الخميس، 8 أغسطس 2013

الطريق إلى الانقلاب

الطريق إلى الانقلاب

كتب: حسام عبد العزيز

كان الهدف منذ البداية أن يصل الإخوان إلى السلطة كي يتم سحقهم بتأييد شعبي واستئصال شأفتهم. هكذا تقول أبسط قواعد الاستقراء لعامين ونصف من الأحداث السياسية التي أعقبت ثورة 25 يناير.

في الرابع والعشرين من يناير 2011، غادر رئيس الأركان السابق سامي عنان القاهرة على رأس وفد عسكري إلى واشنطن لمناقشة ملف المساعدات الأمريكية وملفات أخرى، بينما كانت قوى وحركات سياسية تتنادى إلى التظاهر بأمل تكرار التجربة التونسية وإزاحة مبارك.

وفي الثامن والعشرين من الشهر نفسه، صرح الجنرال جيمس كارترايت نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي بأن عنان يعتزم العودة إلى مصر، في الوقت الذي أكد البيت الأبيض أن واشنطن قد تعيد النظر في المساعدات العسكرية إلى مصر والتي تبلغ قيتها 1.3 مليار دولار سنويا. بدا حينئذ أن ملف المساعدات هو ورقة الضغط على المؤسسة العسكرية لتحقيق المصالح الأمريكية.

لقد تلاعب العسكر بمصر في هذه الفترة فشكل لجنة للتعديلات الدستورية ودعا للاستفتاء عليها مع الإبقاء على مواد دستور 71 ثم أصدر إعلانا دستوريا دون استفتاء الشعب.

اندلعت أحداث محمد محمود في نوفمبر، واستغل عدد من النشطاء والساسة الحدث في إعلان تشكيل حكومة إنقاذ وطني من ميدان التحرير برئاسة البرادعي، وطالبوا المجلس العسكري تحت ضغط الشارع بإقالة الجنزوري، لكن طنطاوي تعلل وقتئذ للبرادعي بأن الإخوان وضعوا "فيتو" على مجيء البرادعي رئيسا للوزراء (راجع تصريحات البرادعي للحياة اللندنية بتاريخ 19 يونيو).

ووسط الدعوات العلمانية بتأجيل الانتخابات البرلمانية كانت استجابة قيادة الجيش واضحة لضغوط الإسلاميين بإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها والتعجيل بالانتخابات الرئاسية، فأحداث محمد محمود والاعتراضات على وثيقة السلمي أظهرت شعبية الإخوان وحلفائهم السلفيين في الشارع واستحالة الصدام معهم في هذا التوقيت، فاتُخذ القرار على ما يبدو بالسماح للإسلاميين بالوصول إلى البرلمان لقتلهم شعبيا بل وللرئاسة إذا استلزم الأمر للإجهاز على الإسلاميين لعقود.

أتت الانتخابات البرلمانية بالإسلاميين، وشرع المجلس العسكري في السيطرة على السلطتين التنفيذية والقضائية لتدمير شعبية الإسلاميين في الشارع وإثبات فشل تجربتهم البرلمانية.
كان مسموحا وربما مطلوبا أن يصل الإخوان إلى الحكم بما لديهم من مرونة سياسية وبراجماتية بنى عليها العسكر خطتهم. لكن حازم صلاح بنهجه الصدامي وخطواته المفاجئة وشعبيته التي اكتسبها من انتصاره في المناظرات الفضائية كان صداعا يهدد بإفشال هذه الخطة. لذا وجب إقصاء الرجل من السباق الرئاسي وقبل أن يبدأ بقضية جنسية والدة الشيخ.

صحيح أن الإخوان استطاعوا أن يفهموا العسكر وإن داهنوهم سياسيا، فالدكتور محمد البلتاجي يعلم بوقوف العسكر ضد الثورة عندما أتى اللواء السيسي مدير المخابرات وقتها يفاوض الإخوان من أجل الخروج من الميدان ويخوفهم بأنصار المخلوع القادمين للاعتداء على الثوار فيما عرف بموقعة الجمل. نعم كان الإخوان يفهمون العسكر لكن أبو إسماعيل كان يجهر بكل ما يعرفه عن العسكر.
وكانت موقعة العباسية هي رصاصة الرحمة التي أطلقها العسكر على حازم صلاح فقد استخدم الإعلام هذه الواقعة في تشويه الرجل وأنصاره وتشويه التيار الإسلامي برمته وتبارت القنوات في استضافة مسؤولي حزب النور الذين تبرؤوا من حازم الذي "ليست لديه حسابات واقعية".

كان الإخوان في هذا الوقت أضعف الأطراف، فقد تآكلت شعبيتهم بفعل الأداء البرلماني الضعيف، وسيطرة العسكر على السلطتين التنفيذية والقضائية، والإعلام الذي تعمد إخفاء الإنجازات البرلمانية القليلة التي حققها الإسلاميون، واستغلال مؤامرة مذبحة بورسعيد في إظهار فشل الإسلاميين في القصاص للشهداء.

كاد القضاء أن يعلن فوز شفيق بانتخابات الرئاسة ويريح العسكر من عناء الاستمرار في سيناريو إفشال الإخوان، لكن الأصوات التي حصدها مرشح الجماعة محمد مرسي أظهرت أن الخطة الاستخباراتية الفلولية فشلت في سحق شعبية الإخوان وإن أضعفتها جدا، وزاد الطين بلة أن الإخوان سارعوا بتصوير محاضر اللجان وحساب النتيجة وإعلانها ليضعوا العسكر في مأزق.

كانت الخطة البديلة جاهزة وهي مواصلة سياسة سلطة بلا سلطة، فسارع العسكر إلى إصدار إعلان دستوري مكمل تمهيدا لتقليص سلطات مرسي قبل إعلان النتيجة بفوزه، وبدا بذلك أن العسكر لم يتخلوا عن خطة الانقلاب على إرادة الشعب وإنما رأوا تأجيل التنفيذ لأشهر. يقول المستشار أحمد مكي في حوار منذ أيام إن المشير طنطاوي قال له إننا سلمنا الإخوان للبلد ولم نسلم البلد إلى الإخوان، وأن مرسي فوجئ بأن كل المؤسسات ضده وأبرزها المجلس العسكري الذي اتفق على خروج آمن لطنطاوي وتعيين السيسي وزيرا للدفاع.

لم تكن هذه الخطوة سوى تهيئة شعبية للانقلاب بإزاحة الكارت المحترق طنطاوي والذي ارتبط في أذهان الشعب بأحداث ماسبيرو ومحمد محمود وغيرها، وتقديم مدير المخابرات الحربية عبد الفتاح السيسي بديلا.

في 14 أغسطس 2012، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية إن وزير الدفاع السابق حسين طنطاوي قدم السيسي لجون برينان مستشار أوباما لمكافحة الإرهاب خلال زيارته لمصر في أكتوبر 2011 باعتباره وزير دفاع مصر القادم. لذا فإن الإطاحة بطنطاوي لم تكن سوى ضغطا من المجلس العسكري على مرسي مصداقا لكلام المستشار مكي. في المقابل، حاول الرئيس الاعتناء بالجبهة الداخلية في حدود الممكن عن طريق ملفات رغيف الخبز والمعاشات والتأمينات وطفق يمد جسور التعاون مع دول خارجية كتركيا ولو كانت بين تلك الدول روسيا وإيران للأسف وذلك بغرض ردع الدول العربية الممولة للانقلاب عليه.

كيف تنظر الولايات المتحدة للسيسي؟
تقول وول ستريت جورنال إن السيسي كان يجري اتصالات مكثفة مع آن باترسون سفيرة الولايات المتحدة في مصر. ونقلت عن مسئولين أمريكيين قولهم إن عبد الفتاح السيسي كانت لديه علاقات وثيقة مع الجيش الأمريكي والمخابرات الأمريكية. وقال مسئول كبير في إدارة أوباما للصحيفة إن السيسي "هو الشخص الذي عملنا معه لفترة طويلة، والذي أظهر نفسه حريصا على العمل مع الولايات المتحدة، والذي يقدر قيمة السلام مع جيران مصر".

وأكدت الصحيفة الأمريكية أن مسؤولين في إدارة الرئيس أوباما قالوا إن قائد الجيش الجديد في مصر شخصية معروفة في واشنطن ولديه علاقات ممتدة مع مسؤولين في إدارة أوباما. وأضافت الصحيفة أن الاتصالات بين عبدالفتاح السيسي وأمريكا، تعود بتاريخها إلى أكثر من 30 عاما مع الولايات المتحدة، حيث أخذ دورة تدريبية أساسية للمشاة في فورت بينينج بولاية جورجيا عام 1981.

في 12 أغسطس كتب الكاتب الأمريكي ديفيد إجناتيوس مقالا بصحيفة واشنطن بوست قال فيه إن المسئولين الأمريكيين يثقون بالسيسي حيث كان على اتصال وثيق بالولايات المتحدة في منصبه السابق كرئيس للمخابرات العسكرية". وأضاف إجناتيوس في المقال الذي عنونه بـ "المسئولون الأمريكيون يؤيدون بحذر وزير الدفاع الجديد" أن المسئولون الأمريكيون نفوا الشائعات التي ترددت عن أن السيسي "إسلامي" له اتصالات سرية بجماعة الإخوان، وقالوا إنه على العكس تماما، وأنه معروف جيدا بالنسبة للجيش الأمريكي بعد أن قضى عاما من التدريب المهني في الولايات المتحدة، وكان يعتبر قيادة فعالة في المخابرات العسكرية.

فور توليه المسؤولية، نشرت جريدة الشروق نقلا عن مصادر عسكرية أن السيسي أطاح بـ 70 لواء بالجيش أبرزهم ممدوح عبد الحق واسماعيل عتمان ومحسن الفنجرى وسامى دياب وعادل عمارة ومختار الملا، وأبقى الرجل على اللواءين العصار وصدقي صبحي الذي ينتظرهما دور كبير في الأحداث مستقبلا. بد أن هذه الإجراءات هدفها إزاحة الوجوه المرتبطة سلبيا بالأذهان.

وعلى غير المتصور، صار الجيش (أو السيسي بالأحرى) يتحكم في الملف الاستخباراتي برمته، وفي ملف سيناء بشكل خاص بعملية وهمية أطلق عليها اسم نسر، انتصر فيها الجيش على كثبان الرمل، والتقى السيسي برئيس جهاز تنمية سيناء محمد شوقي في أغسطس وصدق الأول على مبلغ ٢٥٠ مليون جنيه مشاركة من القوات المسلحة لتحقيق الأمن والتنمية فى سيناء. والتقت قيادات الجيش الثاني الميداني بتاريخ 23 أغسطس أهالي سيناء لحل أزمة مياه الشرب ،ودفع الجيش 200 مليون جنيه لإنشاء محطة تحلية للمياه في مطروح، ليبدأ السيسي دورا مدنيا بغرض زيادة شعبيته بمساندة إعلامية وتخدير المناطق التي قد تثير القلاقل في المستقبل.

في هذه المرحلة صرح وزير الدفاع الأمريكي السابق ليون بانيتا بأن السيسي أكد له التزامه القوي بالعلاقة العسكرية بين الولايات المتحدة ومصر، وخرج المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني بتصريح قال فيه إن السفيرة الأمريكية آن باترسون على اتصال بالسيسي منذ أن كان مديرا للمخابرات الحربية!

هنا أدرك الرئيس أن الوضع لم يتغير وأن إنهاء حكم العسكر وهم، بل أن العسكر عادوا لأقوى مما كانوا، فمدير المخابرات الحربية السابق هو الرجل الأقوى في الجيش الآن، وأضحى يلعب كل الأدوار بمساندة إعلامية فلولية، وأن سيناء كانت المفتاح لإعادة العسكر إلى الواجهة بفضل تحركات عميل إسرائيل محمد دحلان في المنطقة، بعد أن حاول مرسي بإعلانه الدستوري إقصاء العسكر عن المشهد.

توحدت الجهود خلف السيسي. الآن الفلول والإعلاميون والعلمانيون ودول عربية مع السيسي يرسمون خطة الإطاحة بمرسي، برضا أمريكي إسرائيلي إلى حد القبول الإسرائيلي بالتواجد العسكري في سيناء وإن أبدت امتعاضها لإكمال الحبكة الدرامية. وبدأت حملة صناعة السيسي البطل فأبدى وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك في أكتوبر غضبه من السيسي بدعوى أن الأخير رفض تحسين العلاقات بين مصر وإسرائيل.

كانت الخطة هي التمهيد داخليا للحشد المليوني ضد مرسي بأزمات معيشية لإعطاء السيسي ذريعة للتدخل. وتحدد أن هذه الحبائل التي سترمى في درب الرئيس، ستمنع استمراره لأكثر من عام على أية حال، وكتب يسري فودة الإعلامي بقناة ساويرس تغريدة في 14 نوفمبر قال فيها: اللهم بلغنا يونيو! هذا الإعلامي سيتعرض لإصابة في مارس وستنقله طائرة عسكرية من الجونة إلى القاهرة بأمر من السيسي!

وقعت أحداث الاتحادية ونزل شباب الإخوان للدفاع عن القصر والرئيس ليسقط ثمانية قتلى بصفوف الإخوان وصحفي يدعى الحسيني أبو ضيف.

كان الثامن من ديسمبر هو تاريخ الإعلان عن ظهور الجيش في المشهد بقوة عندما أصدر السيسي بيانا أكد فيه أن "الحوار هو الطريقة الوحيدة والأفضل للتغلب على الصراع المتعمق فى البلاد وأن أى شىء آخر سوى الحوار سيجبرنا على الدخول فى نفق مظلم له عواقب كارثية، وهو ما لم نسمح به". وعلى الفور قالت وكالة "أسوشيتدبرس" الأمريكية عن البيان إن جيش مصر القوى الذى تم تنحيته جانبا عن السياسة فى الصيف الماضى بعد قرارات الرئيس محمد مرسى بإقالة كبار قيادته، عاد إلى المعترك السياسى والغليان الذى تشهده البلاد بسبب التوترات بين القوى العلمانية والحكومة العازمة على تمرير دستور يضمن دورا أساسيا للدين. ورأت أسوشيتدبرس أن الهدف من بيان القوات المسلحة على ما يبدو هو إظهار تنامى نفاد صبر الجيش إزاء الأزمة السياسية المتعمقة. أما الإخوان فأعربت على لسان المتحدث باسمها محمود غزلان عن أسفها لعودة الجيش إلى المعترك السياسي وقال غزلان: لا نقبل بتدخل الجيش.

في 11 ديسمبر دعا السيسي على لسان المتحدث العسكري إلى "حوار وطني" مع القوى السياسية بدعوى الرغبة في حل الأزمة، لكن الرئيس رفض رعاية السيسي لأي حوار مع القوى السياسية باعتباره تدخلا غير مقبول، ليخرج العصار على الفضائيات مؤكدا أن الحوار لا يحمل أى صبغة سياسية، وأنه مجرد حوار للعائلة المصرية بعدما ترك الجيش المصرى السياسة قبل خمسة أشهر. في اليوم التالي نقلت وكالة الأنباء الرسمية للدولة "الشرق الأوسط" أنه لن يكون هناك أى حوار وطنى أو مجتمعى تجريه القوات المسلحة يوم الأربعاء (كما كان مقررا)، قائلة إن ما تردد من أنباء حول هذا الحوار غير صحيح. (خبر بعنوان: أخطر 18 ساعة مرت بها مصر.. "السيسى" يدعو للحوار مساء ويلغيه ظهر اليوم التالى، اليوم السابع 12 ديسمبر).

في يناير التقى السيسي بشيوخ القبائل والعشائر في سيناء لتأمين هذه الجبهة، وفي فبراير بدأت قوى علمانية تحرير توكيلات للسيسي بإدارة شؤون البلاد، وأكد الدكتور على زيدان عضو اللجنة العليا للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي أن جبهة الإنقاذ الوطني مازالت متمسكة بشروطها لقبول حوار وطني مع مؤسسة الرئاسة، وعلى رأس تلك الشروط أن يكون الحوار تحت رعاية السيسي، وكانت المليونية الأولى لدعم الجيش في الأول من فبراير في محيط النصب التذكاري بمدينة نصر.

في هذه الأثناء نقلت صحيفة "وورلد تريبيون" الأمريكية عن دبلوماسيين قولهم إنه يُعتقد أن "السيسى" و"صبحى" تم تشجيعهما من قبل الولايات المتحدة التى تقدم للجيش مساعدات سنوية تقدر بـ 1.3 مليار دولار، وتحدثوا عن سلسلة من المكالمات الهاتفية بين "السيسى" ووزير الدفاع الأمريكى السابق ليون بانيتا ومساعديه. وفي جلسة بالكونجرس الأمريكي، وقف عضو لجنة التسليح بمجلس الشيوخ الأمريكى، السيناتور «جيمس إنهوف» ليقول بصراحة: الجيش المصري صديقنا ومرسي عدونا.

تصاعدت نبرة العسكر، وقال رئيس هيئة الأركان الفريق صدقى صبحى إن القوات المسلحة يمكن أن تقوم بدور إذا "تعقدت" الأمور، وزعم موقع "ستراتفور" الاستخباراتى الأمريكى أن وزير الدفاع عبد الفتاح السيسى قد التقى سرا مع كل من محمد البرادعى وعمرو موسى عضو جبهة الإنقاذ الوطنى المعارضة قبل إجراء الحوار الوطنى فى 31 يناير. زعم الموقع الاستخباراتي أنه لا يعرف تفاصيل اللقاء، لكن اليوم السابع نقلت عن مصدر عسكري لم تسمه أن الخبر عارٍ عن الصحة.
في هذه الفترة بدأ أهالي سيناء يشعرون بالقلق بسبب قرار السيسي حظر تملك الأراضي المتاخمة للحدود، وقالوا إن قرار السيسي يخالف توجيهات الرئيس مرسي في 5 أكتوبر بالعريش، لكن السيسي سارع إلى طمأنتهم.

توالت الاتصالات الأمريكية فالتقى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بـ "السيسى" في مارس بمقر وزارة الدفاع وبالرئيس، وأجرى السيناتور روبرت كاسى عضو لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكى لقاءً آخر بالسيسي.

انطلقت في الشهر نفسه مسيرة بالعشرات إلى "المنطقة الشمالية العسكرية" للمطالبة بعودة الجيش إلى إدارة البلاد، وصرح مصدر عسكري أن "السيسى" أمر بتشكيل لجنة لفحص مضبوطات أقمشة زى الجيش التي استوردتها إحدى شركات ملابس الأطفال، وروجت وسائل إعلام أن الإخوان سيستخدمونها لأعمال عنف وسيلصقونها بالجيش.

بدأ العد التنازلي قبل شهرين من الانقلاب: سد النهضة، مشكلتا الكهرباء والسولار، تمثيلية اختطاف الجنود التي انتهت بتحريرهم دون قتل الخاطفين أو القبض عليهم رغم ادعاء الجيش محاصرة الخاطفين. كانت تمثيلية لتقديم السيسي جنرالا مخلِّصا منقذا. التقى السيسي بالفنانين وبدأ تقديم سلسلة من التصريحات الممهدة للانقلاب إلى حد وصف الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل إياه بالممثل العاطفي، وهو ما استدعى هجوما إعلاميا على الرجل بسلسلة من المقالات والبلاغات.

وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال نقلا عن مقربين لجبهة الإنقاذ، فإن الاجتماعات بين القادة العسكريين وقادة المعارضة ازدادت مع اقتراب الإطاحة بمرسي، وضمت هذه الاجتماعات معاونين للدكتور محمد البرادعى وعمرو موسي وحمدين صباحي. وأضافت الصحيفة أن بعض هذه الاجتماعات جرى في نادي ضباط البحرية، حيث أخبر قادة الجيش المعارضة بأنه إذا كانت التظاهرات كافية فإن الجيش لن يكون أمامه خيار سوى التدخل، وستسير الأمور بالضبط كما سارت مع مبارك. وأشارت الصحيفة إلى اعتراف المتحدث العسكري أحمد علي بعملية تعارف بشخصيات لم يكن للجيش من قبل تعاملا كبيرا معها. وهو الادعاء الذي لم ينفِه وزير الخارجية في حكومة الانقلاب في حوار مع مذيع بي بي سي ألان ليتل بتاريخ 6 أغسطس 2013.

قبل ثلاثة أيام من الانقلاب، أبدى رئيس حزب النور يونس مخيون مرونة كبيرة حيال الانقلاب بتصريحات لوكالة رويترز قال فيها: "لو وصلنا إلى مرحلة هل احنا مع حرب أهلية ولا الجيش فشيء طبيعي هنقول الجيش."

حدث الانقلاب ولا تزال الولايات المتحدة ترفض وصفه بالانقلاب كي لا تتوقف المساعدات العسكرية المقدمة للسيسي وغيره من القيادات الموالية لواشنطن. حدث الانقلاب وأثق أنه سيفشل، لكنه سيكون درسا للجميع كي نتوب جميعا من احترام الديمقراطية والقوانين الوضعية التي لا يستحي الآخرون من الانقلاب عليها عند الحاجة. كي نتوب جميعا من سياسة الاحتواء التي انتهجها الإسلاميون، وتسببت في تمييز العسكر في الدستور واستمرار انخراطهم في الحياة المدنية إلى حد إنشاء الطرق والكباري ومحطات تحلية المياه!

يقول روبرت فيسك في مقاله بصحيفة إندبندنت بتاريخ 21 يوليو إن زيارة نائب وزير الخارجية الأمريكى ويليام برنز الأخيرة لمصر تشير إلى أن واشنطن تفضل الجنرالات على الديمقراطيين في الأماكن الملتهبة.

السبت، 27 يوليو 2013

همسات اللحظة الأخيرة

همسات اللحظة الأخيرة

أتعبني رفيقي اليوم!..
قاوم كل فكرة زرعتها.. تجاهل كل كلمة قلتها.. لكن لا بأس.. لا يأس.
هل إخفاقي سببه تعجلي؟!.. ربما..لكن لا وقت إطلاقا الآن لإطلاق العنان لأفكاري وتساؤلاتي.. فالشمس شارفت على المغيب، وسرعان ما سأفقد كل سيطرة لي عليه.
التركيز.. كل ما عليّ فعله للنجاح هذه المرة هو المزيد من التركيز.
***
أنظر حولي في المكان لعل بارقة إلهام تظهر أمام عيني.
هل أستخدم الحيلة إياها للإغواء مرة أخرى؟.. لا، لا وقت.. تحتاج لتمهيد وتهيئة، وهما رفاهية لا أملكها الآن.
مع اقتراب اللحظات الأخيرة يزداد توتري.. أتحسس عنقي بحركة لا شعورية وأنا أتصور ما ينتظرني بعد دقائق.. ثم فجأة خطرت لي فكرة، وعلى الفور بدأت في تنفيذها.
همستُ: (لم لا تخرج من هذه الغرفة لتذهب وتلقي نظرة على زوجتك؟.. بالتأكيد تفتقد وجودك جوارها)
قام رفيقي.. يا له من أحمق!
يظن الفكرة فكرته، وأن زوجته طرأت فجأة بباله!
لكن لا وقت للاحتفال بنصر صغير كهذا.. يجب التركيز على شيء كبير.. فِعلة كبيرة أوقعه فيها قبل أن أرحل عنه للفترة السنوية المعهودة.
ها هي الزوجة تبتسم عندما دخل عليها.
(لماذا تبتسم لك؟.. تُرى هل تسخر منك؟)
- "لماذا تبتسمين؟.. هل شكلي يثير السخرية؟!"
هاه!.. انقلبت سحنتها فجأة من الابتسام إلى الغضب. الأمور تجري على ما يرام، لكن عليّ أن أسرع.
- "ما لك اليوم؟!.. تريد إثارة مشكلة بلا داع ونحن في هذه الليلة المباركة؟"
- "أنا لم أبدأ مشكلة. تعبيرات وجهك وابتساماتك المريبة هي سبب انفعالي"
جميل جدا.. نبرته أخذت في الارتفاع، ووجهه يكتسي بحمرة الغضب.
- "لن أرد عليك قبل أن يهدأ انفعالك.. بعدها نتفاهم حول سبب غضبك المفاجئ"
(يجب تأديبها!.. كيف ستتركها تجيبك بقلة احترام هكذا؟!!.. لو كنتَ رجلا بحق لما تركتَ كلامها هذا يمر دون عقاب)
أتت همساتي بمفعولها على الفور، وكادت شرارات الغضب تخرج فعليا من عينيه الحمراوين. كل ما عليّ الآن هو إذكاء الـ...

لكن ما هذا؟!.. هل حل الوقت بهذه السرعة؟!!.. لا يمكن!.. عملي هنا لم يكتمل بعد!.. يا للخسارة.
شعرت بقوى خفية تجذبني بعيدا عن الغرفة، وعن المكان كله..
استسلمت لها كعادتي كل عام.. زفرت زفرة نارية حارة قبل أن تبدأ السلاسل في تكبيلي.
لا بأس يا رفيقي.. لا بأس. سأعود بعد شهر لنكمل لعبتنا المعتادة.. أما الآن فحاول أن تهنأ بالهدنة القصيرة.. فالمعركة بين جنسي وجنسك لن تنتهي عن قريب!

***
قصة قصيرة - جروب Egyptian Good Readers المسابقة الأدبية

الثلاثاء، 23 يوليو 2013

سيسي راب

(سيسي راب)

أصحى الصبح بدري، وأبص فِ المراية
وشّي تعبان ومرهق.. الله، إيه الحكاية؟
منك لله يا مرسي.. قلبت حالي وكياني
كان إيه إللي خرب لي عقلي، و ع الانقلابات رماني؟!

ما انا كنت زمان في حالي.. وزير ومحترم
دلوقتي بآخد شتايم.. أكبر من الهرم
شوية يقولولي "سوسو"، وشوية: "يا خسيس"
وبعلو صوتهم ينادوا: "ارحل، يا خاين الرئيس"!

وأخرتها واد اسمه "عطوة" عاملني ملطشة
نازل تنكيت عليا.. م الفجر للعشا

وكله بيتذاع مباشر، والفضيحة بجلاجل
وكل هتافاتهم ضدي بتطلع ع الجزيرة "عاجل"!

طيب يا شعب مصر!!.. يا أنا يا انتَ فِ البلد دي
كل واحد فيكم.. له رصاصة عندي!

منك لله يا هيكل، ورطتني وخلعت
مشورتك هباب وطين، وآديني فيها اتوحلت
قال إيه "شوية وهيمشوا" و"ف رمضان هيزهقوا"
و"من الشمس والحر هيتعبوا ويعرقوا"
دول ناس غريبة يا با، لازقين بصمغ بلدي
ومجهزين للعيد.. بعد ما رمضان يعدي!

منك لله يا باترسون.. يا شيطانة يا بنت الإيه
"دونت ووري مستر سيسي.. إنكلاب إز أوكيه"!
آه ياني يا ماما أميركا.. سمعت كلامك ليه؟!

إيه الحل يا واد يا عبدو.. إيه الحل فِ الورطة دي؟
لو العيال دول كسبوا، هتطير رقبتي دي

آه لو تطاوعني يا مرسي، وتمضي على استقالة
هيسيبوا الميدان ويمشوا، ويقبلوا بالخسارة

بس راسك طلعت ناشفة، واجمد م الحجر
لخبطت لي المخطط، وخليتني خلاص هاتقهر!

اسمعوا يا بتوع رابعة.. يا بخت من زار وغار
ولو زيارتكو طالت، هابعت لكم التتار

بلطجية وشرطجية وقناصة ودبابات
وهتكون نهايتكو وحشة!!.. إنتو ما خفتوش م إللي فات؟!

خافوا مني، ده أنا دراكولا، وبتسحر بـ شوب دم
وفظيع ومرعب خالص.. حتى اسألوا المدام

طيب، بلاش تمَشّوا.. ارفعوا يلا السلاح
علشان أخلّص عليكو، وأقول "إرهاب و ف داهية راح"

بكده أنا جبت آخري.. ولو مش هانتصر
مالهاش حل تالت.. يا اهرب.. يا انتحر.
 -----
 
SalamaCast
سلامة المصري
(لو تقدر، وصّلها لمنصة رابعة)

السبت، 20 يوليو 2013

ضباط النخبة المصرية - بيان 2

ضباط النخبة المصرية - بيان رقم 2
لقد تابعنا وجموع الشعب المصري العظيم خلال الأيام القليلة الماضية أساليب وتكتيكات القيادة العامة للقوات المسلحة والعدائيات المنتظرة منها
والمتمثلة في تنحية القوات المسلحة والشرطة المدنية عن مسرح الاحداث لتلافي مجابهة ومواجهة الإحتقان التراكمي الناتج عن استخدام القوة المفرطة،

وبدى لنا أن القيادة العامة قد بدأت تنتهج نهج من سبقهم في تفعيل الإعتماد على آليات البلطجة ممثلة في شخص المسجلين من أصحاب السوابق في سجلات وزارة الداخلية، في محاولة منها في فض إعتصام ميدان رابعة العدوية وإعتصام ميدان النهضة وغيرهما من ميادين مصر المختلفة

ونحن نحث أهلنا المعتصمين ونؤكد عليهم بضرورة التمسك بالأرض ممثلة في ميادينهم وعدم تركها أو الخروج منها أو الرحيل عنها تحت أي ضغط كان أو كائن أو سيكون لأي سبب من الأسباب ولو أدى الامر إلى نيل الشهادة والتي نسأل الله أن يمن علينا جميعا بها،

ونحذر المجلس العسكري بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي من الإقدام على أي عمل يورث الندم حيث لا ينفع الندم ولازلنا نمنحه الفرصة الأخيرة للخروج الآمن ودون ملاحقة

وليعلم سيادته أنه مهما بلغ الصبر فلابد له من ختام و نحذر من أن لا يساء فهم بياننا ويؤخذ مأخذ أنه بمثابة ( استعجال رقم 1) فنخشى وليخشى كل من ينبغي له أن يخشى أن يبلغ الصبر منتهاه .
ضباط النخبة المصرية

=====
‫‏تعليقي‬ على البيان:
واضح أنه مكتوب بأسلوب العسكريين ونفس اللغة الغريبة والأخطاء الأسلوبية التي يعرفها كل من قرأ بيانات الجيش أو تعامل مع مكاتبات عسكرية حكومية رسمية.

لاحظ أنه على غير العادة لم يخرج تكذيب رسمي من متحدث المجلس العسكري عن البيان الأول. ولاحظ أيضا أن بيان "ضباط ضد التسييس" أشار أيضا إلى محتوى بيان "ضباط النخبة المصرية" الأول وقال أنه مؤشر خطر على ضعف وحدة الجيش.

لاحظ أن الوحيد تقريبا الذي تجرأ على نشر البيان في صحيفة هو الأستاذ المناضل مجدي حسين صاحب جريدة الشعب ورئيس حزب العمل الإسلامي الجديد، وهو ثقة.
لاحظ أن البيان يشير في البداية إلى أن السيسي ربما يكون منع الجيش والشرطة من التعرض لمليونية كسر الانقلاب 19 يوليو بناء على ضغط من داخل الجيش!، وأنه اضطر في نهاية اليوم إلى الاستعانة بالبلطجية كأداة أخيرة في يده.
وعلى هذا لا أتوقع أن يصطدم الجيش مرة أخرى مع المعتصمين والمتظاهرين أو يحاول فض الاعتصام بالعنف، وسيكتفي بالبلطجية وجنود في زي مدني وبحرب الشائعات والتضليل الإعلامي.. وسنرى صحة ذلك في الأيام القادمة بإذن الله
البيان الأول كان 16 يوليو، والثاني 21 يوليو.. وربما نرى البيان الثالث في ذكرى 23 يوليو.

=====
وهنا أيضا نص البيان رقم 1 إن لم تكن قرأته من قبل

السيد الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة

نحيطكم علما أننا لم ولن نسمح يوما ما بجر القوات المسلحة المتمثلة في جيش مصر العظيم إلى منزلق يؤول بالمؤسسة العسكرية على صعيد خاص وبالبلاد على سبيل عام إلى الدرك الأسفل من بئر الفوضى والإنقسام ، والذي شاركتم بإيثاركم منافعكم الشخصية عن مصلحة الوطن في تأسيسه ، وبتتبعكم خطى خارجية مفخخة مرسومة على صراط أعوج حملتمونا رغما عنا إلى الترنح على حافته ، فتحقق لعدونا ما أراده من بدء الشروع في دفع كافة أركان البلاد للإنزلاق إلى هاوية ذلك البئر

وعلى هذا فإننا قد عزمنا أمرنا على أن لا نقف مكتوفي الأيدي ، ولا أن نطأ موطئ قليلي الحيلة من المتخاذلين ، وسنضطر آسفين غير معتدين إلى الإقدام على الأخذ بالأسباب لإنقاذ البلاد والسباحة بها بعيدا عن منطقة الغرق

ونريد أن نلفت انتباه سيادتكم أن لنا رجال صدقوا الله ما عاهدوه عليه
بداية من الجيش الثاني الميداني بتشكيلاته الفرقة 16 مشاه ميكانيكي والفرقة 18 مشاه ميكانيكي والفرقة السابعة مشاه ميكانيكي والفرقة السادسة المدرعة
ومن ثم الجيش الثالث الميداني بتشكيلاته الفرقة 23 مشاه ميكانيكي والفرقة 19 مشاه ميكانيكي والفرقة الرابعة المدرعة واللواء 11 مدرع مقل
ومن ثم المنطقة الشمالية العسكرية بتشكيلها الفرقة الثالثة مشاه ميكانيكي واللواء 76 مدرع مقل
ومن ثم المنطقة المركزية العسكرية بتشكيلاتها الفرقة الثانية مشاه ميكانيكي والفرقة التاسعة المدرعة واللواء 23 مدرع مقل
ومن ثم المنطقة الجنوبية العسكرية بوحداتها اللواء 305 مشاة ميكانيكي مقل واللواء 166 مشاه ميكانيكي مقل واللواء 117 مشاه ميكانيكي مقل
ومن ثم المنطقة الغربية العسكرية بتشكيلاتها الفرقة 21 المدرعة والفرقة 33 مشاه ميكانيكي
ومن ثم تشكيلات القوات الجوية المتمثلة في قاعدة غرب القاهرة الجوية وقاعدة شرق القاهرة الجوية وقاعدة ألماظة الجوية ومطار فايد الحربي وبني سويف وأبو صوير والغردقة والأنشاص وجناكليس وبلبيس والمنيا
ومن ثم تشكيلات الدفاع الجوي المتمثلة في الفرقة الخامسة والفرقة الثامنة والفرقة العاشرة والفرقة 12 والفرقة 15 دفاع جوي واللواء 103 دفاع جوي مقل واللواء 104 دفاع جوي مقل

غير باقي ضباطنا الشرفاء في معظم إدارات وهيئات ووحدات القوات المسلحة والذي هم على استعداد تام لنيل الشهادة إذا ما لزم الأمر ، وما تم ذكره على سبيل المثال لا الحصر

وبناءا على ما سبق وبالتعاون مع معظم القوى الوطنية فإننا نمهلكم الفرصة الأخيرة للخروج الآمن ودون ملاحقة حقنا لدماء المصريين على أن يتم الإستجابة لما يلي

1-   عودة الرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي عيسى العياط لتسلم مهام منصبه رئيسا شرعيا للبلاد سعت تاريخه

2-   رفع استقالة فورية لكل من الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والإنتاج الحربي والفريق صدقي صبحي رئيس أركان حرب القوات المسلحة إلى السيد رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة

3-   تفعيل العمل بالدستور الذي تم تعطيله والذي استفتي الشعب المصري عليه وفقا للقواعد الديمقراطية

4-   عودة مجلس الشورى المنتخب والذي تم حله ببيان القوات المسلحة إلى سيرته الأولى

ونهيب بسيادتكم الإنحياز لصوت العقل ونبض الحذر وعدم الإقدام على تقمص دور المقامر الذي يسعى لتعويض خسارته فيحمله طموح الإستمرارية ورفضه الإعتراف بالفشل إلى مصير مجهول الهوية يلقي بصاحبه فريسة بين أنياب القصاص وعندئذ لات حين مناص

وإلا فالعواقب ستكون وخيمة وسيرفع سقف مطالبنا وسنكشف ما لا يجول بخاطركم أننا نعلمه وبالمستندات والوثائق وسنريكم مدى قوتنا وتغلغلنا داخل القوات المسلحة ولو أدى الأمر إلى إستخدام القوة المفرطة فلقد عاهدنا الله أن نحق الحق وبايعناه على الشهادة وعندئذ لا تلقون باللوم إلا على أنفسكم

ضباط النخبة المصرية  

-----
 
تحديث 7 أغسطس

بيان رقم (3)
النداء الأخير
إلى من يدعون أنهم قادتنا وقدوتنا ، إلى من يزعمون أن الجيش المصري على قلب رجل واحد ، إلى من يتوهمون أنهم ماضون على خطى ثابته في مخططهم الإنقلابي ، نقول لكم أنكم قد رأيتم بأعينكم فشل مكركم وحيلكم وخططكم الساذجة على مدار الأسابيع الماضية والتي حذرناكم سلفا من أن تعكفوا على المضي قدما في الإنزلاق في منحدر الخسارة والذي سيؤول بكم عاجلا أم آجلا إلى بلوغ مستنقع الهلاك .

وتحولت كل مؤامراتكم إلى غنائم في يد عدوكم ويبدوا أنكم تناسيتم قول الله تعالى ( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ) وتناسيتم تحذيرنا لكم في البيان رقم (1) من أن يضطركم الغرور للعب دور المقامر الذي يسعى لتعويض خسارته فيخسر أكثر وأكثر
وبدا لنا أنكم قد تناسيتم بعض المصطلحات والتي تعلمناها سويا من مفكرة الأركان وقررتم فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة ، غاضين البصر والبصيرة عن إدراك التفرقة ما بين "مناطق التمركز" و"منطقة الإنتظار الأمامية" و "المواقع الحصينة" ، ولم تراعوا في تقنين كذبكم وافتراءاتكم "الهيئات الحاكمة" والتي استغلها عدوكم الباسل ببراعة وضمها إلى رصيده الهائل من خلال خسارتكم مصداقيتكم أمام أهالي رابعة العدوية بعد ما عقدوا المقارنة ما بين ما يروه من إعلام العهر وما يروه من وقائع على الأرض ، وأدهشكم عدوكم في روعة تنفيذ "المسير" ، والذي أدهشتموه بفشلكم في تنفيذ "الكمين والإغارة" ، وفشلتم في تحقيق "الردع المعنوي " في مذبحة الحرس الجمهوري ، وفشلتم في عمل "قطاع إختراق" في مذبحة النصب التذكاري ، وفشلتم إعلاميا في القيام "بالهجوم المضاد" و"الضربة المضادة" "لإستعادة الأوضاع الدفاعية إلى ما كانت عليه" .
لذا فإننا نوجه لكم النداء الأخير وهو أن يحقق "اتجاه المجهود الرئيسي" لكم "الإنسحاب" الكامل من المشهد السياسي وتنفيذ مطالبنا السالف ذكرها في البيان رقم (1) لضباط النخبة المصرية مقابل أمنكم وسلامتكم ، وإلا فسنضطر آسفين إلى تحقيق مبدأي "المبادأة والمفاجأة" وسنصدر حينئذ البيان رقم (4) وما أدراكم ما البيان رقم (4) ، وستتوالى الخسائر تلو الخسائر والتي ستؤدي بكم إلى "الهزيمة" التي لا مناص منها ولا محيص عنها ، وعندئذ حق عليكم قول العزيز المقتدر ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) صدق الله العظيم .

الجمعة، 12 يوليو 2013

تعليقا على المنشور الذي ألقته طائرات الجيش على المعتصمين بـ رابعة العدوية

تعليقا على المنشور الذي ألقته طائرات الجيش على المعتصمين بـ رابعة العدوية، فجر السبت 13 يوليو 2013

طائرات الجيوش على مر التاريخ الحديث تلقي المنشورات على أهل البلاد المعادية لها بغرض تثبيط الهمم وبث الفرقة والسلبية بينهم، حتى تكون عملية احتلال الجيوش لهذه البلاد سهلة وميسرة.
وهذا معروف لمن قرأ عن أساليب البروباجاندا في الحرب العالمية الثانية.

فهل يعتبرنا الجيش المصري الآن أعداءا له، ويريد تفريقنا واحتلال مياديننا؟!!
-----
نص المنشور: ((إلى أبناء الوطن. يا شباب مصر من التيارات الدينية بمختلف أشكالها وتوجهاتها. لا يوجد بين المصريين من يشكك في وطنيتكم وانتمائكم و إخلاصكم وعطاؤكم الصادق لصالح هذا الوطن ورفعته، شأنكم في ذلك شأن باقي المصريين. ونؤكد أن الإجراءات التي اتخذت لم تكن علي الاطلاق ضدكم ولم تكن تقليلا من دوركم في المسيرة الوطنية المصرية ولا تفصلكم عن جسد مصر الواحد. ونحن علي يقين تام من حرصكم علي استقرار مصر.. فمن يريد منكم أن يفض اعتصامه فليتوكل علي الله. ونؤكد لكم أنه لا ملاحقه لأي أحد يترك الميدان ويعود إلي بيته، والله علي ما نقول وكيل. ومن أراد منكم أن يبقى فهو آمن. ونناشدكم بضرورة المحافظة علي السلمية وعدم الاقتراب من المنشآت الهامة بالدولة والمنشآت والوحدات العسكرية.))
-----

الجيش الآن يعلم أنه يتعامل مع رجال ونساء "التيارات الدينية" كلها، وليس مع جماعة الإخوان فقط كما يريد الإعلام أن يوهم المغفلين.
ويريد السيسي الآن فض هذا الاعتصام بأي شكل، لأنه يشكل ضغطا شديدا عليه، خصوصا بعد الإجراءات التصعيدية السلمية التي بدأ المتظاهرون فيها.

الجيش الآن يحاول "استعباط" المعتصمين بأن يستخدم لغة "دينية" لتؤثر فيهم عاطفيا!.. ويقول "من يريد منكم أن يفض اعتصامه فليتوكل على الله".. فعجبا!.. قاتل سفاح يحاول دغدغة المشاعر بعبارات إسلامية!

هذا المنشور يذكرني بمنشور (نابليون بونابرت) الذي حاول خداع المصريين به في بداية حملة الاحتلال الفرنسي.
تقول كتب المؤرخين كالجبرتي أنه قام بنشر منشور بعد احتلاله للاسكندرية في يوم 2 يوليو 1798 ، يقول لهم فيه أنه مسلم ومؤمن بالرسول وأنه جاء يخلصهم من حكم المماليك، وأن الفرنسيين مسلمون!
ولم ينخدع المصريون بهذه الأكاذيب الإعلامية العسكرية، وقاوموه تحت قيادة الشيوخ والعلماء حتى فر هاربا، ولله الحمد. 
-----
مقتطفات من منشور نابليون بونابرت:
""بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله لا ولد له ولا شريك له في ملكه. من طرف الفرنساوية المبني على أساس الحرية والتسوية، السر عسكر الكبير أمير الجيوش الفرنساوية بونابارته"

"يا أيها المصريون قد قيل لكم: إنني ما نزلت بهذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم، فذلك كذب صريح فلا تصدقوه، وقولوا للمفترين: إنني ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من يد الظالمين، وإنني أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى، وأحترم نبيه والقرآن العظيم"

"أيها المشايخ والقضاة والأئمة وأعيان البلد.. قولوا لأمتكم: إن الفرنساوية هم أيضًا مسلمون مخلصون"

"طوبى ثم طوبى لأهالي مصر الذين يتفقون معنا بلا تأخير، فيصلح حالهم وتعلو مراتبهم. 
طوبى أيضًا للذين يقعدون في مساكنهم غير مائلين لأحد من الفريقين المتحاربين، فإذا عرفونا بالأكثر تسارعوا إلينا بكل قلب.
لكن الويل ثم الويل للذين يعتمدون على المماليك في محاربتنا فلا يجدون بعد ذلك طريقًا إلى الخلاص ولا يبقى منهم أثر‏"
" كل قرية تقوم على العسكر الفرنساوي تحرق بالنار‏"
-----
فهل يظن السيسي نفسه نابليونا جديدا يريد احتلال مصر وتركيعها؟!
لا والله.. لا يكون بإذن الله.

س.م.

الخميس، 11 يوليو 2013

موقف حزب النور من الانقلاب العسكري - رؤية شرعية واقعية

موقف حزب النُّور من الانقلاب العسكري (رؤية شرعيَّة واقعيَّة)
27 شعبان 1434هـ - علوي بن عبدالقادر السقاف

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
إنَّ الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد محمدًا عبده ورسوله.
أمَّا بعد:

فإنَّ المنهج السَّلفيَّ هو منهج أهل السُّنة والجماعة، والذي هو في حقيقته يمثِّل الإسلام المحض، فكلُّ مَن اعتنقه فهو سلفيٌّ، وهو ليس حِكرًا على حزب، أو جماعة بعينها، فكلُّ مَن اتَّبعه وانتهجه وانتسب إليه فله نصيبٌ من هذا بقدْر اتباعه لقواعده وأصوله، وبقدْر قُربه وبُعده، وإصابته وخَطئه، ومِن القواعد الأساسيَّة لهذا المنهج: (أنَّ كلَّ أحد يُؤخذ من قوله ويرد إلَّا النبيَّ المعصوم صلَّى الله عليه وسلَّم)، وعلى هذا سار عملُ العلماء والأئمَّة في كلِّ وعصر ومِصر؛ قال ابن القيِّم رحمه الله - بعدما اعترض على رأي لشيخ الإسلام الهرويِّ -: (شيخُ الإسلام حبيبٌ إلينا، والحقُّ أحبُّ إلينا منه، وكلُّ مَن عدا المعصوم صلَّى الله عليه وسلَّم فمأخوذٌ من قوله ومتروك،....) ثم قال: (ولولا أنَّ حقَّ الحقِّ أوجب من حقِّ الخَلق، لكان في الإمساك فُسحةٌ ومتَّسع) ((مدارج السالكين)).

وهذه المقالة هي من هذا الباب؛ فلولا أنَّ حقَّ الحقِّ أوجب من حقِّ الخلق، لكان في الإمساك فسحةٌ ومتَّسع، لكن - وبعد تجاوزات تلوَ تجاوزات من بعض المنتسبين للمنهج السلفيِّ - ما بات السُّكوت يسع بلْ ما بات يجوز، وتخطئة حزب أو جماعة، أو عالم أو شيخ أو داعية، لا يَعني اتِّهامه في دينه أو غير ذلك، وفرْقٌ بين المتأوِّل وغيره، ولا يلزم من حُسن الظنِّ السُّكوتُ عن الخطأ؛ وخطأ العالم أو المنتسب للمنهج السلفيِّ أعظمُ من غيره؛ لما فيه من تضليل العامَّة، وإساءة ظنِّهم بالمنهج، كما أنَّ خطأ الواحد منهم لا يصحُّ (بل لا يجوز) أن يُنسب لكلِّ مَن يَنتسب للمنهج، فضلًا عن أن يُنسب للمنهج نفسه!

ومن قواعد المنهج السلفيِّ البدهيَّة: أنَّ الرُّجوع إلى الحقِّ واجب، والاستمرار على الخطأ بعد وضوحه وظهوره أعظمُ خطأً وخطيئةً من الخطأ الأوَّل، وعُذره أصعبُ!
ومِن أمثلة مَن وقع في الخطأ حزب النور السَّلفي التابع لجماعة الدَّعوة السلفيَّة بالإسكندرية في مصر، منذ دخول الحزب في اللُّعبة السِّياسيَّة وتأييده لليبروإسلامي عبدالمنعم أبو الفتوح، وانتهاءً بمساهمته في وضع خارطة مستقبل مصر والإطاحة بالرَّئيس الشرعي المنتخَب محمَّد مرسي، وأمور أخرى بينهما كثيرة.
وقد استمعتُ قبل يومين كلمةً للشيخ ياسر برهامي - أحد أكبر زعماء الدَّعوة السلفيَّة مظلَّة حزب النور - يُبرِّر فيها موقف الحزب، والذي شارك ممثِّل منه (جلال مرة - أمين الحزب) مع شيخ اﻷزهر، وبابا اﻷقباط، والبرادعي، وذلك تحت إشراف القائد العامِّ للقوات المسلَّحة الفريق أوَّل عبدالفتاح السِّيسي، ولقد هالني ما سمعتُه من الشَّيخ ياسر في كلمته المشار إليها من تبريرات واهية، وأسباب غير مقنِعة، تجاهل فيها أنَّ مِثل هذا التصرُّف يُزعزع رابطتَه بالمنهج السلفيِّ، ويَقلعها من جذورها!

وسوف أُجمل ما ذكره الشَّيخ في تِسع نقاط، وأُبيِّن خطورتها ومزالقها:

أولًا: برَّر الشيخُ فِعلَهم هذا أنَّه جاء حقنًا لدماء المسلمين، وردَّده كثيرًا، واستشهد بأحاديثَ عن حُرمة دم المسلم، وحمَّل جميع اﻷحزاب السِّياسيَّة والجماعات اﻹسلاميَّة المؤيِّدة للرئيس كلَّ قطرة دم تسقُط؛ بسبب عدم قَبولهم وخضوعهم ﻹرادة الشَّعب الذي نزل معارضًا للرئيس.
وقد نسي الشيخُ - أو تناسى- الدِّماء التي ستُسفك بسبب الانقلاب العسكريِّ الذي شارك فيه الحزبُ، والتي بدأنا نسمع عنها من اليوم الأوَّل الذي وقع فيه الانقلاب؛ فهل سيتحمَّل حزب النور كلَّ قطرة دم تسقط بسبب مشاركتهم الظالمة في هذا الانقلاب؟! وماذا لو سبَّب هذا اﻻنقلابُ - ﻻ قدَّر الله - المئات أو اﻵلافَ من القتْلى، أو حربًا أهليَّة طويلة المدى؟ أﻻ يتحمَّل الحزبُ وِزرَه؟!

ثانيًا: ذكر الشيخ أنَّ العسكر قد تعهَّد لهم بعدم مسِّ الشريعة.
وغريبٌ أن يصدُر هذا من زعيم لتيَّار سلفي عريض في مصر، وقد تناقض الشيخُ في كلمته هذه القصيرة؛ حيث ذكر هنا أنَّ الجيش تعهَّد بعدم مسِّ الشريعة، وبعدها بدقائق ذكَر وهو يعدِّد فائدة وجودهم في اﻻجتماع: أنَّهم أقنعوا الحضور بتعطيل الدستور مؤقَّتًا بدلًا من إلغائه كليَّةً، وهذا يعني أنَّ هذا الجيش الذي تعهَّد بعدم مسِّ الشريعة أراد أن ينقُض الدستور الذي فيه رائحةُ الشَّريعة! بل نقضَه وعطَّله مؤقتًا، وبهذا يكون قد مسَّ الشريعة قبل أن ينفضَّ الاجتماع. ثم إنَّ المجلس العسكريَّ حَكم مصر قرابة عام ونِصف؛ هل حَكم فيها بالشَّريعة؟! وإبرازه لبابا الأقباط والبرادعي المصرِّحينِ برفض الشَّريعة، قرينةٌ واضحة على موقفهم من تطبيق الشَّريعة، ثمَّ ألا يعلم الشيخ أنَّ المؤسَّسة العسكرية المصريَّة مؤسسة قديمة لها مشروعها المتناغم مع الغرب ولها كثيرٌ من المصالح في داخل البلاد وخارجها والتي ستصطدم حتمًا مع أي مشروع آخر يدعو إلى تغيير الحال في مصر إن تمكن من ذلك؟! فكيف يُـوثَق بمن هذا حاله؟! وهل سيترك الجيش مشروعهم القديم المتجذر في المؤسسة لينفِّذوا رغبة الشعب حال خروجهم في الميادين، أم أنه سيستغل الشعب وبعض التيارات الوطنيَّة والإسلامية لتحقيق أهدافه؟!

ثالثًا: ثم تحدَّث الشيح عن نزول ملايين المعارضين، وذكَر أنَّهم ليسوا كلُّهم فلولًا وﻻ علمانيِّين، وأنَّه كان ﻻ بدَّ من النُّزول على رغبة هذه الجماهير، وإلَّا سُفكت دماء ... إلخ.
وهذا الكلام فيه صواب، وفيه مغالطة
 فأمَّا الصَّواب: فنعَمْ خرجت أعدادٌ كبيرة من المصريِّين تطالب بإسقاط الرِّئاسة، ونعم ليسوا كلُّهم فلولًا ولا علمانيِّين

وأمَّا المغالطة هنا - والتي أهملها الشيخ تمامًا - فهي: مَن الذي أخرج هذه الجماهير؟ ومَن الذي جيَّش لها، وأنفق عليها ملايين الجنيهات منذ أشهر، بل وتوعَّد بها؟ وماذا عن الجماهير اﻷُخرى المضادَّة لهم والمؤيِّدة لشرعيَّة الرَّئيس؛ أليست أكثرَ بشهادة كلِّ مبصِر، وخاصَّة في اليوم التالي؟! بل لو أنَّ قائلًا قال: إنَّ الانقلاب العسكريَّ قد يكون هو السببَ الأقوى والمباشر في سفك الدِّماء؛ لأنَّ الملايين المحتشدة المؤيِّدة لمرسي قبل الانقلاب لا يمكن أن ترضَى بالانقلاب، وسيقاومونه كثيرًا - لَمَا جانب هذا القائل الصَّواب، بل الواقع التالي للانقلاب شاهدٌ لصحَّته.

رابعًا: ذكر الشَّيخ أنَّهم سَعَوا في إقناعهم بتعطيل الدستور مؤقَّتًا بدﻻً من إلغائه، وأنَّ هذه إحدى مناقب المشاركة في وضْع خارطة المستقبل.
وقد ذكرتُ التناقض بين هذا وبين تعهُّد العسكر بعدم مسِّ الشريعة، وأضيف هنا: أنَّه ليس هناك فرقٌ ألبتةَ بين تعطيل الدُّستور مؤقَّتًا وبين إلغائه؛ ﻷنَّ القوم لو أرادوا تطبيق الدستور لما عطَّلوه مؤقَّتًا، لكنَّهم وافقوا على تعطيله مؤقَّتًا لامتصاصِ غضبة الجماهير، وبعد اﻻنتخابات سيأتي رئيسٌ جديد، وحكومة جديدة، ودستور جديد.

خامسًا: استشهد الشيخ بحادثة مقتل عثمان رضي الله عنه، وأنَّه منَع الصَّحابة من الدِّفاع عنه؛ خشيةَ إراقة الدِّماء، وأنَّه كان يجب على الرئيس مرسي فِعل ذلك.
وهذا استشهاد مع الفارق، بل الفوارق، وخشية اﻹطالة أكتفي بفارق جوهريٍّ واحد، وهو: أنَّ عثمان رضي الله عنه رضِيَ أن يُقتل؛ حتى ﻻ يَقتتل المسلمون بسببه ﻻ بسبب الدِّين، فهو على يقين أنَّ حُكم الشَّرع في زمنه ليس متوقِّفًا على حياته، وأنه إذا قُتل لن يأتي كافر أو زِنديق يحكُم المسلمين وفيهم أكابرُ الصَّحابة، وفي مُقدِّمتهم عليٌّ رضي الله عنه، أمَّا في حادثة مصر هذه، فاﻷمر مختلف تمامًا؛ فعزْلُ مرسي الآن يعني إقصاءَ الحُكم اﻹسلاميِّ في هذه المرحلة، نعَمْ لو كان الخلاف بين مجموعة من الإسلاميِّين الذين يرغبون في تطبيق الشَّرع، وكان الحُكم بينهم لا يخرج عنهم، لصحَّ اﻻستشهاد، ولقلنا: ﻻ يجوز أن تُسفك الدِّماء بسبب فلان أو فلان، لكن ما أحوجَنا إلى دقَّة الفقه والاستنباط، وخاصَّة عندما تدلهِمُّ الخطوب، وتُثار الفتن!
ثم إنَّ هذا استشهاد غير موفَّق وفي غير محلِّه، بل الصَّواب أنَّه يُستشهد بفِعل عثمان رضي الله عنه على صِحَّة ما فعَلَه الرئيس، لا على خِلافه كما زعم الشَّيخ؛ فمُحمَّد مرسي سلَك مسلك الخليفة الراشد عثمان بن عفَّان رضي الله عنه في رفْضِه التنازُل عن الحُكم، ولو أدَّى هذا إلى سَجنه أو حتَّى قتْله، وحزب النُّور أقربُ في موقفه هذا إلى موقف قتَلَة عثمانَ رضي الله عنه.

سادسًا: تحدَّث الشيخ عن أنَّهم عرَضوا على الرِّئاسة حكومة ائتلاف تُرضي الجميع، فرفضتْ الرِّئاسة ذلك.
ومعنى حكومة ائتلاف (وهو مطلب غربيٌّ كما في سوريا اﻵن) أن تتشكَّل الحكومة من جميع أطياف المجتمع: اﻹخوان، والسلفيِّين، والليبراليِّين، والعلمانيِّين، واﻷقباط، والمستقلِّين، ومن اﻷحزاب اﻷخرى اليَساريَّة وغيرها؛ فكيف يصدُر هذا من زعيم وقائد أكبر حِزب أو جماعة سلفيَّة في مصر، مع تنافي هذا الأمر مع ثوابت المنهج السَّلفيِّ مِن أنَّه لا يجوز تولية الكافر على المؤمن ولايةً عامَّة؟! فإنْ كان ذلك من باب أخفِّ الضَّررين؛ فهل هذا أخفُّ ضررًا أم بقاء الرئيس محمَّد مرسي على ما في فترة حُكمه من أخطاء أو مؤاخذات؟!

سابعًا: تحدَّث الشَّيخ عن استمساكهم بالشَّريعة، وقال: لم نتنازل عن الشَّريعة.
وﻻ أدري عن أيِّ شريعة يتحدَّث؟! فإذا كان الدُّستور الذي ينصُّ على تطبيق الشريعة - على ما فيه من مخالفات جِسام - قد عُطِّل العمل به بموافقتهم! وإذا كان الرئيس الجديد الذي توافقوا عليه مجهولًا لا يُعرف حاله،  وإذا كانت خُطَّة المستقبل وضعها خائنٌ، وعلمانيٌّ، ونصرانيٌّ؛ فعن أيِّ شريعة يتحدَّث الشَّيخ؟! لكن من باب حُسن الظن الواجب نقول: لعلَّه يعني لم يتنازلوا عن الشَّريعة نظريًّا واعتقادًا؛ ﻷنَّ هذا الفِعل كفر ورِدَّة، أمَّا عمليًّا وتطبيقًا، فلا شكَّ أنَّهم - بفعلهم هذا ومشاركتهم هذه - أسْهموا في تقويض محاولة تطبيق الشَّريعة.

ثامنًا: تحدَّث الشيخ عن المصالح والمفاسد، وأنَّ ما فعلوه كان لتقليل المفاسد والشُّرور.
ومبدأ تقليل المفاسد والشُّرور مبدأ إسلاميٌّ أصيل، لا نختلف عليه، لكنْ أيُّ مصلحة في خَلْع رئيس مسلِم تمَّتْ بيعته من قِبل المصريِّين، والبديل علمانيٌّ أو ليبراليٌّ؟! وأيُّ مصلحة في وَأْد التَّجرِبة الإسلاميَّة السياسيَّة؟! وأيُّ مصلحة في تعطيل أفضل دُستور مرَّ على مصر في الزَّمن الحاضر؟!

تاسعًا: ثمَّ ذكر أنَّهم اتُّهموا بموالاة أعداء الله، ونفَى عن نفسه وحزبه هذه التُّهمة.
ورغم أنَّ الواجب حسن الظنِّ بهم، إلَّا أنَّ اﻻجتماع مع أعداء الله من النَّصارى والعلمانيِّين، ووضْع خُطَّة - أو على اﻷقلِّ الموافقة على خُطة - تنصُّ على عزل رئيس مسلِم بُويع من قِبل الشَّعب، مقابلَ الإتيان برئيس أحسن أحواله أنَّه مجهولٌ وغامض، ومعيَّن من قِبل العسكر، لا يمكن أن يُفسَّر إلَّا أنَّه مواﻻة، بل قد يكون فيه نوعُ مُظاهرة ﻷعداء الله على المؤمنين، وفي المظاهَرة معنى النُّصرة، وهي أعظمُ من المواﻻة، ولكنَّنا نتأوَّل لهم، غفَر الله لنا ولهم.
وقد كان بإمكان حِزب النُّور اعتزالُ هذا اﻷمر إنْ كان اشتبه عليهم، ولم يعرفوا فيه الحقَّ من الباطل، كما فعل بعض اﻹسلاميِّين وبعض طلبة العلم السلفيِّين.
ولا أدري كيف غابت المعاني القرآنية عن الشَّيخ وزعماء الحزب، وأعداء الله تعالى هم هم؛ {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} [آل عمران: 167] فـ {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 8]، وينفقون أموالهم، ويتَّخذون كلَّ وسيلة، ويمكرون كلَّ مكرٍ وحيلة؛ لأنَّهم {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} [الصف: 8]؟! ولكن الله تعالى لهم بالمرصاد، وهو سبحانه {مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8].
وكيف غاب عنهم ما استقرَّ من منهج أهل السُّنة والجماعة من عدم جواز الخُروج على الحاكِم المسلم الذي لم يُرَ منه كفرٌ بواح؟! وهو مَن رضي به المسلمون، واستتبَّ له الأمر، سواء بالتغلُّب أو الانتخاب أو التَّعيين.
لكن قد يغترُّ إنسانٌ بقوَّته أو ماله، وتغترُّ جماعة بكثرة أتباعها، ويغترُّ حزب بفوزه في انتخابات، فيُنسي هذا الاغترارُ مثلَ تلك المعاني الربَّانيَّة، والأصول المستقرَّة.
وممَّا يوجب على المرء الكتابة في هذا الموضوع ما لاكتْه بعضُ الألسن، ودنَّست به الأوراقَ أحبارُ بعض الأقلام باتِّهام المنهج السَّلفي والتيَّارات السلفيَّة في مصر الحبيبة بما أقدم عليه حزبُ النور، مع العِلم أنَّه مجرَّد حزبٍ سلفيٍّ من أحزاب سلفيَّة أخرى، صحيح أنَّه أكبر الأحزاب السَّلفيَّة في مصر، لكن بمجموع الأحزاب والجماعات والأفراد السلفيِّين في مصر ليس هو أكثرَها، فالمنهج السلفيُّ في مصر تيَّار جارف، والحمد لله، وأتباعه كثيرون، ولا يُمكن لحزب أن يحتكرَه لنفسه؛ فمِن الهيئات والجماعات والأحزاب السَّلفية في مصر، والتي لا تؤيِّد حزب النور في سعيه للانقلاب العسكريِّ، ويؤيِّدون شرعيَّة الرَّئيس المنتخَب (على اختلاف بينهم في بعض الرُّؤى والتوجُّهات):

1- الهيئة الشرعيَّة للحقوق والإصلاح، ومن أبرز علمائها السلفيِّين:
على السالوس، وطلعت عفيفي، ونشأت أحمد، وعُمر بن عبد العزيز القريشي، ومحمَّد عبد المقصود عفيفي، والسيِّد العربي، ومحمَّد يُسري، وحازم أبو إسماعيل وقد أصبح الآن يتبعه جموعٌ غفيرة.

2- جبهة علماء الأزهر، وفيها كوكبةٌ من علماء الأزهر الشُّرفاء.

3- مجلس شورى العلماء (وفيهم عددٌ من علماء أنصار السنة المحمدية بمصر)، ومن أبرز أعضاء المجلس: جمال المراكبي، وعبد الله شاكر، ومصطفى العدوي، ووحيد عبد السَّلام بالي، وسعيد عبد العظيم، وأبو إسحاق الحويني، ومحمَّد حسان، ومحمَّد حسين يعقوب.

4- الجبهة السلفيَّة (وهي رابطة تضمُّ عدَّة رموز إسلاميَّة وسلفيَّة مستقلَّة،  كما تضمُّ عدَّة تكتُّلات دعوية من نفس الاتجاه، ينتمون إلى محافظات مختلفة في جمهورية مصر العربية)، ومن أبرزهم: خالد السَّعيد، وهشام كمال.

5- الجماعة الإسلاميَّة (حزب البناء والتنمية)، ومن أبرز قادتهم: كرم زهدي، وعبود الزُّمر، وطارق الزُّمر، وصفوت عبد الغني، وأسامة حافظ، وعصام دربالة، وعاصم عبد الماجد، وعبد الآخر حماد، وغيرهم.

6- حزب الأصالة السلفي: ويرأسه حاليًّا إيهاب شيحة.

7- حزب الوطن السلفي: ويرأسه عماد عبد الغفور ونائبه يسري حماد.

8- التيار الإسلامي العام: ورئيسه حسام أبو البخاري.

9- كثير من أهل سيناء، والذين يغلب عليهم المنهج السَّلفي، مثل: تحالف القوى الإسلاميَّة والوطنيَّة والسياسيَّة والثوريَّة بشمال سيناء.

10- سلفيون انشقُّوا عن حزب النور وخالفوا آراء الحزب: كعضو الهيئة العليا للحزب محمَّد عمارة، وإيهاب عُمر مسؤول الدعوة السلفيَّة في شمال سيناء الذي انضم إلى المتظاهرين المؤيدين للرئيس محمد مرسي، وأحمد أبو العنين رئيس الدعوه السلفيه بمحافظة الدقهليه، الذي صرَّح أن انشقاقه من الحزب بسبب تعاونه مع النصارى والعلمانيين ضد الإسلام.

11- كما أنَّ هناك قوى وتحالفات وطنيَّة غير الإخوان والسلفيِّين شكَّلت (الائتلاف الإسلامي)، ويضمُّ جميع الأحزاب الإسلاميَّة عدَا حزب النور، وهدف الائتلاف كما نصُّوا عليه: حماية  الشَّرعيَّة، وعودة الرئيس محمَّد مرسى إلى  منصبه؛ لأنَّه الرئيس الشرعيُّ للبلاد.
هذا داخل مصر، أمَّا خارجها فجمهور علماء أهل السُّنة ودُعاتهم لا يقرُّون حزب النور فيما ذهب إليه، يُعرف ذلك من تصريحاتهم وخُطبهم وكتاباتهم وتغريداتهم على (تويتر).

وختامًا: ليُعلم أنَّه ليس فيما ذكرته تزكية للعملية الديمقراطية، ولا لجماعة الإخوان المسلمين أو حزب الحرية والعدالة أو محمد مرسي أو الدستور الأخير بل لأن هذه المعركة الشَّرسة، وهذا التَّخطيط الإبليسي المقصود منه مواجهة التيَّار الإسلامي ككلٍّ، وإحباط المشروع الإسلامي برُمَّته، وإفشال أوَّل تجرِبة في هذا العصر لإقامة حُكم إسلاميٍّ في مصر.
ولا شكَّ أنَّ دين الله تعالى ظاهر منصور، والله غالب على أمره، {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 171 - 173].

والواجب على المسلمين وعلى الدُّعاة إلى الله في كلِّ حين، وفي مِثل هذه الأوقات على وجه الخصوص أنْ يتذكروا النُّصوص الآمرة بالاجتماع على الحقِّ، والنَّاهية عن الفُرقة، وأن يتعالَوْا على مصالحهم الحزبيَّة وعلى خلافاتهم الشخصيَّة، وأن يتَّهم الفردُ نفسه، وتتهم الجماعة رأيَها في الفُرقة، وأن تصحِّح نظرتها ومنطلقاتها وموقفها بالاستماع إلى غيرها من أهل الغَيرة على الإسلام، وأن يُطبِّقوا حقيقة فقه الأولويات، ومعرفة خير الخيرين من شرِّ الشرَّين، فالمسلم خيرٌ من العلمانيِّ، والحاكمُ الذي تتحقَّق فيه شروط الولاية خيرٌ من الحاكم الذي لا يَستوفي هذه الشُّروط، بل قد يستجمع نواقضَها! ومن القواعد الفقهيَّة المقرَّرة: أنَّ الخير الناجز لا يُترك لمفسدة متوهَّمة، و لا يُترك حقٌّ ثابت لمتُوهَّم.

وكلمةٌ أخيرة لعلماء وقادة الدعوة السلفية بالإسكندرية:

إنَّ أشدَّ ما نخشاه هو أن يؤثِّر هذا الموقف السياسي الأخير لحزب النور على الدعوة السَّلفية التي كانت لها جهودٌ عظيمة وآثارٌ طيبة ليس في الإسكندرية فقط بل في مختلف أنحاء مصر وخارجها، ونؤكد على ضرورة استمرار الدعوة السلفية في الجانب الدعوي والتربوي مع استدراك الأخطاء التي وقعوا فيها في العمل السياسي والرجوع لأهل العلم واستشارتهم في المسائل الجسام التي تتعلق بالأمة.

كما ندعوهم إلى الانضمام إلى مؤيدي الشَّرعية من الإسلاميين وغيرهم، والسرعة في تدارك الأخطاء قبل فوات الأوان لتجنب مزيد من الخسائر، والمبادرة بإعلان رفض الانقلاب على الرئيس المنتخب بعد أن ظهرت بوادر الاستبداد والإقصاء للإسلاميين بغلق القنوات الفضائية المؤيدة للشرعية، والاعتقالات، وترشيح رموز العلمنة لرئاسة الحكومة، وغير ذلك، فهؤلاء القوم لا عهدَ لهم ولا أيمانَ لهم، وما اتَّخذوهم إلَّا كغطاء لما يكيدونه لمصر، وكلُّنا أملٌ في أوبةٍ حميدة لإخواننا وهذا هو الظنُّ بهم أنَّهم رجَّاعون للحقِّ، وقَّافون عند حدود الشَّرع، وبما لهم من سابقة في الدَّعوة إلى الله تعالى، وتعليم النَّاس الخير، وهذا من محاسن المنهج الذي ينتسبون إليه.

اللهمَّ اجمع كلمة المسلمين على الحقِّ.
http://www.saaid.net/arabic/711.htm

الأربعاء، 10 يوليو 2013

سلاحف النينجا المتحولون


لا أظن أنه يوجد من جيلي من لم يسمع عن تلك السلاحف الخضراء المتحولة ويعرف عنها شيئا أو شيئين.. فشهرتها تخطت حدود أمريكا - مكان نشأتها - وغزت العالم في فترة التسعينيات.

وهذا في حد ذاته يمثل ظاهرة تستحق الدراسة، علنا نستفيد منها في مسألة "تسويق الأفكار" العربية لتغزو - بدورها - الثقافات الأخرى، الغربية والشرقية.. فنحن - كما لا يخفى عليك - متخلفون للغاية في هذا المجال، ونكتفي منذ أيام الاحتلال الغربي لبلادنا بتلقي ثقافة "الآخر" واستهلاكها دون أن ننجح في تصدير شيء من ثقافتنا.. اللهم إلا أشياء مثل (الرقص الشرقي) والفلافل Falafel !!

كيف نجح اثنان (مؤلف ورسام) في تسويق فكرتهما البسيطة الساذجة عن أربعة من السلاحف المتحولين، حتى "طبقت شهرتها الآفاق" كما يقال؟!..
البداية كانت بتعاونهما على خلق الفكرة وتنفيذ "اسكتش" أولي لها.. ثم قاما بنشر أول قصة مصورة (كوميكس Comic) تحمل بين صفحاتها نتاج هذا التعاون.
صفحات قليلة مرسومة بالأبيض والأسود - لأن القصص الملونة مكلفة - ظهرت فجأة دون دعاية تذكر، ولاقت قبولا من الشباب والقراء.
فكرة جديدة مكتوبة بإتقان ومرسومة بخطوط فنية تحمل طابعا خاصا يختلف عن المعروض في الأسواق وقتها.
كان السرد في القصة المصورة أكثر جدية عما رأيناه فيما بعد في الحلقات التليفزيونية الشهيرة. شخصيات السلاحف الأربعة كان لها نفس الزي ونفس لون رباط الرأس (الباندانا الحمراء)، لكن في المسلسل الكرتوني تم التمييز بين الشخصيات ليسهل على الأطفال المشاهدين التعرف عليها.
ومن هنا نتعلم أسلوب تكييف المنتج وتحويره ليناسب الجمهور الذي سيتلقاه.

مع نجاح أولى حلقات المسلسل تحول السلاحف إلى "صرعة" وهوس. وجدنا صورتهم بأسلحتهم المميزة على كل شيء تقريبا.. علب طعام الأطفال.. الملابس و"فوط" الوجه.. كراسات المدرسة والملصقات إلخ.
عن نفسي أتذكر جلوسي أمام التليفزيون أتابع الحلقات مبهورا بالحوار المدبلج بالعربية، وبالأداء الصوتي الكوميدي للشخصيات.
إلى الآن أتذكر شخصية (كرعون) الشرير وهو يأمر (فرّام) بصوت "رغوي" ويقول له: "فرررام.. دمّر السلاحف!"
وأظن أن الدبلجة المتقنة كانت تتم في استوديوهات سوريا أو لبنان ثم يشتريها التليفزيون المصري لعرضها.

النجاح المادي لظاهرة مثل ظاهرة سلاحف النينجا يعتمد في الغرب على "الترخيص Licensing" أي قصر حقوق الملكية الفكرية على شركة واحدة، بحيث يكون لها نصيب من أرباح بيع أي شيء عليه صورة السلاحف أو اسمهم. وبهذا تنتعش صناعة الترفيه ويكون للمؤلف الأصلي دخل مستمر يشجعه على إبداع المزيد.

في طفولتي كان عندي أكثر من "منتج" يخص سلاحف النينجا، مع أني لم أكن من ذلك النوع من الأطفال اللحوحين أو المتعلقين أكثر من اللازم بالمنتجات الترفيهية ولعب الأطفال.
كان عندي ملصق عليه صورة لشخصيات السلاحف يمكن فصلها ووضعها على الحائط أو أغلفة الكراسات، وإلى اليوم أتذكر خلفيته الفضية اللامعة..
كان عندي لعبة مجسمة لشخصية دوناتيللو، ربما أكون حصلت عليها كهدية على إحدى الوجبات السريعة من أحد المطاعم الشهيرة.
وأذكر أيضا أن أبي اشترى لي مرة شريط فيديو عليه حلقتان من المسلسل الكرتوني.. لكن سعر الفيديو المرتفع مقارنة بقصر الحلقتين جعلني - فيما بعد - أرفض شراء أي شيء مماثل لأني وقتها اعتبرت المسألة إسرافا و"تدليلا" زائدا عن الحد!..
لكنهم على الأقل نجحوا في إقناع الزبون - أبي - أن يدفع أكثر من عشرين جنيها مقابل ما لا يزيد عن أربعين دقيقة من الفيديو.. وهو نجاح تسويقي بلا شك.

وبالإضافة لكل ما سبق أذكر  أيضا أنه كان عندي كتاب "تلوين" يسرد قصة مصورة لإحدى مغامرات السلاحف.. وكنت لا أمل من التطلع لصفحاته ومحاولة تقليد الرسم (وبالذات شخصية الفأر رشدان).. وإلى الآن أشعر بسعادة كلما تذكرت هذا الكتاب، وخاصة إحدى صوره التي يظهر فيها السلاحف مرتدين معاطف صفراء وقبعات لتخفي شخصياتهم أثناء خروجهم للشوارع العامة بعيدا عن مكان تخفيهم المعتاد.. أنفاق صرف مدينة نيويورك!

وطبعا لا أنسى الساعات الطويلة التي قضيتها في بيت ابن خالتي نلعب (فيديو جيم) سلاحف النينجا، ونحاول عبور المراحل الصعبة الواحدة بعد الأخرى.
(فيما بعد قمت باستعادة هذه الذكريات الجميلة عندما اكتشفت طريقة لتشغيل ألعاب أجهزة الفيديو جيم القديمة على الكمبيوتر، باستخدام "المحاكيات" Emulators)

لكن هذا ليس كل شيء.. فالسلاحف لم تكد تترك مجالا إلا ووصلت إليه. فهناك بالطبع فيلم السلاحف بأجزائه الثلاثة والذي نال شهرة كبيرة بين الأطفال في التسعينيات.. وهناك القصص المصورة الملونة التي تمت ترجمتها للعربية ونشرها بين أطفال جيلي.
فعندي ذكرى مبهمة لموقف كان له أثر كبير فيما بعد على نفسي. كنت أسير صامتا كعادتي مع أهلي وأنا في العاشرة من العمر تقريبا، وكان الطريق مظلما وهم يتحدثون فيما بينهم غير عابئين بي كثيرا.. لكن فجأة جذب انتباهي بائع للصحف والمجلات كان يعرض قصصا مصورة، وعلى غلاف إحداها صورة السلاحف المميزة!
عقلي الصغير المحب للقصص والقراءة سال لعابه!!.. فكرة أن  السلاحف لهم سلسلة مكتوبة ومصورة بالإضافة لوجودهم المعتاد على شاشة التليفزيون كانت فكرة جديدة عليّ تماما.
كان سعر العدد حوالي 1.5 جنيه، وعدت به للمنزل لألتهمه على مهل في تلذذ!.. وربما كان هذا بداية اهتمامي بفن القصص المصورة بشكل عام.
ومع أني لم أشتر في حياتي إلا عددا ضئيلا للغاية من الكوميكس الورقية، إلا أني قرأت المئات منها على شاشة الكمبيوتر عن طريق التحميل "غير الشرعي" للتوررنت Torrent، وإن كان أغلبها لا صلة له بسلاحف النينجا أو قصص الأطفال. 
-----
ويمكن للمتعمق في دراسة "حدوتة" السلاحف وحبكتها الأساسية وفكرتها وشخصياتها أن يلاحظ أن المؤلف قام - ببراعة شديدة - باقتباس الكثير من سلسلة أخرى شهيرة وهي (حرب النجوم Star Wars) !!.. فهناك الكثير من التشابهات في الأدوار والتصاميم بين السلسلتين.
مثلا، شخصية (شريدر\فرام) تشبهه شخصية (دارث فيدر Darth Vader).. حتى أن الفيلم السينمائي الأولي جعل إحدى الجمل الحوارية التي يقولها شريدر هي نفسها جملة دارث فيدر الشهيرة، "I'm Your Father"
وشخصية القزم العجيب الحكيم (سبلينتر\رشدان) تشبه شخصية (يودا Yoda)
والعلاقة بين شخصية (كيسي جونز) و(أبريل أونيل) تشبه العلاقة بين شخصية (هان سولو) و(الأميرة ليا)

وهذا يثبت أن الأفكار التي أثبتت نجاحها في السابق يمكن "إعادة تدويرها" في شكل جديد.
-----
بعض المعلومات عن السلاحف منذ بدايتها

الاسم: Teenage Mutant Ninja Turtles وترجمته (فتيان سلاحف النينجا المتحولون)
المبتكران الأصليان للفكرة والتصميم: Kevin Eastman & Peter Laird سنة 1984
المسلسل الكرتوني بدأ سنة 1987
سلسلة الأفلام السينمائية بدأت سنة 1990
الشخصيات الأساسية:
المعلم رشدان Master Splinter
ليوناردو - لونه المميز الأزرق - سلاحه المفضل سيف الكاتانا الياباني
دوناتيللو - لونه البنفسجي - سلاحه العصا
مايكل أنجلو - برتقالي - الننشاكو
رافاييل - الأحمر - شوكة الساي
فرّام Shredder
-----
ولك أن تعرف أن ما تم إنتاجه تحت مظلة (سلاحف النينجا) حتى الآن يقدر بملايين الدولارات. فهناك مئات القصص المصورة على مر السنين، ومئات حلقات التليفزيون، بل ويتم الآن التحضير للفيلم السينمائي الخامس.

كيف نجحت الآلة الإعلامية الغربية في أن تأسر طفلا صغيرا وتوقعه في حبالها بهذا الشكل بحيث يظل متعلقا بتلك الشخصيات الوهمية التي اخترعوها؟!
لا مفر من دراسة هذا النجاح وأسبابه لنقلدها أو نطورها لتخدم أغراضنا نحن، ولننجح أيضا في تسويق أفكارنا ومنتجاتنا الفكرية.
الحرب الحالية هي حرب أفكار.. سلاحها الإعلام والكلمة والصورة. ومنذ أيام شاهدت - وشاهد معي ملايين المصريين - كيف تمت صناعة أوهام وتلفيقها بعناية ودقة بحيث كانت نتيجتها هي سقوط نظام سياسي كامل!!
فصانعو أسطورة السلاحف كان غرضهم المال وتسويق منتجهم للعالم وإقناع الأطفال أن سلاحف النينجا أبطال حقيقيون يستحقون الانبهار بهم، لكن نفس أسلوب التسويق يمكن استخدامه في إقناع الشعوب بأوهام وأكاذيب وتسويق فكرة أن القتلة هم أبطال علينا تقديرهم وطاعتهم والانبهار بهم وبوطنيتهم!
فالتسويق - في النهاية - ما هو إلا نوع من "البروباجاندا" والخداع النفسي للجماهير.. ولعلك تعرف أن أول كتاب في فن التسويق الإعلاني و(العلاقات العامة PR) كان عنوانه هو (بروباجاندا Propaganda)، ومؤلفه  يهودي يدعى إدوارد بيرنايز، وهو بالمناسبة ابن أخت سيجموند شلومو فرويد!
-----