الثلاثاء، 3 يونيو 2014

هل الصابئون هم قوم إبراهيم؟

يجب أن أعترف لابن حزم الأندلسي بالعبقرية والتمكن من أسس البحث العلمي بدرجة لا نشاهدها اليوم في أي جامعة عربية!!
أثناء بحثي في موضوع فرعي يخص الديانات الباطنية القديمة اصطدمت بـ"حائط سد" يعرفه أغلب دارسي العقائد التاريخية، وهي مسألة "من هم الصابئون؟" وما تاريخهم ومعتقدهم.
الإشكال ليس في الإجابة على السؤال، بل اختيار إجابة واحدة صحيحة من طوفان الإجابات والفرضيات المنثور في الكتب القديمة والحديثة!!

موضوع الصابئة (الصابئون) من أعقد المسائل التاريخية. والسبب هو ما يقال من أن طائفة من عبدة الكواكب أيام المأمون انتحلوا الاسم زورا ليدخلوا تحت تصنيف "أهل الكتاب" وتتم معاملتهم كاليهود والنصارى، بامتيازات لم يكونوا ليحصلوا عليها من الخليفة إن كان يراهم - على حقيقتهم - الوثنية!

وهذه "اللعبة" وهذا التزييف - إن صحت الرواية - أدى إلى الخلط، فتداخلت عدة فرق مختلفة تحت نفس المسمى.

هناك الآن طائفة عراقية تسمى (الصابئة المندائية) ، وأيام الخلافة العباسية كانت هناك طائفة من الفلاسفة اسمها (صابئة حرّان) [وهو اسم مدينة تركية-سورية] ، وهناك طبعا الطائفة "الغامضة" الشهيرة المذكورة في القرآن باسم "الصابئين" [والقرآن يعاملهم كاليهود والنصارى، أي كانوا قديما على حق ثم انحرفوا وتم تحريف ديانتهم]

ويزيد الإشكال من الناحية التاريخية الأكاديمية الأثرية. فالصابئة قاموا بهجرات من دولة لأخرى (مع اليهود أحيانا، وهربا من اليهود أحيانا أخرى!) فلا نعرف أصلهم.
وكتبهم تعتمد على الأساطير، وبالتالي "تاريخهم" الذي يروونه مشكوك فيه.
وديانتهم سرية، لا ينشرون منها إلا القليل.
كل هذا أدى لضعف المعلومات الصحيحة المعروفة عنهم.

في العراق، عامة الناس يسمونهم "الصبّة"، ويقولون أنهم يأكلون البشر في طقوسهم السرية، ويقتلون المريض المحتضر، وقصص أخرى كثيرة من هذا النوع!
أما لو فتحت المعاجم فسترى أن تعريفهم يقتصر على كلمة "عباد الكواكب والنجوم".

ابن كثير حاول فهمهم لأن آية "الصابئين" مرت به أثناء تفسير القرآن، فجمع لنا نظريات عصره عنهم. والشهرستاني والبيروني والمسعودي وابن النديم وابن تيمية وابن الجوزي وابن قيم الجوزية حاولوا فهم اللغز وفك الاشتباك.. فكانت المحصلة مزيد من المعلومات لكن الكثير من التناقضات والمعلومات المنقوصة.

ثم جاء الباحثون الغربيون فـ"زادوا الطين بلة"، وخلطوا بين المندائية والحرانيين وصابئة القرآن والغنوصيين المسيحيين والفرق المتشعبة عن اليهود، والفرق المتأثرة بالمجوس، وفلاسفة الإغريق، والهرمسية، والوثنيات السومرية العراقية (الآكادية-البابلية والآشورية) !! فتحول الموضوع لخلطبيطة فعلية :)

ابن تيمية نفسه مولود في بلدة (حرّان) مقر الصابئة الحرانية، لكن أهله هجروها لما هجم التتار على البلدة ودمروها. ولهذا تجد أن ابن تيمية من أفضل من كشفوا أسرار الصابئة. وقال ابن تيمية أن الصابئة كلمة تدل على نوعين من العقائد، صابئة حنفاء وصابئة مشركين. وبهذا قدم دفعة قوية للبحث العلمي في المسألة.

لكن ما دام القرآن يوضح أن الصابئة قديما كانوا مؤمنين ثم انحرفوا، فمن كان رسولهم؟!
فاليهود كانوا مسلمين موحدين أيام موسى ثم انحرفوا، والنصارى كان منهم المؤمن بنبوة عيسى ثم انحرفوا، لكن الصابئة لا نعلم على وجه الدقة من كان رسولهم ولا متى انحرفوا.

بل أن الرأي السائد في كثير من كتب التفسير هو أنهم كانوا "على الفطرة" ولم يكن لهم رسول. وهذا المعنى فيه شيء من الحقيقة وشيء من الخطأ.
-----

الأبحاث الغربية ضعيفة جدا ونادرة في هذا الموضوع، فهناك نظريات تربط الصابئة العراقيين بيحيى عليه السلام، ونظريات تقول أن صابئة حران كانوا جيرانا وثنيين لليهود، أثروا فيهم وتأثروا بهم.

لكن حل المسألة - كما قلت في البداية - عند ابن حزم، مؤلف كتاب «الفِصَل، في الملل والأهواء والنِحل»، وهو مشابه لكتاب الشهرستاني المسمى "المِلل والنِحل". كلاهما يدرس عقائد الجماعات والفرق التاريخية، وإن كان الشهرستاني يركز على الفلاسفة والصابئة، في حين أن ابن حزم يركز على الدراسة النقدية للتوراة والإنجيل.

الصابئة هم أساس الكثير من الفلسفات الوثنية التي انتشرت في التاريخ الإسلامي تحت مظلة ما يسمى "الفِرق الباطنية". وهم أيضا من نشر فكرة التنجيم وأن الأجرام السماوية هي آلهة تؤثر في حياة البشر.
فكانوا يؤمنون أن الشمس والقمر والكواكب الخمسة المعروفة وقتها هي أجساد ضخمة تسكنها "روحانيات"، وأنها "تدبر أمور العالم" وتتحكم في الأقدار والسعادة والشقاء!

وقالوا أن الملائكة النورانية هي آلهة تعيش في الأجرام الفلكية السماوية.. ومن هنا جاءت لليونان فكرة عبادة زحل والمشترى وعطارد إلخ!!
كل هذه الأفكار الوثنية نبعت - كأغلب الأفكار الوثنية في التاريخ! - من العراق، خاصةً من منطقة بابل وجنوب العراق. فكان السومريون يعبدون الكواكب لكن في صورة أصنام، بحيث يكون التمثال هنا على الأرض هو صلة ورابط يربط البشر بالكوكب الخاص به.

ومن يا ترى كان الرسول المبعوث إلى العراقيين قبل الميلاد بألفي سنة؟! الإجابة كما هو معروف من قصص الأنبياء هي إبراهيم عليه السلام.
وبهذا نفهم أهم قصتين يذكرهما القرآن عن أسلوب إبراهيم في دعوة قومه للإسلام.. الأولى هي قصته مع أبيه آزر ومسألة تكسير الأصنام [آية: بل فعله كبيرهم هذا]، والثانية جداله بالحجة والمنطق مع عبدة الكواكب [آية: فلما رءا الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون]

واليهود في التوراة يقولون أن إبراهيم كان في البداية في منطقة "أور" الكلدانية السومرية العراقية ثم هاجر إلى منطقة حرّان في شمال سوريا.
(وكلمة أور بالعبرية معناها شعلة نار بالمناسبة، وهذا متصل بموضوع آخر في قصة إبراهيم وحواره من ملك العراق الظالم المعروف باسم النمرود)

إذن قوم إبراهيم المشركين كانوا على نوعين، بعضهم في جنوب العراق (Ur) وبعضهم في شمال سوريا على الحدود التركية (Harran) .. هل يذكرك هذا التقسيم بشيء ما؟!
إنه نفس تقسيم الصابئة.

إذن نستخلص من كل هذا أن إبراهيم كان رسولا إلى نوع محدد من الوثنيين، بعضهم كان في جنوب العراق، أور، (قرب مصب نهر الفرات) وبعضهم كان في شمال سوريا، حران، (قرب منبع نهر الفرات) ، وكل ما كان عليه فعله هو عبور النهر من الجنوب للشمال في رحلته التي هاجر فيها وترك العراقيين بعد أن حاولوا حرقه في النار لما كسر أصنامهم!

طبعا إبراهيم كانت له رحلات أخرى فيما بعد كما نعرف. فاستقر في فلسطين، وهناك عاشت سلالته، إسحق ويعقوب وبنو إسرائيل، وزار مكة، صحراء الجزيرة العربية لما ترك هاجر وابنه إسماعيل، وزار مصر أيضا مرة من المرات فحاول ملك مصر وقتها اغتصاب سارة زوجته!
-----

لكن إذا كانت قصة قوم إبراهيم المشركين المذكورة في القرآن هي في الحقيقة قصته مع الصابئة عبّاد الكواكب والأصنام، فكيف نوفّق هذا مع مسألة أن الصابئين كانوا على الفطرة في وقت من الأوقات ثم انحرفوا؟

الإجابة عند ابن حزم. فالقول الصحيح الدقيق في الصابئين هو أنهم كانوا قوما يعبدون الله، وكانوا من سلالة نوح (من نسل ابنه: سام) بعد الطوفان، وكانوا يؤمنون أن لا إله إلا الله، ثم انحرفوا عن العقيدة الصحيحة مع الزمن، (وكان هذا أيام الحضارات العراقية القديمة التي عبدت موردوخ والقمر وباقي "الآلهة" وقت ما يسمى في كتب التاريخ بأسرة أور الثالثة) فأرسل الله لهم إبراهيم عليه السلام ليدعوهم للعودة للدين الصحيح، دين الحنيفية.

فمن مات من الصابئين قبل التحريف مات مسلما، ومن مات منهم مؤمنا بإبراهيم مات مسلما، لكن من ظل على عبادة الكواكب وصورها الصنمية المجسمة فقد مات كافرا.

أما من الناحية التاريخية، فصابئة حران ظلوا على عبادة الكواكب بعد إبراهيم، ثم تأثروا باليهود - سلالة إبراهيم - في فلسطين، وأظنهم هم كهنة "عبادة الكواكب والنجوم" المذكورين في التوراة تحت اسم "الكماريين"، وأظنهم أيضا على صلة وثيقة بطائفة سماها المسعودي المؤرخ بـ"الصابئة الكيماريين" وقال أنهم يختلفون عن صابئة حران!
(نقطة قيد البحث حاليا)
-----

من أصعب المسائل التي تخبط فيها الباحثون مسألة مصدر ومعنى اسم الصابئة!
فقال البعض هي كلمة تعني الصبغ، أي الغطس في المياه، لأن التعميد بالماء هو من طقوسهم التي ربما أخذوها عن قصة يحيى/يوحنا في الأناجيل.
والمفسرون العرب قالوا أن الاسم من كلمة صبأ أي خرج عن دين قومه واتبع دينا جديدا، كما كان كفار مكة يقولون عن الرسول والصحابة أنهم "صبأوا"
(ولاحظ تركيز القصص القرآني على أن إبراهيم خالف دين قومه ودين أبيه آزر!)

وربما كان الاسم من كلمة عبرية تعني الجنود. لأن كلمة "صبأوت ها-شمايم" צבא השמים العبرية متكررة في التوراة وتعني جنود السماء، ويقصدون بها الملائكة أحيانا والكواكب أحيانا. والمعروف أن الصابئة المندائية والحرانية يقدسون الملائكة والكواكب!
وهناك تحذير صريح في التوراة من انزلاق اليهود لعبادة "جنود السماء، الشمس والقمر والكواكب".
(التثنية 4: 19 ، 7: 3)
http://www.mazzaroth.com/Introduction/AllTheHostOfHeaven.htm
ويقول القرطبي في التفسير أن كلمة صبأ عند العرب تعني أيضا "طلوع النجوم".

(وربما تجدر الإشارة أن في اللغة المصرية القديمة، كلمة "نجم" يكون نطقها هكذا س-ب-ا !! )
-----

تاريخ الصابئة المندائية الذي يحكونه عن أنفسهم هو أنهم دين قديم جدا، ينسبون أصلهم لآدم وابنه شيث. وأنهم كانوا مع اليهود في مصر وفي فلسطين ثم هاجروا من فلسطين شمالا إلى حران في القرن الأول الميلادي (ربما وقت يحيى، وربما قبل تدمير الرومان لهيكل اليهود سنة 70 م وطرد اليهود من فلسطين)
ثم هاجروا مرة ثانية من حران إلى العراق في القرن الثالث الميلادي، واستقروا هناك على ضفاف نهر دجلة، لأن طقوسهم تستلزم التطهر بماء جارٍ كالأنهار.

أيام الأمويين كان صابئة حران نشطين فكريا في التأليف ودراسة النجوم. وأيام العباسيين نشروا الفلسفة الإغريقية والتنجيم بين المسلمين. وأيام المماليك دمر التتار حران ومعبد صابئتها، فربما تكون بقيتهم رحلت للعراق أيضا لتشارك فئة الصابئة المندائيين.

والآن هناك عشرات الآلاف من المندائية في العراق، على ضفاف النهر، يعملون في تخصص صناعة الذهب والفضة، وديانتهم خليط من الأساطير والتنجيم وقصص الأنبياء الإسلاميين، وقصص التوراة، وتقديس الملائكة!
لكن الغزو الأمريكي البريطاني أدى إلى هجرتهم مرة أخرى وتشتتهم في البلاد. وبعضهم الآن في أوروبا وبعضهم في إيران.
-----

كلمة "مندائية" تعني "المعرفة" بلغتهم. ولهذا تم تصنيفهم ضمن الديانات الباطنية الغنوصية، حيث أن كلمة غنوصية (جنوصيص) هي كلمة إغريقية فلسفية تعني المعرفة، ويقصدون بها المعرفة السرية والإلهام.
-----

آخر مسألة في الموضوع هي ما يرويه ابن النديم في كتابه الفهرست عن أحد المؤرخين النصارى اسمه أبيشع.
وكانت هذه الرواية من مصادر الخلط الأساسية في موضوع الصابئة!
فالبحث العلمي الأكاديمي الآن يتشكك فيها، لأنها كانت في فترة كان المؤرخون المسيحيون يزورون فيها القصص التاريخية لتشويه الفرق الأخرى القريبة منهم والمنافسة لهم، كالصابئة.
لهذا لا تتم معاملة ما يرويه أبيشع كحقيقة، بل كمسألة مشكوك في صحتها.

القصة باختصار تقول أن الصابئة في حران ليسوا الصابئة المذكورين في القرآن، بل هم فرقة وثنية انتحلت الاسم أيام الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد. وسبب الانتحال هو أن المأمون كان في طريقه لقتال الروم فمر على حران فوجد المهنئين له من الشعب ضمنهم فئة لبسها غريب ومختلفة عن باقي المسلمين. فاستدعاهم وسألهم من أنتم؟ فقالوا نحن الحرانية وندفع الجزية. فسألهم هل أنتم من اليهود أو النصارى أو المجوس (الفئات المسموح تركها داخل الخلافة الإسلامية بشرط دفع الجزية) فقالوا لا. فطلب منهم إما الدخول في الإسلام أو اليهودية أو المسيحية، وإن عاد من الحرب فوجدهم كما هم فسيقتلهم لأنهم فرقة وثنية وليسوا من أهل الكتاب.
وهنا احتاروا - كما تقول القصة - وقرر بعضهم الإسلام، ودخل بعضهم المسيحية، وبقي بعضهم على ديانة عبادة الكواكب خائفا من عودة المأمون. فقال لهم شيخ "عندي حل للمشكلة!" فدفعوا له مقابل مالي كبير، فقال لهم: هناك في القرآن فئة غير معروفة اسمها الصابئة، وتتم معاملتها شرعا كأهل الكتاب من اليهود والنصارى، فقولوا للخليفة نحن الصابئة، وظلوا على دينكم!
ومن يومها، أي القرن الثالث الهجري، حوالي 830 م، وهم يقولون على أنفسهم أنهم الصابئة المذكورون في القرآن.
انتهت القصة.

القصة درامية، لكن عليها شكوك!
فالخلافة الإسلامية لم تتفاجئ بوجود فرقة الحرانيين كما توحي القصة! بل أن المسلمين يعرفون بوجودهم قبل المأمون بفترة طويلة، لدرجة أن آخر خليفة أموي جعل مقر حكمه في حران!
وراوي القصة مشكوك في صدقه أصلا.

وبالإضافة لكل هذا، فقد أوضحت فيما سبق الصلة بين (الصابئين وإبراهيم)، وبين (كلمة صبأوت وعبادة الكواكب في التوراة) .. إذن الصلة بين عبدة الكواكب في حران ومفهوم كلمة الصابئة هي صلة قديمة تسبق المأمون بقرون طويلة!
-----

ورد ذكر الصابئة في القرآن 3 مرات:
البقرة - الآية 62
المائدة - الآية 69
الحج - الآية 17

«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»

فهذه الآية طمأنة من الله للفرق القديمة التي آمنت بالتوراة الحقيقية ورفضوا تحريف اليهود لها، وللذين آمنوا بعيسى فعلا ورفضوا تحريف الكنيسة لديانته، وللذين كانوا على الفطرة بعد طوفان نوح وماتوا قبل انتشار عبادة هياكل الكواكب وبعثة إبراهيم عليه السلام.
(وربما يكون تفسير طقس الغطس في المياه والتعميد عند الأنهار هو أنهم يتذكرون الطوفان الذي غسل الأرض من عبدة الأصنام قوم نوح! وظل الطقس موجودا في عقائد الصابئة عبدة الكواكب فيما بعد)
-----

يقول ابن حزم الأندلسي عن قوم إبراهيم: "كَانُوا على دبن الصابئين، يعْبدُونَ الْكَوَاكِب ويصورون الْأَصْنَام على صورها وأسمائها فِي هياكلهم، ويعيدون لَهَا الأعياد ويذبحون لها الذَّبَائِح ويقربون لَهَا الْقرب" (الفصل في الملل والأهواء والنحل)


[الموضوع نشر لأفكار من فصل "إبراهيم" في كتاب «أساطير الأولين والديانات الباطنية»]

السبت، 31 مايو 2014

التمهيد - أساطير الأولين

من الأمور التي استوقفتني طويلا أثناء تأليف كتاب «أساطير الأولين والديانات الباطنية» مسألة المقدمة!!
فمحتوى الكتاب، أقل ما يوصف به، أنه "غريب". والغرابة يجب التمهيد لها عند القارئ الذي لم يسمع عن الموضوع من قبل، وإلا نفر من الكتاب كله من البداية.
وحيث أن الكتابة الجيدة تعتمد على التأثير النفسي وموضع المعلومة وسياقها، فليس من السهل إطلاقا ترتيب الفصول بحيث تكون "تدريجية" في نقلها للقارئ من الأبسط إلى الأعقد، ومن البديهيات إلى الاستنتاجات. لهذا لا مفر من الانتهاء من عملية التمهيد قبل الدخول في فصول الكتاب نفسها!

وبالتالي يكون الخيار المنطقي هو كتابة مقدمة طويلة، تشرح كل ما أريد شرحه فيها، مع تهيئة القارئ لما سيأتي بعدها.
لكني أكره المقدمات الطويلة، لأني قبل أن أكتب فأنا قارئ في الأصل.. وأعرف كم تكون مملة تلك المقدمات!
إذن فالحل أمامي هو مقدمة مختصرة، مكثفة، تعرف القارئ على موضوع الكتاب وطريقتي في الكتابة.
فأريد مثلا أن أوضح له أن أستخدم الكثير من المصطلحات الإنجليزية، وأنه سيرى بعض النصوص داخل الكتاب بلغات أخرى غريبة عليه، كالعبرية والهيروغليفية. وأني أكتب أصلا من منطلق إسلامي، حتى في تعاملي مع نصوص التوراة والإنجيل، إلخ.
كل هذه المعلومات يجب أن يفهمها القارئ من أسلوب كتابتي للمقدمة. وهي مهمة ليست سهلة، كما ترى.

لهذا كتبت هذا التمهيد الذي ستراه في السطور القادمة، ليقوم - كما تشير الكلمة بوضوح! - بتمهيد الطريق أمام القراء وإزالة ما به من عثرات وأحجار.
=====

تمهيد

في التوراة الحالية تأتي كلمة "المعرفة" ككناية عن المعاشرة الزوجية..
فيقال: «وعرف آدم حواء امرأته فحبلت وولدت قايين» [سِفر "التكوين"، الإصحاح 4 ، العدد 1]
והאדם ידע את-חוה אשתו ותהר ותלד את-קין (Genesis 4:1)

وفي الديانة المصرية القديمة اعتبر الكهنة أن لحظة معاشرة إيزيس لأوزيريس وتكوين ابنهما حورس في رحمها هي لحظة انتصار على الشر، وحدث هام في أساطيرهم.

أما الخيميائيون وفلاسفة الصوفية فيرمزون (في كتاباتهم وأشعارهم ولوحاتهم) للوصول لحالة "العرفان" برموز العشق والهيام والذوبان في المعبود.
ويعتقدون أن الوله والحب الإلهي هو مرادف للإلهام وللحصول على أسرار "المعرفة الإلهية"!!

ويؤمن فلاسفة الباطنية بأن "الإنسان الكامل" لن يتحقق إلا عندما تجتمع عناصر الذكورة والأنوثة معًا [الشمس والقمر، الموجب والسالب، المعطي والمتلقي] ، ويندمجان في نتاج جديد، خنثوي، يرمزون له بـ الأندروچين Androgyne أو الـ هيرمافروديت Hermaphrodite
(وهذا يشبه ما أشار إليه أفلاطون في حواره المسمى: السيمبوزيوم Symposium)

وفي أسفار العهد القديم Old Testament (أي التوراة الحالية المشتركة بين اليهودية والمسيحية) هناك سِفر كامل مخصص للرمزية الجنسية لـ "الزواج الصوفي المقدس" بين العبد والمعبود، الإنسان والإله.. وهو سفر (نشيد الأناشيد Song of Songs)
ويقول اليهود أن شعب بني إسرائيل هو "العروس المؤنثة" التي تجتمع بـ"العريس المذكر" الذي هو الإله نفسه!
ويقول النصارى أن شعب الكنيسة هو العروس Bride of Jesus Christ، وأن يسوع المسيح هو العريس.
وطرفا الزفاف في حالة "اقتران" بـ"عقد قران" و"عهد مقدس".
-----

قبل سنوات، عندما انتشرت رواية "شفرة داڤنشي The Da Vinci Code"، كان من أسباب الضجة المثارة حولها هو أنها نشرت فكرة أن المسيح تزوج بمريم المجدلية وكان لهما نسل.. وأن هذا "النسل المقدس" استمر سريا إلى أن كانت ثمرته هي بطلة الرواية.. الفتاة (صوفي Sophie)

والحقيقة هي أن الباطنية لا يقصدون من نشر هذه الأفكار - في الأساطير الدينية والروايات الأدبية والأفلام السينمائية - أن يظنها الناس حقائق تاريخية.. بل يهدفون منها بعث إشارات مبطنة، خفية، ملغزة، تشير لمعتقداتهم الفلسفية القديمة.
ويأملون أن استمرارهم في "الإيحاء" الخفي المستتر بهذه الأفكار لعامة الناس عبر وسائط عدة، سيؤدي إلى أن قلة قليلة ستنتبه، وستدع ظاهرها وتهتم بباطنها.
ففي حين تنشغل الأغلبية بالمعاني السطحية الظاهرية للقصص الأسطورية التي ينشرها الباطنية منذ آلاف السنين، فإن الأقلية تنشغل بالمعاني الفلسفية الباطنية لهذه القصص، وتقوم بتحليلها وسبر أغوارها وكشف غطائها وفهم رموزها.

هذا هو هدفهم وأسلوبهم، منذ كانوا كهنة معابد بابل ومصر واليونان، وحافظي أسرارها.
طريقتهم ليست التصريح، بل التلميح.
ليست الجهر، بل الإسرار.
يعيدون نشر نفس الأفكار، ونفس القصص، لكن بألف وجه وألف قناع.
كملحن موسيقي ينشر مليون Remix وتوزيعة لنفس الأغنية والمعزوفة!.. أحيانا يكون الإيقاع هائج وسريع، وأحيانا هادئ وبطئ.
تختلف القوالب والأسماء، ويبقى قلب الحكاية ولبها كما هو.
فترى، على سبيل المثال، «رع» إله الشمس ينتصر على الموت في العالم السفلي، ويعود للحياة كل يوم مع الشروق. ثم بعد قرون يتم "تحديث" القصة، وتجديد الأسطورة، ويقوم "مبرمجو العقول" بعمل Update للبرنامج بمسمى جديد يناسب العصر.. فنرى "يسوع Jesus" يموت ثم يعود "منتصرا على الموت"!
-----

والباطنية كما يختلقون لكل عصر أسطورته، يجعلون لكل ذوق "كهنة" مخصصين، مهمتهم تقديم الفكرة في قوالب مثيرة وجذابة.
فإن كنت طفلا من محبي القراءة وصلوا إليك عبر قصة "هاري بوتر ومقدسات الموت"، حيث يموت هاري ثم يعود للحياة منتصرا على الموت بعد أن أصبح "سيدا عليه" Master of Death كما تقول الرواية!

أما إن كنت شابا ممن يفضلون أفلام الخيال العلمي، فيصلون إليك عبر سلسلة أفلام "الماتريكس" The Matrix ، حيث يموت البطل (نيو Neo) لكن يعود للحياة منتصرا على غريمه "العميل سميث"!

أما إن كنت من محبي الفانتازيا، فقد قدموا لك نفس الفكرة الباطنية في روايات وأفلام "سيد الخواتم Lord of the Rings" عندما مات الساحر (جندلف الرمادي) ثم عاد للحياة، منيرا، أقوى مما كان، في شخصيته الجديدة (جندلف الأبيض Gandalf the White) !!
-----

قلما ينشر الباطنية عقائدهم في كتاب صريح.. بل يرون أن الحصول على "المعرفة السرية" يستلزم تتبع إشاراتهم المنثورة هنا وهناك، في رحلة بحث و"ترقي"، درجة بعد الأخرى، حتى الوصول للقمة.
(ولهذا تجد أن صورة "الهرم Pyramid" من رموزهم المفضلة!)

ولأوفر عليك سنوات من البحث سأخبرك الآن أن نهاية رحلة التنوير المزعومة، وآخر السير في الطريق الذي رسموه، هي نهاية مأساوية مهلكة لا تعود بنفع، ولا تجلب إلا الهلاك والسقوط في هاوية الكفر!!

إن سبب "سرية" الجماعات الباطنية هو خوفهم من رد فعل الجموع على أفكارهم ومعتقداتهم المخالفة للفطرة السليمة والعقل المؤمن. لهذا اختاروا السرية والتلميح.
اختاروا أسلوب الشيطان في نشر أفكاره واجتذاب فرائسه..
"خطوات الشيطان"، أي الإغواء التدريجي، خطوة بعد خطوة، دون أن يصدمك بالفعلة الشنعاء التي يستدرجك إليها في النهاية.. حتى تصل الفريسة إلى المصيدة دون أن ترتاب في الصياد!
-----

إن الحق طريقه واحد.. واضح.. صراط مستقيم. أما الشر فله ألف طريق وطريق.
«وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» سورة الأنعام 153
(لاحظ أن كلمة "صراط" وكلمة "سبيل" بصيغة المفرد، في حين أن كلمة "السبل" بصيغة الجمع)

فالشيطان لا يعترض إن اختلف أتباعه وتنوعوا في عباداتهم ومسميات معبوداتهم.. بل هو يشجع على هذا "الابتكار" والتنوع!
فلا مانع عنده إطلاقا إن كنت تعبد أوزيريس أو يسوع أو بوذا.. فكلها طرق تؤدي إلى روما كما يقال!

وعلى العكس من هذا، نعلم أن كل أنبياء الله ورسله كانوا ينشرون نفس العقيدة،
«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ» الأنبياء 25
من آدم إلى محمد مرورا بنوح وموسى وعيسى، وإبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب، وزكريا ويحيى، وداود وسليمان، وأيوب ويوسف وهارون، وإلياس واليسع ويونس ولوط، وهود وصالح وذو الكفل وشعيب، وإدريس.. وغيرهم «وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ» النساء 164

أما الشيطان إذا أحس أن أحد أتباعه الواقعين في شَرَكه قد أصابه الملل أو الشك في المجوسية مثلا، سارع بتزيين وتجميل عقيدة فاسدة أخرى في نظره، كالبوذية أو البهائية، لينتقل المخدوع إليها.
فالمحصلة في النهاية، من وجهة نظر إبليس، واحدة!
وكان علماء المسلمين يقولون على مثل الشخص أن كل ما فعله هو أنه "انتقل من ركن في جهنم إلى ركن آخر".
-----

عليّ أن أعترف لك في هذا التمهيد أن الجهل بتفاصيل الديانات الباطنية الموجودة في هذا الكتاب.. نعمة!!
فأحد الأسباب التي جعلتني مترددا في النشر هو الخوف من أن تعلق بعض الأمور بقلوب بعض القراء من ضعاف العقيدة..
لكن  في عصر الفضائيات والإنترنت تنهمر علينا الرموز والأفكار الباطنية كالسيل، من ألف اتجاه لهذا يجب كشفها وتوضيح سمومها ما دمنا غير قادرين على حجبها ومنعها.

فإن لم تكن من المسلمين راسخي العقيدة فلا أنصحك بالاستمرار في قراءة هذا الكتاب!
وإن كنت ممن تتسرب الشكوك والشبهات لقلوبهم بسهولة، فربما لا يناسبك محتوى الفصول القادمة.
فإن من يحدق طويلا في الهاوية، فالهاوية - بدورها - ستنتبه له وتبدأ في التحديق فيه، كما قال نيتشه.


من كتاب «أساطير الأولين والديانات الباطنية» - سلامة المصري

الجمعة، 30 مايو 2014

مسلسلات

المسلسلات الدرامية الأمريكية في السنين الأخيرة تفوقت على الدراما التي تقدمها سينما هوليوود، بشهادة الكثير من المتابعين.

الكثير من النجوم الكبار اختاروا أن يقدموا أعمالا تليفزيونية بدلا من الأفلام، لأن جمهورها أكبر عددا، ويشاهد داخل منزله دون الحاجة للنزول لزيارة دور العرض.

قبل سنوات قامت نقابة الكتاب والمؤلفين الأمريكية بإضراب شامل، أصاب دولاب العمل في التليفزيون بالشلل.. ووقتها بان للجميع قوة وتأثير المسلسلات في حياة المواطن الأمريكي. كانت مطالب المؤلفين هي زيادة الأجور، وأخذ نسبة من مبيعات الـ DVD والـ بلو-راي، بعد أن كانت شركات الإنتاج تستحوذ عليها كلها.

وصعود التلفاز صاحبه هبوط في السينما، حيث وجدنا في السنوات الأخيرة هوليوود تعيد بعث نفس الأفكار القديمة "المضمونة"، وتستمر في "حلب" نفس الموضوع بتقديمه على عدة أجزاء، لزيادة عدد التذاكر.
فوجدنا هاري بوتر يتم تقديمه في 8 أفلام، مع أن الرواية كانت 7 أجزاء فقط!
ونفس الشيء مع الهوبيت.. تلك الرواية القصيرة التي تم مطها لتصبح 3 أجزاء!
ونفس الشيء مع رواية "أدب المراهقات" تويلايت Twilight (الغسق) ، حيث تم مط جزء الرواية الواحد ليصبح فيلمين اثنين، دون حاجة فعلية (إلا حاجة المنتجين الجشعين للملايين طبعا!)

إلا أن الوسيط التليفزيوني يتحمل المط، لأن "التسلسل" و(تتالي الحلقات) هو جزء أساسي من طبيعته.
فقصة حياة المدرس الذي تحول لصاحب امبراطورية مخدرات (Breaking Bad) لم تكن مملة عندما تم تقديمها في 62 حلقة.. بل إن اختزالها في فيلم سينمائي مدته ساعتين كان سيحرم المشاهد من الكثير والكثير!
-----

لكن المتفرج الذكي عليه ألا يقع في فخ إدمان المتابعة. فالشبكات والقنوات تعتمد على أن المسلسل سيجذب المشاهد بحيث يربطه بتوقيت العرض، وهو تأثير "بافلوفي" غير مريح للمشاهد الذي يريد "معرفة كل القصة" مرة واحدة دون انتظار لشهور بين كل موسم والآخر، أو حتى لأسبوع بين الحلقة وأختها!
لهذا تجد أن الكثيرين الآن ينتظرون اكتمال المسلسل، ولا يتابعون حلقاته أثناء عرضها، بل بعد انتهاء القصة تماما وبعد أن يقوم استوديو الإنتاج ببيع الحلقات كاملة على أسطوانات أو على الإنترنت.
وبهذا يصبح لدى المشاهد "أفضل ما في العالمين"، عالم التليفزيون وعالم السينما. فأمامه قصة مكتملة تشبه التي تعرضها السينما في ساعتين، لكنه يستطيع الاستمتاع بها - في التوقيت والمكان الذي يريحه ويناسب جدول حياته - في مائة ساعة!!
-----

وحيث أن "فن الفرجة" هو فن ذوقي في الأساس، فلا معنى لقوائم "أفضل المسلسلات" التي تنتشر على الإنترنت. فكل فرد له خلفية معينة وميول ثقافية تختلف بدرجة ما عن الآخرين، وهذه الخلفية هي ما تجعله يحب مسلسلا ما ويكره آخر.
مثلا.. مسلسل Buffy في التسعينيات. كتابة ذكية وحوار مرح وقصة مشوقة، لكنه موجه للمراهقين ولمن يعيشون حياة المرحلة الدراسية الثانوية بمشاكلها.. لهذا قد لا يُعجب شخصا تعدى هذه المرحلة ويريد مشاهدة شيء أكثر نضوجا.
لهذا تجدني أفضل مسلسل Angel المتفرع من Buffy ، لأنه يعالج مسألة الاختيارات التي يمر بها المرء في العشرينات والثلاثينات من عمره. مع أن مبتكر المسلسلين واحد، وهو «چوس ويدون».

ولنفس السبب تجدني كنت أضحك أثناء مشاهدة مسلسل Friends الكوميدي في صغري، والآن لا أتحمل "سخافته" إطلاقا!!

وكنت شغوفا ببعض المسلسلات البوليسية ثم توقفت تماما عن مشاهدتها، كـ NCIS و Bones .
وكنت أدرس تفاصيل التفاصيل لمسلسل LOST ثم اتضح لي - في موسمه الأخير - أن المؤلفين نجحوا فقط في تأليف ألغاز وفشلوا في اختراع أي حلول لها!! مما جعل المواسم كلها مضيعة للوقت وللتركيز.

وكنت - كالكثيرين غيري - حزينا لإلغاء مسلسل Firefly واعتبرت المسألة "كارثية" لمستقبل الدراما التليفزيونية وأدب الخيال العلمي، إلخ.. أما الآن فمشاعري تجاه الموضوع برمته باردة ولا مبالية على أقصى تقدير!

كنت أتابع حلقات مسلسلات ديزني كـ هانا مونتانا و Wizards of Waverly Place و The Suite Life و Phil of the Future
وكنت وقتها أستخدم هذه المسلسلات في تحسين فهمي للغة الإنجليزية "الشبابية" والثقافة الأمريكية المعاصرة.
لكن الآن صعب جدا أن أتحمل مشاهدة حلقة واحدة من تلك النوعية.
-----

لو أردت جمع قائمة بأفضل المسلسلات كتابةً وتنفيذا فستكون هكذا:
Angel
Dark Angel
SGU: Stargate Universe
Frasier
Monk
Prison Break
Becker
Supernatural
X-Files
According to Jim
Yes Minister
StarWars: The Clone Wars
Jericho
La Femme Nikita
Law & Order: Criminal Intent
Boston Public
Kim Possible
Mysterious Island 1995

وكل واحد فيها يستحق تعليقا قصيرا لتوضيح سبب دخوله القائمة. لكن لنترك هذا لمرة قادمة.

الأربعاء، 21 مايو 2014

المعاني الباطنية لعلم جمهورية مصر العربية


صورة من مخطوط خيميائي قديم (القرن الـ16) توضح المراحل الباطنية للحصول على "التنوير" أو «حجر الفلاسفة».. أي تحويل المعادن الرخيصة لثمينة، الرصاص والقصدير إلى ذهب وفضة.. وهي رموز لتحويل النفوس من المادية للروحانية، إلى آخر الخزعبلات الباطنية المعروفة.

المرحلة الأولى في عمل الخيميائي تسمى الـ نيجريدو (السواد) وترمز للتعفن والموت وحرق الذات كليةً.
الثانية اسمها ألبيدو (الأبيض) وترمز لتطهير المادة (وتنقية الروح) وغسلها من الشوائب.
الثالثة اسمها روبيدو (الأحمر) وهي الهدف النهائي، وحصول "التنوير"، وتحقيق رمزية "حجر الفلاسفة" عن طريق المادة الوهمية الرمزية المسماة الزئبق الأحمر.

هذه الألوان الثلاثة انتشرت بعد ما يسمى (ثورات التحرير العربي) في الخمسينيات.. واتخذتها عدة دول عربية رموزا لها على الأعلام الرسمية. ومنها بالطبع جمهورية مصر العربية.
[مصر - السودان - سوريا - العراق - اليمن]

كلمة "خيمياء" أطلقها العرب على العِلم الباطني الذي ظهر أصلا في مصر القديمة.. حيث اسم مصر بالهيروغليفية هو أرض "كمت" أي الأرض السوداء، الطينية (لخصوبة وادي النيل قبل بناء السد العالي). ومنها اشتقت كلمة "كيمياء" فيما بعد.

النظرية الباطنية الخيميائية تسعى لتحقيق ما يسمونه "ماجنم أوبس" أي "العمل العظيم" ، وأسلوب تحقيق حلم الباطنية هو التدمير-فالتطهير-فالتنوير.
أي من رحم الفوضى والقتل ستتحول البلاد - في زعمهم - إلى نظام وتقدم!! وهو ما تسميه أمريكا سياسيا: الفوضى الخلاقة!!
=====

أشرت في تدوينة سابقة لنفس الموضوع
http://aboutsalama.blogspot.com/2014/04/Alchemy-Egypt.html
وأضيف هنا أن مراحل "العمل العظيم" في الخيمياء كانت - قبل القرن الـ15 - أربعة: أسود-أبيض-أصفر-أحمر ، ثم قام الخيميائيون بدمج الأصفر في الأحمر.
وكانوا يستخدمون أحيانا رمز طائر ليعبر عن "الانتقال" من مرحلة إلى التي تليها، كالغراب أو النسر أو العنقاء.
ربما يفسر هذا الرمزية الباطنية للـ "نسر" في علم مصر؟!!
=====

المخطوطة الخيميائية اسمها Solidonius وموجودة ضمن مجموعة MS. Ferguson (رقم 220)
http://www.alchemywebsite.com/bookshop/mohs35.html
http://www.alchemywebsite.com/s_solid.html

السبت، 17 مايو 2014

«منشور إعلان الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني عصيان عرابى»

أولا: أن الدولة العلية السلطانية تعلن أن وكيلها الشرعي بمصر هو حضرة فخامتلو دولتلو محمد توفيق باشا .
ثانيا: أن أعمال عرابى باشا كانت مخالفة لإرادة الدولة العلية ثم التمس من جناب الخديو فعفا عنه و نال من الحضرة السلطانية العفو العام .
ثالثا: أن الشرف الذي ناله أخيرا من الحضرة العلية السلطانية أنما كان من تصريحه بالطاعة لأوامر السلطان المعظم الخليفة الأعظم .
رابعا: قد تحقق الآن رسميا أن عرابى باشا رجع إلى زلاته السابقة و استبد برئاسة العساكر المصرية بدون حق فيكون قد عرض نفسه لمسئولية عظيمة لا سيما أنه تهدد أساطيل دولة حليفة للدولة العلية السلطانية.
خامسا : بناء على ما تقدم يحسب عرابى باشا و أعوانه عصاة ليسوا على طاعة الدولة العلية السلطانية.
سادسا : تصرف الدولة العلية السلطانية بالنظر إلى عرابى باشا و رفقائه و أعوانه يكون بصفة أنهم عصاة .
سابعا يتعين على سكان الأقطار المصرية حالة كونهم رعية مولانا و سيدنا الخليفة الأعظم أن يطيعوا أوامر الخديو المعظم الذي هو في مصر وكيل الخليفة و كل من خالف هذه الأوامر يعرض نفسه لمسئولية عظيمة .
ثامنا : أن معاملة عرابى باشا و حركاته و أطواره مع حضرات السادات الأشراف هي مخالفة للشريعة الإسلامية الغراء مضادة لها بالكلية.
=====

هذا القرار جاء في لحظة حرجة ليحاول إفشال خطة الإنجليز ومبرراتهم لضرب الاسكندرية واحتلال مصر، لكن سذاجة عرابي والجيش المصري أدت إلى الكارثة..
كانت سياسية عبد الحميد التلاعب سياسيا بأوروبا واتقاء شرها، لأنه كان يحارب قيصر روسيا في الشرق ولا يريد فتح جبهة جديدة مع الغرب

في الأرض خليفة

العلاقة بين البشر والملائكة والشياطين اتضحت مبكرا جدا.. فور خلق الإنسان.
في البداية لم يفهم الملائكة سبب خلق هذا المخلوق الذي سيُفسد في الأرض ويسفك الدماء.. ثم أطاعوا الله وسجدوا لآدم، كعلامة على بدء خدمتهم له وإشرافهم عليه.
أما إبليس فكانت مشاعره تجاه آدم مختلفة. شعر بأنه منافس له، فحسده، وقرر في نفسه ألا يطيعه أبدا.
وباقي القصة معروفة.
-----
يقول النص القرآني «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» - البقرة 30

ما معنى كلمة "خليفة" في هذا السياق؟
ربما تظنه سؤالا واضحا له إجابة ثابتة ومعروفة في كتب التفسير، إلا أن المسألة أعقد قليلا مما تظن!
هناك أربعة آراء في معنى خليفة، سأسردهم بالترتيب من الأضعف إلى الأقوى:

1- خليفة لله
2- خليفة للمسلمين (أي حاكم)
3- خليفة للجن (بعد إفسادهم في الأرض أول مرة)
4- كائن ذو ذرية، يتناسل، بحيث يخلف بعضه بعضا

فالقول الأول لا يصح، لأن الله ليس غائبا حتى يخلفه مخلوق ما.
والثاني ضعيف لأنه لا يناسب السياق. وأصلا معنى خليفة المسلمين مشتق من أن الحاكم يكون خلفا للحاكم السابق، أي أن كلمة "خليفة" في حد ذاتها لا تعني رئيسا حاكما.
والثالث مناسب للمعنى، ومناسب لآية 27 من سورة الحجر «والجآن خلقناه من قبل من نار السموم» ، ومناسب لتعليق الملائكة على أن المخلوق الآدمي سيفسد في الأرض كما فعل الجن قبله.
والرابع هو أقوى تفسير للكلمة. فالمعنى هو أن آدم لن يكون مخلوقا منفردا، ولن يعيش للأبد، بل سيكون من طبيعته أنه يتناسل ويزيد عدده ويعمر الأرض، ويموت السلف فيأتي بعدهم خلف لهم، وهكذا.

ومنذ أيام تم تسجيل شرح للآية في فلسطين، قام به الشيخ بسام نهاد جرار (رئيس مركز نون للدراسات) يربط فيه بذكاء شديد بين هذه الآية وآية "وعلم آدم الأسماء كلها"..
ومختصر كلامه أن الإنسان له القدرة على نقل العلم من جيل إلى جيل، على عكس الحيوانات مثلا، وأن هذا هو معنى "الاستخلاف" الحقيقي.

وفي مواضع أخرى من القرآن نرى أن "الخلافة والاستخلاف" تأتي بمعنى القول الرابع الذي أشرت إلى أنه أقوى تفاسير كلمة خليفة:
تقول آخر آية في سورة الأنعام «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ»
وآية 59 من سورة مريم: «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً»

الخميس، 15 مايو 2014

الشعراوي

لا أعتمد إطلاقا على خواطر محمد متولي المعروفة بين الناس بـ"تفسير" الشعراوي، ولا أثق في اختياراته التفسيرية!
الشعراوي عندي مثل محمد عبده، كلاهما أراد "تجديد" التفسير بإقحام معانٍ مفتعلة على النص لا يقبلها السياق.. وكلاهما رضي الغرب عنه وعن توجهه "لسبب ما"!

في الحقيقة متولي الشعراوي من "القبورية" الذين لا يُحتج بآرائهم أصلا! (كما يعرف من سمع لقاءاته قبل وفاته التي هاجم فيها السلفية)

ولولا دعم أنظمة الطغاة له لما انتشر أمره. فقد أفردوا له الساعات الطوال على شاشات التلفاز، في برنامج بمقدمة موسيقية شهيرة، لينشر السلبية الصوفية بين عامة الناس في مصر.
ومن قبل كافأه الفسدة بأن جعلوه وزيرا!
الشعراوي - كما قال عن نفسه في كتاب الشعراوي الذي لا نعرفه - كان يقبل يد رئيس حزب الوفد العلماني الذي شعاره الهلال والصليب، وهو تذلل لا يليق بالشيوخ والعلماء!

وفي الوقت الذي كان الإسلام فيه محاربا في مصر، كانت الحكومة تنشر كتابات الشعراوي على طلبة المدارس، لعلمها أنه لا "خطر" منه على الطغاة وعلى المسار الفكري العام المراد!

الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله وصف الشعراوي بأنه "ضال متلون"، أفتى بـ «حي على خير العمل» [أي تغيير نص الأذان]، ويفتي كل طائفة بما يناسبها، إذا كان في نجد وفي أرض الحرمين فالرجل سلفي، وإذا كان في مصر مائع ضائع، وإذا جاء إلى اليمن فشيعي"
(من شرح الوادعي لمقدمة صحيح مسلم)


ويقول الشيخ الألباني يخصوص الشعراوي، في الشريط 206 من سلسلة الهدى والنور [تفريغ الشريط على موقع الشاملة] :

"أحد إخواننا السلفيين، وهو يحكي مع شدة إعجابه به، له صاحب له سيارة أركب الشيخ الشعراوي حتى يوصله لمكان وكان صاحبنا معه، وكان منهم أحد إخوانا السلفيين وهو يحكي مع شدة إعجابه به خطر في باله خاطرة جيدة، إنه هذا الشيخ إللي نحن نسر بلقائه وكلامه على الآيات وإعجاز القرآن بالنسبة للعلم الحديث، خطر في باله أن يسأله يشوفه سلفي العقيدة أم لا
فقال له ما هو رأي فضيلة الشيخ في قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) هل يوصف ربنا بأن له صفة العلو؟ فثار عليه ثورة، أن الله ليس له مكان وليس له زمان والله في كل مكان، من ها الضلالة يلي بتعرفها ليس في عامة المسلمين فقط، بل وفي كثير من خاصتهم.. فهو منحرف عن العقيدة، وكثيرًا ما يتأول الآيات بتأويل من أجل أن تناسب مفاهيم العصر الحاضر.

أما أسلوبه فالمصريون يمتازوا فيما يظهر على الشعوب الإسلامية بطلاقة اللسان وبحسن أسلوب الكلام، وعندهم استطاعة أن يسيطروا على الناس، والشعراوي من هذا القبيل، لكن لا يؤخذ منه العلم؛ لأن العلم شيء والأسلوب شيء
كما قلنا ليلة السهرة هناك، أنه أيضًا يقال نفس الكلام، أن العلم شيء والأسلوب شيء،
ناس عندهم العلم صحيح لكن ما عندهم الأسلوب صحيح، وهذا بالعكس عنده أسلوب جيد جذاب لكن ما عنده علم صحيح، فلذلك الذي يريد أن يستمع إليه، مأخوذًا بروعة أسلوبه، يجب أن يأخذ حذره من أن يتلقن منه، ما ليس بصحيح"