مركز الفعل الوقائي
Center for Preventive Action
التخطيط للطوارئ المحتملة (المذكرة رقم 4)
CONTINGENCY PLANNING MEMORANDUM NO. 4
الاضطراب السياسي في مصر
Political Instability in Egypt
Steven Cook
August 2009
(( مذكرة أصدرها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي CFR في أغسطس 2009 بخصوص التعامل مع احتمالية الثورة في مصر، وسيناريوهات سقوط النظام، وتولي المجلس العسكري السلطة، ودخول الإسلاميين كقوة سياسية، وظهور شخصية سياسية إسلامية لها شعبية وكاريزما تجمع الشعب حولها.. مع بحث آثار كل هذا على مصالح أمريكا في المنطقة ))
http://i.cfr.org/content/publications/attachments/CPA_contingencymemo_4.pdf
مقدمة
هذه المذكرة الخاصة بالتخطيط للطوارئ المحتملة ستقدّر احتمالية حدوث اضطراب سياسي حاد في مصر، وتبحث الوسائل التي قد تتبناها الولايات المتحدة لتساعد في منع الآثار غير المستحبة لمثل هذه الأزمة، أو على الأقل احتواءها لتقليل الضرر الناتج عنها.
يعتقد معظم المحللين أن النظام المصري الحالي سيخطو متثاقلا عبر سيل التحديات الذي يواجهه وسيستمر إلى ما لا نهاية. وهذا التقدير مبني على أربعة أسباب مترابطة هي:
أولا: أن النظام الحالي القائم منذ ما يقارب الستين سنة أثبت مقاومة مثيرة للعجب وثبات في مواجهة عدة أزمات (هزيمة حربية - ركود اقتصادي - اغتيال سياسي) فضلا عن أنه مستمر في محافظته على قدر كاف من السلطة القهرية يضمن بقاء النظام.
ثانيا: لا تُظهر أي من المكونات الأساسية للنظام أية بادرة للانفصال عنه، بما في ذلك كبار رجال الأعمال، وجهاز الأمن الداخلي، والجيش، والمثقفون التابعون للحكومة، وقطاع الأعمال الحكومي (البيروقراطية الوظيفية).
ثالثا: النشاط السياسي في مصر يظل مقصورا على طبقة النخبة، حيث لم يشارك غالبية المصريين من قبل في معارضة سياسية واسعة النطاق.
وأخيرا، فمع وجود حالة من انعدام الفرص، وتدهور متسارع للأحوال الاقتصادية مما يؤثر على العديد من المصريين، إلا أن الشكوى والتذمر لم يُترجما بعد إلى مطالب سياسية محددة.
السيناريوهات المحتملة للأزمة
مصر هي حليف صعب - لكن هام - للولايات المتحدة. فقد يسرت تكوين ترتيب في المنطقة يجعل ممارسة أمريكا لسلطاتها قليلة التكلفة بدرجة كبيرة (كما هو حال السعودية، الأردن، المغرب، دول الخليج الصغيرة). وعلى هذا فحدوث اضطراب حاد في مصر سيؤثر على قدرة واشنطن على العمل بفاعلية في الشرق الأوسط.. كأن تطلب البحرية الأمريكية إذنا سريعا بعبور سفنها الحربية لقناة السويس، أو يطلب البيت الأبيض تأييدا دبلوماسيا في إتمام اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أو أن تطلب المخابرات تعاونا في مسائل مكافحة الإرهاب. وبشكل عام، فإن القاهرة على مر التاريخ قد أمدت واشنطن بالغطاء السياسي اللازم للولايات المتحدة كي تحقق أهدافها في المنطقة.
وتدخل مصر الآن فترة انتقال سياسي. الرئيس حسني مبارك يبلغ من العمر 81 سنة، وتشير التقارير لتعدد مشاكله الصحية. ابنه جمال ذو الـ 46 سنة تتم تهيئته بالفعل لخلافة أبيه. كيفية وتوقيت نقل السلطة يبقيان غير واضحين. والأهم من هذا هو أن عملية التوريث قد تواجهها صعوبات. فبالفعل توجد عدة أطراف - من داخل وخارج النظام - تناور لتحسن مراكزها بعد أن يترك مبارك المشهد. وبالإضافة لكل ذلك، فما يحدث يتم وسط مناخ من الأحوال الاجتماعية والظروف الاقتصادية المتدهورة التي فاقمها الكساد العالمي.
إنها بيئة مهيئة لأن تقوم المعارضة الإسلامية المصرية بدفع أجندتها المناهضة للنظام وأن تسعى للحصول على سلطة سياسية.
ولهذا ففي حين تبدو مصر ظاهريا مستقرة، إلا أن احتمال تصاعد الغليان السياسي والانهيار المفاجئ على المدى القصير (من 6-18 شهرا) لا يجب أن يستبعد بسرعة.
هناك سيناريوهان ممكان لانعدام الاستقرار في مصر:
1) أن يتدخل الجيش نتيجة لعملية توريث جوبهت بالرفض
2) سعي إسلامي نحو السلطة
اضطراب في انتقال السلطة - ودخول الجيش في المشهد
هناك سيناريوهان رئيسان يمكن فيهما أن يتدخل الجيش المصري في عملية اختيار الرئيس.
الأول: يحتمل أن تصعّد الإجراءات الدستورية جمال مبارك أو شخصا آخر لمنصب الرئاسة، لكن قد يفشل الرئيس الجديد في استخدام سلطته بحكمة. فوجود قائد ضعيف نسبيا وغير قادر على إدارة مكونات النظام المتنافسة، ولا على الاستجابة للتحديات التي تواجه مصر، يمكن أن يدفع بالبلد نحو الهاوية. وعندما تزداد المعارضة الشعبية والنخبوية للرئيس الجديد فيحتمل أن تقوم أجهزة الأمن (الداخلية) بالسيطرة على إدارة البلد لتمنع اتساع دائرة عدم الاستقرار. وحيث أن وزارة الداخلية المصرية لا يُعرف عنها الحذق ولا خفة اليد في المعاملة، فمن المحتمل جدا أن تفرط في استخدام القوة وتجعل الأمور تزداد سوءا، أو ربما تثبت فشلها في التعامل مع تحدي منظم/منسق.. مما سيجبر الجيش على التدخل.
الثاني: يمكن أن يقوم الجيش المصري بانقلاب على الرئيس إن قرر الجيش أن اختيار (جمال) أو أي مدني آخر للرئاسة هو أمر يهدد الصلة المؤسسية الهامة - غير المكتوبة - بين القوات المسلحة والرئاسة.
وهذه المخالفة الصريحة لـ (عملية انتقال سلطة كانت قد تمت وفق الشكل الدستوري) قد تشعل شرارة حركة معارضة واسعة النطاق.
وهذا التهديد لمنظومة الدولة سيعطي - بدوره - تبريرا إضافيا للجيش أن يستمر مشاركا في الساحة السياسية.
مؤشرات تحذيرية (قد تسبق هذا السيناريو)
أحد المؤشرات البسيطة على الاستقرار - أو عدم الاستقرار - هو عدد المتظاهرين في الشوارع. فالتظاهرات في حد ذاتها لا تشير لعدم استقرار سياسي، إذ خرج آلاف المصريين في الماضي إلى الشوارع دون أن يتقوض النظام. ومع هذا، فوقوع مظاهرات على نطاق واسع ردا على عملية انتقال السلطة من الممكن أن يهدد النظام.
موشر آخر أوضح هو أن يحدث أي تأخير في إعلان الجيش لولائه للرئيس الجديد.
وفي الحقيقة، فإن الجيش إن واجه الرئيس فيحتمل ساعتها أن تفعل مكونات النظام الأخرى نفس الشيء. ومثل هذا الاضطراب قد يكون مقدمة لتداعي النظام.
الآثار المحتملة (لهذا السيناريو) على المصالح الأمريكية
سيؤثر تدخل الجيش على المصالح الأمريكية بطريقتين رئيسيتين. أولا: الضغوط السياسية من قبل (جماعات حقوق الإنسان، نشطاء الديمقراطية، أعضاء الكونجرس) على الإدارة الأمريكية لتعاقب الجيش المصري ستكون ضخمة وصعب مقاومتها. وسيتبع الإجراءات العقابية بالضرورة إجراءات مضادة من القاهرة، مما سيصعب من استمرار المصالح الأمريكية ( تيسير نقل القوات الأمريكية إلى المنطقة وحولها، خلق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، استمرار علاقات التعاون المخابراتية)
ثانيا: من المتوقع أن يتركز اهتمام حكام مصر العسكريين الجدد على تثبيت سلطتهم وليس على مساعدتهم للولايات المتحدة. وكنتيجة لهذا فلن يعد في مقدور واشنطن أن تعتمد على القاهرة في أخذ مبادرات يرفضها المصريون شعبيا. ومن أبرز هذه المسائل الصور المختلفة للتعاون الأمني مع كل من أمريكا وإسرائيل.
لكن في النهاية، ومع كل هذا، فإن تدخل الجيش لن يمثل ضربة كارثية لمصالح أمريكا في المنطقة. فعلى الرغم من احتمال سوء العلاقة مؤقتا كما هو موضح بالأعلى، إلا أن واشنطن لديها خبرة في التعامل مع الانقلابات العسكرية، وستوفق أوضاعها مع القيادة الجديدة لمصر بسهولة نسبية.
خيارات الولايات المتحدة لمنع وقوع أزمة انتقال سلطة
الخيارات التي يجب على المسؤولين الأمريكان اعتبارها في سعيهم لمنع أزمة انتقال سلطة في مصر تعتمد على الأهداف العامة للسياسة الأمريكية. فإن اعتقد المسؤولون الأمريكان أن أفضل سياسة لتحقيق مصالح الولايات المتحدة في مصر والشرق الأوسط هي مبنية على "الاستقرار التسلطي"، إذن فأسلوب التعامل لمنع الأزمة يجب أن يسعى لاستمرار النظام السياسي الحالي. فعلى الرغم من أن واشنطن ستدعم في العلن انتقالا "شرعيا" للسلطة، إلا أنها ستدعم في الخفاء الانتقال الذي يمثل أفضل فرص استمرار حقبة حسني مبارك تحت حكم خلفه.
وعملا على الوصول لهذه الغاية، يجب على الولايات المتحدة أن:
1) تستمر في برنامج المساعدات المقدمة لمصر (المعونة)، وخاصة الـ 1.3 مليار دولار المخصصة لتحديث الجيش المصري.
2) تقديم المزيد من المساعدات المالية والتدريب بما يدعم قوة الحكومة على مقاومة وإخماد التحديات الداخلية.
3) البدء في مفاوضات اتفاقية تجارة حرة مع القاهرة، مما سيحسن المطامح الاقتصادية المصرية ويعمل أيضا كإشارة على دعم واشنطن للنظام السياسي الحالي
4) إعلام القادة العسكريين المصريين ومنظمات الأمن الدولية - سرا - أن واشنطن تدعم بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه.
لكن لو قرر المسؤولون الأمريكان أن الوضع الراهن يصعب الحفاظ عليه، فساعتها يجب استخدام استراتيجية مغايرة لما سبق، لتشجيع التغير الديمقراطي في مصر. ومثل هذه الاستراتيجية الداعية لوجود تغيير ديمقراطي تبدأ بـ:
- تُعلم الولايات المتحدة القيادة المصرية الحالية، سرا وعلانية، وبوضوح تام، أن واشنطن ترى ضرورة أن تُعتبر عملية انتقال الحكم في مصر - على المستوى المحلي والدولي - عملية شرعية. أي أن المصريين تم إعطاؤهم فرصة اختيار زعيمهم القادم وسط بيئة غير معلومة النتيجة مسبقا ودون أن يتم تغييرها (أو التلاعب بها) فيما بعد. وعلى المسؤولين الأمريكيين أن يوضحوا أيضا أن استمرار أجزاء من برنامج المعونة الأمريكية سيكون متوقفا على مدى شفافية وعدالة عملية انتقال القيادة.
- ومن الطرق الأخرى لدعم انتقال شرعي للسلطة، توسيع المشاركة المصرية في برنامج (التدريب العسكري الدولي). فالولايات المتحدة تخصص حاليا حوالي 1.3 مليون دولار للبرنامج الذي يسعى لـ: توفير التطوير التقني للقوات المسلحة المصرية، وبناء تفاهم مشترك بين أمريكا ومصر، ومساعدة مصر في اكتساب الخبرات الضرورية لمهام حفظ السلام حول العالم. وعلى المنهج التدريبي أن يشمل التأكيد على حقوق الإنسان والحكم الديمقراطي كما تم سابقا مع برنامج قصير لتدريب الشرطة، وعلى الميزانية أن تزداد لتشمل عددا أكبر من الضباط المصريين. وبالإضافة لذلك، على واشنطن أن تستمر في عملها مع الحكومة المصرية والمنظمات غير الحكومية لتحسين الإجراءات الانتخابية المصرية وبخاصة توسيع نطاق الإشراف القضائي والمشرفين المستقلين المراقبين للانتخابات الرئاسية.
خيارات السياسة الأمريكية للتعامل مع الأزمة (إن وقعت)
ستكون أمام الولايات المتحدة خيارات قليلة إن قرر الجيش المصري تنصيب مرشحه الرئاسي الخاص أو إخماد الانشقاق الداخلي. فتدخل الجيش سيعكس حقيقة أن حسابات العسكريين وصلت بهم لاعتقاد مفاده أن مصالحهم الأساسية صارت في خطر. ولا يوجد أي قدر من الإغراءات أو التهديدات يمكن أن تجبر به واشنطن الجيش على العودة لثكناته. حتى التهديد بقطع الـ 1.3 مليار دولار الخاصة بالمعونة الأمريكية بالقوات المسلحة لن يفلح غالبا في إثناء الضباط عن قرارهم.
إلا أنه على واشنطن أن تعمل على تخفيف الضرر الناتج عن فِعل العسكر. وسعيا لتحقيق هذا الهدف، ينبغي على كبار القادة العسكريين الأمريكان استغلال صلاتهم بنظائرهم من قادة القاهرة ليفهموا بشكل أفضل نوايا القادة المصريين، وليقدموا النصح بخصوص كيفية الحد من سفك الدماء، وتقديم النصائح والحلول السياسية لمسألة انتقال السلطة المنازع في شرعيته، ولتقديم الاقتراحات حول متى وكيف سيكون على الضباط التخلي عن السلطة.
وعلى الضباط العسكريين الأمريكان أيضا أن يشرحوا لنظائرهم المصريين أنه من المحتمل جدا أن يتم الضغط سياسيا على الرئيس الأمريكي ليشجب تدخل الجيش، وأن الانتقاد الشعبي الموجه من أمريكا وغيرها سيكون حادا، وأن أعضاء في الكونجرس سيطلبون تمرير قوانين بقطع المعونة عن مصر.
توجه إسلامي للحصول على سلطة سياسية (السيناريو الثاني)
على الرغم من أن سيناريو الاستحواذ الإسلامي هو احتمال مستبعد، إلا أنه لو حدث فسيكون سببه الانحدار البطئ والطاحن لنوعية الحياة التي تعيشها أغلبية المصريين. فمع أن ممثلي الحكومة يتباهون بمعدل نمو الناتج الإجمالي المحلي 7%، ومستويات غير مسبوقة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وموقع مصر الحيوي ضمن الأسواق المتنامية، فإن الإسلاميين يكشفون واقعا مغايرا يتمثل في فساد الدولة وانعدام الكفاءة الحكومية والإهمال واتساع خارق في الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
هذا غير أن موت 1700 مواطن مصري منذ 2002 في حوادث متنوعة كان يمكن تجنبها (كحوادث قطارات وطائرات وعبّارات وكوارث طبيعية) تبرز بشكل ظاهر تهاوي البنية التحتية المصرية. فعلى سبيل المثال، عندما وقع حادث انهيار صخري بمنطقة الدويقة بالقاهرة أوائل سبتمبر 2006 أسفر عن دفن السكان تحت الأنقاض ومقتل مائة منهم، استغرقت طواقم الإنقاذ عدة ساعات للوصول للمكان. وتشير التقارير الصحفية أن ضباط الشرطة وقوات الأمن المركزي وصلت قبل هذا بفترة كبيرة لضبط الحشود، وتجاهلت استغاثات السكان وطلبات المساعدة.
والغالب هو أن يرد النظام الحالي بعنف على أي تحدي يأتي من الإسلاميين، إلا أن استخدام القوة قد يرتد على النظام نفسه. فالأحداث عبر الخمس سنوات السابقة فعلت الكثير مما قوّض الإحساس الشامل بالخوف الذي يسري في المجتمع المصري، على الرغم من المحاولات المستميتة من القيادة لإعادة بناء هذا الشعور العام الرادع.
فمن المحتمل جدا أن يتجمع المصريون - كما فعل ملايين الإيرانيين في يونيو 2009 حين خرجوا للشوارع محتجين على تزوير الانتخابات - حول شخص ذي "كاريزما" يحمل رؤية بديلة للمجتمع تثير الإعجاب. وتحت مثل هذه الظروف فإنه من غير الأكيد أن يكون لدى قادة مصر العسكريين العزم على قتل الأعداد الضخمة للمتظاهرين، على الرغم من إلتزامهم بحفظ الثبات المجتمعي، وولائهم للنظام السياسي الحالي.
ومع إن مصر لديها حماية عسكرية خاصة بالرئيس (حرس جمهوري) فإنه لا يملك قوات خاصة تماثل ما لدى إيران (الحرس الثوري) أو ميليشيا (الباسيج) متشربة بحماس عقائدي أيدلوجي.
وفي حالة توجيه النظام ضربة (أي: ضد الصعود الإسلامي) فقد يؤدي هذا لظهور فصائل مسلحة مستعدة للصدام مع النظام القائم الذي فقد وجوده معناه عندهم. وهذا سيؤدي لعودة منظومة (التطرف والقمع) التي أنتجت العنف في التسعينيات. ومع حدوث دورة جديدة من الصراع بين إسرائيل وحماس - على سبيل المثال - تقوم مصر فيها كالعادة بالتأييد الضمني للإسرائيليين، فقد يساهم هذا في عودة الفكر المتطرف لمصر.
والحق أنه وإن كانت الداخلية قد نجحت سابقا (في آخر التسعينيات) في الانتصار على المتطرفين الإسلاميين، فحدوث نفس الشيء في المستقبل أمر غير أكيد. مما قد يضع مصر في صراع داخلي طويل الأمد وحرب أهلية بين المتطرفين الإسلاميين والدولة.
مؤشرات تحذيرية (قد تسبق هذا السيناريو)
كما هو مذكور سابقا، فالمظاهرات الشعبية يمكن أن تكون مؤشرا على تزايد حالة عدم الاستقرار، خاصة لو كان سببها هو الاقتصاد والمستوى المعيشي المتدني. وهناك مؤشر تحذيري هام آخر هو ظهور قائد جديد (حَرَكي) من بين صفوف الإسلاميين بحيث يجذب قطاعا عريضا من المجتمع.
إن استطاع مثل هذا الشخص أن يقنع المعارضة المصرية المتفرقة أن تجتمع عليه، فالمرجح أن تكون النتيجة توجيه ضربة قمعية Crackdown أو وقوع حالة اضطراب، أو كليهما.
وأخيرا، وفي سياق حدوث تصاعد لقوة سياسية إسلامية، فإن دخول الجيش في مسائل كان قد تم إقصاؤه عنها في السابق (كأن يقوم بمسؤولية الأمن الداخلي مثلا) سيكون مؤشرا واضحا على قلق قادة الجيش بخصوص وضع التماسك المجتمعي.
الآثار المحتملة (لهذا السيناريو) على المصالح الأمريكية
في السنوات الأخيرة هذّب إسلاميو مصر من خطابهم وصار حديثهم ذا نغمة أكثر "إصلاحية". لكن على الرغم من هذا التطور فإن توجه الإسلاميين نحو السلطة لن يخدم غالبا مصالح الولايات المتحدة.
فمن المهم الإشارة إلى أنه على عكس سيناريو تدخل الجيش (في السياسة) - وهو أمر يمكن لأمريكا أن تقبله بل ربما تفضله فيما بعد - فإن استحواذ الإسلاميين على السلطة في مصر ستكون له عواقب كارثية على مصالح أمريكا في الشرق الأوسط. فالإسلاميون يعارضون كل أوجه السياسة الأمريكية تقريبا فيما يخص الشرق الأوسط. وأي اضطراب سينتج عن سعي الإسلاميين نحو السلطة سيحد بدرجة كبيرة من قدرة النظام على التعاون مع الولايات المتحدة.
إن حدث وأسقط الإسلاميون النظام، فانعكاسات هذا الأمر ستشاهد عبر المنطقة بأسرها. وقد تفقد الولايات المتحدة إمكانية عبور قناة السويس. وقد تلغي القيادة الجديدة معاهدة السلام الإسرائيلية-المصرية. وقد يتجرأ الإسلاميون في البلاد العربية الأخرى المتحالفة مع الولايات المتحدة، مما يعرض استقرار هذه المناطق للخطر.
خيارات الولايات المتحدة لمنع وقوع الأزمة
مرة أخرى نقول أن كيفية استجابة صناع السياسات بأمريكا لسيناريو سعي الإسلاميين نحو السلطة هو أمر يعتمد على أهدافهم العامة فيما يخص مصر. فإن كانت واشنطن تريد الاحتفاظ بالنظام التسلطي الحالي فعليها أن تستمر في جهودها التي بدأتها منذ ثلاثين سنة بغرض مساعدة المصريين على تحقيق النمو الاقتصادي وتكوين مؤسسات (اقتصاد سوق) حقيقية. وهذه السياسة متوافقة مع استمرار - وربما توسع - برنامج المساعدات الأمريكي لمصر، وتعميق العلاقات التجارية. فاتفاقية التجارة الحرة يمكن أن تعود على مصر بفوائد اقتصادية تقلل من احتمالية أن تكون المسائل المالية هي ما يشعل دوامة تظاهرات قد تؤدي لعدم الاستقرار.
وبالإضافة لذلك فعلى الولايات المتحدة والممثلين الدوليين الآخرين (كالاتحاد الأوربي واليابان والبنك الدولي) أن يستخدموا برامج المعونات ليساعدوا في التخفيف من وطأة الآثار السيئة الناجمة عن عدم كفاءة الحكومة المصرية، وأن يساعدوا في تطوير قدرتها على توفير الخدمات الأساسية. وعلى المساعدات أن تركز على المناطق الفنية كتطوير البنية التحتية والوقاية من الأمراض، والرعاية الصحية الإنجابية، والماء النظيف، وتخفيف حدة الفقر، والتعليم. وعلى واشنطن إيضا أن تعلن دعمها للنظام السياسي الحالي، بينما تعمل مع المخابرات المصرية وأجهزة الأمن الداخلية على مكافحة الجماعات الإسلامية.
هذا الأسلوب في التعامل سيبدد أية شكوك حول معارضة واشنطن لأن يحكم الإسلاميون، وسيدعم الثقة في النظام.
إلا أنه لو فشلت هذه السياسة فستواجه واشنطن صعوبة في تكوين علاقات ناجحة مع القاهرة إن وصل الإسلاميون للحكم.
أما أسلوب التعامل البديل فسيكون أن تساعد الولايات المتحدة المصريين على خلق شرعية هم في أمس الحاجة إليها، بحيث تكون مقاربة للقيم الأمريكية والمبادئ الديمقراطية. وهذا يستلزم بعضا من نفس الإجراءات الموضحة بالأعلى، لكن على أن يتم تطبيقها بصورة مشروطة وتبعا لمعايير.
وعلى هذا، تستمر الولايات المتحدة في تقديم الدعم للنظام الحالي، لكن تضغط عليه سرا ليرفع من شرعيته المحلية عن طريق إتباع أسلوب أفضل في الحكم، مع تحديد مقاييس للتغيير السياسي إن دعت الضرورة.
وعلى قائمة جهود واشنطن يجب أن تكون الرغبة في تقوية قدرة الدولة المصرية على توفير الخدمات الأساسية للمحتاجين.
وبالإضافة لعمل واشنطن مع القيادة، فعليها أن توسع من رقعة نشاطاتها مع المجتمع المدني المصري، سعيا لتشجيع ظهور حركات سياسية جديدة، وزيادة قدرة المنظمات غير الحكومية (NGO) على الضغط نحو مزيد من (محاسبة الحكومة) و(الشفافية).
ويمكن للولايات المتحدة أيضا أن تهتم بشكل إضافي بـ (برامج التدريب المشترك) التي تسهم في الرفع من احترافية العسكرية المصري (الجيش) وقوات الشرطة.
خيارات الولايات المتحدة في التعامل مع الأزمة (إن وقعت)
إن حدث وفشلت جهود الولايات المتحدة في الحد من احتمالية سعي الإسلاميين للسلطة والاضطراب المتوقع أن يتبع هذا، فسيكون أمام واشنطن خياران للتعامل مع الأزمة.
أولا: يمكن أن تنصح واشنطن قادة القوات المسلحة بأن يمسكوا بزمام الأمور في أيديهم، ليمنعوا الاستيلاء الإسلامي على السلطة.
والنتيجة - كما هو موضح بالأعلى - ستكون دموية غالبا، لكن تدخل الجيش سيحفظ نظاما لطالما كان محوريا للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. لكن على صانعي السياسات الأمريكية أن ينتبهوا إلى أن أفعال الجيش قد لا تجلب لمصر استقرارا طويل الأمد، إذ أنها تخاطر بحدوث رد فعل هجومي شعبي، وحالة راديكالية (أي: تغيير كلي) في السياسة المصرية، بما سينذر بعودة ظهور مجموعات متطرفة تستهدف الدولة وربما تستهدف أيضا الراعي الأساسي للنظام.. الولايات المتحدة.
ثانيا: أن تعمل الولايات المتحدة مع القوات المسلحة المصرية وأجهزة الأمن الداخلية لمنع سفك الدماء أو تزايد حالة الاضطراب. وتعتبر زيادة الاستثمار في برنامج IMET (التدريب العسكري الدولي) والتواصل بين جيشي البلدين أمرا أساسيا لتسكين حدة الاضطرابات. فهذه البرامج توفر في الغالب مخزونا احتياطيا هاما من "حسن النوايا" بين الضباط\المسؤولين الأمريكيين ونظرائهم الأجانب. وفي حال وقوع اضطراب حاد بمصر فإن هذه العلاقات ستصبح قنوات تواصل هامة يمكن أن تقدم واشنطن من خلالها النصح للمصريين، وتعرض المساعدة في منع تفاقم الوضع وتجنب سفك مزيد من الدماء.
أما في حال أن وصل الإسلاميون للسلطة في مصر، فستحتاج الولايات المتحدة لتقوية تحالفاتها مع الدول العربية الأخرى. وستحتاج أيضا إلى أن تخطو بحذر، موازنةً بين (سياسة إجبار) تضمن لها ألا تهدد مصر المصالح الأمريكية أكثر من هذا، و(سياسة ارتباط وتفاعل) تخفف من عواقب علاقة ستكون بالتأكيد قائمة على المواجهة.
توصيات
أخذًا في الاعتبار تعدد الاحتمالات وتنوع المعضلات السياسية التي تُطرح بخصوص مصر، فإنه على صناع السياسات أن يعملوا على أربعة محاور لتخفيف احتمالية (عدم الاستقرار) بمصر.
أولا: على واشنطن أن تقلل احتمالية أن تفاجئها أحداث غير متوقعة في مصر.
- يجب أن تزاد الموارد المخابراتية الموجهة لفهم الديناميكيات المصرية على أرض الواقع (سياسيا واجتماعيا واقتصاديا)
- يجب أن يزداد حجم وجود المخابرات الأمريكية بالقاهرة، وكذلك عدد المحللين المتقنين للغة العربية في مقر المخابرات بـ(لانجلي- ولاية فيرجينيا)، وأن يتم تكليفهم بتكوين فهم أعمق للمجتمع المصري. وأن يتم توجيه تقاريرهم المعلوماتية وتدريباتهم نحو التشكيك في الافتراضية المسبقة القائلة ببقاء نظام (الاستقرار التسلطي) إلى ما لا نهاية.
- على كبار صناع القرار أن يولوا عناية شديدة لتحليلات الدبلوماسيين الأمريكيين بالقاهرة لما لهم من أفضلية الوجود "على الأرض"، وما يقدمونه من نظرة فريدة لتطورات الواقع السياسي المصري.
- على الوكالات والأقسام الحكومية المعنية أن تبدأ التخطيط لاحتمالات طارئة تدور حول سيناريوهات تتوقع حدوث اضطرابات حادة.
ثانيا: على الولايات المتحدة أن تستمر - خفية - في تشجيع حدوث تغير سياسي إيجابي بمصر.
فإن كان النظام المصري قد حقق الاستقرار حتى الآن مستخدما القهر، إلا أن القوة الصريحة هي أقل وسائل السيطرة السياسية كفاءة.
وتشير الدلائل القوية إلى أن الغالبية العظمى من المصريين تريد أن تعيش في مجتمع أكثر انفتاحا وديمقراطية. وعلى الرغم من أن عمليات الانتقال إلى أنظمة سياسية منفتحة يمكن أن تكون عمليات مفعمة و"مشحونة"، إلا أن إقرار (دولة القانون والشفافية وتداول السلطة واحترام حقوق الإنسان) سيضمن الاستقرار أكثر مما تضمنه هراوة جهاز الأمن.
ثالثا: على واشنطن أن تستعمل المعونة لتساعد في تحسين مستوى حياة المصريين. ويعني هذا عودة الاستثمار في البنية التحتية المصرية، وبرامج الحد من الفقر، والحماية من الأمراض، وتكنولوجيا التعلم،. وعليها أيضا أن تكمل مسعاها الذي بدأته من ثلاثة عقود نحو تنمية الاقتصاد المصري وضم مصر داخل منظومة الاقتصاد العالمي.
رابعا: على صناع القرار أن ينتبهوا إلى أن السيناريوهين الموضحين بالأعلى ليسا على نفس الصفة.
فتدخل الجيش المصري يؤدي لمخاطر قصيرة الأمد للولايات المتحدة. وعلى العكس من ذلك، فإن دخول الإسلاميين بنجاح في السلطة سينتج عنه نقلة أساسية في نظام المنطقة مما سيمثل تهديدا أكبر بكثير للمصالح الأمريكية - من حيث الحجم والأثر - من الثورة الإيرانية نفسها.
إن وجهة النظر التي سادت لدى المحللين والمسؤولين الحكوميين لبعض الوقت، هي أن مصر مستقرة. لكن هذا الاستقرار لا يجب أن يؤخذ إطلاقا كأمر مفروغ منه. فهناك سيناريوهات متنوعة تبرز نتيجة لواقع البيئة المصرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية قد تؤدي إلى اضطراب حاد في حالة الاستقرار، أو حتى إلى (تحلل النظام).
وبالإضافة لكل ذلك، فإنه من الأهمية بمكان أن نشير لقلة عدد المحللين الذين يضمنون بقاء مصر مستقرة على المدى الزمني الطويل.
فـ ( التغير المناخي، التغير الديموغرافي السكاني، الاحتياج العالمي للطاقة، وتغيرات النظام الدولي خلال الـ 5-10 سنوات المقبلة) كلها تمثل تحديات هائلة وغير مسبوقة، لا جدال في أن الحكومة المصرية غير مهيئة للتعامل معها.
------------------
ترجمة (سلامة المصري) - SalafySanctuary
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق