميل لاري واتشوسكي للديانة الباطنية وأن تسيطر عليه عقائدها بحيث تظهر جلية في أفلامه.

وبالإضافة لهذا فإن الباطنية يؤمنون بفكرة تناسخ الأرواح، وعودة الأرواح لجسد جديد بعد موت الجسد السابق، في دورات، طالما لم ينجح صاحبها في الفكاك من أسر المادة في حياته السابقة.
وهذه الفكرة أيضا يميل إليها "المتحولون جنسيا"  لأنها تعطيهم مبررا أمام أنفسهم لانحرافهم.. فيقولون ربما كانت روحي السابقة أنثوية وعادت للحياة هذه المرة في صورة ذكر!!

وعرفت أيضا من الفصول السابقة أن إحدى الأفكار الباطنية الفلسفية الخيميائية تقوم على اتحاد العنصر الأنثوي بالعنصر الذكري، وأن هذا التحاد يحوّل الإنسان إلى مخلوق كامل.. وهي خرافة أفلاطونية وتلمودية عن الإنسان الأول الذي كان ذكرا وأنثى في آن واحد ثم تم فصله لجنسين..
وقد يكون (لاري واتشوسكي) تأثر بهذه الفكرة فقرر الجمع بين الصفات الذكورية والأنثوية للحصول على "الكمال" المزعوم، كما كان إخناتون مثلا يجعل صوره المنقوشة تجمع بين صفات الرجل والمرأة كرمز على "كماله" !!
=====

في 1999 ظهر الجزء الأول من سلسلة الماتريكس، ثم في 2003 ظهر الجزءان الآخران، فاكتملت الثلاثية.
وصدرت أيضا مجموعة من أفلام "الأنيميشن" المتحركة AniMatrix التي تدور في نفس عالم القصة
وصدرت عدة قصص مصورة Comic Books
وثلاث ألعاب فيديو تضيف لأحداث الفيلم:
Enter The Matrix - The Path of Neo - The Matrix Online

ثم تعاون الأخان مرة أخرى 2005 لكتابة الفيلم الشهير V for Vendetta  الذي نشر فكرة الأناركية مرة أخرى بين الشباب، وصار قناع ڤينديتا رمزا للحركات الثورية.
هذا الفيلم يقوم على رواية مصورة Graphic Novel كتبها المؤلف البريطاني الباطني (ألان مور) في الثمانينيات، ثم انتقل بعدها لدراسة السحر والقبالاه اليهودية ونشر هذه الأفكار في شكل محبب للقراء.
=====

الجمعة، 4 أبريل 2014

نتق جبل الطور في تفسير ابن عاشور

فهم البعض من تفسير ابن عاشور لآيات حادثة رفع جبل الطور فوق بني إسرائيل أنه ينفي الرفع الفعلي ويجعله مجرد اهتزاز..
قرأت هذا الكلام في منتدى الألوكة هنا:
http://majles.alukah.net/t17687
وسبب اختياره لهذا التفسير البعيد هو اعتماده على النص التوراتي وحسن ظنه الزائد فيه.
والحقيقة أن النص التوراتي حاول نفي خزي هذا الموقف عن اليهود، وإخفاء الحقيقة، وإظهارهم كأنهم قبلوا التوراة فورا دون تردد، بل وقالوا سمعنا وأطعنا، بدلا من "سمعنا وعصينا" !!

(وأخرج موسى الشعب من المحلّة لملاقاة الله. فوقفوا في أسفل الجبل
وكان جبل سيناء كله يدخن من اجل أن الرب نزل عليه بالنار. وصعد دخانه كدخان الأتون وارتجف كل الجبل جدا)

سفر الخروج 19: 17

في النص العبري مكتوب "في أسفل الجبل" هكذا (بـ تحتيت ها هَر)
أي تحت الجبل
ومن السياق نفهم أن مقصود كاتبي التوراة أن يفهم القارئ أن بني إسرائيل وقفوا بسفح الجبل.
لكن النص القرآني يقول صراحة أن الجبل نفسه تم رفعه فوقهم، تهديدا وتخويفا، وغطاهم كالظلة.
=====

والآن سأعرض عليكم مصداق القصة القرآنية من كتاب اليهود الآخر.. التلمود!

And they stood under the mount
R. Abdimi b. Hama b. Hasa said: This teaches that the Holy One, blessed be He, overturned the mountain upon them like an [inverted] cask, and said to them,'If ye accept the Torah, 'tis well; if not, there shall be your burial
shabbath 88a

المصدر: التلمود البابلي ، قسم (السبت) ، الورقة 88 أ
الترجمة:
(تفسير نص «ووقفوا أسفل الجبل»)
الحاخام عبديم بن حاما بن حاسا: يعلمنا هذا أن الرب المبارك قلب الجبل فوقهم كالبرميل، وقال لهم: "لو قبلتم التوراة، فحسن.. أما لو رفضتموها، فسيكون هذا مكان دفنكم."


فالحمد لله الذي علمنا ما لم نكن نعلم.

الأربعاء، 2 أبريل 2014

الكنيسة والإخوان.. الانقلاب والثورة

عندما ترى جيش دولة يعتمد على دعم الأقلية (بأموالها وأفرادها) لتمرير انقلابه ضد رئيس ينتمي لدين الأغلبية، فاعلم أنه صار ألعوبة في يد الكهنة..
وصفقات الكهنة والملوك يكون الخاسر فيها دائما عامة الشعب.. وتاريخ أوروبا يشهد.

وفي نفس الوقت، تكون هذه الصفقات تمهيدا لإشعال العداء بين الطوائف.. ثم الاقتتال الداخلي.. ثم الانفصال، كما حدث بين البروتستانت والكاثوليك.