السبت، 31 مايو 2014

التمهيد - أساطير الأولين

من الأمور التي استوقفتني طويلا أثناء تأليف كتاب «أساطير الأولين والديانات الباطنية» مسألة المقدمة!!
فمحتوى الكتاب، أقل ما يوصف به، أنه "غريب". والغرابة يجب التمهيد لها عند القارئ الذي لم يسمع عن الموضوع من قبل، وإلا نفر من الكتاب كله من البداية.
وحيث أن الكتابة الجيدة تعتمد على التأثير النفسي وموضع المعلومة وسياقها، فليس من السهل إطلاقا ترتيب الفصول بحيث تكون "تدريجية" في نقلها للقارئ من الأبسط إلى الأعقد، ومن البديهيات إلى الاستنتاجات. لهذا لا مفر من الانتهاء من عملية التمهيد قبل الدخول في فصول الكتاب نفسها!

وبالتالي يكون الخيار المنطقي هو كتابة مقدمة طويلة، تشرح كل ما أريد شرحه فيها، مع تهيئة القارئ لما سيأتي بعدها.
لكني أكره المقدمات الطويلة، لأني قبل أن أكتب فأنا قارئ في الأصل.. وأعرف كم تكون مملة تلك المقدمات!
إذن فالحل أمامي هو مقدمة مختصرة، مكثفة، تعرف القارئ على موضوع الكتاب وطريقتي في الكتابة.
فأريد مثلا أن أوضح له أن أستخدم الكثير من المصطلحات الإنجليزية، وأنه سيرى بعض النصوص داخل الكتاب بلغات أخرى غريبة عليه، كالعبرية والهيروغليفية. وأني أكتب أصلا من منطلق إسلامي، حتى في تعاملي مع نصوص التوراة والإنجيل، إلخ.
كل هذه المعلومات يجب أن يفهمها القارئ من أسلوب كتابتي للمقدمة. وهي مهمة ليست سهلة، كما ترى.

لهذا كتبت هذا التمهيد الذي ستراه في السطور القادمة، ليقوم - كما تشير الكلمة بوضوح! - بتمهيد الطريق أمام القراء وإزالة ما به من عثرات وأحجار.
=====

تمهيد

في التوراة الحالية تأتي كلمة "المعرفة" ككناية عن المعاشرة الزوجية..
فيقال: «وعرف آدم حواء امرأته فحبلت وولدت قايين» [سِفر "التكوين"، الإصحاح 4 ، العدد 1]
והאדם ידע את-חוה אשתו ותהר ותלד את-קין (Genesis 4:1)

وفي الديانة المصرية القديمة اعتبر الكهنة أن لحظة معاشرة إيزيس لأوزيريس وتكوين ابنهما حورس في رحمها هي لحظة انتصار على الشر، وحدث هام في أساطيرهم.

أما الخيميائيون وفلاسفة الصوفية فيرمزون (في كتاباتهم وأشعارهم ولوحاتهم) للوصول لحالة "العرفان" برموز العشق والهيام والذوبان في المعبود.
ويعتقدون أن الوله والحب الإلهي هو مرادف للإلهام وللحصول على أسرار "المعرفة الإلهية"!!

ويؤمن فلاسفة الباطنية بأن "الإنسان الكامل" لن يتحقق إلا عندما تجتمع عناصر الذكورة والأنوثة معًا [الشمس والقمر، الموجب والسالب، المعطي والمتلقي] ، ويندمجان في نتاج جديد، خنثوي، يرمزون له بـ الأندروچين Androgyne أو الـ هيرمافروديت Hermaphrodite
(وهذا يشبه ما أشار إليه أفلاطون في حواره المسمى: السيمبوزيوم Symposium)

وفي أسفار العهد القديم Old Testament (أي التوراة الحالية المشتركة بين اليهودية والمسيحية) هناك سِفر كامل مخصص للرمزية الجنسية لـ "الزواج الصوفي المقدس" بين العبد والمعبود، الإنسان والإله.. وهو سفر (نشيد الأناشيد Song of Songs)
ويقول اليهود أن شعب بني إسرائيل هو "العروس المؤنثة" التي تجتمع بـ"العريس المذكر" الذي هو الإله نفسه!
ويقول النصارى أن شعب الكنيسة هو العروس Bride of Jesus Christ، وأن يسوع المسيح هو العريس.
وطرفا الزفاف في حالة "اقتران" بـ"عقد قران" و"عهد مقدس".
-----

قبل سنوات، عندما انتشرت رواية "شفرة داڤنشي The Da Vinci Code"، كان من أسباب الضجة المثارة حولها هو أنها نشرت فكرة أن المسيح تزوج بمريم المجدلية وكان لهما نسل.. وأن هذا "النسل المقدس" استمر سريا إلى أن كانت ثمرته هي بطلة الرواية.. الفتاة (صوفي Sophie)

والحقيقة هي أن الباطنية لا يقصدون من نشر هذه الأفكار - في الأساطير الدينية والروايات الأدبية والأفلام السينمائية - أن يظنها الناس حقائق تاريخية.. بل يهدفون منها بعث إشارات مبطنة، خفية، ملغزة، تشير لمعتقداتهم الفلسفية القديمة.
ويأملون أن استمرارهم في "الإيحاء" الخفي المستتر بهذه الأفكار لعامة الناس عبر وسائط عدة، سيؤدي إلى أن قلة قليلة ستنتبه، وستدع ظاهرها وتهتم بباطنها.
ففي حين تنشغل الأغلبية بالمعاني السطحية الظاهرية للقصص الأسطورية التي ينشرها الباطنية منذ آلاف السنين، فإن الأقلية تنشغل بالمعاني الفلسفية الباطنية لهذه القصص، وتقوم بتحليلها وسبر أغوارها وكشف غطائها وفهم رموزها.

هذا هو هدفهم وأسلوبهم، منذ كانوا كهنة معابد بابل ومصر واليونان، وحافظي أسرارها.
طريقتهم ليست التصريح، بل التلميح.
ليست الجهر، بل الإسرار.
يعيدون نشر نفس الأفكار، ونفس القصص، لكن بألف وجه وألف قناع.
كملحن موسيقي ينشر مليون Remix وتوزيعة لنفس الأغنية والمعزوفة!.. أحيانا يكون الإيقاع هائج وسريع، وأحيانا هادئ وبطئ.
تختلف القوالب والأسماء، ويبقى قلب الحكاية ولبها كما هو.
فترى، على سبيل المثال، «رع» إله الشمس ينتصر على الموت في العالم السفلي، ويعود للحياة كل يوم مع الشروق. ثم بعد قرون يتم "تحديث" القصة، وتجديد الأسطورة، ويقوم "مبرمجو العقول" بعمل Update للبرنامج بمسمى جديد يناسب العصر.. فنرى "يسوع Jesus" يموت ثم يعود "منتصرا على الموت"!
-----

والباطنية كما يختلقون لكل عصر أسطورته، يجعلون لكل ذوق "كهنة" مخصصين، مهمتهم تقديم الفكرة في قوالب مثيرة وجذابة.
فإن كنت طفلا من محبي القراءة وصلوا إليك عبر قصة "هاري بوتر ومقدسات الموت"، حيث يموت هاري ثم يعود للحياة منتصرا على الموت بعد أن أصبح "سيدا عليه" Master of Death كما تقول الرواية!

أما إن كنت شابا ممن يفضلون أفلام الخيال العلمي، فيصلون إليك عبر سلسلة أفلام "الماتريكس" The Matrix ، حيث يموت البطل (نيو Neo) لكن يعود للحياة منتصرا على غريمه "العميل سميث"!

أما إن كنت من محبي الفانتازيا، فقد قدموا لك نفس الفكرة الباطنية في روايات وأفلام "سيد الخواتم Lord of the Rings" عندما مات الساحر (جندلف الرمادي) ثم عاد للحياة، منيرا، أقوى مما كان، في شخصيته الجديدة (جندلف الأبيض Gandalf the White) !!
-----

قلما ينشر الباطنية عقائدهم في كتاب صريح.. بل يرون أن الحصول على "المعرفة السرية" يستلزم تتبع إشاراتهم المنثورة هنا وهناك، في رحلة بحث و"ترقي"، درجة بعد الأخرى، حتى الوصول للقمة.
(ولهذا تجد أن صورة "الهرم Pyramid" من رموزهم المفضلة!)

ولأوفر عليك سنوات من البحث سأخبرك الآن أن نهاية رحلة التنوير المزعومة، وآخر السير في الطريق الذي رسموه، هي نهاية مأساوية مهلكة لا تعود بنفع، ولا تجلب إلا الهلاك والسقوط في هاوية الكفر!!

إن سبب "سرية" الجماعات الباطنية هو خوفهم من رد فعل الجموع على أفكارهم ومعتقداتهم المخالفة للفطرة السليمة والعقل المؤمن. لهذا اختاروا السرية والتلميح.
اختاروا أسلوب الشيطان في نشر أفكاره واجتذاب فرائسه..
"خطوات الشيطان"، أي الإغواء التدريجي، خطوة بعد خطوة، دون أن يصدمك بالفعلة الشنعاء التي يستدرجك إليها في النهاية.. حتى تصل الفريسة إلى المصيدة دون أن ترتاب في الصياد!
-----

إن الحق طريقه واحد.. واضح.. صراط مستقيم. أما الشر فله ألف طريق وطريق.
«وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» سورة الأنعام 153
(لاحظ أن كلمة "صراط" وكلمة "سبيل" بصيغة المفرد، في حين أن كلمة "السبل" بصيغة الجمع)

فالشيطان لا يعترض إن اختلف أتباعه وتنوعوا في عباداتهم ومسميات معبوداتهم.. بل هو يشجع على هذا "الابتكار" والتنوع!
فلا مانع عنده إطلاقا إن كنت تعبد أوزيريس أو يسوع أو بوذا.. فكلها طرق تؤدي إلى روما كما يقال!

وعلى العكس من هذا، نعلم أن كل أنبياء الله ورسله كانوا ينشرون نفس العقيدة،
«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ» الأنبياء 25
من آدم إلى محمد مرورا بنوح وموسى وعيسى، وإبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب، وزكريا ويحيى، وداود وسليمان، وأيوب ويوسف وهارون، وإلياس واليسع ويونس ولوط، وهود وصالح وذو الكفل وشعيب، وإدريس.. وغيرهم «وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ» النساء 164

أما الشيطان إذا أحس أن أحد أتباعه الواقعين في شَرَكه قد أصابه الملل أو الشك في المجوسية مثلا، سارع بتزيين وتجميل عقيدة فاسدة أخرى في نظره، كالبوذية أو البهائية، لينتقل المخدوع إليها.
فالمحصلة في النهاية، من وجهة نظر إبليس، واحدة!
وكان علماء المسلمين يقولون على مثل الشخص أن كل ما فعله هو أنه "انتقل من ركن في جهنم إلى ركن آخر".
-----

عليّ أن أعترف لك في هذا التمهيد أن الجهل بتفاصيل الديانات الباطنية الموجودة في هذا الكتاب.. نعمة!!
فأحد الأسباب التي جعلتني مترددا في النشر هو الخوف من أن تعلق بعض الأمور بقلوب بعض القراء من ضعاف العقيدة..
لكن  في عصر الفضائيات والإنترنت تنهمر علينا الرموز والأفكار الباطنية كالسيل، من ألف اتجاه لهذا يجب كشفها وتوضيح سمومها ما دمنا غير قادرين على حجبها ومنعها.

فإن لم تكن من المسلمين راسخي العقيدة فلا أنصحك بالاستمرار في قراءة هذا الكتاب!
وإن كنت ممن تتسرب الشكوك والشبهات لقلوبهم بسهولة، فربما لا يناسبك محتوى الفصول القادمة.
فإن من يحدق طويلا في الهاوية، فالهاوية - بدورها - ستنتبه له وتبدأ في التحديق فيه، كما قال نيتشه.


من كتاب «أساطير الأولين والديانات الباطنية» - سلامة المصري

الجمعة، 30 مايو 2014

مسلسلات

المسلسلات الدرامية الأمريكية في السنين الأخيرة تفوقت على الدراما التي تقدمها سينما هوليوود، بشهادة الكثير من المتابعين.

الكثير من النجوم الكبار اختاروا أن يقدموا أعمالا تليفزيونية بدلا من الأفلام، لأن جمهورها أكبر عددا، ويشاهد داخل منزله دون الحاجة للنزول لزيارة دور العرض.

قبل سنوات قامت نقابة الكتاب والمؤلفين الأمريكية بإضراب شامل، أصاب دولاب العمل في التليفزيون بالشلل.. ووقتها بان للجميع قوة وتأثير المسلسلات في حياة المواطن الأمريكي. كانت مطالب المؤلفين هي زيادة الأجور، وأخذ نسبة من مبيعات الـ DVD والـ بلو-راي، بعد أن كانت شركات الإنتاج تستحوذ عليها كلها.

وصعود التلفاز صاحبه هبوط في السينما، حيث وجدنا في السنوات الأخيرة هوليوود تعيد بعث نفس الأفكار القديمة "المضمونة"، وتستمر في "حلب" نفس الموضوع بتقديمه على عدة أجزاء، لزيادة عدد التذاكر.
فوجدنا هاري بوتر يتم تقديمه في 8 أفلام، مع أن الرواية كانت 7 أجزاء فقط!
ونفس الشيء مع الهوبيت.. تلك الرواية القصيرة التي تم مطها لتصبح 3 أجزاء!
ونفس الشيء مع رواية "أدب المراهقات" تويلايت Twilight (الغسق) ، حيث تم مط جزء الرواية الواحد ليصبح فيلمين اثنين، دون حاجة فعلية (إلا حاجة المنتجين الجشعين للملايين طبعا!)

إلا أن الوسيط التليفزيوني يتحمل المط، لأن "التسلسل" و(تتالي الحلقات) هو جزء أساسي من طبيعته.
فقصة حياة المدرس الذي تحول لصاحب امبراطورية مخدرات (Breaking Bad) لم تكن مملة عندما تم تقديمها في 62 حلقة.. بل إن اختزالها في فيلم سينمائي مدته ساعتين كان سيحرم المشاهد من الكثير والكثير!
-----

لكن المتفرج الذكي عليه ألا يقع في فخ إدمان المتابعة. فالشبكات والقنوات تعتمد على أن المسلسل سيجذب المشاهد بحيث يربطه بتوقيت العرض، وهو تأثير "بافلوفي" غير مريح للمشاهد الذي يريد "معرفة كل القصة" مرة واحدة دون انتظار لشهور بين كل موسم والآخر، أو حتى لأسبوع بين الحلقة وأختها!
لهذا تجد أن الكثيرين الآن ينتظرون اكتمال المسلسل، ولا يتابعون حلقاته أثناء عرضها، بل بعد انتهاء القصة تماما وبعد أن يقوم استوديو الإنتاج ببيع الحلقات كاملة على أسطوانات أو على الإنترنت.
وبهذا يصبح لدى المشاهد "أفضل ما في العالمين"، عالم التليفزيون وعالم السينما. فأمامه قصة مكتملة تشبه التي تعرضها السينما في ساعتين، لكنه يستطيع الاستمتاع بها - في التوقيت والمكان الذي يريحه ويناسب جدول حياته - في مائة ساعة!!
-----

وحيث أن "فن الفرجة" هو فن ذوقي في الأساس، فلا معنى لقوائم "أفضل المسلسلات" التي تنتشر على الإنترنت. فكل فرد له خلفية معينة وميول ثقافية تختلف بدرجة ما عن الآخرين، وهذه الخلفية هي ما تجعله يحب مسلسلا ما ويكره آخر.
مثلا.. مسلسل Buffy في التسعينيات. كتابة ذكية وحوار مرح وقصة مشوقة، لكنه موجه للمراهقين ولمن يعيشون حياة المرحلة الدراسية الثانوية بمشاكلها.. لهذا قد لا يُعجب شخصا تعدى هذه المرحلة ويريد مشاهدة شيء أكثر نضوجا.
لهذا تجدني أفضل مسلسل Angel المتفرع من Buffy ، لأنه يعالج مسألة الاختيارات التي يمر بها المرء في العشرينات والثلاثينات من عمره. مع أن مبتكر المسلسلين واحد، وهو «چوس ويدون».

ولنفس السبب تجدني كنت أضحك أثناء مشاهدة مسلسل Friends الكوميدي في صغري، والآن لا أتحمل "سخافته" إطلاقا!!

وكنت شغوفا ببعض المسلسلات البوليسية ثم توقفت تماما عن مشاهدتها، كـ NCIS و Bones .
وكنت أدرس تفاصيل التفاصيل لمسلسل LOST ثم اتضح لي - في موسمه الأخير - أن المؤلفين نجحوا فقط في تأليف ألغاز وفشلوا في اختراع أي حلول لها!! مما جعل المواسم كلها مضيعة للوقت وللتركيز.

وكنت - كالكثيرين غيري - حزينا لإلغاء مسلسل Firefly واعتبرت المسألة "كارثية" لمستقبل الدراما التليفزيونية وأدب الخيال العلمي، إلخ.. أما الآن فمشاعري تجاه الموضوع برمته باردة ولا مبالية على أقصى تقدير!

كنت أتابع حلقات مسلسلات ديزني كـ هانا مونتانا و Wizards of Waverly Place و The Suite Life و Phil of the Future
وكنت وقتها أستخدم هذه المسلسلات في تحسين فهمي للغة الإنجليزية "الشبابية" والثقافة الأمريكية المعاصرة.
لكن الآن صعب جدا أن أتحمل مشاهدة حلقة واحدة من تلك النوعية.
-----

لو أردت جمع قائمة بأفضل المسلسلات كتابةً وتنفيذا فستكون هكذا:
Angel
Dark Angel
SGU: Stargate Universe
Frasier
Monk
Prison Break
Becker
Supernatural
X-Files
According to Jim
Yes Minister
StarWars: The Clone Wars
Jericho
La Femme Nikita
Law & Order: Criminal Intent
Boston Public
Kim Possible
Mysterious Island 1995

وكل واحد فيها يستحق تعليقا قصيرا لتوضيح سبب دخوله القائمة. لكن لنترك هذا لمرة قادمة.

الأربعاء، 21 مايو 2014

المعاني الباطنية لعلم جمهورية مصر العربية


صورة من مخطوط خيميائي قديم (القرن الـ16) توضح المراحل الباطنية للحصول على "التنوير" أو «حجر الفلاسفة».. أي تحويل المعادن الرخيصة لثمينة، الرصاص والقصدير إلى ذهب وفضة.. وهي رموز لتحويل النفوس من المادية للروحانية، إلى آخر الخزعبلات الباطنية المعروفة.

المرحلة الأولى في عمل الخيميائي تسمى الـ نيجريدو (السواد) وترمز للتعفن والموت وحرق الذات كليةً.
الثانية اسمها ألبيدو (الأبيض) وترمز لتطهير المادة (وتنقية الروح) وغسلها من الشوائب.
الثالثة اسمها روبيدو (الأحمر) وهي الهدف النهائي، وحصول "التنوير"، وتحقيق رمزية "حجر الفلاسفة" عن طريق المادة الوهمية الرمزية المسماة الزئبق الأحمر.

هذه الألوان الثلاثة انتشرت بعد ما يسمى (ثورات التحرير العربي) في الخمسينيات.. واتخذتها عدة دول عربية رموزا لها على الأعلام الرسمية. ومنها بالطبع جمهورية مصر العربية.
[مصر - السودان - سوريا - العراق - اليمن]

كلمة "خيمياء" أطلقها العرب على العِلم الباطني الذي ظهر أصلا في مصر القديمة.. حيث اسم مصر بالهيروغليفية هو أرض "كمت" أي الأرض السوداء، الطينية (لخصوبة وادي النيل قبل بناء السد العالي). ومنها اشتقت كلمة "كيمياء" فيما بعد.

النظرية الباطنية الخيميائية تسعى لتحقيق ما يسمونه "ماجنم أوبس" أي "العمل العظيم" ، وأسلوب تحقيق حلم الباطنية هو التدمير-فالتطهير-فالتنوير.
أي من رحم الفوضى والقتل ستتحول البلاد - في زعمهم - إلى نظام وتقدم!! وهو ما تسميه أمريكا سياسيا: الفوضى الخلاقة!!
=====

أشرت في تدوينة سابقة لنفس الموضوع
http://aboutsalama.blogspot.com/2014/04/Alchemy-Egypt.html
وأضيف هنا أن مراحل "العمل العظيم" في الخيمياء كانت - قبل القرن الـ15 - أربعة: أسود-أبيض-أصفر-أحمر ، ثم قام الخيميائيون بدمج الأصفر في الأحمر.
وكانوا يستخدمون أحيانا رمز طائر ليعبر عن "الانتقال" من مرحلة إلى التي تليها، كالغراب أو النسر أو العنقاء.
ربما يفسر هذا الرمزية الباطنية للـ "نسر" في علم مصر؟!!
=====

المخطوطة الخيميائية اسمها Solidonius وموجودة ضمن مجموعة MS. Ferguson (رقم 220)
http://www.alchemywebsite.com/bookshop/mohs35.html
http://www.alchemywebsite.com/s_solid.html

السبت، 17 مايو 2014

«منشور إعلان الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني عصيان عرابى»

أولا: أن الدولة العلية السلطانية تعلن أن وكيلها الشرعي بمصر هو حضرة فخامتلو دولتلو محمد توفيق باشا .
ثانيا: أن أعمال عرابى باشا كانت مخالفة لإرادة الدولة العلية ثم التمس من جناب الخديو فعفا عنه و نال من الحضرة السلطانية العفو العام .
ثالثا: أن الشرف الذي ناله أخيرا من الحضرة العلية السلطانية أنما كان من تصريحه بالطاعة لأوامر السلطان المعظم الخليفة الأعظم .
رابعا: قد تحقق الآن رسميا أن عرابى باشا رجع إلى زلاته السابقة و استبد برئاسة العساكر المصرية بدون حق فيكون قد عرض نفسه لمسئولية عظيمة لا سيما أنه تهدد أساطيل دولة حليفة للدولة العلية السلطانية.
خامسا : بناء على ما تقدم يحسب عرابى باشا و أعوانه عصاة ليسوا على طاعة الدولة العلية السلطانية.
سادسا : تصرف الدولة العلية السلطانية بالنظر إلى عرابى باشا و رفقائه و أعوانه يكون بصفة أنهم عصاة .
سابعا يتعين على سكان الأقطار المصرية حالة كونهم رعية مولانا و سيدنا الخليفة الأعظم أن يطيعوا أوامر الخديو المعظم الذي هو في مصر وكيل الخليفة و كل من خالف هذه الأوامر يعرض نفسه لمسئولية عظيمة .
ثامنا : أن معاملة عرابى باشا و حركاته و أطواره مع حضرات السادات الأشراف هي مخالفة للشريعة الإسلامية الغراء مضادة لها بالكلية.
=====

هذا القرار جاء في لحظة حرجة ليحاول إفشال خطة الإنجليز ومبرراتهم لضرب الاسكندرية واحتلال مصر، لكن سذاجة عرابي والجيش المصري أدت إلى الكارثة..
كانت سياسية عبد الحميد التلاعب سياسيا بأوروبا واتقاء شرها، لأنه كان يحارب قيصر روسيا في الشرق ولا يريد فتح جبهة جديدة مع الغرب

في الأرض خليفة

العلاقة بين البشر والملائكة والشياطين اتضحت مبكرا جدا.. فور خلق الإنسان.
في البداية لم يفهم الملائكة سبب خلق هذا المخلوق الذي سيُفسد في الأرض ويسفك الدماء.. ثم أطاعوا الله وسجدوا لآدم، كعلامة على بدء خدمتهم له وإشرافهم عليه.
أما إبليس فكانت مشاعره تجاه آدم مختلفة. شعر بأنه منافس له، فحسده، وقرر في نفسه ألا يطيعه أبدا.
وباقي القصة معروفة.
-----
يقول النص القرآني «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» - البقرة 30

ما معنى كلمة "خليفة" في هذا السياق؟
ربما تظنه سؤالا واضحا له إجابة ثابتة ومعروفة في كتب التفسير، إلا أن المسألة أعقد قليلا مما تظن!
هناك أربعة آراء في معنى خليفة، سأسردهم بالترتيب من الأضعف إلى الأقوى:

1- خليفة لله
2- خليفة للمسلمين (أي حاكم)
3- خليفة للجن (بعد إفسادهم في الأرض أول مرة)
4- كائن ذو ذرية، يتناسل، بحيث يخلف بعضه بعضا

فالقول الأول لا يصح، لأن الله ليس غائبا حتى يخلفه مخلوق ما.
والثاني ضعيف لأنه لا يناسب السياق. وأصلا معنى خليفة المسلمين مشتق من أن الحاكم يكون خلفا للحاكم السابق، أي أن كلمة "خليفة" في حد ذاتها لا تعني رئيسا حاكما.
والثالث مناسب للمعنى، ومناسب لآية 27 من سورة الحجر «والجآن خلقناه من قبل من نار السموم» ، ومناسب لتعليق الملائكة على أن المخلوق الآدمي سيفسد في الأرض كما فعل الجن قبله.
والرابع هو أقوى تفسير للكلمة. فالمعنى هو أن آدم لن يكون مخلوقا منفردا، ولن يعيش للأبد، بل سيكون من طبيعته أنه يتناسل ويزيد عدده ويعمر الأرض، ويموت السلف فيأتي بعدهم خلف لهم، وهكذا.

ومنذ أيام تم تسجيل شرح للآية في فلسطين، قام به الشيخ بسام نهاد جرار (رئيس مركز نون للدراسات) يربط فيه بذكاء شديد بين هذه الآية وآية "وعلم آدم الأسماء كلها"..
ومختصر كلامه أن الإنسان له القدرة على نقل العلم من جيل إلى جيل، على عكس الحيوانات مثلا، وأن هذا هو معنى "الاستخلاف" الحقيقي.

وفي مواضع أخرى من القرآن نرى أن "الخلافة والاستخلاف" تأتي بمعنى القول الرابع الذي أشرت إلى أنه أقوى تفاسير كلمة خليفة:
تقول آخر آية في سورة الأنعام «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ»
وآية 59 من سورة مريم: «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً»

الخميس، 15 مايو 2014

الشعراوي

لا أعتمد إطلاقا على خواطر محمد متولي المعروفة بين الناس بـ"تفسير" الشعراوي، ولا أثق في اختياراته التفسيرية!
الشعراوي عندي مثل محمد عبده، كلاهما أراد "تجديد" التفسير بإقحام معانٍ مفتعلة على النص لا يقبلها السياق.. وكلاهما رضي الغرب عنه وعن توجهه "لسبب ما"!

في الحقيقة متولي الشعراوي من "القبورية" الذين لا يُحتج بآرائهم أصلا! (كما يعرف من سمع لقاءاته قبل وفاته التي هاجم فيها السلفية)

ولولا دعم أنظمة الطغاة له لما انتشر أمره. فقد أفردوا له الساعات الطوال على شاشات التلفاز، في برنامج بمقدمة موسيقية شهيرة، لينشر السلبية الصوفية بين عامة الناس في مصر.
ومن قبل كافأه الفسدة بأن جعلوه وزيرا!
الشعراوي - كما قال عن نفسه في كتاب الشعراوي الذي لا نعرفه - كان يقبل يد رئيس حزب الوفد العلماني الذي شعاره الهلال والصليب، وهو تذلل لا يليق بالشيوخ والعلماء!

وفي الوقت الذي كان الإسلام فيه محاربا في مصر، كانت الحكومة تنشر كتابات الشعراوي على طلبة المدارس، لعلمها أنه لا "خطر" منه على الطغاة وعلى المسار الفكري العام المراد!

الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله وصف الشعراوي بأنه "ضال متلون"، أفتى بـ «حي على خير العمل» [أي تغيير نص الأذان]، ويفتي كل طائفة بما يناسبها، إذا كان في نجد وفي أرض الحرمين فالرجل سلفي، وإذا كان في مصر مائع ضائع، وإذا جاء إلى اليمن فشيعي"
(من شرح الوادعي لمقدمة صحيح مسلم)


ويقول الشيخ الألباني يخصوص الشعراوي، في الشريط 206 من سلسلة الهدى والنور [تفريغ الشريط على موقع الشاملة] :

"أحد إخواننا السلفيين، وهو يحكي مع شدة إعجابه به، له صاحب له سيارة أركب الشيخ الشعراوي حتى يوصله لمكان وكان صاحبنا معه، وكان منهم أحد إخوانا السلفيين وهو يحكي مع شدة إعجابه به خطر في باله خاطرة جيدة، إنه هذا الشيخ إللي نحن نسر بلقائه وكلامه على الآيات وإعجاز القرآن بالنسبة للعلم الحديث، خطر في باله أن يسأله يشوفه سلفي العقيدة أم لا
فقال له ما هو رأي فضيلة الشيخ في قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) هل يوصف ربنا بأن له صفة العلو؟ فثار عليه ثورة، أن الله ليس له مكان وليس له زمان والله في كل مكان، من ها الضلالة يلي بتعرفها ليس في عامة المسلمين فقط، بل وفي كثير من خاصتهم.. فهو منحرف عن العقيدة، وكثيرًا ما يتأول الآيات بتأويل من أجل أن تناسب مفاهيم العصر الحاضر.

أما أسلوبه فالمصريون يمتازوا فيما يظهر على الشعوب الإسلامية بطلاقة اللسان وبحسن أسلوب الكلام، وعندهم استطاعة أن يسيطروا على الناس، والشعراوي من هذا القبيل، لكن لا يؤخذ منه العلم؛ لأن العلم شيء والأسلوب شيء
كما قلنا ليلة السهرة هناك، أنه أيضًا يقال نفس الكلام، أن العلم شيء والأسلوب شيء،
ناس عندهم العلم صحيح لكن ما عندهم الأسلوب صحيح، وهذا بالعكس عنده أسلوب جيد جذاب لكن ما عنده علم صحيح، فلذلك الذي يريد أن يستمع إليه، مأخوذًا بروعة أسلوبه، يجب أن يأخذ حذره من أن يتلقن منه، ما ليس بصحيح"


همبتي دمبتي العثماني؟؟

في رواية (أليس) الثانية المسماة "أليس عبر المرآة" نرى شخصية همبتي دمبتي الشهيرة تحاور بطلة القصة، في حوار ذكي ساخر كتبه المؤلف لويس كارول.
صورة همبتي المعروفة مرتبطة بشخص على شكل بيضة، يجلس على سور، معرضا للسقوط من عليه في أية لحظة.
لكن - وكما تقول كلمات الأغنية البريطانية الشعبية القديمة - الملك بنفسه وعده بأن يرسل له كل جنوده وكل خيوله لإنقاذه إن تعرض للسقوط.
قام لويس كارول بإدخال هذه الأغنية الشعبية في أحداث قصته، وللأسف - كما تنبأت الكلمات - يسقط همبتي دمبتي ولا يفلح كل رجال الملك في إعادته لوضعه كما كان!

Humpty Dumpty sat on a wall
Humpty Dumpty had a great fall
All the king's horses and all the king's men
Couldn't put Humpty together again
همبتي دمبتي جلس على حائط
همبتي دمبتي سقط سقطة عظيمة
كل خيول الملك وكل رجال الملك
لم يفلحوا في إعادة أجزائه كما كانت.



رواية "أليس عبر المرآة" تم نشرها سنة 1872 ، مع تغيير السطر الأخير في الأغنية ليكون:
Couldn’t put Humpty Dumpty in his place again
"لم يفلحوا في إعادته لموضعه كما كان"

الرسام الذي رسم لوحات قصة أليس هو "چون تينيل John Tenniel".. كان رساما للكاريكاتير السياسي في بريطانيا في القرن الـ 19 ، خصوصا في مجلة Punch

ما أريد لفت الانتباه له هنا هو سطر في قصة أليس يصف همبتي دمبتي - عند تقديمه - بأنه «يجلس على الحائط شابكا رجليه كما يفعل "الأتراك" »
وقت كتابة القصة كانت كلمة تركي تعني مسلم بشكل عام، لأن تعاملات أوروبا كانت مع مسلمي الخلافة العثمانية التركية، والتي كان يحكمها آخر السلاطين العظام، عبد الحميد الثاني رحمه الله.

وحيث أن قصة أليس معروفة برموزها التي تسخر من السياسيين في عصرها، خطر لي أن سقوط همبتي دمبتي المقصود منه السقوط - الذي كان وشيكا - للخلافة العثمانية التي كانت توصف وقتها برجل أوروبا المريض!
ففي رواية أليس الأولى "أليس في بلاد العجائب" يقول الدارسون أن شخصية "صانع القبعات المجنون" مستوحاة من رئيس الوزراء البريطاني اليهودي بنيامين دزرائيلي.. وأن الرسام اختار ملامح الشخصية بحيث تظهر التشابه بينهما!

وبعد بحث وجدت كاريكاتيرا قديما رسمه چون تينيل لمجلة Punch سنة 1878 يعلق على اتفاقية سياسية تم إبرامها وقتها بين العثمانيين وبريطانيا، تسمى اتفاقية قبرص، تم بموجبها تسليم جزيرة قبرص العثمانية إلى الإنجليز، مقابل أن تدعم الإمبراطورية البريطانية الإمبراطورية العثمانية في النزاع الذي كان قائما بين العثمانيين والروس.

والكاريكاتير يصور دزرائيلي البريطاني على اليمين، وقبرص على اليسار، وهما يحاولان رفع السلطان العثماني على السور مرة أخرى بعد سقوطه، ومكتوب تحت الرسم: همبتي دمبتي!!
-----

بعد انقلاب الجيش على الخليفة عبد الحميد الثاني سنة 1909 تفتت الامبراطورية العثمانية، ووقعت البلاد الإسلامية تحت الاحتلال الأوروبي، وتكسرت بيضة همبتي دمبتي بعد سقوطها العظيم.