الأربعاء، 6 مارس 2013

تأمل في حد الزنا

ليس على المسلم معرفة الحكمة وراء كل أمر إلهي وتشريع، لكن التدبر في الأحكام الإسلامية يزيد المؤمن إيمانا ويخاطب المعترض بحجج عقلية تُلزمه.
ومن الأحكام المعروفة التي يثور حولها الجدل كل فترة هو حد جريمة الزنا Adultery
وخلاصته أن المسلم أو المسلمة الذي ثبت الجرم في حقه، ولم يمكن درء الحد بشبهة، يقوم الحاكم بجلده إن كان أعزب وبرجمه إن كان متزوجا.
هذا هو المعروف للأغلبية من الناس. لكن المسألة لها تفصيل في النوع الثاني.. فالرجم لا يكون على المتزوج\المتزوجة فقط بل على الثيب بوجه عام.. أي الذي سبق له الزواج، ويصير وصفه أنه "محصَن"

فالمطلقة الزانية والأرمل الزاني يكون عقابهما الرجم أيضا.
وهنا أتذكر طريقة البعض في تبرير الحكم المشهور )أن غير المتزوج يكون عقابه أخف من المتزوج( بأن الشهوة غلبته ولم يجد متنفسا طبيعيا كالذي يجده المتزوج، وبالتالي فالمتزوج قد زاد في تعديه وإجرامه فيستحق عقوبة مغلظة.

لكن هذا التبرير يسقط بعد أن عرفنا أن الأرملة والمطلق يرجمان أيضا مع أنهما كالأعزب، أي لا يوجد أمامهما سبيل للمعاشرة الزوجية الحلال.
وما أراه أن المسألة قد تشير إلى التحول النفسي الذي يتم للمرء بعد الزواج ومعرفة أن الهالة التي يحاط بها الجنس مبالغ فيها جدا، وأن المعاشرة تتحول مع الوقت إلى ميكانيكية تناقض الصورة الرومانسية التي يحلم بها الشخص الأعزب.. وبهذا يكون عقاب الذي فعل الفاحشة (بعد أن سبق له الزواج وتلاشت الهالة التي كانت لديه عن المسألة قبل الزواج) هو عقابا مغلظا، لأنه تعدى بعد أن عرف تهافت المسألة، على عكس الأعزب الذي لا يزال واقعا تحت تأثير الصورة الخارجية المبالغ فيها للمعاشرة الزوجية.

وحتى هذا التفسير الذي أطرحه يحتاج توثيقا وأدلة فقهية.. فلو وجدت بعد البحث مثلا أن لقب "الثيب" ينطبق أيضا على حالة الذي تزوج لكن فارق زوجه قبل الخلوة والمعاشرة، وبالتالي ينطبق عليه حد الرجم على الرغم من أنه لم يمارس الجماع فعليا، فسينهار التفسير بالتبعية.
وهي مسألة لم أدرسها أو أبحث عن تفاصيلها بعد. 1

والخلاصة أن بعض المبررين للأحكام يعطون الفرصة لأصحاب النفوس الضعيفة لأن يطلبوا دائما "الحكمة من الأمر الشرعي الفلاني" وكأنهم يربطون الطاعة بفهم غرض الإله من المسألة!!.. وهو أمر جارح للعقيدة ودليل على ضعف الإيمان في أحوال كثيرة.
-----


(1) إضافة
وجدت بعد البحث أن مجرد عقد الزواج دون معاشرة فعلية لا يؤدي إلى استحقاق الفرد لوصف "المحصن" أو الثيب، وبالتالي لا يرجم إن زنا. وربما يبدو هذا لأول وهلة مؤيدا لتفسيري الذي عرضته، لكن المزيد من التحقق يعارض هذا.

"فالمحصن الذي حده الرجم هو الحر البالغ الذي قد وطئ زوجة في قُبلها في نكاح صحيح".. أما الذي سبق له الزنا مثلا فلا ينطبق عليه وصف الإحصان!.. إذن المسألة ليست معلقة بتفسيري الخاص بـ "معرفة حقيقة المعاشرة الجنسية"
فالشخص الأعزب الذي زنا عدة مرات لا ينطبق عليه حد الرجم ما دام لم يتزوج زواجا شرعيا صحيحا.
في حين أن الذي تزوج بالفعل ولو ليوم واحد ثم ماتت زوجته أو طلقها ينطبق عليه الرجم إن زنى بعد ذلك في أي فترة من حياته.

ويمكنك أيضا أن تتأكد أن المسألة ليست كما حاولت أنا تفسيرها لمعرفة الحكمة وراءها، إن علمت أن المسألة يبدو أن لها أبعادا أخرى لم نصل إليها بعد.. حيث أن الفرد المسلم الذي يجامع جارية أمة في ملك يمينه - وهو حلال - لا ينطبق عليه أيضا وصف المحصن، وبالتالي لا يرجم إن زنا!

وبعد كل هذا ترى أن تفسير اختلاف عقوبة الزاني المحصن عن غير المحصن غير مرتبط بالضرورة بما يظنه الكثيرون من أن المتزوج الذي زنى عقوبته أكبر لأنه ترك الحلال المتوفر وذهب للحرام..وغير مرتبط أيضا بفكرة أن من عرف الجماع ولو لمرة فقد ذهبت منه الهالة التي يحيط الأعزب بها المسألة..
وبهذا نعود لنفس الفكرة التي قصدتها.. فمعرفة الحكمة من الحكم الشرعي ليست شيئا متوفرا دائما، وما علينا إلا السمع والطاعة والتسليم لخالق البرية، فهو أعلم بصالحها من نفسها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق