‏إظهار الرسائل ذات التسميات Literature. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات Literature. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 17 ديسمبر 2014

My AudioBook WishList

Books Narrated by Actor Anthony Heald:
Frankenstein,
Crime and Punishment,

Eifelheim,
The Selected Stories of Philip K. Dick

Lemony Snicket's Books:
All the Wrong Questions (1,2,3)

Read by B.J. Harrison:
The Moonstone
http://store.thebestaudiobooks.com/the-moonstone-by-wilkie-collins-p63.aspx

Read by Actress Jennifer Connelly: 
"The Sheltering Sky" by Paul Bowles

=====

AudioBooks That were on the List then I listened to them:

Just for Fun - Linus Torvalds
MirrorMask, Read by Actress Stephanie Leonidas
Ubik, Read by Anthony Heald



الأحد، 14 ديسمبر 2014

عبر الحجاب الحاجز - 1

عبر الحجاب الحاجز  -1-
=====
بدأ اليوم عاديا، روتينيا، في هيئة النهي عن المعروف والأمر بالمنكر.
تثاءب الأستاذ (لئيم المحروقي) بقوة، حتى أن أوراق المكتب التي أمامه طارت مسرعة نحو فمه بقوة السحب الإعصارية التي تكونت في الغرفة!!
ثم لما هدأت العاصفة، وعاد السكون يسود غرفة مكتبه، تناول كوب الماء المعكر بيده اليسرى وأخذ يرشف منه رشفات بطيئة متتالية، وهو مستغرق تماما في قراءة تقرير نشاطات الهيئة في اليوم السابق.

لم يكن هذا الخمول غريبا على مدير إدارة الأزمات. فمع أن طبيعة عمله تحتم عليه أن يتمتع بهدوء شديد للتعامل مع الطوارئ بذهن صاف، إلا أن خمول أستاذ (لئيم) لم يكن لمناسبته لطبيعة المنصب بقدر ما هو نتيجة مباشرة لندرة وجود أي أعمال فعلية تُعرض على إدارته!
يستطيع أن يعد على مخالب اليد الواحدة عدد المرات التي تم استدعاء إدارته فيها خلال المئة عام السابقة، لدرجة أنه بدأ يظن أن باقي الإدارات في المملكة نست وجوده تماما، وأنه أصبح أسطورة خرافية كالتي تحكيها الأمهات للصغار قبل النوم.
ولم يكن يسوءه هذا في شيء..
فأزمات نادرة = مملكة مستقرة.

ابتسم لنفسه في غبطة، وقال في صوت خافت: "كل شيء هادئ و Peace في مملكة إبليس"
وهنا انفجر باب الغرفة مفتوحا، واقتحم مساعده (ظلوم) المكان، يسبقه كرشه، وعيناه جاحظتان تنبئان بهلع ما بعده هلع!!
وعرف الأستاذ (لئيم) أنه تعجل عندما ابتسم.. فمن الواضح أنه لن يكون يوما عاديا..
لن يكون يوما عاديا على الإطلاق.
=====
(يُتبع)

الجمعة، 12 ديسمبر 2014

ألف صفحة وصفحة..

صورة الجزء الأول والثاني من روايات مؤلف الفانتازيا (براندون ساندرسون) ، والثالث في الطريق..

[كل جزء ألف صفحة! والكتاب الصوتي مدته 48 ساعة]

ومع ذلك يأتي بعض العرب ليسخروا من الثقافة الأمريكية ويقارنوها بشيء وهمي غير موجود إلا في خيالهم اسمه الأدب العربي المعاصر.

الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

خمسة ابتدائي!! - قصة قصيرة حدثت بالفعل


الصغار يتصفون بالانطباعية، أي أنهم Impressionable بالفطرة.. الأحداث التي تمر بهم تشكّل شخصياتهم ويبقى أثرها كما يبقى ما ترسمه على الأسمنت الطري بعد جفافه.
في آخر أيامي بالمرحلة الابتدائية في المدرسة تعلمت درسا لا ينسى.. تعلمت أن "الكبار" ليسوا معصومين عن الخطأ كما يحبون أن يوحوا للصغار!
كنا نهيئ أنفسنا لترك مدرستنا التي تعودنا على ملازمتها خمس سنوات (كانت الدراسة الابتدائية خمسة صفوف دراسية فقط) ونستعد لخوض غمار هذا الكون الغامض المسمى "الإعدادية"!.. كنا نعرف أن الأصدقاء سيتفرقون ليذهب كل منهم في طريق.. ثم جاءت "أبلة هيام" في الأيام الأخيرة لتنبهنا لمسألة أخرى.. جو الدراسة "المختلطة" (ذكور وإناث) الذي عهدناه سينتهي.. الأولاد لهم مدارسهم الإعدادية والثانوية المنفصلة عن مدارس "البنات"..
ولهذا اقترحت الأستاذة أن يجلس كل ولد بجانب إحدى البنات، لأنه شيء - كما قالت - لن يتكرر لمدة طويلة قادمة!

وفعلا، بدأت الأستاذة في اختيار من من الفتيات ستجلس بجوار من من الصبيان، وجعلت "رفيقتي" هي أقل البنات قدرة على التحصيل الدراسي في الفصل!
كانت تجلس في آخر "تختة"، وكنت أجلس في أول صف.
مفاهيم "الشاطر" و"البليد" كانت هي "مؤشر الوضع الاجتماعي" الأهم في تلك المرحلة من حياتنا، وربما كان قصد الأستاذة هو كسر هذا الحاجز وتعليمنا أن "الطبقية" الفكرية والفروق في الذكاء ليست هي معايير الحكم الوحيدة في الحياة.
لكن ربما أيضا كان السبب هو رغبة الأستاذة في مضايقتي بإجباري على الجلوس ملاصقا لبنت كان الجميع يعرف أنها "محدودة الذكاء" نتيجة لمرض ما، في حين أن رغبتي الحقيقية وقتها كانت - بالطبع - هي الجلوس جوار أجمل و"أشطر" - وأطول - فتاة في الفصل.. منافستي في كل امتحان وموضع إعجاب قلبي الصغير وقتها!!

وقد تتساءل: وما الذي قد يدفع مدرسة في مدرسة ابتدائية لمضايقة أحد تلاميذها الصغار، خصوصا وأنه "أشطر طلاب المدرسة" وصديق ابنها (كريم) لسنوات؟!!
الإجابة طبعا هي الموقف الذي حدث قبل هذا بأيام، حين رأيت "الوجه الحقيقي" لـ "أبلة هيام" التي كانت تعاملني لسنوات كابنها تماما وتتابع مسيرتي الدراسية وتقدمني في الإذاعة المدرسية الصباحية لأتلو القرآن، وتعطيني هدايا في الطابور الصباحي لسعادتها بدرجاتي المرتفعة!!
فهذه الأستاذة نفسها هي من رأيت الشرر يكاد يتطاير من عينيها فيما بعد وهي تضربني بالعصا أنا وصديقي أحمد عثمان لأنها ظنت أننا "تغامزنا" سخرية من ابنها عندما فشل في الإجابة على سؤال أثناء إحدى الحصص التي كانت تقوم بالتدريس لنا فيها!

كانت أول مرة فعلا أرى - بشكل عملي - كيف أن الأوهام قد تسيطر على شخص ما لدرجة أن يرى ما لم يحدث أصلا!! فلا أنا ولا صديقي وقتها تغامزنا ولا انتبهنا إطلاقا لفشل ابن الأستاذة في إجابة سؤالها..
لكن يبدو أن اقتراب موعد الامتحان النهائي قد جعلها أكثر حساسية فيما يخص (كريم) ومستواه الدراسي بحيث تصورت أن الجميع يضحك عليه لمجرد أنه لم يجب على سؤال ما!

قد يبدو لك الموقف بسيطا لكنه بالنسبة لي وقتها كان صادما.. لأن الإحساس بالظلم مر جدا، خصوصا عندما يتم عقابك على شيء لم تفعله ولا تملك أي فرصة في توضيح الحقيقة لأن القاضي في هذه الحالة هو نفسه الجلاد. وصاحب الاتهام هو من يمسك بالعصا وبالتأكيد لن يستمع للمنطق ما دام مقتنعا تمام الاقتناع بأنه على صواب.

هوت العصا على أيدينا عدة مرات ثم أمرتنا الأستاذة أن نعود لآخر الصف ونبقى هناك عقابا لنا.
وكما قلت من قبل، في مجتمع فصلنا الصغير كانت المراتب الاجتماعية تتحدد بمكان جلوسك!
بعد يومين أو ثلاثة عدنا لمقعدنا المعتاد وتم نسيان الأمر.. أو هكذا حاول كل الأطراف أن يتظاهروا.

لاحظ أن مكاني لسنوات كان في التختة الأولى، محشورا بين أحمد على اليمين وكريم على اليسار! وكان هذا الوضع من اختيار وتصميم الأستاذة نفسها لأنها أرادت لابنها صحبة جيدة ولم تجد أفضل مني ومن أحمد.
كان أحمد أقرب لي بالطبع من (كريم) لأن الأخير كان "خشبيا" بعض الشيء، إن جاز الوصف. وكان صامتا ويحب رسم الديناصورات التي كان يبهرنا بمعرفته الموسوعية لأنواعها وأشكالها.. ويبدو أن أمه كانت تتحكم فيه أكثر من اللازم، وكانت رقابتها عليه دائمة، في البيت وفي المدرسة.. وكانت قد اختارت أن ترفض ترقيتها لمديرة المدرسة لتظل مدرسة في الفصل الذي يدرس فيه ابنها، وفيما بعد علمت أنها صارت المديرة وتركت التدريس الفعلي لما انتقل كريم من المرحلة الابتدائية للإعدادية.

أحمد كان له وضع اجتماعي مميز أيضا في المدرسة.. فأمه كانت ضمن طاقم العاملات. وبالنسبة لعقولنا الطاهرة من الاعتبارات الطبقية وقتها كنا ننظر لها كسلطة حقيقية ونرى صداقتنا لابنها مصدر قوة يمتعنا بحرية أكبر في التحرك خلال مباني المدرسة و"استكشاف" حجراتها، ما دمنا أصدقاء "ابن الدادة".

إذن كان الوضع كالآتي.. كنت صديقا لاثنين كليهما يستند لـ "ركن قوي" في المدرسة، وكنت معروفا لباقي الأساتذة لاشتراكي في نشاطات أخرى (كالكشافة والإذاعة المدرسية) ، وكنت مقربا من بعضهم بصورة شخصية.. ولهذا كانت سنوات الدراسة الابتدائية في مدرستي سعيدة لحد كبير.. وإلى الآن أذكر "مغامراتي" مع أحمد لاستكشاف "الغرف المغلقة" عندما يكون الجميع مشغولين في فصولهم وباقي زملائنا يجلسون في الفصل صامتين لأن أستاذ الحصة تغيّب والأستاذ البديل يمنعهم من الكلام والحركة!
كنا نتمتع بـ"كارت بلانش" لثقة الجميع بنا وغضهم الطرف عن خرقنا البريء للقواعد.

في تلك السنة الأخيرة كنت قد بدأت في الميل للعزلة بشكل طبيعي. فكنت أصل المدرسة مبكرا قبل طابور الصباح وأجلس في الفصل اقرأ جريدة "أخبار الأدب"!! (عندما كنت لا زلت ساذجا يظن أن ما ينشره أمثال القعيد والغيطاني هو الأدب الحقيقي!)
وفي تلك السنة مات أبو أحمد أمام عينيه فكان لهذا بالطبع أثره عليه. وكانت بدايات إدراكي لحتمية الموت واهتمامي بالأحاديث النبوية التي تصف خروج الروح وحياة القبر البرزخية.
تلك السنة شهدت أيضا تعرضي لحادثة سيارة وقعت أثناء سيري مع أحمد وأمه بعد انتهاء اليوم الدراسي.
كنت أعبر الطريق وألتفت للخلف ملوحا لصديقي الذي كان سيقف مع أمه لينتظر الأوتوبيس في حين سأكمل أنا طريقي سيرا على الأقدام كالعادة، عندما شعرت بنفسي أطير في الهواء!
سيارة تاكسي مسرعة صدمتني، لكن الضربة تم امتصاصها لأن شنطة المدرسة الثقيلة والمليئة بالكتب وقفت حائلا بيني وبين السيارة.
الغريب أني كنت معروفا بحملي للكثير من الكتب الإضافية دائما تحسبا لأي موقف محرج قد ينتج عن نسيان كتاب أو كراسة، وكان الجميع ينصحني بتقليل هذه الحمولة اليومية خوفا من تقوس ظهري تحت ثقلها.
تجمع الناس حولي وأجلسوني على مدخل أحد المحلات وأعطوني كوب ماء لأشربه في حين أني كنت أتعامل مع الموقف ببرود تام ولا مبالاة وكأن شيئا لم يحدث!
فالكتب سليمة وأنا سليم، وأم أحمد وابنها يقفان جانبي، فلم الخوف؟!
عدت يومها للمنزل ولم أخبر أمي عن الأمر.. تماما كما لم أخبرها عن حادثة اتهام الأستاذة لي وضربها لي. فلا داع لإثارة مشاكل انتهت على خير.
أمي كانت معروفة بحضورها لمدرستي - من مدرستها التي كانت تقوم بالتدريس فيها - لتقابل المدير والمدرسين للاطمئنان على أحوالي وتوفير "دعم معنوي" دائم لي.. ولا أعرف ماذا كانت ستفعل لو علمت بإهانة الأستاذة لي تلك الإهانة غير المبررة!

الطريف أنه بعد فترة قصيرة كنت قد انتهيت مبكرا من اختبار مادة الرياضيات في الشهادة الابتدائية وأجلس أنتظر جرس انتهاء وقت اللجنة، عندما وجدت أم كريم تدخل لجنتي وهي تحمل ورقة إجابة ابنها كي أقوم بحل مسألة الرسم الهندسي له!!
وطبعا فعلت.


الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

مكتبة المنزل

لا أحب مكتبات المنزل "المنظمة أكثر من اللازم" لأنها توحي بأن أصحابها جعلوها للزينة فقط ولا يلمسها إنسان!!
لكن مؤخرا قمت بعملية ترتيب وإعادة تنظيم للمكتبة بحيث تكون عملية الوصول للكتاب المطلوب تتم بشكل أسرع وأسهل.

الشباب الآن محصورون في دائرة ضيقة مغلقة هي دائرة الكتب "الجديدة"، في حين أن الكتب القيمة فعلا ذات المحتوى النافع تكون غالبا كتبا قديمة عليك البحث عنها بعيدا عن المكتبات الأنيقة ودور النشر الحديثة!
قبل سنوات قمت برحلة "صيد" لهذا النوع من الكتب قبل أن "تنقرض"، والحمد لله عثرت على مطبوعات مفيدة من الستينيات والسبعينيات لا يعاد طبعها وبالتالي "نفدت من الأسواق"

الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

فرانك ميلر

فرانك ميلر، مؤلف القصص المصورة والمخرج السينمائي الشهير، أصيب بالسرطان.
ميلر معروف بعدائه الصريح للإسلام، وهجومه المتكرر على المسلمين. وقام مؤخرا بنشر رواية مصورة اسمها "الإرهاب المقدس" وصفها بأنها بروباجاندا ضد الإسلاميين.
والعجيب أن قصصه وأفلامه مفعمة بمشاهد دموية وعنيفة لأقصى درجة، كما يظهر في أفلامه:  300 و Sin City !!

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

الجني داخل الآلة


واجهتني عقبة أثناء وضع الإطار العام لقصة: الجني داخل الآلة

المفترض أن أحداث القصة مستقبلية، في فترة 1999 هجريا
العالم تغيّر بشكل كبير بسبب حادثة وقعت سنة 1666 هـ.. اصطلح البشر على تسميتها فيما بعد بـ خ.ح ، أي خرق الحجاب
لسبب غير معروف وقتها انخرق الحجاب الفاصل بين عالم الجن وعالم البشر، وصار بإمكان الجان التفاعل بشكل مادي مباشر مع عالمنا، وإن كان تجسدهم لفترات طويلة ينضب قواهم ويضعفهم

صاحب هذا التحول العالمي شيئان.. كل تكنولوجيا البشر توقفت عن العمل وكأن قوانين الطبيعة نفسها تغيرت وبالتالي لم تعد الكهرباء تعمل ولا شرائح الترانزستور في الأجهزة

ووسط هذه الفوضى قرر الجن دخول حرب مع البشر!!

ولأنهم عدو له طبيعة لا تعرف أسلحة البشر التعامل معها، ولأنهم يظهرون فجأة بلا مقدمات فيقتلون ويسرقون ثم يختفون قبل أن يستطيع البشر مواجهتهم.. ولأن العالم وقتها كان لا يزال مضطربا نتيجة لـ خ. ح ... كان من المتوقع أن ينتصروا

خصوصا وأن دافعهم لإشعال الحرب أيضا كان دافعا نفسيا قويا
وهو فكرة مفادها أنهم كانوا الحكام الأوائل على الأرض قبل آدم، وأنهم مخلوقون قبله وقبل نسله.. وأن "طردهم" للخرائب والجبال وحجبهم عن الأنظار كان - من وجهة نظر بعضهم - نتيجة مباشرة للوجود الإنساني

لكن أمم العالم وقتها انتصرت بمعجزة.. وهذه المعجزة تمثلت في المسلمين!!
ما حدث هو أن أحد المسلمين توصل لطريقة للسيطرة على العدو الخفي وإخضاعه، لا بأسلحة بل بأقوال وأدعية!!

بعد الانتصار تغير العالم تلقائيا
بدأت الديانات الأخرى تفقد الأتباع بأعداد ضخمة ومتزايدة حين رأى الناس أنه من الواضح أن الديانة الحقة هي ما يؤمن به هؤلاء الذين استطاعوا الانتصار على الجان

بدأ العالم يتأقلم تدريجيا مع أسلوب الحياة الجديد غير المعتمد على الكهرباء بل على التقنيات الحياتية القديمة
فظهرت حركة فكرية واجتماعية وأدبية وفنية تستعيد الماضي وتقوم بتقليده
تقليد في الأسماء والأدوات والملابس، إلخ

ثم حدثت نقلة جديدة حين توصل أحدهم لكيفية تسخير ملايين الأسرى الذين نتجوا من الحرب!
طريقة فعلية لإخضاع الجن لرغبات البشر، واستخدامه كمولد ومحرك للطاقة والآلات

وبهذا بدأ عصر "فضاء" جديد يعتمد لا على الوقود ولا المحركات بل يضطلع جني أسير داخل الراحلة الفضائية بمهام التحريك والتوجيه وإدارة أجهزة الراحلة!

فيما بعد، وخلال الـ 300 عام التي مرت بين هذه الأحداث القديمة وبين أحداث القصة، تم تهيئة كوكبين للحياة، وصار السفر بينهما وبين الأرض أشبه بالرحلات العائلية حاليا!! وتدور أحداث القصة خلال رحلة من أحد هذين الكوكبين إلى الكوكب الآخر
=====
عندي الكثير من الـBackStory المكتوبة بالفعل.. لكن شيء تنبهت له هدد المشروع كله بالفشل والانهيار!!

القصة مرتبطة جدا بمسألة الديانة، خصوصا حال العالم بعد هزة عقدية كالتي تصفها القصة، فيجب أن تكون الحبكة قائمة على فهم سليم للإسلام طالما تم اعتماده كقاعدة تنبني الشخصيات والأحداث عليها

والإشكالية هنا هي كيف يمكن تبرير وجود عالم يعتمد في كل حياته على تسخير أسرى من الجن في حين أن هذا ممنوع أصلا في الشريعة؟! بل وغير محتمل أساسا بسبب دعوة سليمان عليه السلام بألا ينبغي هذا المُلك لأحد من بعده!!
(والملك المقصود هو تسخير الجان له والشياطين)
=====

والمشكلة هي أن مسألة تسخير الجن محورية جدا للقصة بحيث لا يمكن حذفها دون انهيار البناء الدرامي كله

فالقصة كانت ستكون تعليقا على المجتمع الموصوف في الرواية، وكيف أنه بمرور الوقت اعتمد أكثر من اللازم على هذه التكنولوجيا الجنية "المريحة" بحيث بدأ الفساد يتسرب للمجتمع ومعه الكسل وحب الراحة

وكان من المفترض أن تنتهي القصة بكسر القيد الذي يجعل الجن أسرى لدى بني آدم، خصوصا عندما يرى القارئ القصة من منظور مارد، الجني الظريف الذي يقوم بدور الراوي في الحكاية، وكيف أنه وُلد في الأسر وكأنه يعاقب على حرب قديمة لا ناقة له فيها ولا جمل

السبت، 30 أغسطس 2014

Noble..

Where have all the noble people gone?!
Is their kind extinct??
I look around, searching, and it's like the only place to find them anymore is in fiction!
The light is going out, slowly but surely.. and the darkness will take over the world.

الخميس، 15 مايو 2014

همبتي دمبتي العثماني؟؟

في رواية (أليس) الثانية المسماة "أليس عبر المرآة" نرى شخصية همبتي دمبتي الشهيرة تحاور بطلة القصة، في حوار ذكي ساخر كتبه المؤلف لويس كارول.
صورة همبتي المعروفة مرتبطة بشخص على شكل بيضة، يجلس على سور، معرضا للسقوط من عليه في أية لحظة.
لكن - وكما تقول كلمات الأغنية البريطانية الشعبية القديمة - الملك بنفسه وعده بأن يرسل له كل جنوده وكل خيوله لإنقاذه إن تعرض للسقوط.
قام لويس كارول بإدخال هذه الأغنية الشعبية في أحداث قصته، وللأسف - كما تنبأت الكلمات - يسقط همبتي دمبتي ولا يفلح كل رجال الملك في إعادته لوضعه كما كان!

Humpty Dumpty sat on a wall
Humpty Dumpty had a great fall
All the king's horses and all the king's men
Couldn't put Humpty together again
همبتي دمبتي جلس على حائط
همبتي دمبتي سقط سقطة عظيمة
كل خيول الملك وكل رجال الملك
لم يفلحوا في إعادة أجزائه كما كانت.



رواية "أليس عبر المرآة" تم نشرها سنة 1872 ، مع تغيير السطر الأخير في الأغنية ليكون:
Couldn’t put Humpty Dumpty in his place again
"لم يفلحوا في إعادته لموضعه كما كان"

الرسام الذي رسم لوحات قصة أليس هو "چون تينيل John Tenniel".. كان رساما للكاريكاتير السياسي في بريطانيا في القرن الـ 19 ، خصوصا في مجلة Punch

ما أريد لفت الانتباه له هنا هو سطر في قصة أليس يصف همبتي دمبتي - عند تقديمه - بأنه «يجلس على الحائط شابكا رجليه كما يفعل "الأتراك" »
وقت كتابة القصة كانت كلمة تركي تعني مسلم بشكل عام، لأن تعاملات أوروبا كانت مع مسلمي الخلافة العثمانية التركية، والتي كان يحكمها آخر السلاطين العظام، عبد الحميد الثاني رحمه الله.

وحيث أن قصة أليس معروفة برموزها التي تسخر من السياسيين في عصرها، خطر لي أن سقوط همبتي دمبتي المقصود منه السقوط - الذي كان وشيكا - للخلافة العثمانية التي كانت توصف وقتها برجل أوروبا المريض!
ففي رواية أليس الأولى "أليس في بلاد العجائب" يقول الدارسون أن شخصية "صانع القبعات المجنون" مستوحاة من رئيس الوزراء البريطاني اليهودي بنيامين دزرائيلي.. وأن الرسام اختار ملامح الشخصية بحيث تظهر التشابه بينهما!

وبعد بحث وجدت كاريكاتيرا قديما رسمه چون تينيل لمجلة Punch سنة 1878 يعلق على اتفاقية سياسية تم إبرامها وقتها بين العثمانيين وبريطانيا، تسمى اتفاقية قبرص، تم بموجبها تسليم جزيرة قبرص العثمانية إلى الإنجليز، مقابل أن تدعم الإمبراطورية البريطانية الإمبراطورية العثمانية في النزاع الذي كان قائما بين العثمانيين والروس.

والكاريكاتير يصور دزرائيلي البريطاني على اليمين، وقبرص على اليسار، وهما يحاولان رفع السلطان العثماني على السور مرة أخرى بعد سقوطه، ومكتوب تحت الرسم: همبتي دمبتي!!
-----

بعد انقلاب الجيش على الخليفة عبد الحميد الثاني سنة 1909 تفتت الامبراطورية العثمانية، ووقعت البلاد الإسلامية تحت الاحتلال الأوروبي، وتكسرت بيضة همبتي دمبتي بعد سقوطها العظيم.

الاثنين، 6 يناير 2014

الموت وهاري بوتر


قبل صدور الجزء السابع والأخير من سلسلة روايات هاري بوتر، كان مجتمع محبي السلسلة يكاد يشتعل بالنظريات والنقاشات..
أغلبها كان يدور حول موضوع الموت.. ولا عجب، إذ عنوان الرواية المنتظرة كان (هاري بوتر ومقدسات الموت)!

في الجزء السابق، السادس، (الأمير الهجين)، تم قتل أهم شخصية في عالم السحرة.. الساحر دمبلدور، ناظر مدرسة هوجوارتس، على يد البروفيسور سيفيروس سنيب. وهو حدث هز محبي الرواية وعالم هاري بوتر، إلا أنه كان ضروريا للحبكة.
فكل سنوات دراسة هاري في المدرسة كانت تحت إشراف الناظر القوي دمبلدور بشكل أو بآخر.. وحيث أن الرواية الأخيرة يجب أن تركز على الصراع بين الشرير فولدمورت وهاري بوتر، فوجود شخصية قوية مثل دمبلدور كان سيبعد التركيز عن هاري. فالروايات - قبل كل شيء - تحكي رحلة هاري بوتر، لا رحلة دمبلدور!
وعلى الرغم من هذا فقد كان ألبوس دمبلدور هو الحاضر الغائب في الرواية الأخيرة.. إذ أفردت المؤلفة ج.ك.رولينج له عدة فصول تحكي قصة حياته في شبابه، قبل أن يعرفه بوتر.
دمبلدور
لكن الفترة البينية التي كانت بين الجزئين السادس والسابع شهدت ظهور نقاشات عنيفة تدور حول شيئين:
1- هل مات دمبلدور فعلا، أم أن المسألة خدعة.. أم يا ترى هل سيعود من الموت في الجزء الأخير؟
2- أي من أبطال الرواية الثلاثة - هاري ورون وهرميوني - سيموت مع نهاية الصراع والحرب الدائرة بين قوى الخير والشر في عالم السحرة؟

عشرات النظريات استمعت لها وقرأتها في تلك الفترة. وكنت أتابع أشهر بودكاست (مدونة صوتية) يصدرها الهواة المحبين للسلسلة، وأقصد بالطبع بودكاست ماجِل-كاست MuggleCast والذي استمر لما يقارب الـ 200 حلقة !!
وتطوع شخص ما بنشر موقع إلكتروني يجمع "أدلة" حياة دمبلدور وأنه لم يمت كما ظهر من أحداث الجزء السادس.. وحاز موقع DumbledoreIsNotDead.com على شهرة واسعة، ثم خبا بريقه بعد ظهور الجزء السابع الذي أكدت فيه المؤلفة موت دمبلدور.

في الجزء السابع من الرواية زار هاري قبر والديه لأول مرة. وقرأ على شاهد قبرهما جملة محفورة، مصدرها الإنجيل، ومنسوبة لبولس:
«آخر عدو سيُباد هو الموت» رسالة كورنثوس الأولى 15: 26
والمقصود هو أن يسوع سيقضي على الموت ذاته.
قبر والد ووالدة هاري بوتر
وهي فكرة الساحر الشرير فولدمورت وأتباعه من "آكلي الموت Death Eaters" الذي بحث عن الخلود عن طريق تقسيم روحه لأجزاء سبعة ليصعب قتله والتخلص منه!
في حين أن الرواية توجه القارئ لفكرة أن الموت لا مفر منه.. وأنه مرحلة على الإنسان أن يتقبلها لينتقل بها من هذه الحياة للحياة الأخرى.
فأم هاري وأبوه ماتا.. وأبوه الروحي (سيريوس بلاك) مات أيضا مقتولا.. ومعلمه ومرشده ألبوس دمبلدور مات.. لكن ذكراهم تحيا معه.

والجزء الأخير اسمه (هاري بوتر ومقدسات الموت) لسبب محدد، وهو أن القصة الأساسية في هذا الجزء تدور حول حكاية شعبية معروفة في عالم السحرة.. حكاية الإخوة الثلاثة الذين قابلوا الموت فأعطاهم ثلاث هدايا سحرية خارقة.
تقول الحكاية أن الأول كان مغرورا وأراد أن يذل الموت فطلب منه هدية هي عبارة عن عصا سحرية مقاتلة تنتصر في كل المبارزات..
والثاني طلب حجرا سحريا يستطيع به إعادة الموتى للحياة..
أما الثالث فكان ذكيا متواضعا، فطلب رداءا سحريا يحجب مرتديه عن كل الأنظار.. حتى عن نظر الموت ذاته.
الأخ الأول ذاعت شهرته وشهرة عصاه التي لا تهزم.. مما أثار حسد الحاسدين، فقتله أحد الأشخاص في نومه وسرق العصا منه.. ومن يومها تتناقلها يد بعد الأخرى، ناثرة الدمار والقتل أينما حلت.
والأخ الثاني أعاد حبيبته المتوفاة للحياة.. لكنها عادت كشبه شبح، غريبة عن الدنيا، مما أصابه بالاكتئاب فانتحر ليلحق بها.
وهكذا، تقول الحكاية، انتصر عليهما الموت.. ومات كلاهما.
أما الثالث فعاش حياته كاملة، والموت لا يراه، حتى إذا شبع من الحياة خلع رداءه وأعطاه ميراثا لابنه، وذهب مع الموت برضاه.
وتقول الحكاية أن من يستطيع تجميع الأشياء الثلاثة معه فسيكون "سيدا على الموت Master of Death".. وهو حلم سعى الكثيرون لتحقيقه بلا جدوى.
علامة مقدسات الموت
الدائرة للحجر، والخط للعصا، والمثلث رمز للرداء المحيط بالاثنين
وخلال أحداث الجزء السابع يعرف القارئ أن رداء الاختفاء وصل بالميراث إلى أبي هاري بوتر، ثم حفظه دمبلدور بعد موت الأب إلى أن أعطاه لهاري فيما بعد.
وأن حجر القيامة من الأموات كان ميراثا عائليا لدى فولدمورت، لكنه كان يجهل قصة المقدسات أصلا فلم يدرك أهميته.. وانتقل الحجر فيما بعد إلى دمبلدور الذي وجده بعد بحث، ثم أعطاه في وصيته - بعد موته - لهاري أيضا.
أما العصا القاتلة فكانت مع دمبلدور طيلة حياته، لأنه الأقدر على استخدامها الاستخدام الأمثل، في الخير دون الشر.. ثم تم دفنها مع جثته في قبره.
ولما علم فولدمورت بهذا سرقها من القبر لأنها أقوى أداة للقتل معروفة في عالم السحرة.

وقد دار في ذهني سؤال.. ما معنى أن من يجمع الثلاثة سيكون سيدا للموت ومتحكما فيه؟.. فالإجابة لم ترد صريحة في الرواية..
ثم عرفت الإجابة لما تذكرت رد النمرود على إبراهيم حين قال له: أنا أحيي وأميت!
فالعصا تقتل.. أي تسبب الموت.
والحجر يعيد الميت للحياة.
والرداء يحجب صاحبه عمن يريد قتله.
فصاحب الثلاثة يمكنه - على الأقل نظريا - قتل أعدائه، وحماية نفسه من القتل، وإعادة حلفائه المقتولين إلى الحياة!

لكن في نهاية الرواية يؤمن الأبطال أن الموت يجب تقبله حين يأتي.. وأن الهرب منه جبن.
ويتأكد هاري من هذا نتيجة لحواره مع أحد الأسباح الساكنين في هوجوارتس.. حيث يقول له أن كل ميت في عالم السحرة يتم تخييره بين الانتقال للحياة الأخرى أو البقاء في عالم الأحياء في صورة شبحية شفافة.. وأن خيار الجبناء هو البقاء كشبح!

وكنت عندما اقرأ سِفر التكوين التوراتي تعجبني جملة استخدمها المؤلفون لوصف موت إبراهيم عليه السلام:
«وفاضت روح إبراهيم ومات بشيبة صالحة، شيخا شبع من الحياة، وانضم إلى آبائه» تك 25: 8

ولنقارن هذا مثلا بموقف إبليس حين طلب من الله إمهاله وإطالة حياته إلى قرب يوم القيامة.. مع أن الشيطان متأكد من أن نهايته لا محالة ستكون في الجحيم!

«قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ» الحِجر 36
فطول عمره لن ينفعه بشيء.
وحياة قصيرة صالحة هي أفضل من طويلة فاسدة.. وإن كانت البركة في العمر مطلب جميع البشر.
فاللهم بارك في أعمارنا واجعلها في طاعتك.

أما اليهود فمسألة الموت تشكل هاجسا قويا عندهم.. ويحلمون بالخلود، وبأن الموتى منهم سيُبعثون للحياة الدنيا مرة أخرى حين يأتي مسيحهم المنتظر، فيعيشون معه ملوكا لمدة ألف عام.. فيما يعرف بعقيدة (المُلك الألفي).
ولاحظ أنه لا تركيز في اليهودية الحاخامية على الآخرة والجنة والنار.. بل كل اهتمامهم في المسألة منصب على وهم الحياة لألف عام في المستقبل!

« قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ *
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا
يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ
وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ » سورة البقرة 94-96

الأحد، 20 أكتوبر 2013

محمد الكاشف

الجندي مسلم .. محمد الكاشف
تمهيد

 
الجمعة بعد صلاة العشاء بقليل

" .. , ولقد صرح مصدر مسئول بوزارة الداخلية , أن الانفجار المحدود الذي وقع منذ ساعات قليلة بمنطقة العجمي في مدينة الإسكندرية , لم يسفر عن وقوع أية إصابات أو ضحايا .. هذا وقد علم مراسلنا هناك " أيمن البدري " أن العديد من أهالي المنطقة سمعوا أصوات تبادل لإطلاق النار .. ورفض مسئول الداخلية التعليق علي هذه المعلومة . ومعنا الآن مباشرة من موقع الحادث مراسلنا ليوافينا بآخر التطورات .. أيمن , ما الجديد عندك ؟! " ..

" مساء الخير يا سحر , بالفعل أنا الآن أتحدث من موقع الانفجار .. شاطئ شهر العسل بالعجمي , وعلي الرغم من بساطة الحادث وأنه وقع منذ مدة قصيرة نوعا , إلا أن قوات الأمن المركزي سرعان ما طوقت المكان , ومنعت مراسلي وسائل الإعلام من الدخول إليه أو حتى الاقتراب منه .. ومع هذا الوجود الأمني المكثف نجد أنه من الغريب عدم إبداء أي من الأهالي تذمرا أو شكوى , لكن الأغرب بالفعل هو رد فعلهم تجاه أي سؤال يوجهه إليهم مراسلو الصحف و القنوات التليفزيونية , فلا تكون الإجابة إلا بالابتسام وبعض كلمات لا تسمن ولا تغني من جوع .. والحقيقة أن الأمر يبدو كما لو أن الجميع هنا اتفقوا علي أن يخفوا سرا ما بينهم .. أو هذا هو ما أشعر به علي أية حال !! "

"وأخيرا وافق البعض علي الحديث معنا .. معي الآن هنا العقيد السابق السيد جاد عبد الوهاب وهو من أهالي المنطقة .. سيد جاد , هل تتخذ العجمي كمشتى حاليا أم تسكن هنا بصفة دائمة ؟ .. وما تفسيرك الشخصي للانفجار الذي حدث ؟ " ..

" بسم الله الرحمن الرحيم .. أنا أعيش منذ تقاعدي في فيلا قريبة من هنا , أسكن بالدور العلوي وأؤجر الأرضي للمصيفين والمشتين في الغالب .. وعند آذان المغرب , حوالي الساعة السادسة تقريبا , سمعت - عندما كنت أجلس مع بعض الضيوف من جيراني في المنطقة - أصوات طلقات نارية , في الغالب من مسدس " نسر الصحراء " Desert Eagle وهذا بحكم خبرتي العسكرية بالطبع , ثم صمت قصير تبعه موجة أخري من الطلقات المتلاحقة ثم حدث الانفجار .. بالطبع هرع الجميع نحو المكان و .. " , يقاطعه المراسل بسرعة ويقول " ولكن ما ورد إلينا حتى الآن أنه لا توجد أية جثث أو إصابات .. فما تفسير الطلقات .. وما الشيء الذي انفجر علي وجه التحديد ؟! .. حيث رفض المسئولون إعطاء أية تصريحات بخصوصه .. "

يبتسم العقيد عبد الوهاب ابتسامة يخفي بها اضطراب واضح ويقول " نعم .. إحم , بالطبع .. بالطبع لم تحدث أية إصابات أو أي شيء من هذا القبيل .. والصراحة ليست عندي معلومات كافية عما سبب الانفجار أو .. "

يقاطعه المراسل مرة أخري ويقول في حدة " ولكنك رأيت ما حدث و المفروض أن .. "

يحمر وجه العقيد ويرد في حدة مماثلة " قلت لك لا علم عندي عن الأمر .. ولن اسمح لك بأن تعلمني المفروض من غير المفروض .. ولا اعتقد أني سأستمر في هذا الحوار .. اسمح لي " ويزيح المراسل من أمامه ويمضي في غضب , ويبدو أنه أزاح المصور أيضا لأن الكاميرا اهتزت في عنف لثوان قبل أن تثبت مرة أخري علي وجه " أيمن البدري" الذي أحمر احمرارا مضاعفا من جرّاء الغضب مما حدث والخجل لأنه تم أمام الآلاف من المشاهدين .. ومضت لحظة صمت قصيرة لا ندري ماذا كان من الممكن أن يقول فيها , حيث تداركت مذيعة الاستوديو الداخلي الأمر وتكلمت في سرعة قائلة " شكرا للزميل أيمن على حواره .. والآن ننتقل أعزائي المشاهدين لمتابعة حالة الطقس غدا بإذن الله , حيث أنه من المحتمل أن تسقط الأمطار على .... "

=====

لكن هذا التقرير الإخباري لم يكن البداية , بل هو للنهاية أقرب. ولأني أعرف أنك تريد الأحداث من أولها أخذت على عاتقي مهمة كتابة كل ما جمعته من أفواه الأبطال الحقيقيين لهذه المغامرة بعد أن انتهت فصولها بفترة قصيرة. والآن أنشرها للعالم بإذن من بطلها "الكاشف" شخصيا, مع تغيير بعض الأحداث والأسماء للحفاظ على السرية والخصوصية.
=====



الخميس قبل أذان المغرب بقليل
 
لم تكن الحركة عادية في منزلها هذا اليوم, والسبب واضح بالطبع. فهذا أول خميس من شهر رمضان وكعادتها كل عام تجمع "العمة كريمة" شمل عائلتها -القريب منهم والبعيد- على مائدة إفطار عامرة ويبقى معظم أفراد هذا التجمع العائلي المترابط يتحدثون ويتبادلون أخبارهم -وبعض أخبار الآخرين أيضا !- حتى السحور. لو كنت مطلعا على تاريخ عائلة الكاشف لعلمت أن هذه التجمعات سمة استمرت عبر القرون لم تنقطع إلا في سنوات معدودة ولأسباب قاهرة أو أزمات. يقال أن "عزيز الكاشف" الجد الأكبر هو من بدأ الأمر ليجمع أهله كل عام مرة على الأقل بعد هجرتهم الكبيرة من بلادهم الأصلية للإسكندرية. لكننا نحكي الآن عن الواقع لا التاريخ, لذا من الأفضل أن نعود ونتابع ما يحدث في البيت, ونلقي نظرة على المكان والأشخاص قبل أن يتشتت انتباهنا بسبب الروائح المثيرة التي تتصاعد من المطبخ والتي تعمل عليها (فرقة عسكرية صغيرة) مكونة من نساء وبنات عائلة الكاشف. لا تسمح العمة لأحد الرجال بالاقتراب من موقع التحضير والإعداد -كما كانت تطلق على مطبخها- إلا أن الصغار كانوا يتنقلون بحرية في جميع أرجاء المكان, ماعدا حجرة واحدة حرصت السيدة كريمة على إحكام إغلاق بابها قبل مجيء الجميع, حتى لا يتكرر موقف العام الماضي وتفسد فرحة تجمعهم حولها. ويبدو أن ذاكرة الأطفال ضعيفة بالفعل, أو أنهم ظنوا الأحوال قد تغيرت عن السنة السابقة. فحين حاول بعضهم معالجة المقبض ولم يستجب له, نظر عبر ثقب الباب عله يروي فضوله عما تحويه الغرفة لكن الظلام الدامس داخلها منعه من ذلك فلم يبق له سوى التخمين. لكن طبيعة الأطفال غلبتهم في النهاية فانصرفوا عن الموضوع جملة وتفصيلا وجذبت انتباههم أشياء أخرى كمتابعة القادمين الجدد من الضيوف والأقارب ومراقبة أمهاتهم المنهمكات بين الأواني والأوعية. كم هم في نعمة هؤلاء الأطفال.. ينسون في سهولة في حين يتعذب الكبار بما لا يقدرون على نسيانه وينشغل فكرهم بما ينغص عليهم أحلى اللحظات. ولن أذهب بعيدا لأعطيك مثالا على ذلك, فها هي العائلة أمامك لتدقق فيها كما تريد وتستنتج ما يفكر فيه كل منهم. ولنبدأ بأول الواصلين للمكان:أسرة أبي المعاطي.

كما تعلم, فالعائلات هي كالمجتمعات المصغرة.تجد فيها الطيب والشرير, الغني والفقير,..وهكذا. تجد الاختلافات والخلافات, التكتلات والعلاقات المتشابكة والمصالح. ولا يوجد سبب يجعل عائلة الكاشف مختلفة عن باقي الناس في هذا الأمر. فعلى سبيل المثال, أبو المعاطي وأسرته الصغيرة من الفرع (المتمدن) في العائلة. انفصلوا منذ زمن وسكنوا العاصمة بعيدا عن السواحل السكندرية,الموطن الطبيعي للكواشف. وبطبيعة الحال صاحب هذه الهجرة المكانية هجرة ذوقية واجتماعية. فالبيئة الجديدة فرضت قيما جديدة وأسلوبا في الحياة مغايرا لما يعتبر أسسا وأصولا لباقي فروع العائلة. في البداية كان الأمر ظريفا وتم تقبله بهدوء وحكمة, ورأى كبير العائلة وقتها أنه تطور طبيعي لا بد منه, وربما يعود بالنفع يوما على باقي الأفراد ويتوسعون. لكن الواقع أن البعيد عن العين بعيد عن القلب.. فبعد كل تجمع عائلي كانت التباينات بين الفرعين تزداد وضوحا. وزاد الطين بلة أن ذلك الفرع استقطب بعض الشباب الطموح من العائلة وأغراهم -عن غير قصد أو تخطيط في الغالب- بالانتقال والبحث عن فرص جديدة وحياة مختلفة بعيدا عن رقابة كبار الكواشف المقيمين جوار البحر. ثم بدأت المشاكل في الظهور. لاحظها الكبار تنمو وتتجمع كماء خلف سد لا يلبث أن يفيض. وخافوا أن تغرق السفينة حتى أن بعضهم فكر في قطع دابر المشاكل بطرد مصدر الانقسام,تلك الدويلة الساعية للاستقلال, أو دعوتها للعودة للجذور والأرض مع ترضيتها وتعويضها عن أية خسائر قد تنجم عن الانتقال. لكن مرة أخرى حكمة رب العائلة عرقلت تنفيذ الاقتراح لما توقعه من رفض للفكرة وما سيتبع ذلك -ولا شك- من انقسام للكلمة وربما تفتت قوة الكواشف للأبد. وتُرك الأمر كما هو عليه حتى إشعار آخر. وبتوالي الحوادث والسنين وموت الجيل الحكيم, حدث ما كان متوقعا وتكون ببطء حزبان . لم يكن العداء ظاهرا ولم يتحدث عنه أحد لكن الشعور به كان موجودا في القلوب ويراه الصغار في فلتات اللسان وبتجمع العديد من المواقف الصغيرة تتضح الصورة. القاهريون لهم القوة الاقتصادية وبعض الموالين من الشباب, في حين أن السكندريين لهم التاريخ والقيم. كل يفتقد ما عند الآخر في حين أن اجتماعهم وتوحدهم فيه القوة للجميع, أو هكذا كان يظن الفريق الثالث المحايد المتجنب للفتنة, والذي وصفه بعض القاهريين بالسلبية واللعب على الحبلين, غير فاهمين لدوافعه ومبرراته. وأبرز هؤلاء المحايدين كان محمد الكاشف الشاب بطل قصتنا هذه. أما العمة كريمة فهي محافظة بطبيعتها ومركزها الاجتماعي أهلها لتزعم جماعة السكندريين, وإن كانت مؤخرا بدأت تميل لرأي محمد الكاشف وجماعته لما رأت فيه من فكر يعادل بين الأمور ويوزنها, ولا دليل على ذلك خير من أنه محبوب من الجميع, والكل يطمع في انضمامه إليه.. درة الكواشف وزينة شبابهم, "أشبه الناس بالكاشف الكبير نفسه طيب السيرة", كما كان يقول الأستاذ حافظ رحمه الله والذي هو أشبه بمؤرخ لعائلة الكاشف والمتتبع لأخبار كبيرهم وصغيرهم, وقد رأى محمدا صبيا ولم يطل به العمر ليمتع عينيه به بعد أن كبر محمد الكاشف وصار شابا.

لكن حالة الترقب بين الفريقين كانت كالهدوء يسبق العاصفة. ولقد تنبهت العمة للأمر منذ بدأ العام الماضي في تجمع مشابه لتجمعهم هذا. فما يبدو هو أن أبا المعاطي كممثل لكواشف القاهرة قد غير من خططه وأظهر الندم وأعلن بالقول والفعل أنه يريد لهذا الـ(خلاف البسيط) أن ينفض وتعود المياه لمجاريها خاصة بعد وفاة رب العائلة وكبيرها. وبحنكتها أدركت أن وراء الأكمة ما وراءها. فالتقارب المبالغ فيه الآن ليس من مصلحة السكندريين ولا شبابهم الذي قد ينبهر بحياة أهل القاهرة وأموالهم ويخفى عليه السبب الحقيقي للخلاف واختلاف القيم, لاسيما أن هذا الانبهار قد زاد مؤخرا بالفعل وعلاماته واضحة لكل ذي عين. وأبو المعاطي يعلم هذا ويستغله بل أنه نقل الصراع لمرحلة جديدة حين فكر في أن خير ما يجمع الطرفين هو .. الزواج. ومن عدة مؤشرات لاحظتها السيدة كريمة استنتجت أن هدفه هو جمع ابنته رانيا -التي تمثل كل ما تعارضه كريمة في القاهريين تقريبا- بـ . . محمد الكاشف!

=====

حل الصمت على الجالسين عندما ارتفع صوت الشيخ العجمي من المسجل وهو يتلو سورة يوسف, وامتزج أثر الصيام بتلاوة القرآن حتى شعر الجميع بهذه النكهة المميزة التي تجعل شهر رمضان مختلفا دائما عن باقي شهور العام. كان الجمع لم يكتمل بعد ومن المنتظر قدوم الآخرين بين لحظة وأخرى, إلا أن البعض ظهر تبرمه من الأمسية كلها حتى قبل أن تبدأ!!.. رانيا على سبيل المثال زفرت في ملل - للمرة الثالثة - وهي تنظر للساعة القديمة المعلقة على حائط الصالون وكأن تلك النظرة ستخيف العقارب فتسرع في دورانها وتقطع الساعات في دقائق. ولما لم يطرأ تغير ما على سير الوقت حولت نظرتها تجاه أمها وأبيها تلومهما في عتاب صامت على إحضارها لهذا الإفطار بعد أن كانت أقسمت أمامهما - في هستيريا وتصميم - العام الماضي على أنها لن تذهب أبداً لمثل هذه التجمعات العائلية (المتخلفة) - على حد تعبيرها - ولن تخالط هؤلاء الناس (البيئة) طوال عمرها. لكن أباها أقنعها - كعادته - بضرورة المحافظة على الشكليات في هذه المرحلة, وذكّرها تلميحا بأن محمدا سيحضر الوليمة ومن المتوقع أيضا أن تحضر إيمان. وهكذا ضرب أبوها بكلماته على الوتر الحساس فغيرت رأيها بسرعة وقبلت أن تذهب على مضض."لن أتركه لها مهما حدث!" كان هذا هو الخاطر المسيطر عليها الآن والذي جعلها تحتمل الجلوس بينهم في هذه اللحظة متظاهرة على قدر الإمكان بالهدوء في حين كان داخلها يغلي أشد من غليان أوعية الطعام التي يتم إعدادها بحجرة المطبخ!

في نفس اللحظة التي كانت هذه الأفكار تعصف بذهن ابنة أبي المعاطي كانت (رحمة) بعيدة عن كل هذا وهي تقلب بأناملها الدقيقة ورقات مصحفها الصغير الذي قلما يفارقها وتحرك شفتيها بتسبيحات وأدعية هامسة غير مسموعة. من حين لآخر تمد بصرها ناحية طفلها الرضيع النائم على الكنبة بجوارها فتبتسم رغما عنها ابتسامة حانية ثم تنقل بصرها ليقع على وجه زوجها (معتز) المنهمك في قراءة إحدى الصحف ويظهر عليه الإرهاق والتعب. لقد حاولت أن تعفيه من الحضور مراعاة لإجهاده بعد يوم عمل شاق وصيام لكنه رفض أن يفوّت فرصة الحضور ومقابلة الجميع وهي تعلم أنه يحترم عمتها كريمة ولا يحب إغضابها, ثم أنه لا يوافق أبدا أن تخرج بمفردها مع رضيعها وتبقى لساعة متأخرة خارج بيتها.

وفي محاولة ودية لتبادل الأحاديث مالت رحمة لتقترب من (عصمت) أم رانيا وزوجة أبي المعاطي وأسرت لها ببعض ما كان يجول برأسها فما كان من الأخيرة إلا أن أظهرت عدم اهتمامها بالحديث بالمرة ووقفت فجأة لتخرج إلى الشرفة الباردة تاركة رحمة في ذهول وعدم تصديق لرد الفعل.

على الرغم من أن هذا التصرف قد يبدو لك لأول وهلة شاذا غريبا إلا أن المطلع على خفايا الأمور كان من الصعب أن يتوقع غيره. فطبيعة أسرة أبي المعاطي وعصمت هي أقرب إلى ما يمكن تسميته (الأسرة معكوسة القطبية),حيث تتركز مقاليد الأمور في يد الزوجة ويكتفي الرجل بدور التابع المطيع. حتى القرارات التي تبدو للعيان أنها نابعة من أبي المعاطي هي في حقيقتها انعكاس لرغبة زوجته بل أن الأمر يصل في بعض الأحيان لدرجة اقتناعه بأنه هو المصدر الأصلي للفكرة وأن إسهام امرأته في تكوينها لم يتجاوز مرحلة (الاقتراحات)!.. وهذا أسوأ أنواع التحكم والديكتاتورية وتلاعب الطرف المسيطر بعقل تابعه الساذج وتشكيل قناعاته بالطريقة التي يرى الشريك القوي أنها الأصلح. ولو كنتُ من دارسي علم النفس لقلت أن مثل هذا المناخ الأسري لا ينتج عنه شخصية سوية متزنة وهكذا نفهم السبب وراء سوء سلوك الابنة رانيا وقد نلتمس لها بعض العذر.

وطبيعي بعد كل هذا أن تكون العلاقة بين طرفي نقيض كـ(رحمة) و(عصمت) تتسم بالنفور وقلة الإعجاب. فالأولى تضع زوجها في المرتبة الأولى دائما وترى فيه ما يكمل نقصها الفطري دون أن ينتقص ذلك من أهميتها في بيتها شيئا. أما الثانية فتنظر لهذا النوع من المحبة غير المشروطة على أنه ضعف وتذلل وعيب في حق جنس النساء عموما, ولا ترضى بغير موقع الصدارة بديلا. ولهذا كله لم تتحمل سماع حديث رحمة عن زوجها معتز فآثرت الابتعاد قبل أن تنفجر فيضيع في سورة غضبها الكثير من مركزها الاجتماعي وتهتز الصورة التي رسمتها لنفسها في عيون الآخرين كسيدة مجتمع مهذبة.

وربما حق لك أن تتساءل عن الدافع وراء بوح رحمة بما في نفسها لعصمت مع علمها بأن ذلك قد يؤدي لاستفزاز الأخيرة.. لكنك هنا تنسى الطبيعة المتسامحة لها والتي تبدأ بحسن الظن في التعامل مع الناس وتلتمس لهم الكثير من الأعذار إن أساءوا إليها مرة بعد أخرى. وأظن أن تفكيرها رأى في المشاركة الوجدانية بينها وبين أم رانيا نوعا من تذويب طبقة الجليد الفاصلة بينهما, وبداية لفتح صفحة جديدة.. وبالطبع رأينا كم كانت مخطئة في ظنها هذا !

=====

تأففت عصمت في اشمئزاز وهي تحاول أن تجد لنفسها موقعا نظيفا بالشرفة المطلة على الشارع حتى لا تصيب الأتربة ملابسها الغالية. كانت كابنتها تكره هذا المنزل القديم وكل ما يمثله من تقليدية, ولطالما قالت عنه أنه متحف منعزل عن العالم المتسارع حوله ويتظاهر قاطنوه بالتعلق بماض اندثر وصار تراثا خوفا من مواجهة الحياة الواقعية الحقيقية. لكن في قرارة نفسها وتحت طبقات وطبقات من المظهرية الزائفة والتظاهر بالعقلانية والاستقلالية كانت تشعر أن الأسلوب الأمثل للتعامل مع العقلية المحافظة لسكان هذا البيت ومن يدينون له بالولاء هو امتصاصهم في دائرتها لا عزلهم وتركهم ينشرون أفكارهم القديمة بين الآخرين. التغيير من الداخل هو شعارها للمرحلة القادمة, وها هي تغزوهم ببطء حين توصلت لخطة تزويج رانيا بالكاشف في حين أنـ ...

لكن ما لمحته من بعيد قطع عليها حبل أفكارها وجعلها تركز بصرها لتتبين هوية ذلك الذي يقترب من باب المنزل في خطوات واسعة واثقة لا يتلفت ويعدّل من وضع منظاره على أنفه كل بضع خطوات في حركة اعتيادية. ولما تعرفته وتأكدت من هويته ارتسم شبح ابتسامة على وجهها واستدارت بسرعة لتعود لحجرة الصالون وتنضم للجالسين.. ثم جلست تنتظر.



السبت، 27 يوليو 2013

همسات اللحظة الأخيرة

همسات اللحظة الأخيرة

أتعبني رفيقي اليوم!..
قاوم كل فكرة زرعتها.. تجاهل كل كلمة قلتها.. لكن لا بأس.. لا يأس.
هل إخفاقي سببه تعجلي؟!.. ربما..لكن لا وقت إطلاقا الآن لإطلاق العنان لأفكاري وتساؤلاتي.. فالشمس شارفت على المغيب، وسرعان ما سأفقد كل سيطرة لي عليه.
التركيز.. كل ما عليّ فعله للنجاح هذه المرة هو المزيد من التركيز.
***
أنظر حولي في المكان لعل بارقة إلهام تظهر أمام عيني.
هل أستخدم الحيلة إياها للإغواء مرة أخرى؟.. لا، لا وقت.. تحتاج لتمهيد وتهيئة، وهما رفاهية لا أملكها الآن.
مع اقتراب اللحظات الأخيرة يزداد توتري.. أتحسس عنقي بحركة لا شعورية وأنا أتصور ما ينتظرني بعد دقائق.. ثم فجأة خطرت لي فكرة، وعلى الفور بدأت في تنفيذها.
همستُ: (لم لا تخرج من هذه الغرفة لتذهب وتلقي نظرة على زوجتك؟.. بالتأكيد تفتقد وجودك جوارها)
قام رفيقي.. يا له من أحمق!
يظن الفكرة فكرته، وأن زوجته طرأت فجأة بباله!
لكن لا وقت للاحتفال بنصر صغير كهذا.. يجب التركيز على شيء كبير.. فِعلة كبيرة أوقعه فيها قبل أن أرحل عنه للفترة السنوية المعهودة.
ها هي الزوجة تبتسم عندما دخل عليها.
(لماذا تبتسم لك؟.. تُرى هل تسخر منك؟)
- "لماذا تبتسمين؟.. هل شكلي يثير السخرية؟!"
هاه!.. انقلبت سحنتها فجأة من الابتسام إلى الغضب. الأمور تجري على ما يرام، لكن عليّ أن أسرع.
- "ما لك اليوم؟!.. تريد إثارة مشكلة بلا داع ونحن في هذه الليلة المباركة؟"
- "أنا لم أبدأ مشكلة. تعبيرات وجهك وابتساماتك المريبة هي سبب انفعالي"
جميل جدا.. نبرته أخذت في الارتفاع، ووجهه يكتسي بحمرة الغضب.
- "لن أرد عليك قبل أن يهدأ انفعالك.. بعدها نتفاهم حول سبب غضبك المفاجئ"
(يجب تأديبها!.. كيف ستتركها تجيبك بقلة احترام هكذا؟!!.. لو كنتَ رجلا بحق لما تركتَ كلامها هذا يمر دون عقاب)
أتت همساتي بمفعولها على الفور، وكادت شرارات الغضب تخرج فعليا من عينيه الحمراوين. كل ما عليّ الآن هو إذكاء الـ...

لكن ما هذا؟!.. هل حل الوقت بهذه السرعة؟!!.. لا يمكن!.. عملي هنا لم يكتمل بعد!.. يا للخسارة.
شعرت بقوى خفية تجذبني بعيدا عن الغرفة، وعن المكان كله..
استسلمت لها كعادتي كل عام.. زفرت زفرة نارية حارة قبل أن تبدأ السلاسل في تكبيلي.
لا بأس يا رفيقي.. لا بأس. سأعود بعد شهر لنكمل لعبتنا المعتادة.. أما الآن فحاول أن تهنأ بالهدنة القصيرة.. فالمعركة بين جنسي وجنسك لن تنتهي عن قريب!

***
قصة قصيرة - جروب Egyptian Good Readers المسابقة الأدبية

الجمعة، 19 أبريل 2013

عن ترجمة القصص القصيرة

التدوينتان السابقتان هما إعادة نشر لقصتين صغيرتين قامت بترجمتهما الأخت (روح حائرة) ، وقمت أنا بالمساعدة في تنقيح الأسلوب.
وهي وظيفة هامة جدا في الغرب. فدور النشر لا تترك المؤلف أو المترجم هكذا دون مساعدة.. بل يوفرون له "محرر" أدبي Editor يساعده، ويكون كمراجع ملازم له طوال فترة الكتابة.
في أحد المنتديات التي كنت أشارك فيها قبل الثورة اقترحت فكرة مشروع أدبي صغير لترجمة قصة قصيرة من أدب الخيال العلمي، واخترت قصة لعبة عادلة للمؤلف فيليب ك ديك. ولاقت الفكرة قبولا وتحمس لها البعض، لكن من عمل فيها فعليا هو الأخت المترجمة.
وكانت تجربة جيدة جدا. فتم التواصل عبر البريد الإلكتروني، وكنا نتبادل المسودات الأولى، ونحاول الوصول لأفضل ترجمة لكل جملة، وفهم قصد المؤلف من كل تعبير كتبه.
والنتيجة كانت ممتازة في الحقيقة.
هنا مثلا تجد رد أحد أعضاء المنتدى تعليقا على الترجمة:

في البدء احب أن أقوم بتقديم الامتنان والشكر العميق
لــ ( روح حائرة )
و ( سلامة المصري )
للجهود المضنية التي بذلاها في ترجمة العمل و التدقيق ونحوه، من جودهما أن يقدمان لنا عملاً رائعا دون مقابل اقل مايمكن شكرهم به هو رد يعظم شأنهم
كنت اتحاشى الموضوع في كل مرة تقع عيني عليه. شيء ما يخبرني بأن مصيبة لغوية بالداخل وأن النص في حالة فوضى ، هناك جملة تسبق اخرى و ركاكة تتلف الأعصاب ولكن سبحان الله

براعة بالترجمة ما وجدت لها مثيل إلا في بعض دور نشر حيث يقوم على ترجمة النص اربعة او خمس اشخاص مجتمعين ، دار نشر الآداب إحدى الدور البارعة في هذا المجال ، وانتما اثنان وتفوقتما في العمل

النص مرتب وسرده سلس ومتواتر لايشوبه ركاكة.. واضح بين ، الترجمة اصنفها 10 / 10 ممتازة
مجهود يشكر عليه

القصة
رائعة دمج بها الخيال والرعب في بادئ الحكاية كان البطل يجالس زوجه فإذا عين تهبط من السماء لتحدق به ، هنا احب فقط أن اركز على نقطة بسيطة، النص انتقل فجأة لـ بيل دون هذا الفاصل المليح ( *** ) 
تهت قليلاً وقرأت المقطع عدة مرات حتى توصلت بأن الحكاية انتقلت لمنزل آخر ، 
بيل عالم الأحياء وتوقعه بأنهم مخلوقات خرجت من ثقب او فضائيين اعجبني كثيراً تحليله للوحى ومقابلة الله لرسله عند الجبال والوحى المنزل على الرسل في الجبال لفته جميلة منه ، ضحكت من القلب حين فسر الأمر بأنه مكيدة من جماعات دينية او الطلبة او الأساتذة المستجدين ، الذهب الذي تلاشى والفتاة الجميلة والمقهى والإفطار الساخن ، فخاخ ذكية حبكها القاص بفطنة ، شعرت بالأسى حين القي القبض على دوجلاس

القصة ترجمت باحترافية ، عندما كنت اقرأ القصة كان النوم يطرق جفني ومع ذلك وصل المعنى لذهني بسرعة لصفاوة الترجمة ونقاءها من الخطأ الغوي الجسيم

استمروا بارك الله فيكم

ترجمة قصة لعبة عادلة

لعبة عادلة
فيليب ك. ديك
Philip K Dick - Fair Game
ترجمتها للعربية: روح حائرة
تدقيق لغوي: سلامة المصري


جلس البروفيسور (أنتوني دوجلاس) بارتياح على مقعده الجلدي الأحمر الوثير وتنهد تنهيدة طويلة أثناء نزعه لحذائه ملقيًا به في الركن بعيدا وسط همهمات كثيرة، ثم طوى ذراعيه على صدره العريض واستلقى إلى الخلف مغمضًا عينيه.
" متعب ؟ "
سألته زوجته لورا وهي تستدير من أمام موقد المطبخ، والعطف بادٍ في عينيها الداكنة .
"أنتِ محقة تماما ."
ألقى دوجلاس نظرة سريعة على الجريدة المسائية بالقرب منه على الأريكة ولكن لم يكن بها شيء يستحق، تفقد جيوب معطفه بحثًا عن سجائره وأشعل إحداها على مهل..
" نعم أنا متعب بحق. نحن بصدد البدء في سلسلة بحثية جديدة تماما، وقد وصل اليوم من واشنطن مجموعة من الشباب "اللامع"، بحافظاتهم الورقية و المساطر الحاسبة."
"ليس ـــــ "
"أوه، لازلت في موقع المسؤولية،لا قدّر الله العكس!" قالها بروفيسور دوجلاس وهو يبتسم ابتسامةً عريضةً.. تصاعد الدخان الرمادي الشاحب من حوله وأضاف : " تلزمهم بضع سنوات أخرى قبل أن يتخطوني، سيكون عليهم أن يشحذوا مساطرهم الحاسبة أكثر قليلا .. "
ابتسمت زوجته وواصلت إعداد وجبة العشاء. ربما كان الجو العام للبلدة الصغيرة في كولورادو ؛ حيث قمم الجبال الثابتة والساكنة تحيط بهم، والهواء البارد الرقيق، كذلك المواطنون الهادئون، هو السبب في جعل زوجها يبدو غير منزعج على الإطلاق من التوترات والشكوك التي تمثّل ضغطًا كبيرًا على الأعضاء الآخرين في مهنته، ففي هذه الأيام قام العديد من الوافدين الجريئين باحتلال متزايد لمناصب الفيزياء النووية مما جعل القدامى يترنحون في مناصبهم متعرضين لخطر داهم، حيث تم غزو كل كلية و كل قسم ومعمل فيزيائي بالشباب البارع، حتى هنا في كلية (بريانت) النائية.
لكن حتى لو شعر أنتوني بالقلق فإنه لم يكن أبدًا ليُظهر هذا، هاهو مسترخ في سعادة على مقعده الوثير مغمضًا عينيه وابتسامة هانئة تعلو وجهه، قد كان متعبًا ولكنه يحظى بسلام وهدوء بال.. تنهدّ مجدّدًا لكن تلك المرة بسبب السعادة أكثر من الإرهاق وغمغم في تكاسل :
" حقاً ربما أنا كبير في السن بدرجة كافية لأن أصبح أبا لهم، ولكنني متقدم عنهم بعدة قفزات، فأنا بالطبع أعرف أمور عملي أفضل وخيوطه الخفيـ.. "
" و(حل وعقد) هذه الخيوط !!"
" نعم، وهذا أيضًا، على أية حال أعتقد أنني سأنتهي من السلسلة البحثية الجديدة التي نقوم بها على أتم ..... "
تلاشى صوته فجأة مما جعل لورا تسأله :
" ما الأمر ؟ "
نهض دوجلاس قليلا من مقعده و تحول وجهه فجأة للون الأبيض وهو يحدّق في رعب وفمه ينغلق و ينفتح بينما يقبض بشدة على ذراعي المقعد. خلف النافذة كانت هناك عين كبيرة، عين ضخمة تحتل النافذة بأكملها و تحدق في الغرفة بإمعان متفحصةً إياه.
" يا إلهي ! " صرخ دوجلاس.
تراجعت العين وفي الخارج لم يكن هناك سوى كآبة المساء والتلال والأشجار المظلمة والشارع. غاص دوجلاس رويدًا في مقعده، فيما أخذت لورا تسأله بحدة :
" ماذا كان الأمر؟ ماذا رأيت؟ أكان هناك أحد ما في الخارج؟ "
***
أخذ دوجلاس يشبك أصابع يديه على نحو متكرر وشفتاه ترتعشان بشدة..
" إني أخبرك الحقيقة يا بيل، لقد رأيته بأم عيني، الأمر برمته كان حقيقيًا وإلا لم أكن لأحدّثك عنه.. أنت تعلم ذلك تماما، ألا تصدقني ؟ "
" هل رآه أحد غيرك ؟ هل رأته لورا ؟ "
سأله البروفيسور ويليام هاندرسون وهو يلوك طرف قلمه مفكرًا بعمق.. كان قد دفع بطبقه و بالفضيات إلى نهاية مائدة الطعام مفسحًا مكانًا ليضع مفكرته الخاصة أمامه.
" لا.. لورا كانت تدير ظهرها. "
" كم كان الوقت حينها؟ "
مسح دوجلاس جبينه بيد مرتعشة..
" منذ نصف ساعة، كنت عائدا لتوي إلى البيت في حوالي السادسة والنصف، قمت بخلع حذائي آخذًا الأمور ببساطة."
" تقول أنها كانت منفصلة، أي لم يكن هناك شيء آخر؟ العين فقط ؟ "
" نعم العين فقط، عين واحدة ضخمة تنظر إليّ في الداخل وتجمع كل تفاصيلي كما لو أنها..."
" كما لو أنها ماذا ؟ "
" كما لو أنها تنظر من خلال ميكروسكوب. "
ساد الصمت لوهلة، بعدها ارتفع صوت زوجة هاندرسون الصهباء متحدثة من الجانب الآخر للمائدة:
" لطالما كنت عالمًا تجريبيًّا متشدّدًا يا دوجلاس، ولم تصدّق من قبل أي هراء على الإطلاق ، لكن هذا .... من المؤسف حقًا أنّ أحدًا سواك لم ير ما رأيته. "
" بالطبع لم يره أحد غيري! "
" ماذا تعني ؟ "
" هذا الشيء اللعين كان ينظر " إليّ " بالتحديد، لقد كان " أنا " من يتفحصَه".. ارتفع صوت دوجلاس بشكل هستيري .. " باعتقادكِ كيف يكون شعوري عندما تتفحصني عين بحجم البيانو! .. يا إلهي لو لم أكن أحسن السيطرة على أعصابي لكان أصابني الجنون! "
تبادل هاندرسون و زوجته النظرات، كان هاندرسون رجلا وسيما بني الشعر و يصغر دوجلاس بعشر سنوات، أما زوجته "جين هاندرسون" المحاضرة المجتهدة في علم نفس الطفل فقد بدت رشيقة ومفعمة بالأنوثة في بلوزتها المصنوعة من النايلون و البنطال الذي ترتديه.
بيل : " ماذا تستنتجين من هذا يا جين؟ فهو أقرب لمجالك. "
دوجلاس بعنف : " بل هو ينتمي لمجالك أنت يا بيل، لا تحاول أن تحرّفه إلى ظاهرة مرَضيَّة، لقد جئت إليك لأنك رئيس قسم الأحياء." " هل تعتقد إذن أنه حيوان ضخم أو ما شابه ؟ "
" بالتأكيد هو حيوان. "
" ربما هي مزحة،" اقترحت جين " أو ربما لوحة دعائية لطبيب عيون كان يحملها أحدهم مارًّا بالنافذة. "
تمالك دوجلاس أعصابه بصعوبة :
" لقد كانت العين حيّة، نظرت إليّ وتأملتني ثم انسحبت كما لو كانت ابتعدت عن عدسة الميكروسكوب. أصابت دوجلاس قشعريرة ثم أضاف : " أخبرك لقد كانت تتفحصني! "
" أنت فقط ؟ "
" نعم لا أحد عداي. "
" يبدو أنك مقتنع بغرابة أنها كانت تنظر من أعلى إلى أسفل. "
" نعم إلى أسفل، إلى الأسفل إليّ، هذا صحيح." ارتسم تعبير غريب على وجه دوجلاس و رفع يديه مشيرًا إلى الأعلى :
" الأمر يبدو يا جين كما لو أنها كانت قد جاءت من هناك.. من فوق. "
بيل بتفكر : "ربما كان الإله."
لم يتفوّه دوجلاس ببنت شفة، فقط تحول وجهه إلى الأبيض الشاحب و اصطكت أسنانه..
جين: " هذا هراء، الإله هو فكرة رمزية نفسية لتعبِّر عن القوى اللا شعورية."
بيل : " هل كانت العين تنظر إليك نظرة اتهام و كأنك اقترفت ذنبًا ما ؟ "
" لا بل كانت تنظر إلي باهتمام بالغ ... نهض دوجلاس مضيفًا : " يتوجب علي العودة؛ لورا تعتقد أنني أمر بنوبة ما، بالطبع لم أخبرها فهي غير مهيّأة علميًّا ولن يمكنها تقبّل فكرة كتلك."
بيل: " في الواقع فكرة كهذه تقبّلها عسير نوعا ما بالنسبة لنا كذلك. "
توجه دوجلاس بعصبية نحو الباب و قال :
" ألا تستطيع أن تجد تفسيرًا ما ؟ شيء منقرض على سبيل المثال ربما لا يزال يحوم حول هذه الجبال؟ "
" ليس على حد علمي.. لو حدث وسمعتُ عن أي ـــــ"
جين : " لقد قلت أنه كان ينظر لأسفل وليس أنه يميل إلى أسفل حتى يستطيع النظر إليك، لذا فمن غير الممكن أن يكون حيوانا أو كائنا أرضيا".. بدا على جين التفكير العميق وهي تقول : " ربما نحن تحت المراقبة. "
دوجلاس ببؤس شديد : " ليس أنتم، " أنا " فقط . "
بيل : "بواسطة جنس غير بشري، أتعتقد ــــــ "
جين : " ربما هي عين من المريخ. "
فتح دوجلاس الباب الأمامي بحذر وأطل بالخارج، كان الليل حالك السواد والرياح الخفيفة تتحرك بين الأشجار وعلى طول الطريق العام.. ظهرت سيارة دوجلاس بصعوبة وسط الظلام كمربع أسود في خلفيته التلال.
دوجلاس : " إذا فكرت في أي شيء اتصل بي . "
جين : " تناول حبتيّ منوّم قبل أن تخلد إلى النوم، حاول تهدئة أعصابك."
وقف دوجلاس على عتبة البيت بالخارج و هز رأسه : " فكرة سديدة، شكرًا لكِ.. ربما أنا فقدت عقلي. رُحماك يا رب !.. حسنا أراكم لاحقا."
ثم نزل الدرج ممسكا الدرابزين بإحكام
" ليلة سعيدة!" صاح بيل وبعدها أُغلق الباب و انطفأت أنوار الممشى.. توجه دوجلاس بحذر ناحية سيارته، وسار في الظلام متلمسًا مقبض باب السيارة، خطوة .. خطوتان .. فكر في سخافة الأمر. رجل بالغ - في منتصف العمر تقريباً – وفي القرن العشرين !!
.. وجد دوجلاس باب السيارة، فتحه وانسلّ سريعًا إلى الداخل مغلقًا الباب خلفه، ثم أخذ يتمتم بصلوات شكر خافتة وهو يدير محرك السيارة و يشغل الأضواء الأمامية..
سخيف لأبعد حد ما يحدث له، عين ضخمة ؟!.. ربما هي حيلة من نوع ما، أخذ دوجلاس يقلب الأفكار في رأسه؛ هل هم الطلاب ؟ مهرجون ؟ شيوعيون ؟ أهي مؤامرة لجعله يفقد صوابه؟ إنه شخص مهم، ربما عالم الفيزياء النووية الأكثر أهمية في الدولة، وهذا المشروع الجديد قد ..
كان دوجلاس يقود السيارة على مهل في الطريق الهادئ و يشاهد الأشجار والشجيرات بينما تزداد سرعة السيارة..
في الغالب قد تكون مؤامرة شيوعية، بعض الطلاب من النادي اليساري قد كونوا مجموعة دراسية للمؤمنين بالماركسية، ربما أعدّوا ـــــــ ....
على وهج الأضواء الأمامية رأى دوجلاس شيئا يلمع على جانب الطريق، أمعن النظر فيه مذهولا، كانت كتلة مربعة الشكل وسط الأعشاب على جانب الطريق من حيث تبدأ الأشجار الكبيرة المظلمة.. كانت تلمع وتتلألأ.. أبطأ دوجلاس السيارة حتى كادت تقف..
كان هناك سبيكة ذهبية ترقد على حافة الطريق.
كان الأمر لا يصدّق، فتح البروفيسور دوجلاس نافذة السيارة ببطء وألقى نظرة إلى الخارج، هل ما رآه كان ذهبًا بالفعل ؟
ضحك بعصبية.. على الأرجح لا، إنه رأى الذهب بالتأكيد مرارًا من قبل، وهذا يبدو كالذهب، لكنه ربما كان رصاصا؛ سبيكة من الرصاص مطلية بالذهب..
لكن لماذا ؟
قد تكون مزحة أو خدعة؛ كأن يكون طلاب الكلية قد شاهدوا سيارته و هي في طريقها إلى منزل عائلة هاندرسون و علموا أنه على الأغلب سيعود سريعًا..
أم.. أم أنه بالفعل ذهب ؟ ربما سيارة مصفحة مرت على الطريق وانعطفت مسرعة مما جعل السبيكة تسقط خارجا و تقع على الأعشاب، إذا صحّ ذلك فهذا يعني أنه كانت هناك ثروة صغيرة ترقد في الظلام على حافة الطريق السريع، لكن امتلاك الذهب غير قانونيّ وكان سيتوجب عليه إعادته للحكومة.. ألا يستطيع أن يأخذ جزءًا بسيطا من الذهب لنفسه ؟ إنه لو قام بإعادة السبيكة الذهبية كان ليحصل بالتأكيد على مكافأة مجزية من نوع ما، ربما عدة آلاف من الدولارات.
باغت مخطط مجنون عقل دوجلاس؛ الحصول على السبيكة، ثم وضعها في صندوق وشحنها في طائرة إلى المكسيك خارج البلاد، (إيريك بارنز) يمتلك طائرة صغيرة وسوف يمكنه بسهولة أن يوصل السبيكة إلى المكسيك، بعدها يبيعها هو و يتقاعد ويعيش في رغد و رفاهية لبقية حياته.
زمجر البروفيسور دوجلاس بحنق شديد، لقد كان واجبه إعادة السبيكة والاتصال بإدارة سك العملة في "دنفر" أو قسم الشرطة ليخبرهم عنها.. غيّر دوجلاس اتجاه السيارة و رجع إلى الوراء حتى أصبح في محاذاة السبيكة المعدنية، أطفأ المحرك وغادر السيارة إلى الطريق المظلم، كان لديه عمل يقوم به، فهو كمواطن مخلص - ويعلم الله أنه مر بعشرات الاختبارات التي أثبتت مدى ولائه - على عاتقه الآن مهمة يتوجب القيام بها، انحنى دوجلاس إلى داخل السيارة وتفقد المصباح الكاشف فوق لوحة العدادات.. لو أن أحدهم فقد سبيكة ذهبية فالأمر أصبح الآن مسؤوليته...
" سبيكة ذهبية؟" مستحيل!..
غزته قشعريرة باردة ببطء كاد معها أن يتوقف قلبه، و في مؤخرة رأسه هتف صوت واضح و منطقي " من ذاك الذي يرحل و يخلّف وراءه سبيكة من الذهب؟ " ..
ثمة شيء ما يجري هنا، داهمه الخوف و تجمد في مكانه مذعورًا، لقد كان وحيدا تماما في ذلك الطريق المظلم المهجور ومن حوله الجبال الصامتة، إنه حقا موقع ممتاز إذا أرادوا اختطافه ـــــ أرادوا ؟ لكن من هم ؟
التفت سريعا حوله، في الأغلب هم يختفون خلف الأشجار في انتظار أن يعبر الطريق السريع ويترجّل من السيارة مبتعدًا صوب الشجيرات، ثم ينحني ليلتقط السبيكة وتكون ضربة واحدة سريعة وينتهي الأمر برمته.
اندفع دوجلاس سريعًا نحو سيارته، أدار المحرك ,ضغط الدواسة ورفع المكابح، اهتزت السيارة وانطلقت إلى الأمام، و بيديه المرتعشتين أمسك بثبات عجلة القيادة.. عليه الخروج من هنا والابتعاد قبل أن يتمكن منه هؤلاء الأشخاص أيا كانوا..
بينما العربة تنطلق مبتعدة ألقى نظرة أخيرة خلفه من النافذة المفتوحة، السبيكة لا تزال هناك تلمع وسط الأعشاب المظلمة على حافة الطريق، ولكن كان يكتنفها شيء من الغموض؛ هالة من الذبذبات المبهمة تكونت في الجو الملامس لها، ثم فجأة تلاشت السبيكة واختفت تماما بعد أن خبا وهجها و تحول إلى عتمة.
اشرأب دوجلاس بعنقه نحو السماء وشهق فزعا، شيء ما كان قد حجب النجوم؛ تكوين كبير صعقته ضخامته كان يتحرك مباشرة فوق رأسه.. دائرة بلا جسد تدب فيها الحياة. بالتحديد وجهٌ عملاق و عريض ينظر للأسفل و يبدو مثل قمر هائل الحجم يحجب كل شيء آخر.. ثبت الوجه فجأة مستهدفا دوجلاس عند البقعة التي قد تركها للتو، و بعدها تلاشى وغرق في الظلام كما حدث للسبيكة تماما..عادت النجوم ترصع السماء و بقي دوجلاس وحيدًا..
غاص دوجلاس في مقعده و أفلت عجلة القيادة فانحرفت السيارة بشدة، لكنه أمسك مقود السيارة في اللحظة الأخيرة.
لم يعد هنا شك حيال هذا الأمر، أحدهم يلاحقه محاولا الإمساك به، لكن هذه المرة لا يوجد شيوعيون أو مقلب أعده الطلاب أو حيوان ضخم أتى متسكعا من الماضي السحيق، أيا كان هذا الشيء و أيا كان هؤلاء فليست لهم علاقة على الإطلاق بكوكب الأرض، إنهم ينتمون إلى عالم آخر وقد غادروه في محاولة الإمساك به.. به ؟! ولكن لمَ ؟

" استمر"
قالها (بيت بيرج) بعد أن توقف دوجلاس عن الحديث.. كان بيرج يصغي باهتمام شديد..
دوجلاس: "هذا كل شيء ,"ثم التفت ناحية بيل هاندرسون قائلا ":لا تخبرني أنني قد فقدت عقلي، لقد رأيته بالفعل وكان ينظر إلي من أعلى، الوجه بأكمله هذه المرة وليست العين فقط."
جين هاندرسون : ":أتعتقد أن هذا هو الوجه الذي تنتمي إليه العين؟"
دوجلاس: " نعم، أنا أعرف هذا جيدا، فلدى الوجه نفس تعبير العين؛ يتفحصني. "
لورا بصوت خفيض متهدج " يجب أن نتصل بالشرطة، علينا أن نوقف هذا، إذا كان أحدهم في أثره ــــــــ "
" الشرطة لن تجدي نفعًا " قالها بيل وهو يروح جيئة وذهابا.
كان الوقت متأخرا بعد منتصف الليل، و كانت كل الأضواء في منزل دوجلاس مشتعلة.. في أحد الأركان جلس ميلتون إيريك رئيس قسم الرياضيات العجوز متكوما على نفسه, منتبهًا لكل ما يقال بينما وجهه المليء بالغضون خال من أي تعبير يذكر.. تحدث إيريك بهدوء نازعا غليونه من بين أسنانه الصفراء:
" بإمكاننا أن نفترض أنهم جنس لا ينتمي للأرض، فحجمهم وهيئتهم يشيران إلى أنهم غير أرضيين بكافة المقاييس."
قالت جين محتجة: " ولكن لا يمكنهم أن يظلوا عالقين هكذا في السماء ! لا يوجد شيء بالأعلى "!
إيريك: " ربما كانت هناك عوالم أخرى للمادة لا تتوافق أو تتشابه غالبا مع تركيبات عالمنا، ربما هو تواجد لا نهائي و متعدد لأنظمة كونية أخرى تقع على طول مستوى من الإحداثيات المتساوية غير القابلة للتفسير تماما عبر مصطلحاتنا العلمية الحديثة، وهو ناتج عن تجاور شاذ للمماسّات، نحن الآن على اتصال بهذا العالم."
بيل مفسّرًا "إيريك يعني أن هؤلاء الأشخاص الذين يلاحقون دوجلاس لا ينتمون لكوننا و أنهم قد جاؤوا من بُعد مختلف كلية "
همهم دوجلاس " لقد تموج الوجه.. كلا من الذهب والوجه تموجا ثم اختفيا."
إيريك " انسحبا ، وعاد الوجه إلى الكون الذي ينتمي إليه، لديهم مدخل إلى كوننا في أي ساعة شاءوا، قد يكون عبارة عن ثقب - إذا جاز القول - يستطيعون العبور من خلالها و العودة مجددا. "
جين " إنه أمر يدعو للأسف، إن حجمهم كبير جدا، فقط لو كانوا أصغر ــــ"
إيريك: " الحجم في صالحهم، إن الموقف عسير."
" كل هذا الجدل العلمي ! "صرخت لورا بعنف " نحن نجلس هنا نستنبط النظريات وفي هذه الأثناء هم يسعون خلفه ! "
بيل بغتة : " ربما هذا يفسر الآلهة "
" الآلهة ! "
أومأ بيل بالإيجاب : " ألا ترون ؟ في الماضي كانت هذه الكائنات تنظر إلى الكون الذي نعيش فيه عبر هذه الارتباطات الكونية ، وربما قد تكون هبطت إليه، لقد رأتهم الأقوام البدائية و عجزت عن تفسير ماهيتهم فاخترعوا عقائد حولهم وقاموا بعبادتهم. "
جين:"مثل جبل الأوليمب، بالإضافة طبعا إلى قمة جبل سيناء حيث قابل موسى ربه، نحن هنا عاليا في جبال الروكي؛ ربما الاتصال يحدث فقط في الأماكن المرتفعة كهذه الجبال. "
بيل : أيضا رهبان التبت يعيشون في المرتفعات الأكثر علوا في العالم، تلك المنطقة بأكملها هي الجزء الأقدم و الأكثر ارتفاعا من العالم، كذلك فقد أوحي بجميع الديانات السماوية في الجبال، و أوصلها الأشخاص الذين رأوا الله وحملوا رسالته. "
لورا " ما لا أستطيع فهمه هو السبب الذي يريدون دوجلاس من أجله، لم يلزمهم انتقائه ؟
ارتسمت على وجه بيل ملامح الجدية وهو يقول " أعتقد أن هذا واضح تماما. "
إيريك: "هل لك أن تفسّر ؟ "
بيل : "من هو دوجلاس ؟ إنه أفضل عالم فيزيائي في العالم تقريبا، حيث يعمل في مشاريع الانشطار النووي بالغة السرية بالإضافة إلى البحوث العلمية المتقدمة.. إن الحكومة تمول أي شيء تقوم به كلية بريانت فقط لأن دوجلاس هنا. "
" إذًا ؟"
" إنهم يريدونه من أجل قدراته ولمعرفته للأشياء، بسبب حجم علاقتهم بكوننا، إنهم يخضعون حياتنا البشرية لفحص دقيق كالذي نقوم به نحن في معامل الأحياء لزراعة البكتيريا الرئوية, لكن هذا لا يعني أنهم متفوقون حضاريا علينا"
هتف بيت بيرج "بالطبع!.. يريدون دوجلاس لأجل علمه. يريدون أن يسطوا عليه ويستخدموا عقله في مزارع "بكتيرية" خاصة بهم"
جين : طفيليات! لقد كانوا يعتمدون علينا دائما، ألا ترون معي هذا ؟ إن الأشخاص الذين اختفوا في الماضي قد تم اختطافهم بواسطة تلك المخلوقات، على الأرجح هم يعتبروننا حقل تجارب أو ما شابه، حيث يتم تطوير العلم والتقنيات بأساليب شنيعة من أجل منفعتهم الخاصة. "
حاول دوجلاس أن يتكلم ولكن عجزت الكلمات أن تخرج من فمه، كان يجلس متسمرًا في مقعده ورأسه تميل إلى جهة واحدة.. في الخارج, من بين الظلمة كان أحدهم ينادي اسمه.. نهض دوجلاس و اتجه نحو الباب بينما يحدق به الجميع في دهشة ..
بيل : ما الأمر يا دوجلاس ؟ "
أمسكت لورا بذراعه قائلة :
" ما الخطب ؟ هل أنت على ما يرام ؟ فلتقل شيئا ! "
تخلص البروفيسور دوجلاس من يدها و فتح الباب الأمامي و خرج إلى الممشى، كان ضوء القمر الخافت يغمر كل شيء..
" بروفيسور دوجلاس ! "
جاءه الصوت مجددا، عذبا ونقيا.. صوت فتاة، وفي أسفل درجات الممشى وقفت فتاة شقراء تبدو في العشرين من عمرها.. رسم ضوء القمر حدود جسدها, كانت ترتدي تنورة بها مربعات و سترة باهتة من الموهير، وفوق عنقها تلف وشاحا حريريا.. لوّحت الفتاة بلهفة و بوجه متضرع :
" بروفيسور هل لي بدقيقة من وقتك ؟ شيء مريع قد حدث لـ ..."
أخذ صوتها بالتلاشي بينما تتحرك بعيدا عن المنزل نحو الظلام..
صاح دوجلاس "ما الأمر ؟ "
كان يسمع صوتها بصعوبة وهي لا تزال تبتعد.. مزقت الحيرة دوجلاس، تردد لوهلة ثم أسرع بالنزول على السلالم خلف الفتاة التي ابتعدت عنه أكثر و هي تحرك يديها في عصبية وتعض على شفاهها الممتلئة بقسوة وأسى، كان صدرها يعلو و يهبط من الخوف الشديد وتحت ضوء القمر ظهر بوضوح وجهها المضطرب.
" ماذا هناك ؟ ما الأمر ؟ " صاح دوجلاس بصوت عال و أسرع غاضبا خلفها .. " أسألك بالله أن تتوقفي ! "
استمرت الفتاة في الابتعاد جاذبةً دوجلاس خلفها مسافة أكبر بعيدا عن المنزل إلى الامتداد الواسع الأخضر من الحشائش وبداية ساحة حرم الجامعة ، شعر دوجلاس بالضيق الشديد، اللعنة على الفتاة، لم لا يمكنها انتظاره ؟
" انتظري قليلا ! " قالها وهو ينطلق فوق الحشائش وسط الظلام و يلهث من التعب.. " من تكوني ؟ .. بحق الجحيم ماذا تريديــ ـــــ "
بغتة ظهر وميض قوي يعمي الأبصار وضربت صاعقة الأرض خلف دوجلاس على بعد خطوات محدثة حفرة انبعث منها الدخان، توقف دوجلاس مذهولا في حين مرت صاعقة أخرى ولكن هذه المرة فوقه مباشرة، دفعته الموجة الساخنة إلى الوراء فترنح و كاد يسقط.. توقفت الفتاة فجأة صامتة وبلا حراك و وجهها قد خلا من أي تعبير، اكتسبت صفة شمعية و مرة واحدة صارت جامدة تماما، إلا أن دوجلاس لم يملك الوقت للتفكير في هذا الأمر، استدار ومشى بصعوبة تجاه المنزل لكن صاعقة ثالثة اندفعت نحوه مجددا فانحرف أقصى اليمين ملقيا نفسه وسط الشجيرات بجوار الجدار ثم تدحرج وتمسك بالجانب الصلب من المنزل منكمشًا قدر ما يستطيع.. في السماء المرصعة بالنجوم سطع وميض مفاجئ و ظهرت حركة هزيلة ثم لا شيء، توقفت الضربات الصاعقة و حتى الفتاة اختفت بينما ظل هو وحيدا..
كان فخا، محاكاة بارعة لجذبه خارج المنزل في الخلاء و من ثَم يتمكنون من اصطياده.. وقف دوجلاس على قدميه وهو يترنح و سار بمحاذاة جانب المنزل، على الممر كان بيل هاندرسون ولورا و بيرج يتحدثون بعصبية ويبحثون عنه.. كانت سيارة دوجلاس تقف عند المدخل.. ربما لو استطاع الوصول إليها ــــــــ
نظر دوجلاس إلى السماء، لاشيء سوى النجوم ولا أثر لهم، إذا استطاع أن يستقل سيارته و ينطلق بها على الطريق السريع مبتعدا عن الجبال نحو دنفر حيث المكان منخفض ربما يصبح آمنا.. أخذ نفسا عميقا، أمامه عشرة ياردات فقط إلى السيارة، ثلاثون خطوة.. فقط لو يستطيع الوصول.. ركض دوجلاس بسرعة على الممر، فتح الباب ووثب داخل السيارة و بحركة سريعة أدار المحرك، اهتزت السيارة و علا صوت هديرها، ضغط دوجلاس بقوة على دواسة الوقود فانطلقت السيارة مسرعة.. صاحت لورا و هي تنزل درجات السلم لكن صيحتها ونداء (بيل) المصدوم تلاشيا مع هدير المحرك..
بعدها بثواني كان دوجلاس على الطريق السريع مبتعدا بأقصى سرعة عن البلدة سالكًا الطريق الطويل الملتوي المؤدي لدنفر.
بإمكانه استدعاء لورا من دنفر و ستنضم إليه ويأخذان القطار المتجه للشرق سويًّا، لتذهب كلية بريانت إلى الجحيم فحياته الآن على المحك. قاد السيارة ليلا لساعات دون توقف حتى انبلج نور الصباح و ارتفعت الشمس رويدا في السماء، بدأت السيارات تغزو الطريق و بجانبه مرت شاحنتا ديزل تتحركان بثقل مصدرتان قرقرة , كان قد بدأ يشعر بالتحسن و أصبحت الجبال خلفه و تفصله عنها مسافة كبيرة.. ارتفعت معنوياته إذ أصبح النهار دافئا، هناك مئات الجامعات والمعامل المنتشرة في أرجاء البلاد ويستطيع أن يواصل عمله بكل سهولة في مكان آخر، لن يكون بمقدورهم التمكن منه طالما أصبح بعيدا عن الجبال..
أبطأ دوجلاس من سرعة السيارة، كان مؤشر عداد الوقود يقترب من علامة النفاد، على يمين الطريق كانت هناك محطة وقود و مقهى جانبي صغير، مشهد المقهى جعل معدته تحتج و تذكر أنه لم يتناول إفطاره.. كانت هناك سيارتان تصفان أمام المقهى و عدد من الأشخاص يجلسون عند منصة تقديم الطعام في الداخل.. انعطف بسيارته و توقف في المحطة ..
" املأها ! "
قالها دوجلاس للعامل و خرج واقفا على الحصى الساخن تاركا محرك السيارة يدور، سال لعابه؛ صحن مليء بالكعك الساخن و طبق جانبي من لحم الخنزير وكوب قهوة ساخن يتصاعد منه البخار ... " هل أستطيع أن أتركها هنا ؟ "
حرك العامل الذي يرتدي زيا أبيضا غطاء الخزان و بدأ في ملء السيارة..
" السيارة ؟! ماذا تقصد ؟ "
" املأها واركنها هنا، سأخرج خلال دقائق قليلة بعد أن أتناول الإفطار سريعًا. "
" الإفطار ؟! "
تضايق دوجلاس، ما الأمر مع هذا الرجل؟ أشار إلى المقهى موضحا، عند مدخل المقهى كان سائق شاحنة يستند عل الباب ذو الأسلاك وهو يخلل أسنانه بانهماك، وبالداخل كانت النادلة تغدو جيئة وذهابا في خدمة الزبائن، كان بالفعل يشم رائحة القهوة ولحم الخنزير ينضج على الشواية، ومن صندوق الموسيقى انبعث صوت خافت و رديء لكنه دافئ وحميم.. " نعم، في المقهى."
توقف العامل عن تزويد السيارة بالوقود وأنزل الخرطوم ببطء ملتفتًا إلى دوجلاس وتعبير غريب يرتسم على وجهه: " أيّ مقهى؟ "
في تلك اللحظة انبعثت من المقهى موجة ذبذبات ثم تلاشى بأكمله ! كتم دوجلاس صرخة رعب، في المكان الذي كان يوجد فيه المقهى كان هناك حقل ممتد من الحشائش البنية، وبضعة علب صفيح صدئة و خردة و سياج مائل، أما على المدى فكانت حدود الجبال..حاول دوجلاس أن يتمالك نفسه :
" أنا متعب قليلا،".. عاد مرتبكا داخل السيارة .. " كم النقود ؟ "
" و لكني قد بدأت للتو في ملء الــ ــــــ "
دفع دوجلاس بورقة نقدية للعامل " هاك، ابتعد عن الطريق . " ثم أدار محرك السيارة و اتجه نحو الطريق السريع تاركًا العامل ينظر في أثره باندهاش.
لقد كان هذا وشيكًا وللغاية .. مصيدة كان على وشك دخولها بقدميه، ولكن الشيء الذي أخافه حقا لم يكن قرب حدوث الشيء بل كونهم لا يزالون يتعقبونه حتى خارج نطاق الجبال.. لم يجدِ الأمر نفعا، هو ليس أكثر أمنا من الليلة الماضية، إنهم في كل مكان ..
أسرعت السيارة، كان يقترب من دنفر ..ثم ماذا ؟ و إن يكن ؟ إن الأمر لن يشكل فارقا، بإمكانه أن يحفر حفرة في " وادي الموت" و رغم هذا سيظل غير آمن ، إنهم يلاحقونه ولا ينوون التوقف، الأمر إلى هذا الحد واضح تماما.
أخذ دوجلاس يعصر عقله، عليه أن يفكر في شيء ما أو طريقة للنجاة، إنها حضارة طفيلية؛ جنس يعيش على حساب البشر ويستغل معرفة الإنسان واكتشافاته، أليس هذا ما قاله بيل؟ إنهم يسعون خلف معرفته للأشياء و معرفته بعلوم الفيزياء النووية و مقدرته الفريدة، لقد تم اصطفاؤه دونا عن بقية رفقائه لبراعته وقدراته الأكثر تفوقا لذا سيظلون يلاحقونه حتى يتمكنوا منه.. ثم ماذا سيحدث ؟ تملكه الخوف و أخذ يتذكر ما مر به؛ السبيكة الذهبية، الشرك، الفتاة التي بدت حقيقية للغاية، المقهى المكتظ بالناس، حتى رائحة الطعام، لحم الخنزير و القهوة الساخنة.. يا إلهي, فقط لو كان شخصًا عاديا بدون مهارة أو قدرات خاصة، فقط لو ـــــــ .
فجأة صدر صوت فرقعة و انحرفت السيارة بينما أخذ دوجلاس يسب بعنف، ثقب في إطار السيارة.. وفي هذا الوقت بالذات!
أوقف دوجلاس السيارة على جانب الطريق وأطفأ المحرك و جلس صامتا لبرهة، في النهاية تحسس بارتباك معطفه وأخرج علبة سجائر منبعجة وأشعل سيجارة على مهل، ثم فتح نافذة السيارة ليسمح بدخول بعض الهواء.. لقد وقع في المصيدة لا ريب، ليس بوسعه أن يفعل شيئا، إن انفجار السيارة تم ترتيبه مسبقا، ربما ألقوا من أعلى شيئا ما على الطريق، مسامير صغيرة على الأرجح .
كان الطريق مهجورا ولا أثر لسيارة على مدى البصر و دوجلاس وحيدٌ تماما بين القرى، دنفر تقع على بعد ثلاثين ميلا وليس هناك أمل للوصول إلى هناك، لا شيء حوله سوى الحقول المنبسطة والسهول المقفرة.. لا شيء عدا الأراض الممتدة والسماء الزرقاء.. نظر دوجلاس إلى السماء، لم ير شيئا ولكنه يعلم أنهم هناك في انتظاره ليخرج من السيارة، ستقوم تلك الثقافة الغريبة باستغلال معرفته وقدراته، وسيصبح عبارة عن أداة في أيديهم و ينتقل كل علمه إليهم، سيكون مجرّد عبد، لكن على نحو ما يعدّ هذا إطراء، فمن بين مجتمع كامل تم اختياره هو فقط و هذا يعني أن مهارته و معرفته أفضل من الآخرين، فكرة كهذه جعلت وجنتيه تلمعان، ربما كانوا يدرسونه منذ فترة لا بأس بها، وتلك العين العملاقة بالتأكيد تفحصته مرارا من خلال التليسكوب أو الميكروسكوب أو أيا كان، لقد كانت تنظر إليه وتتفحص قدراته ومن ثم أدرك هؤلاء القيمة التي سيضيفها إلى ثقافتهم.
فتح دوجلاس باب السيارة وخطا بقدمه على الأسفلت الساخن.. ألقى سيجارته على الأرض وسحق عقبها بهدوء ثم أخذ نفسا عميقا وتمدد متثائبا، الآن يستطيع رؤية المسامير اللامعة تتناثر على قارعة الطريق، كلٌ من الإطارين الأماميين مثقوب..
شيء ما ومض فوقه، انتظر دوجلاس بهدوء، ها قد أتوا أخيرا، غير أنه لم يعد خائفا كما كان من قبل، فقط تابع الأمر بفضول متحفظ.. بدأ الشيء يكبر شيئًا فشيئا واتسع وتضخم محتلا الفراغ من فوقه، للحظة تردد الشيء, بعدها هبط على الأرض.. وقف دوجلاس في ثبات بينما انغلقت عليه شبكة واسعة، التفت الحبائل حوله والشبكة ترتفع إلى أعلى، كان يتجه إلى السماء إلا أنه كان مرتاحا و هادئ البال ولا يعتريه الخوف.. ولم الخوف ؟ سوف يقوم بذات العمل كما دائما، بالطبع سوف يفتقد لورا والكلية و رفقاءه المثقفين فيها بالإضافة إلى وجوه الطلاب المشرقة، ولكن حتما سيجد له رفقة بالأعلى؛ أشخاص وعقول مدربة يعمل و يتواصل معهم .
كانت الشبكة تزداد في الارتفاع و تبتعد عن الأرض سريعًا، شاهد دوجلاس باهتمام شخص خبير شكل الأرض وقد تغير من سطح مستو إلى كرة، كما استطاع أن يرى من فوقه خلف الحبائل المعقدة للشبكة حدود الكون الآخر والعالم الجديد الذي يتجه إليه.
أعلاه كان يجثم مخلوقان بالغا الضخامة بشكل لا يمكن وصفه، أحدهما كان يسحب الشبكة والآخر يراقب ممسكا شيئا ما بيده، كان المنظر بتكويناته الغامضة هائل الحجم و أكبر من أن يستطيع دوجلاس استيعابه ..

"أخيرا, ياله من صراع" ، انبثقت فكرة
" نعم لكن الأمر كان يستحق"، فكر المخلوق الآخر .
دوت أفكار المخلوقين في عقل دوجلاس؛ أفكار قوية من عقول عملاقة.
" لقد كنتُ محقًا، هو الأكبر على الإطلاق، ياله من صيد ثمين !
بالتأكيد يزن أربع وعشرين شوكريا !"
"أخيرا !"

فقد دوجلاس رباطة جأشه و غزت عقله قشعريرة رعب، ما الذي يتحدثان عنه ؟ ماذا يقصدان ؟ و قبل أن يسترسل في أفكاره كان يُلقى من الشبكة ويسقط متجها صوب شيء ما؛ سطح مستو و لامع، ترى ماذا يكون؟
الغريب أنه كان يبدو بشكل ما كـالمقلاة.



شروق على المرج الأفريقي

شروق على المرج الأفريقي
دوريس ليسنج
Doris Lessing - A Sunrise on the Veld
ترجمتها للعربية: روح حائرة
تدقيق لغوي: سلامة المصري


"الرابعة والنصف! الرابعة والنصف!"
في كل ليلة من ليالي ذلك الشتاء كان يدفن وجهه في الوسادة و يرددها بصوت مرتفع حتى يعيها عقله جيدا و يحفظها، بعدها ينام على الفور كأنه مصراع نافذة أُغلق، و وجهه قبالة الساعة لتكون أول ما تقع عليه عيناه عند استيقاظه.
و في كل صباح حين تأتي الرابعة والنصف تماما يضغط منتصرا على زر منبه الساعة الذي سبقه الجانب المظلم من عقله حيث ظل متيقظا طوال الليل يعد الساعات بينما هو مستغرق في النوم. تكوم تحت الأغطية للحظة أخيرة دافئة و هو يداعب فكرة مكوثه في السرير لهذه المرة فقط، لكنه كان يلهو بهذه الفكرة لمتعة معرفته أن هذا ضعف يسهل مقاومته دون جهد؛ تماما مثلما يضبط المنبه كل ليلة لينال لذة اللحظة التي يستيقظ فيها متمطيا و شاعرًا بتقلص العضلات في أطرافه..يفكر: حتى عقلي ـــ حتى هذا! أستطيع التحكم في كل جزء من جسدي.
ياله من ترف جسد دافئ مرتاح، و يدين وساقين وأصابع تنتظر الأوامر كالجنود ! ويالها من نشوة معرفة أن تلك الساعات الثمينة منحت للنوم بإرادته !
ــففي إحدى المرات ظل مستيقظا لمدة ثلاث ليال متواصلة فقط ليثبت أنه قادر على ذلك وبالإضافة لهذا عمل طول النهار رافضا مجرد الاعتراف أنه مرهق؛ فالنوم بالنسبة له خادم يؤمر ويُنهَى.
مدّد الفتى كاملَ جسده حتى لمس الحائط بيديه ونهاية السرير بأصابع قدميه، ثم نهض فجأة كسمكة تقفز خارج الماء فتجد البرد الشديد في انتظارها.
كان قد اعتاد تغيير ملابسه سريعا في محاولة منه للاحتفاظ بدفء الليل حتى موعد شروق الشمس بعدها بساعتين، ولكن فور انتهائه من ارتداء ملابسه يكون الخدر قد أصاب يديه مما يجعل من حمل حذائه أمرا صعبا، ذلك الحذاء الذي لايستطيع أن ينتعله مخافة أن يستيقظ أبواه اللذان لم ينم لعلمهما مطلقًا كم يستيقظ مبكرا.
بمجرد أن تخطى عتبة الباب تقلص باطن قدمه و بدأت ساقه تتوجع من شدة البرودة، كانت السماء تتلألأ والأشجار الساكنة بدت سوداء في ذلك الوقت من الليل، أخذ يبحث عن علامات النهار؛ عن اللون الرمادي في حواف الصخور، أو ضوء في السماء يأتي من حيث تشرق الشمس، ولكن لم يكن هناك شيء بعد. مثل حيوان متحفز تسلل أمام النافذة و وقف باتزان ويده على حافتها للحظة بالغة الخطورة في تحدٍ وإمعان للنظر، وتوثب محدقًا في السواد الدامس للغرفة حيث يرقد والداه .
أخذ يتحسس مكانه وطريقه فوق الممر العشبي بأصابع قدميه ،عبرَ نافذة أخرى أبعد بمحاذاة الحائط حيث يوجد سلاحه الذي أعده في الليلة السابقة ليكون جاهزا، كان معدن البندقية شديد البرودة فانزلقت أصابعه الخدرة من عليها، علق البندقية في الخطاف المربوط بذراعه حتى لا ينزلق منه ثم مشى على رؤوس أصابعه نحو الغرفة التي تنام فيها الكلاب، كان يخشى أن يكونوا قد خرجوا قبله ولكنهم كانوا هناك بانتظاره جالسين على أعجازهم في مقاومة للبرد، لكن آذانهم وأذيالهم اهتزت في بهجة لرؤيتهم السلاح. صوته التحذيري الخفيض أبقاهم صامتين تماما حتى أصبح المنزل على بعد مائة ياردة من خلفهم و من بعدها انطلقوا ينبحون باهتياج نحو الشجيرات.
تخيل الفتى و هو يبتسم بسخرية أبواه يتقلبان في السرير متبرمين: يا لـتلك الكلاب مجدّدًا!قبل أن يعودوا إلى النوم.
ظل يرمق المنزل من فوق كتفه كلما عبر جدارا من الأشجار يحجبه عن الأنظار؛ كان المنزل يبدو منخفضا وصغيرا جدا يقبع هناك تحت سماء شاهقة براقة، بعدها أدار له ظهره وابتعد.
حري به أن يسرع، عليه أن يكون على بعد أميال قبل أن تشتد قوة الضوء ، وبالفعل كان اللون الأخضر قد بدأ يغزو باطن أوراق الشجر، ونسيم الصباح يملأ الأرجاء و النجوم تخبو.
وضع حذاء فيلد* المصنوع من جلد غير مدبوغ على كتفه، كان قد تغضن و قسي من ندى مائة صباح، سيكون في أمس الحاجة إليه حين تصبح الأرض أسخن مما يُحتمل، أما الآن فهو يشعر بالتربة الباردة تتخلل بين أصابع قدميه، أخذ يحرك عضلات قدمه لتأخذ شكل الأرض؛ وفكر: أستطيع أن أسير طوال اليوم دون أن أشعر أبدا بالتعب!
كان يسير سريعا عبر ممر مظلم تكسوه أوراق الشجر والنباتات، و الذي يتحول في وقت النهار إلى طريق، و كانت الكلاب تتجول في خفاء عبر طرق السفر المنخفضة في المرج، كان يسمعهم يلهثون و أحيانا كان يشعر بخطمهم البارد على ساقه قبل أن يبتعدوا مجددا بحثا عن أثر طريدة للحاق بها. لم تكن كلابا مدربة بل بالأصح رفقاء صيد يركضون وفقا لهواهم، وغالبا ما ينال منهم الإرهاق في المطاردات الطويلة قبل الإصابة الأخيرة للهدف ويذهبون بحثا عن متعتهم الخاصة.
سرعان ما استطاع رؤيتهم؛ بدوا صغار الحجم وشرسين تحت ضوء غريب وجامح، إذ يتهيأ المرج - في اضطراب - للتلوّن، منتظرًا الشمس لتخضب الأرض والعشب كرّة أخرى.
كان العشب يصل لمحاذاة كتفه والأشجار تمطره بندى فضي خافت، تبلل فاعترت جسده كله رجفة متواصلة.
بمجرد أن انعطف نحو الطريق المعلَّم حديثا بآثار الحيوانات، اعتدل متحسرا و مذكرا نفسه أن متعة المطاردة يجب أن تنتظر ليوم آخر.
ثم راح يركض بمحاذاة حافة الحقل، ملاحظا أثناء تمايله كيف يغشاه نسيج عنكبوت حديث، مما يجعل ذلك الامتداد الطويل من كتل الطمي الأسود يبدو كشبكة فضية متلألئة.
كان يركض على وتيرة ثابتة تعلمها من مراقبته للسكان الأصليين، ينقل فيها وزن جسمه من قدم لأخرى في حركة بطيئة متزنة لا تُرهق أبدا ولا تقطع النفس؛ شعر بالدماء تتدفق عبر قدميه و ذراعيه، و بداخله أخذ عنفوان جسده يتعالى إلى الحد الذي جعله يصرعلى أسنانه بقوه ليكبت رغبة محمومة في الصراخ بنشوة النصر.

ما لبث أن غادر الجزء المحروث من المرج، بدت الشجيرات منخفضة و سوداء من خلفه، وتراءى له أمامه بحيرة ضحلة و أفدنة مفتوحة من العشب الطويل الباهت ترسل بصيصا غائرا من الضوء إلى السماء الملساء، وعلى مقربة منه انحنت حزم العشب المجزوز المثقلة بالماءو تلألأت القطرات الماسية على كل سعفة منها.

استيقظ الطائر الأول وعلى الفور انطلق سرب من الطيور في الهواء مغرَدًا بصخب مؤذنا بقدوم النهار؛ و فجأة استيقظ المرج من خلفه على أغنية؛ استطاع أن يسمع غرغرة الدجاج الحبشي على بعد، هذا يعني أنهم يطيرون الآن من أشجارهم إلى الأعشاب الكثيفة، كان من أجلهم أتى لكنه تأخر كثيرًا، لم يبال إذ نسي أنه قد أتى للصيد. باعد بين ساقيه و تأرجح من قدم لأخرى، و أدار بندقيته إلى أعلى وأسفل في نوع من التمرين المرتجل، ثم أرسل رأسه إلى الخلف حتى توسدت عضلات رقبته و أخذ يراقب السحب الوردية الصغيرة تسبح في بحيرة من الذهب.
فجأة اعتمل كل هذا في داخله: كان شيئا لا يحتمل، وثب عاليا في الهواء وهو يصيح و يهتف في جلبة وحشية مبهمة، ثم أخذ يركض ولكن ليس بحذر هذه المرة إنما بطيش كشيء جامح، كان مجنونا خالصا يصرخ في ولَه لغبطة العيش وفيض الشباب، أسرع الفتى أسفل البحيرة الضحلة في مهرجان من الألوان القرمزية والذهبية بينما أخذت كل عصافير العالم تغني من حوله، ركض بخطوات واسعة واثبة و صاح بينما يركض، شاعرًا بجسده يعلو في الهواء المندفع المنعش ثم يعود بثقة على قدمين راسختين، وفكر لوهلة غير مصدق أن شيئا كهذا يحدث له، قد يعرض كاحله للكسر في أية لحظة في هذا العشب الكثيف المتشابك. طوى المرج واثبا فوق الصخور كما لو كان ظبيا صغيرا ؛ وأخيرا وصل إلى طريق مسدود تنحدر فيه الأرض بحدة من أسفله نحو النهر؛ لقد ركض لميلين عبر أعشاب يصل طولها إلى خصره، وقد كان يتنفس بصوت مبحوح ولم يعد يستطيع الغناء.. اعتلى صخرة و نظر إلى أسفل نحو مساحات الماء التي التمعت عبر الأشجار المثنية ثم فكر فجأة: أنا في الخامسة عشرة! الخامسة عشرة!
بدت الكلمات جديدة له؛ فأخذ يرددها بتعجب، و بحماس مفعم؛ تحسس سنوات عمره في يديه كما لو كانت كل واحدة منها حصاة رخامية مشرقة ورائعة: هذا ما هو عليه: خمسة عشر عامًا من هذه التربة الغنية، وهذا الماء المتدفق بمهل، والهواء المفعم برائحة التحدي سواء كان قائظا و خانقا قبل الغروب، أو كان -كما هو الآن- منعشا خفيفا كالماء البارد.
لم يكن هناك شيء يعجز عن فعله، لا شيء!
أتته رؤية وهو يقف هناك، كطفل يسمع كلمة "الخلود" و يحاول أن يفهم معناها فيستحوذ معنى الزمن على عقله. استشعر الحياة أمامه كشيء رائع و عظيم؛شيء ملكه؛ وقال بصوت عال والدماء تندفع نحو رأسه: كل عظماء العالم كانوا مثلي الآن وليس هناك شيء ما لا أستطيع أن أصيره، لا شيء لا أستطيع القيام به؛ لا توجد دولة في العالم لا أستطيع أن أجعلها جزءا مني لو أردت. أنا أحتوي العالم. بإمكاني أن أصنع به ما أشاء لو أردت.
أستطيع أن أغير كل شيء سيحدث: الأمر عائد لي ولما أقرره الآن.
الإصرار والصدق و الشجاعة فيما كان صوته يقوله أبهجتْه فعاد يغني مجددا بأعلى صوت له، تردد صدى صوته في باطن النهر، كان يتوقف لسماع الصدى ثم يغني مجدّدًا: يتوقف ثم يصيح. هذا ما كان الأمر عليه! ـــ يغني إذا أراد وعلى العالم أن يجيب.
توقف هناك لدقائق، يصيح و يغني منتظرا رجع الصوت المموج الجميل؛ حيث تأتي مرة أخرى أفكاره الجديدة القوية وتتدافع في رأسه، كأن أحدهم يجيبه ويشجعه، حتى امتلأ ممر النهر بأصوات ناعمة تصطدم ذهابا و إيابا من صخرة إلى أخرى فوق النهر.
فجأة بدا و كأن هناك صوت جديد؛ أرهف السمع و أصابته الحيرة فالصوت لم يكن صوته! مال إلى الأمام و قد تحفزت أعصابه و لكن جوارحه ظلت ساكنة تماما..في مكان ما بقربه كانت هناك ضوضاء ولكنها ليست لطائر مغرد، ولا لهدير الماء الساقط، ولا لحركة الماشية المتثاقلة.
هاهو الصوت مجدّدًا. في الصمت العميق للصباح الذي يخبئ مستقبله وماضيه، كان صوت ألم، وتكرر مرارا ومرارا: كان عبارة عن صرخات قصيرة كما لو أن أحدا ما أو شيئا ما ليس لديه نفس ليصرخ، تنبه ونظر من حوله مناديا الكلاب، لكنها لم تظهر، كانت قد رحلت لشأنها و أصبح هو وحيدًا.
هو الآن متزن تماما، و قد ذهب الجنون كله، قلبه ينبض بسرعة بسبب هذا الصراخ المذعور،
نزل من على الصخرة بحذر وتوجه ناحية سياج من الأشجار ، كان يسير بحرص فمنذ وقت ليس ببعيد شاهد فهدا في هذه البقعة تماما.
توقف عند حافة الأشجار وأمعن النظر وهو يمسك البندقية متحفزا؛ تقدم و هو ينظر حوله بثبات وضاقت عيناه، ثم و مرة واحدة في منتصف سيره ترنح و ظهرت على وجهه ملامح الذهول، هز رأسه غير مصدق لما تراه عيناه.

هناك، بين شجرتين، على خلفية من الصخور السوداء الصغيرة كانت هناك صورة بدت قادمة من حلم، حيوان غريب لديه قرون و ساقه مضرجة بالدماء، ولكنه كان شيئا لم يسبق له أبدا تخيله من قبل. كانت حالته رثة و بدا كظبي صغير أشعث لديه خصلات وبر سوداء تقف مبعثرة على جسده بأكمله، بالإضافة إلى رقع صغيرة من اللحم المسلوخ بالأسفل.. ولكن الرقع المسلوخة كانت آخذة في الاختفاء تحت شيء أسود يذهب و يأتي مجددا في كل مكان.. طوال الوقت كان الحيوان يصرخ صرخات قصيرة لاهثة و يتحرك مترنحا من جنب إلى آخر و كأنه أعمى.
ثم فهم الفتى: إنه ظبي بالفعل، ركض إليه مقتربا لكنه توقف مرة أخرى ، أوقفه خوف جديد؛ من حوله كان العشب يهمس كما لو كان حيا.
تلفت بقوة حوله ثم أسفله. الأرض كانت سوداء بالنمل، عدد هائل من النمل النشيط لم ينتبه لوجود الفتى، ولكنه كان يسرع ويهرع نحو الجسم الذي يصارع، كماء أسود ملتمع يسيل على العشب.
و إذ هو واقف يتنفس، والشفقة والذعر يسيطران عليه سقط الحيوان وتوقف الصراخ، .. الآن لا يستطيع سماع شيء سوى عصفور وحيد يغرد، و صوت حفيف و همس النمل.
حدق حوله في السواد الملتوي الذي يهتز بشكل تشنجي مع انتفاض الأعصاب مع الحشرجة الأخيرة، ثم بدأ يهدأ.. كانت هناك انتفاضات ضعيفة من الكتلة التي أصبح من الصعب تمييز أنها لحيوان صغير.
خطر إلى ذهنه أنه يتوجب أن يطلق عليه النار و ينهي آلامه؛ رفع بندقيته ثم خفضها مجددا فالظبي فقد إحساسه وصراعه كان مجرد مقاومة ميكانيكية للأعصاب، ليس هذا ما دفعه لإعادة سلاحه، لقد كان شعورا متعاظما من الغضب والبؤس والاحتجاج الذي انعكس على تفكيره:
إذا لم آت لكان مات هكذا فلم يجب علي التدخل؟ في كل مكان في الدغل تحدث أشياء كتلك؛ إنها تحدث طوال الوقت؛ الحياة تسير على هذا المنوال، الكائنات الحية تموت في ألم ومعاناة. قبض على سلاحه بين ركبتيه وأحسّ في أعضاء جسده هو ألمًا رهيبًا متزايدًا؛ ألم الظبي المتشنج الذي فقد قدرته على الإحساس، جز على أسنانه وردد مرارا وتكرارا في صوت مكتوم: لا أستطيع أن أوقف هذا الأمر.. لا أستطيع..لا شيء بوسعي أن أفعله.
أراحه أنه لم يكن يتوجب عليه أن يتخذ قرارا بقتله، خاصة و ذاك الشعور يسري في كل جسده: "هذا ما يحدث .. هكذا تسير الأمور.. لقد كان صوابا"
هذا ما شعر به؛ ما يحدث صحيح ولا شيء يستطيع أن يغيره.
إدراكه للفناء، و لما يجب أن تكون عليه الأمور سيطرا عليه وللمرة الأولى في حياته كان غير قادر على القيام بأدنى فعل للعقل أو الجسم عدا أن يقول: " نعم نعم، هذه هي الحياة".
توغل هذا الإدراك في لحمه و عظامه و تضخم في الزوايا الأبعد من عقله غير عازم على تركه أبدا، وفي هذه اللحظة لم يكن بإمكانه أن يقوم بأدنى فعل من الرحمة، فهو يعرف - كونه قد عاش فيه طوال حياته -؛ المرجَ الشاسع القاسي الذي لا يتغير، حيث في أي لحظة في ليلة ما قد يتعثر أحدهم فوق جمجمة أو يسحق هيكلا عظميا لحيوان صغير.
شاعرًا بالمعاناة، شاحبا وغاضبا ولكنه أيضا راضيا على نحو ما برزانته و هدوئه، وقف هناك متكئا على بندقيته مراقبا الكتلة السوداء المهتاجة تصغر شيئا فشيئا.. عند قدميه الآن كان النمل يتقاطر عائدا بفتات وردي في فمه، وكانت هناك رائحة لاذعة في فتحتي منخاره. تحكم بصعوبة بالعضلات المتشنجة بلا جدوى لمعدته الخاوية مذكرا نفسه: على النمل أن يأكل كذلك! ومع هذا وجد دموعه تنساب على خديه، وملابسه قد تشبعت بعرق ألم هذا الكائن الآخر.
الكتلة كانت قد زادت صغرا الآن، تبدو كشيء لا يمكن التعرف عليه، لم يعلم كم مر من الوقت قبل أن يرى طبقة السواد الرقيقة انقشعت والعظام البيضاء ظهرت ولمعت تحت ضوء الشمس .. نعم بالفعل، لقد كانت الشمس هناك، في الأعلى تتوهج فوق الصخور. عجبا لم يستغرق الأمر برمته سوى بضع دقائق.
بدأ يسب كما لو أن قصر الوقت كان في حد ذاته أمرا لا يحتمل، مستخدما الكلمات التي كان يسمع والده يقولها.
تقدم للأمام بخطى واسعة، ساحقا النمل مع كل خطوة و نافضا إياهم من على ملابسه، حتى وقف في محيط الهيكل العظمي الذي يرقد ممدّدًا تحت شجيرة صغيرة، كان قد تآكل تماما، ربما ظنه البعض يرقد هنا منذ سنوات لولا وجود الفتات الوردي للغضروف، وحول العظام كان النمل ينحسر مبتعدا وقد ملأ مخالبه باللحم.
نظر إليهم الفتى ، حشرات سوداء كبيرة وقبيحة، بعضهم كان يقف محدقا لأعلى فيه بعيون صغيرة لامعة.
"اذهبي بعيدا!" قالها للنمل ببرود شديد. "أنا لست لك- ليس بعد على أية حال، اذهبي بعيدًا." هيئ له أن النمل سمع كلامه و دار مبتعدا .
انحنى فوق العظام ولمس تجاويف الجمجمة،هنا كانت العينان، قالها في نفسه متعجبا، متذكرا عين الظبي التي كانت داكنة و رقراقة. ثم ثنى قصبة الساق الأمامية التحتية، مؤرجحا إياها يمنة ويسرة براحة يده.
هذا الصباح، منذ ساعة مضت ربما، هذا المخلوق الصغير كان يخطو في خيلاء و حرية عبر المرج، شاعرا بقشعريرة برد على جلده كما شعر هو تماما و انتعش بها. يسير على الأرض بخيلاء وهو يحرك قرونه ويهز ذيله الأبيض الجميل في مرح، مستنشقا هواء الصباح البارد، و يجوب أنحاء المرج ملكيته كالملوك والغزاة، حيث كل نصل للعشب ينمو منفردا من أجله وحده، وحيث النهر يُجري ماء رقراقا صافيا ليرتوي منه. ثم ما الذي حدث؟ شيء سريع واثق الخطى لا يُعقل قطعا أن يقع فريسة لسرب من النمل.
انحنى الفتى بفضول على الهيكل العظمي، ثم رأى أن الساق الخلفية العلوية تمزقت في وجه الموت العصيب، قد انقصمت في منتصف الفخذ مما جعل العظام المكسورة تنتأ فوق بعضها في مشهد مريع. حسنا هذا ما حدث! نعم هذا هو! مشى الظبي وهو يعرج إلى كتل النمل و لم يستطع الهرب فور شعوره بالخطر. حسنا و لكن كيف كسرت ساقه؟ ربما سقط؟ لكن مستحيل فالظباء تتميز بخفة حركتها ورشاقتها الشديدة، هل نطحه قرين حقود؟
ما الذي يمكن أن يكون قد حدث؟ ربما ألقى بعض الأفارقة عليه الحجارة كما يفعلون دوما للحصول على اللحم فأصابوا ساقه. نعم بالتأكيد هذا ما حدث.
بينما كان يتخيل جماهير السكان الأصليين وهم يركضون و يصيحون، والحجارة المتطايرة و الظبي يركض سريعا، قفزت صورة أخرى إلى مخيلته، رأى نفسه في أي صباح من تلك الصباحات المشرقة منتشيا بالإثارة، يحاول أن يحدد موقع ظبي لا يستطيع رؤيته بالكامل، رأى نفسه و قد أخفض بندقيته متسائلا إذا كان أصابه أم لا، مقررا في النهاية أن الوقت قد تأخر و عليه أن يلحق الإفطار، والأمر لا يستحق الوقت الذي سيتتبع فيه لأميال حيوانا من المرجح جدا أنه قد هرب منه.
للحظة لم يرد أن يواجه الأمر . إنه ليس سوى فتى صغير مجددا، يركل متجهما الهيكل العظمي و قد نكس رأسه في رفض لتقبل المسؤولية.
عدل قامته و نظر نحو العظام وعلى وجهه تعبير غريب من الحيرة، لقد استنفذ كل الغضب بداخله، وعقله الآن خاوي تماما، كل ما يستطيع أن يراه حوله سرب النمل و هو يختفي بين الأعشاب، والضوضاء الهامسة وذلك الطنين يضعف كحفيف جلد ثعبان.
أخيرا التقط سلاحه و سار نحو المنزل، أخبر نفسه بشيء من التحدي محاولا أن يقنع نفسه بأنه يريد تناول إفطاره، وأن حرارة الجو آخذة في الارتفاع لدرجة لا يمكن معها التسكع في المرج.
أما الحقيقة فلقد كان متعبا حقا، سار بثقل دون أن ينظر إلى موضع قدميه، وقبل أن يرى منزله توقف عاقدًا حاجبيه. هناك شيء عليه أن يمعن فيه التفكير. إن موت هذا الحيوان الصغير أمر متعلق به، و لم ينته منه إطلاقا، وهو الآن يقبع -متململا- خلف عقله بشكل مزعج.
و بحلول الصباح الثاني سوف ينعزل عن الجميع و يذهب إلى المرج ليفكر في الأمر.
___________________________________
* فيلد: حقول الرعي في جنوب أفريقيا

الأحد، 24 مارس 2013

عن المتنبي

اليوم قام موقع الألوكة بنشر مقالي عن المتنبي وقصيدته الشهيرة: خير جليس في الزمان كتاب


ولهذا أقوم بإرفاق إلقائي للقصيدة (حوالي 6 دقائق) بالإضافة لرابط المقال
وأظنك سترى المتنبي في صورة جديدة عليك، مختلفة عن الأسلوب الجاف التعليمي الذي تتعامل الكتب المدرسية به مع قصائده

رابط التحميل

مقال عن المتنبي وقصيدة: خير جليس