حجية أحاديث الآحاد
أقسام الحديث من حيث وصوله إلينا وكثرة طرقه ورواته :
ينقسم الحديث بهذا الاعتبار إلى قسمين :
متواتر
و آحاد
فالمتواتر : ما رواه عدد كثير تُحيل العادة تواطؤهم على الكذب .
وعُرّف بأنه : ما رواه جمع كثير من أول الإسناد إلى آخره .
واشترطوا فيه : أن يكون مستندهم الحس كـ ( سمعنا – رأينا ... ) .
وينقسم المتواتر إلى قسمين :
متواتر لفظاً ؛ كحديث : من كذب عليّ مُتعمّداً فليتبوأ مقعده من النار .
متواتر معنى ؛ كأحاديث رفع اليدين في الدعاء ، وأحاديث المسح على الخفين ،
وأحاديث نزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ، وظهور المهدي ، وغيرها .
وهذا النوع من الأحاديث يُفيد العلم الضروري ، أي القطعي اليقيني .
والآحــــاد :
هو ما لم يجمع شروط المتواتر .
وهو أنواع بحسب عدد طرقه :
أ – مشهور ، ويدخل تحته : المستفيض .
ب – عزيز
جـ - غريب
وهذه تحتاج إلى تعريفات وتفريعات وتفصيلات .
وحديث الآحاد - عند أهل السنة - حجة بنفسه في العقائد والأحكام .
ولذا فإن العلماء يتكلّمون عن حديث الآحاد في كتب العقائد كثيراً ، وذلك لكثرة من يُخالف في ذلك من أهل البدع .
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية :
وخبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول عملا به وتصديقا له يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة ، وهو أحد قسمي المتواتر ولم يكن بين سلف الأمة في ذلك نزاع ، كخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إنما الأعمال بالنيات . وخبر ابن عمر رضي الله عنهما : نهى عن بيع الولاء وهبته . وخبر أبي هريرة : لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا على خالتها ، وكقوله : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، وأمثال ذلك ، وهو نظير خبر الذي أتى مسجد قباء وأخبر أن القبلة تحولت إلى الكعبة فاستداروا إليها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل رسله آحادا ، ويرسل كتبه مع الآحاد ، ولم يكن المرسل إليهم يقولون لا نقبله لأنه خبر واحد . انتهى .
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يكتفون بخبر الواحد ، ويعملون بموجبه ، كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال : إني لقائم أسقيها - أي الخمر - أبا طلحةَ وأبا أيوبَ ورجالاً من أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا ، إذ جاء رجلٌ ، فقال : هل بلغكم الخبر . قلنا : لا . قال : فإن الخمر قد حُرِّمَتْ . فقال : يا أنس ! أرِقْ هذه القِلال ، قال : فما راجعوها ولا سألوا عنها بعد خبرِ الرجل .
فهذا رجل واحد ، ولم يُسمّ في الرواية ، ولم يُذكر أنه مُرسل من قِبل النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك قبلوا خبره ، بل وعملوا بمقتضاه .
قال ابن عبد البر – رحمه الله – :
وأما أصول العلم فالكتاب والسنة ، وتنقسم السنة إلى قسمين :
أحدهما إجماع تنقله الكافة عن الكافة ، فهذا من الحجج القاطعة للأعذار إذا لم يُوجد هناك خلاف ، ومَنْ ردّ إجماعهم فقد ردّ نصّـاً من نصوص الله يجب استتابته عليه وإراقة دمـه إن لم يتب ؛ لخروجه عما أجمع عليه المسلمون ، وسلوكه غير سبيلهم جميعاً .
والضرب الثاني من السنة : خبر الآحاد الثقات الأثبات المتصل الإسناد فهذا يوجب العمل عند جماعة علماء الأمة الذين هم الحجة والقدوة ، ومنهم من يقول : يوجب العلم والعمل جميعاً . انتهى .
وقال ابن حزم – رحمه الله – :
فصح بهذا إجماع الأمة كلها على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأيضا فإن جميع أهل الإسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم يجزي على ذلك كل فرقة في علمها كأهل السنة والخوارج والشيعة والقدرية ، حتى حدث متكلمو المعتزلة بعد المائة من التاريخ ، فخالفوا الإجماع في ذلك .
وقال أيضا : خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوجب العلم والعمل معا . انتهى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – بعد أن ذكر تقسيم الأخبار ، وذكر المتواتر فقال :
ومن الحديث الصحيح ما تلقاه المسلمون بالقبول فعلموا به ، كما عملوا بحديث الغرة في الجنين ، وكما عملوا بأحاديث الشفعة ، وأحاديث سجود السهو ، ونحو ذلك ؛ فهذا يفيد العلم ، ويُجزم بأنه صدق ؛ لأن الأمة تلقّـته بالقبول تصديقا ، وعملا بموجبه ، والأمة لا تجتمع على ضلالة ، فلو كان في نفس الأمر كذبا لكانت الأمة قد اتفقت على تصديق الكذب والعمل به ، وهذا لا يجوز عليها . انتهى .
وقال ابن حجر – رحمه الله – :
الخبر المحتفّ بالقرائن يُفيد العلم خلافاً لمن أبى ذلك .
وللشيخ الألباني – رحمه الله – كتاب بعنوان : الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام ، وله رسالة أخرى بعنوان : وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد على شُبه المخالفين .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله – :
والحق الذي نراه ونعتقده أن كل حديث آحادي صحيح تلقته الأمة بالقبول من غير نكير منها عليه ، أو طعن فيه ، فإنه يُفيد العلم واليقين ، سواء كان في أحد الصحيحين أو في غيرهما ، وأما ما تنازعت الأمة فيه ، فصححه بعض العلماء وضعّـفه آخرون فإنما يُفيد عند مَنْ صححه الظن الغالب فحسب ، والله تعالى أعلم . انتهى .
والله تعالى أعلم .
الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد
منقول
منتديات الإرشاد للفتاوى
أقسام الحديث من حيث وصوله إلينا وكثرة طرقه ورواته :
ينقسم الحديث بهذا الاعتبار إلى قسمين :
متواتر
و آحاد
فالمتواتر : ما رواه عدد كثير تُحيل العادة تواطؤهم على الكذب .
وعُرّف بأنه : ما رواه جمع كثير من أول الإسناد إلى آخره .
واشترطوا فيه : أن يكون مستندهم الحس كـ ( سمعنا – رأينا ... ) .
وينقسم المتواتر إلى قسمين :
متواتر لفظاً ؛ كحديث : من كذب عليّ مُتعمّداً فليتبوأ مقعده من النار .
متواتر معنى ؛ كأحاديث رفع اليدين في الدعاء ، وأحاديث المسح على الخفين ،
وأحاديث نزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ، وظهور المهدي ، وغيرها .
وهذا النوع من الأحاديث يُفيد العلم الضروري ، أي القطعي اليقيني .
والآحــــاد :
هو ما لم يجمع شروط المتواتر .
وهو أنواع بحسب عدد طرقه :
أ – مشهور ، ويدخل تحته : المستفيض .
ب – عزيز
جـ - غريب
وهذه تحتاج إلى تعريفات وتفريعات وتفصيلات .
وحديث الآحاد - عند أهل السنة - حجة بنفسه في العقائد والأحكام .
ولذا فإن العلماء يتكلّمون عن حديث الآحاد في كتب العقائد كثيراً ، وذلك لكثرة من يُخالف في ذلك من أهل البدع .
قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية :
وخبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول عملا به وتصديقا له يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة ، وهو أحد قسمي المتواتر ولم يكن بين سلف الأمة في ذلك نزاع ، كخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إنما الأعمال بالنيات . وخبر ابن عمر رضي الله عنهما : نهى عن بيع الولاء وهبته . وخبر أبي هريرة : لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا على خالتها ، وكقوله : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، وأمثال ذلك ، وهو نظير خبر الذي أتى مسجد قباء وأخبر أن القبلة تحولت إلى الكعبة فاستداروا إليها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل رسله آحادا ، ويرسل كتبه مع الآحاد ، ولم يكن المرسل إليهم يقولون لا نقبله لأنه خبر واحد . انتهى .
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يكتفون بخبر الواحد ، ويعملون بموجبه ، كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال : إني لقائم أسقيها - أي الخمر - أبا طلحةَ وأبا أيوبَ ورجالاً من أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا ، إذ جاء رجلٌ ، فقال : هل بلغكم الخبر . قلنا : لا . قال : فإن الخمر قد حُرِّمَتْ . فقال : يا أنس ! أرِقْ هذه القِلال ، قال : فما راجعوها ولا سألوا عنها بعد خبرِ الرجل .
فهذا رجل واحد ، ولم يُسمّ في الرواية ، ولم يُذكر أنه مُرسل من قِبل النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك قبلوا خبره ، بل وعملوا بمقتضاه .
قال ابن عبد البر – رحمه الله – :
وأما أصول العلم فالكتاب والسنة ، وتنقسم السنة إلى قسمين :
أحدهما إجماع تنقله الكافة عن الكافة ، فهذا من الحجج القاطعة للأعذار إذا لم يُوجد هناك خلاف ، ومَنْ ردّ إجماعهم فقد ردّ نصّـاً من نصوص الله يجب استتابته عليه وإراقة دمـه إن لم يتب ؛ لخروجه عما أجمع عليه المسلمون ، وسلوكه غير سبيلهم جميعاً .
والضرب الثاني من السنة : خبر الآحاد الثقات الأثبات المتصل الإسناد فهذا يوجب العمل عند جماعة علماء الأمة الذين هم الحجة والقدوة ، ومنهم من يقول : يوجب العلم والعمل جميعاً . انتهى .
وقال ابن حزم – رحمه الله – :
فصح بهذا إجماع الأمة كلها على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأيضا فإن جميع أهل الإسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم يجزي على ذلك كل فرقة في علمها كأهل السنة والخوارج والشيعة والقدرية ، حتى حدث متكلمو المعتزلة بعد المائة من التاريخ ، فخالفوا الإجماع في ذلك .
وقال أيضا : خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوجب العلم والعمل معا . انتهى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – بعد أن ذكر تقسيم الأخبار ، وذكر المتواتر فقال :
ومن الحديث الصحيح ما تلقاه المسلمون بالقبول فعلموا به ، كما عملوا بحديث الغرة في الجنين ، وكما عملوا بأحاديث الشفعة ، وأحاديث سجود السهو ، ونحو ذلك ؛ فهذا يفيد العلم ، ويُجزم بأنه صدق ؛ لأن الأمة تلقّـته بالقبول تصديقا ، وعملا بموجبه ، والأمة لا تجتمع على ضلالة ، فلو كان في نفس الأمر كذبا لكانت الأمة قد اتفقت على تصديق الكذب والعمل به ، وهذا لا يجوز عليها . انتهى .
وقال ابن حجر – رحمه الله – :
الخبر المحتفّ بالقرائن يُفيد العلم خلافاً لمن أبى ذلك .
وللشيخ الألباني – رحمه الله – كتاب بعنوان : الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام ، وله رسالة أخرى بعنوان : وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد على شُبه المخالفين .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله – :
والحق الذي نراه ونعتقده أن كل حديث آحادي صحيح تلقته الأمة بالقبول من غير نكير منها عليه ، أو طعن فيه ، فإنه يُفيد العلم واليقين ، سواء كان في أحد الصحيحين أو في غيرهما ، وأما ما تنازعت الأمة فيه ، فصححه بعض العلماء وضعّـفه آخرون فإنما يُفيد عند مَنْ صححه الظن الغالب فحسب ، والله تعالى أعلم . انتهى .
والله تعالى أعلم .
الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد
منقول
منتديات الإرشاد للفتاوى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق