السبت، 17 مايو 2014

في الأرض خليفة

العلاقة بين البشر والملائكة والشياطين اتضحت مبكرا جدا.. فور خلق الإنسان.
في البداية لم يفهم الملائكة سبب خلق هذا المخلوق الذي سيُفسد في الأرض ويسفك الدماء.. ثم أطاعوا الله وسجدوا لآدم، كعلامة على بدء خدمتهم له وإشرافهم عليه.
أما إبليس فكانت مشاعره تجاه آدم مختلفة. شعر بأنه منافس له، فحسده، وقرر في نفسه ألا يطيعه أبدا.
وباقي القصة معروفة.
-----
يقول النص القرآني «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» - البقرة 30

ما معنى كلمة "خليفة" في هذا السياق؟
ربما تظنه سؤالا واضحا له إجابة ثابتة ومعروفة في كتب التفسير، إلا أن المسألة أعقد قليلا مما تظن!
هناك أربعة آراء في معنى خليفة، سأسردهم بالترتيب من الأضعف إلى الأقوى:

1- خليفة لله
2- خليفة للمسلمين (أي حاكم)
3- خليفة للجن (بعد إفسادهم في الأرض أول مرة)
4- كائن ذو ذرية، يتناسل، بحيث يخلف بعضه بعضا

فالقول الأول لا يصح، لأن الله ليس غائبا حتى يخلفه مخلوق ما.
والثاني ضعيف لأنه لا يناسب السياق. وأصلا معنى خليفة المسلمين مشتق من أن الحاكم يكون خلفا للحاكم السابق، أي أن كلمة "خليفة" في حد ذاتها لا تعني رئيسا حاكما.
والثالث مناسب للمعنى، ومناسب لآية 27 من سورة الحجر «والجآن خلقناه من قبل من نار السموم» ، ومناسب لتعليق الملائكة على أن المخلوق الآدمي سيفسد في الأرض كما فعل الجن قبله.
والرابع هو أقوى تفسير للكلمة. فالمعنى هو أن آدم لن يكون مخلوقا منفردا، ولن يعيش للأبد، بل سيكون من طبيعته أنه يتناسل ويزيد عدده ويعمر الأرض، ويموت السلف فيأتي بعدهم خلف لهم، وهكذا.

ومنذ أيام تم تسجيل شرح للآية في فلسطين، قام به الشيخ بسام نهاد جرار (رئيس مركز نون للدراسات) يربط فيه بذكاء شديد بين هذه الآية وآية "وعلم آدم الأسماء كلها"..
ومختصر كلامه أن الإنسان له القدرة على نقل العلم من جيل إلى جيل، على عكس الحيوانات مثلا، وأن هذا هو معنى "الاستخلاف" الحقيقي.

وفي مواضع أخرى من القرآن نرى أن "الخلافة والاستخلاف" تأتي بمعنى القول الرابع الذي أشرت إلى أنه أقوى تفاسير كلمة خليفة:
تقول آخر آية في سورة الأنعام «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ»
وآية 59 من سورة مريم: «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً»

الخميس، 15 مايو 2014

الشعراوي

لا أعتمد إطلاقا على خواطر محمد متولي المعروفة بين الناس بـ"تفسير" الشعراوي، ولا أثق في اختياراته التفسيرية!
الشعراوي عندي مثل محمد عبده، كلاهما أراد "تجديد" التفسير بإقحام معانٍ مفتعلة على النص لا يقبلها السياق.. وكلاهما رضي الغرب عنه وعن توجهه "لسبب ما"!

في الحقيقة متولي الشعراوي من "القبورية" الذين لا يُحتج بآرائهم أصلا! (كما يعرف من سمع لقاءاته قبل وفاته التي هاجم فيها السلفية)

ولولا دعم أنظمة الطغاة له لما انتشر أمره. فقد أفردوا له الساعات الطوال على شاشات التلفاز، في برنامج بمقدمة موسيقية شهيرة، لينشر السلبية الصوفية بين عامة الناس في مصر.
ومن قبل كافأه الفسدة بأن جعلوه وزيرا!
الشعراوي - كما قال عن نفسه في كتاب الشعراوي الذي لا نعرفه - كان يقبل يد رئيس حزب الوفد العلماني الذي شعاره الهلال والصليب، وهو تذلل لا يليق بالشيوخ والعلماء!

وفي الوقت الذي كان الإسلام فيه محاربا في مصر، كانت الحكومة تنشر كتابات الشعراوي على طلبة المدارس، لعلمها أنه لا "خطر" منه على الطغاة وعلى المسار الفكري العام المراد!

الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله وصف الشعراوي بأنه "ضال متلون"، أفتى بـ «حي على خير العمل» [أي تغيير نص الأذان]، ويفتي كل طائفة بما يناسبها، إذا كان في نجد وفي أرض الحرمين فالرجل سلفي، وإذا كان في مصر مائع ضائع، وإذا جاء إلى اليمن فشيعي"
(من شرح الوادعي لمقدمة صحيح مسلم)


ويقول الشيخ الألباني يخصوص الشعراوي، في الشريط 206 من سلسلة الهدى والنور [تفريغ الشريط على موقع الشاملة] :

"أحد إخواننا السلفيين، وهو يحكي مع شدة إعجابه به، له صاحب له سيارة أركب الشيخ الشعراوي حتى يوصله لمكان وكان صاحبنا معه، وكان منهم أحد إخوانا السلفيين وهو يحكي مع شدة إعجابه به خطر في باله خاطرة جيدة، إنه هذا الشيخ إللي نحن نسر بلقائه وكلامه على الآيات وإعجاز القرآن بالنسبة للعلم الحديث، خطر في باله أن يسأله يشوفه سلفي العقيدة أم لا
فقال له ما هو رأي فضيلة الشيخ في قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) هل يوصف ربنا بأن له صفة العلو؟ فثار عليه ثورة، أن الله ليس له مكان وليس له زمان والله في كل مكان، من ها الضلالة يلي بتعرفها ليس في عامة المسلمين فقط، بل وفي كثير من خاصتهم.. فهو منحرف عن العقيدة، وكثيرًا ما يتأول الآيات بتأويل من أجل أن تناسب مفاهيم العصر الحاضر.

أما أسلوبه فالمصريون يمتازوا فيما يظهر على الشعوب الإسلامية بطلاقة اللسان وبحسن أسلوب الكلام، وعندهم استطاعة أن يسيطروا على الناس، والشعراوي من هذا القبيل، لكن لا يؤخذ منه العلم؛ لأن العلم شيء والأسلوب شيء
كما قلنا ليلة السهرة هناك، أنه أيضًا يقال نفس الكلام، أن العلم شيء والأسلوب شيء،
ناس عندهم العلم صحيح لكن ما عندهم الأسلوب صحيح، وهذا بالعكس عنده أسلوب جيد جذاب لكن ما عنده علم صحيح، فلذلك الذي يريد أن يستمع إليه، مأخوذًا بروعة أسلوبه، يجب أن يأخذ حذره من أن يتلقن منه، ما ليس بصحيح"


همبتي دمبتي العثماني؟؟

في رواية (أليس) الثانية المسماة "أليس عبر المرآة" نرى شخصية همبتي دمبتي الشهيرة تحاور بطلة القصة، في حوار ذكي ساخر كتبه المؤلف لويس كارول.
صورة همبتي المعروفة مرتبطة بشخص على شكل بيضة، يجلس على سور، معرضا للسقوط من عليه في أية لحظة.
لكن - وكما تقول كلمات الأغنية البريطانية الشعبية القديمة - الملك بنفسه وعده بأن يرسل له كل جنوده وكل خيوله لإنقاذه إن تعرض للسقوط.
قام لويس كارول بإدخال هذه الأغنية الشعبية في أحداث قصته، وللأسف - كما تنبأت الكلمات - يسقط همبتي دمبتي ولا يفلح كل رجال الملك في إعادته لوضعه كما كان!

Humpty Dumpty sat on a wall
Humpty Dumpty had a great fall
All the king's horses and all the king's men
Couldn't put Humpty together again
همبتي دمبتي جلس على حائط
همبتي دمبتي سقط سقطة عظيمة
كل خيول الملك وكل رجال الملك
لم يفلحوا في إعادة أجزائه كما كانت.



رواية "أليس عبر المرآة" تم نشرها سنة 1872 ، مع تغيير السطر الأخير في الأغنية ليكون:
Couldn’t put Humpty Dumpty in his place again
"لم يفلحوا في إعادته لموضعه كما كان"

الرسام الذي رسم لوحات قصة أليس هو "چون تينيل John Tenniel".. كان رساما للكاريكاتير السياسي في بريطانيا في القرن الـ 19 ، خصوصا في مجلة Punch

ما أريد لفت الانتباه له هنا هو سطر في قصة أليس يصف همبتي دمبتي - عند تقديمه - بأنه «يجلس على الحائط شابكا رجليه كما يفعل "الأتراك" »
وقت كتابة القصة كانت كلمة تركي تعني مسلم بشكل عام، لأن تعاملات أوروبا كانت مع مسلمي الخلافة العثمانية التركية، والتي كان يحكمها آخر السلاطين العظام، عبد الحميد الثاني رحمه الله.

وحيث أن قصة أليس معروفة برموزها التي تسخر من السياسيين في عصرها، خطر لي أن سقوط همبتي دمبتي المقصود منه السقوط - الذي كان وشيكا - للخلافة العثمانية التي كانت توصف وقتها برجل أوروبا المريض!
ففي رواية أليس الأولى "أليس في بلاد العجائب" يقول الدارسون أن شخصية "صانع القبعات المجنون" مستوحاة من رئيس الوزراء البريطاني اليهودي بنيامين دزرائيلي.. وأن الرسام اختار ملامح الشخصية بحيث تظهر التشابه بينهما!

وبعد بحث وجدت كاريكاتيرا قديما رسمه چون تينيل لمجلة Punch سنة 1878 يعلق على اتفاقية سياسية تم إبرامها وقتها بين العثمانيين وبريطانيا، تسمى اتفاقية قبرص، تم بموجبها تسليم جزيرة قبرص العثمانية إلى الإنجليز، مقابل أن تدعم الإمبراطورية البريطانية الإمبراطورية العثمانية في النزاع الذي كان قائما بين العثمانيين والروس.

والكاريكاتير يصور دزرائيلي البريطاني على اليمين، وقبرص على اليسار، وهما يحاولان رفع السلطان العثماني على السور مرة أخرى بعد سقوطه، ومكتوب تحت الرسم: همبتي دمبتي!!
-----

بعد انقلاب الجيش على الخليفة عبد الحميد الثاني سنة 1909 تفتت الامبراطورية العثمانية، ووقعت البلاد الإسلامية تحت الاحتلال الأوروبي، وتكسرت بيضة همبتي دمبتي بعد سقوطها العظيم.

الأربعاء، 14 مايو 2014

الخلل عند أتباع الإعجاز العلمي

أسعدني انتشار الرأي القائل أن النظريات العلمية الوافدة علينا من الغرب - وخاصة الكونية - يجب التعامل معها - كما قال بعض الشيوخ الفضلاء - كما نتعامل مع أقوال بني إسرائيل..
نصدق ما نعلم صدقه، ونكذّب ما نعلم كذبه، ونتوقف عن تصديق أو تكذيب ما لسنا متأكدين منه.

فأتباع الإعجاز العلمي عندهم خلل جوهري في أسلوبهم، وهو اتخاذ النظرية العلمية كأساس ثابت ثم محاولة تأويل الآية القرآنية لتناسب النظرية!!
ما دمنا لم نصل بعد لقوة علمية في بلادنا الإسلامية تتيح لنا مقارعة النظريات الغربية العلمية بتجارب معملية تكلف المليارات، فلا يجب أن نأخذ كل ما يقولونه وكأنه حقائق!
بل ننظر فيما استنتجوه من الـ  Data العلمية الخام التي جمعوها، فإن وافق استنتاجهم ما عندنا - بشكل صريح دون تأويل ولا تغيير لظاهر الآية - فهو صواب.. وإن خالف ما عندنا فهو خطأ.. وما لم يخالف ما عندنا لكن لم نستطع التأكد 100% منه (لضعف معاملنا وقلة علمائنا المتخصصين، إلخ) فنتركه معلقا، لا نؤمن به تماما ولا ننكره تماما..

وأدعو الله أن يهبني القوة على إتمام سلسلة "تحاريف وتخاريف أتباع الإعجاز العلمي" لكشف تدليسهم وتغييرهم لمعاني النصوص القرآنية، ونشرهم الأوهام بين عامة المسلمين.

ففيما سبق كتبت عن تحريف معنى آية "غُلبت الروم" وآية "مرور الجبال".. وهناك غير هذين المثالين الكثير.. كتغيير الإعجازيين لتفسير "الطارق النجم الثاقب" ليصير - في زعمهم - صوت "طرقات" الأشعة الكونية!!
وتغييرهم لمعنى "وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" لتصبح في زعمهم إشارة لتمدد السماء وتوسعها!! مع أن المعنى هو "جعلناها واسعة" أي "وقد أوسعنا بنيانها"
والعلم الغربي "الحديث" لا يعترف أصلا بالسماء!! أي لا يعترف بوجود بناء مشيد اسمه السماوات، لها أبواب ويعيش فيها ملائكة وأنبياء إلخ. والنصوص الإسلامية لا تشير أبدا لتغير حجم السماء الدنيا ولا لتغير المسافة بين الأرض والسماء.

الصين ولينكس

الحكومة الصينية تدعو مستخدمي Xp للانتقال إلى لينُكس

وقف دعم إكس-بي هو سبب قرار الصين حث المواطنين على التحول لاستخدام لينكس.
فنسخة الويندوز ستظل تعمل لكن دون تحديثات أمنية، وشراء نسخ الويندوز الجديدة سيكلف الدولة أموالا طائلة دون داعٍ بالإضافة إلى أنه يضع الصين تحت رحمة - وتحكم - شركة احتكارية أمريكية كمايكروسوفت..
فكان الحل المنطقي هو تقديم نسخة صينية من لينكس (موجود بالفعل الآن) آمنة ومجانية ومفتوحة المصدر وتحظى بدعم مطوري الحكومة.

ونفس الشيء يحدث الآن في ألمانيا.. وكان من المفترض أن يحدث عندنا بعد الثورة.. حيث نظام أعجوبة Ojuba.org عربي ومتاح للجميع (بالإضافة لنسخ لينكس "ممصرة" يقوم بتطويرها طلبة هندسة حاسبات)
لكن الفساد المالي أدى إلى أن مايكروسوفت تستميل الهيئات الحكومية المسؤولة عن تقرير نوع نظام التشغيل المستخدم في الحكومة..
مايكروسوفت تجعل الوزارات المصرية تشتري نظاما مغلقا، غير مجاني، غير آمن، مرتبط دائما بشركته الأمريكية في الصيانة والدعم، في حين أن الشباب المصري سيقدم دعما أفضل وأسرع وأرخص للحكومة إن قررت استخدام اللينكس!

الاثنين، 12 مايو 2014

من تخاريف وتحاريف أتباع الإعجاز العلمي - مرور الجبال وحركة الأرض

س: هل هناك صلة بين مسألة حركة الأرض والآية 88 من سورة النمل "وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب" ؟
ج: لا!!  والتفصيل فيما يلي..



هناك حركة فكرية انتشرت تسمى "حركة الإعجاز العلمي في القرآن"، يقوم أتباعها بحسن نية بعملية خطيرة ومستمرة، وهي تحريف معاني آيات من القرآن وتوفيقها تعسفيا مع نظريات علمية معينة.
هذه الحركة لها جهد مشكور وآخر مذموم. إذ يصل بها الشطط أحيانا إلى "ليّ" عنق الآيات لتطويعها مع مسائل لم ترد في الآية أصلا!
ومثالنا هنا هو صلة آية "مرور الجبال" بمسألة دوران الأرض.

فللأسف انتشر بين الناس اليوم أن معناها مرتبط بمسألة دنيوية، في حين أن سياقها يربطها صراحة بحدث مستقبلي، أخروي، وهو "تسيير الجبال" يوم القيامة، بعد أن كانت ثابتة راسخة في الدنيا.

سبب تحريك الله يومها للجبال هو إظهار قدرته، وأيضا لتكون هذه الحادثة الخارقة علامة على فناء الدنيا وبداية حياة أخروية جديدة مختلفة في الشكل والهدف، وليرى الواقفون في يوم القيامة أن الثوابت التي كانت راسخة لا تتزعزع ولا تتحرك قد تحركت وتم نسفها.
وتحريك الجبال لم ترد الإشارة إليه في آية 88 من سورة النمل فقط، بل النص القرآني يركز على هذه المسألة ويكررها في عدة مواضع.. فالقرآن يفسر بعضه بعضا.

وفي تفسير القرطبي للآية جمع لما ورد في القرآن عن مراحل تدمير ونسف الجبال يوم القيامة.. فالجبال سيتم دكها، وستصير كالعهن المنفوش بعد أن كانت متماسكة،وستكون كالهباء، وسيتم نسفها، وسيتحول ترابها وغبارها المتبقي ليصير كالسحاب، إلخ..
فالسحب مظهرها الخارجي يوحي بضخامتها وأنها كالجبال، لكنها في الحقيقة ذرات بخار ماء خفيفة، وتشبه القطن وأجزاءه المقطعة.

ويقول ابن كثير في تفسير الآية:
"تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه، وهي تمر مر السحاب، أي: تزول عن أماكنها، كما قال تعالى: (يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا) الطور 9، 10 ، وقال (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) طه: 105، 107، وقال تعالى: (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة) الكهف: 47 "

ومما يؤكد أن الآية 88 تحكي حدثا من أحداث يوم القيامة، أنها في سياق يتحدث عن "يوم الفزع". فالآية التي تسبقها هي:
وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۚ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ
والآية التي تليها هي:
مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ

فأحداث دك الجبال وتحريك ذراتها كالسحاب هي من المشاهد المهولة ولا شك، لكن الله سيحفظ عباده الصالحين من فزع وأهوال ذلك اليوم.
-----

مرور الجبال وحركتها وسيرها وما سيحدث لها مذكور - كما قلنا - في آيات أخرى أيضا، ومنها:


وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً - الكهف 47
وواضح طبعا أن تسيير الجبال ليس في الحياة الدنيا بل يوم القيامة

إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ * يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً - الطور 10

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ - التكوير 3

يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً * وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً * وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً - النبأ 20

إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً - الواقعة 5

يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ - المعارج 9

وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ - القارعة 5

يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً - المزمل 14

فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ - المرسلات 10

فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ - الحاقة 14

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً - طه 105
-----

وهناك موقف آخر يوم القيامة سيرى الناس فيه شيئا على غير حقيقته، من هول الموقف:
«وترى الناس سكارى وما هم بسكارى»
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ - الحج 2
فهي شبيهة بآية «وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب»
-----

وكلمة الجبال مرتبطة بالسحاب في مواضع أخرى من القرآن غير آية سورة النمل:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ - النور 43
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ - فاطر 27
-----

والقرآن يشير في عدة مواضع إلى أن الجبال - في الحياة الدنيا حاليا - ثابتة، لا تمر ولا تسير.. بل هي كالوتد الثابت الذي يتم دقه في الأرض لتثبيت حبال الخيمة الموضوعة فوق الأرض.

أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً - النبأ 7
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا - النازعات 32
أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ - الغاشية 19


والجبال مضرب المثل في الثبات وعدم الحركة..
انظر مثلا آية الرعد 31:
وَلَوْ أَنَّ قُرْآَناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً

وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ - إبراهيم 46

والجبال رواسي راسية:

وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً - الرعد 3
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ - الحجر 19
وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ - النحل 15
وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ - الأنبياء 31
أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ - النمل 61
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ - لقمان 10
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا - فصلت 10
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ - ق 7
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتاً - المرسلات 27
-----

فكيف بعد كل هذا يحاول أتباع الإعجاز العلمي تغيير معنى آية "مرور الجبال" في عقول المسلمين وتحريف معناها وقطعها عن سياقها؟!

فمعنى الآية الواضح هو كما يقول تفسير الجلالين:
"وَتَرَى ٱلْجِبَالَ" أي تبصرها وقت النفخة
"تَحْسَبُهَا" أي تظنها
"جَامِدَةً" واقفة مكانها لعظمها
"وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ" المطر إذا ضربته الريح. أي تسير سيره، حتى تقع على الأرض فتستوي بها مبسوسة، ثم تصير "كَالعِهْنِ" ثم تصير "هبآءً مَّنثُوراً"

ويقول تفسير الرازي: "اعلم أن هذا هو العلامة الثالثة لقيام القيامة وهي تسيير الجبال"
وقال الشنقيطي في تفسير "أضواء البيان"  والألوسي في تفسير "روح المعاني" نفس الشيء بإسهاب وتوضيح.
-----
والجبال وقتها ستكون منفصلة عن الأرض كما أن السحاب بعيد عن سطح الأرض. وستسير الجبال في مجموعات مجتمعة مقتربة من بعضها كما يفعل السحاب. وستكون مكونة من مجموعة من الجزيئات الصغيرة الترابية كما يتكون السحاب من جزيئات مائية. وسيراها الناس تنتقل من مكانها كما نرى السحاب يتحرك من مكانه مبتعدا عنا، إلى آخر التشابهات.


هامش:
سلسلة «تخاريف وتحاريف أتباع الإعجاز العلمي» بدأت بتدوينة عن تحريف زغلول النجار لمعنى آية "غُلبت الروم في أدنى الأرض" هنا:
http://aboutsalama.blogspot.com/2014/04/blog-post_22.html
وهنا:
http://aboutsalama.blogspot.com/2014/04/blog-post_20.html
والموضوع تمت مناقشته في ملتقى أهل الحديث هنا:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=2083925
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=334032


هامش2:
رأيت بعض الاعتراضات من بعض أعضاء ملتقى أهل الحديث، وكان أبرزها قول القائل: ( تحسبها جامدة يفيد أن ذلك في الدنيا لأن الآخرة لا يوجد بها ظن)
والرد عليه ببساطة هو الإشارة لهذه الآيات:
1- وترى الناس سُكارى وما هم بسكارى
أي أن الناظرين سيحسبون الناس سكارى، لكنه حسبان على غير الحقيقة.. كما سينظر الناس للجبال فيحسبونها ثابتة مع أنها ستكون ذرات تراب متحركة كالسحاب.

2- يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ - المجادلة 18
وهو ظن وحسبان خاطئ منهم يوم القيامة، لا حقيقي.

3- ويقول ابن كثير، في تفسير النبأ 20:
(( "وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً" كقوله تعالى: {وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ}
وكقوله تعالى: "وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ"، وقال ههنا "فَكَانَتْ سَرَاباً" أي: يخيل إلى الناظر أنها شيء، وليست بشيء، وبعد هذا تذهب بالكلية، فلا عين ولا أثر. ))
وهذه الآية مرتبطة بآية "مرور الجبال" أشد ارتباط، بل تكاد تكون مطابقة لها في وصف الحدث!
ففيها ذكر تحريك الجبال، كما في آية النمل
وفيها ذكر حدث من أحداث يوم القيامة
وفيها ذكر مسألة أن الناظر سيرى شيئا فيظنه شيئا آخر، كظاهرة السراب في الصحراء، تماما كما سيرى الناس يوم نفخة الفزع الجبال فيحسبونها جامدة مع أنها ستكون في الحقيقة متحركة!

هامش3:
اعتراض آخر رأيته، وخلاصته: أن (قوله تعالى {صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} امتنان من الله تعالى بصنعته، والله لا يمتنُّ بصنعته يوم القيامة؛ إنما الامتنان علينا الآن ونحن في الدنيا)

والإجابة على هذا هي أن مبعث الخطأ وسوء الفهم عند القائلين أن ("صنع الله الذي أتقن كل شيء" تشير أن الحدث دنيوي) هو ظنهم أن مراد الله من الآية هو "الامتنان"!!

يقول أبو السعود في إرشاد العقل السليم:
(( صُنْعَ ٱللَّهِ : مصدرٌ لمضمونِ ما قبله أي صنعَ الله ذلك صُنعاً على أنَّه عبارةٌ عمَّا ذُكر من النَّفخِ في الصُّورِ وما ترتَّب عليهِ جميعاً قُصد به التنبـيه على عظَمِ شأنِ تلك الأفاعيلِ وتهويلِ أمرِها والإيذانُ بأنَّها ليستْ بطريقِ إخلالِ نظامِ العالمِ وإفسادِ أحوالِ الكائناتِ بالكُلية من غيرِ أنْ يدعوَ إليها داعيةٌ أو يكونَ لها عاقبةٌ بل هي من قبـيلِ بدائعِ صُنعِ الله تعالى المبنية على أساسِ الحكمةِ المستتبعةِ للغاياتِ الجميلةِ التي لأجلِها رُتبت مقدماتُ الخلقِ ومبادىءُ الإبداعِ على الوجهِ المتينِ والنَّهجِ الرَّصينِ كما يُعرب عنه قولُه تعالى "ٱلَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْء" ))

وفي تفسير السعدي:
(ومن هوله أنك { تَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } لا تفقد شيئاً منها، وتظنها باقية على الحال المعهودة، وهي قد بلغت منها الشدائد والأهوال كل مبلغ، وقد تفتت ثم تضمحل وتكون هباءً منبثاً. ولهذا قال: { وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ} من خفتها وشدة ذلك الخوف وذلك "صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ" فيجازيكم بأعمالكم)

فمعنى السياق كله هو إبراز قوة الله وعظمته وقدرته على الجبال الراسخة + إظهار هول الموقف ومشاهده المفزعة.
كما يقول ابن كثير: "صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ" أي يفعل ذلك بقدرته العظيمة.

ومن مشاهد القيامة الأخرى التي ستظهر فيها صنعة الله وإتقانه، مشهد إعادة تركيب أجساد الموتى من "عجب الذنب"..
فكما خلق الجبال قوية ثابتة لا تتحرك في الدنيا سيقدر عليها في الآخرة ويجعلها لا ثابتة ولا قوية! بل متحركة وكالعهن المنفوش.

السبت، 10 مايو 2014

شكل الأمور القادمة

“Although world government had been plainly coming for some years, although it had been endlessly feared and murmured against, it found no opposition prepared anywhere.” -H.G. Wells, “The Shape of Things to Come”
قال المؤلف البريطاني هـ چ ويلز في روايته السياسية التي توقعت نشوب الحرب العالمية الثانية (شكل الأمور القادمة) : على الرغم من أن الحكومة العالمية كانت تتشكل بوضوح على مر السنين، وعلى الرغم من تكرار التخويف من حدوثها، وعلى الرغم من كل ما قيل ضدها، إلا أنها لم تجد أي مقاومة تم تجهيزها !!"