السبت، 22 أكتوبر 2011

مقدمة القلم مفجر الثورة...!



كيف لحياة قد تدنت بأسلوبها أن تأتي بغمامها علي شعب قد ذاق مرارتها من ذي قبل؟! وكيف له أن يعيش في ظل آهات الليل الغميق دون أن يشعر بروعة الإنتماء العميق؟!! وكيف يحترق القلم صمتا وزخامة ألسنة اللهب تلتف عليه من دون أن يطفئه حبره؟!!! هكذا نحن نقول...وهكذا قالها أحد عظماء القرن المنصرم من زمانه في أحد رسائله النابغة والتي تحدث فيها بشكل غزير وصريح بالمرة من خلال ربط الصراع السياسي الإسلامي العربي والغربي بين الأمس واليوم ليبلغ في قوله من خلال عدة نقاط:...


( أ ) محاولات القضاء على الأمة الإسلامية : أخذت هذه العوامل تعمل في كيان الدولة الإسلامية والأمة الإسلامية عملها, و ظنت الأمم الموتورة أن قد سنحت الفرصة لتأخذ بثأرها و تقضي على هذه الدولة الإسلامية التي فتحت بلادها من قبل, و غيرت معالم أوضاعها في كل شؤون الحياة, فانحدر التتار كالسيل الدافق على الدولة الإسلامية, وأخذوا يقطعون أشلاءها جزء جزء حتى وصلوا إلى بغداد قلب الخلافة العباسية, ووطئوها بنعالهم في شخص الخليفة المستعصم, وبذلك تبدد شمل الدولة وانتثر عقد الخلافة لأول مرة وتفرقت الأمم إلى دويلات صغيرة, فكل قبيلة فيها أمير المؤمنين ومنبر, وتنبهت المسيحية في أوربا وجمعت جموعها وقذفت الشرق المسلم في آسيا وأفريقيا بكتائبها في تسع حملات صليبية اشتملت على خير ما فيها من فرسان و ملوك و عتاد, و تمكنت هذه القوات الزاحفة من إقامة دولة صليبية في بيت المقدس و تهديد أمم الإسلام في الشرق والغرب ومهاجمة مصر أقوى هذه الدول إذ ذاك.



( ب ) انتصارات متتالية: ولكن الله تبارك و تعالى لم يأذن بعد بانتصار الباطل على الحق, فاستطاعت مصر أن تجمع حولها فلول بعض هذه الدويلات و تقذف بهم في نحر الصليبيين بقيادة صلاح الدين, فتستعيد منهم بيت المقدس وتريهم كيف تكون الهزيمة في حطين, ثم تقف في وجه التتار بقيادة الظاهر بيبرس و تردهم على أعقابهم خاسئين في عين جالوت, ثم تعيد رسم الخلافة من جديد, و يريد الله بعد ذلك أن تقوم للإسلام دولة وارفة الظلال قوية البأس شديدة المراس, تجمع كلمة أهله وتضم تحت لوائها معظم أممه وشعوبه, ويأبى لها علو الهمة إلا أن تغزو المسيحية في عقر دارها, فتفتح القسطنطينية ويمتد سلطانها في قلب أوربا حتى يصل إلى فيينا, تلك هي دولة الأتراك العثمانية .



( ج ) بواكير النهضة في أوربا: اطمأنت الدولة الإسلامية تحت لواء العثمانيين إلى سلطانها واستنامت إليه, وغفلت عن كل ما يدور حولها, ولكن أوربا التي اتصلت بأضواء الإسلام غربا بالأندلس وشرقا بالحملات الصليبية, لم تضع الفرصة ولم تغفل عن الاستفادة بهذه الدروس, فأخذت تتقوى وتتجمع تحت لواء الفرنجة في بلاد الغال, واستطاعت بعد ذلك أن تصد تيار الغزو الإسلامي الغربي, وأن تبث الدسائس بين صفوف مسلمي الأندلس, وأن تضرب بعضهم ببعض إلى أن قذفت بهم أخيرا إلى ما وراء البحر أو إلى العدوة الأفريقية, فقامت مقامهم الدولة الإسبانيولية الفتية, وما زالت أوربا تتقوى وتتجمع وتفكر وتتعلم, وتجوب البلاد وتكشف الأقطار, حتى كان كشف أمريكا عملا من أعمال أسبانيا وكشف طريق الهند عملا من أعمال البرتغال, وتوالت فيها صيحات الإصلاح ونبغ بها كثير من المصلحين وأقبلت على العلم الكوني والمعرفة المنتجة المثمرة, وانتهت بها هذه الثورات الإصلاحية إلى تكوين القوميات وتكوين دولة قوية جعلت هدفها جميعا أن تمزق هذه الدول الإسلامية التي قاسمتها أوربا استأثرت دونها بأفريقيا وآسيا, وتحالفت هذه الدول الفتية على ذلك أحلافا رقت بها إلى درجة القداسة في كثير الأحيان.



( د ) هجوم جديد: وامتدت الأيدي الأوربية بحكم الكشف والضرب في الأرض والرحلة إلى أقصى آفاقها البعيدة, إلى كثير من بلدان الإسلام كالهند وبعض الولايات الإسلامية المجاورة لها, و أخذت تعمل في جد للوصول إلى تمزيق دولة الإسلام القوية الواسعة وأخذت تضع لذلك المشروعات الكثيرة تعبر عنها أحيانا بالمسألة الشرقية, وأخرى باقتسام تركة الرجل المريض, واخذت كل دولة تنتهز الفرصة السانحة وتنتحل الأسباب الواهية, وتهاجم الدولة الوادعة اللاهية فتنقص بعض أطرافها أو تهد جانبا من كيانها, واستمرت هذه المهاجمة أمدا طويلا انسلخ فيه عن الدولة العثمانية كثير من الأقطار الإسلامية, ووقعت تحت السلطان الأوربي كالمغرب الأقصى وشمال أوربا واستقل فيه كثير من البلاد غير الإسلامية التي كانت تحت سلطان العثمانيين كاليونان ودول البلقان, وكان الدور الختامي في هذا الصراع الحرب العالمية الأولى سنة 1914 – 1918م الذي انتهى بهزيمة تركيا وحلفائها وبذلك سنحت الفرصة كاملة لأقوى شعوب أوربا (إنجلترا وفرنسا) وإلى جوارهما (إيطاليا) فوضعت يدها على هذا الميراث الضخم من أمم الإسلام و شعوبه, وبسطت سلطانها عليها بأسماء مختلفة من احتلال واستعمار ووصاية وانتداب وتقاسمته على هذا النحو:



1 - أفريقيا الشمالية (مراكش والجزائر وتونس) مستعمرات فرنسية, تتخللها منطقة نفوذ دولية في طنجة, ومستعمرات أسبانية في الريف.



2 - طرابلس و برقة مستعمرة إيطالية لم تشأ إيطاليا أن تبقي على شيء من آثار الإسلام فيها, ففرضت عليها التجنس بالجنسية الإيطالية وأسمتها إيطاليا الجنوبية, وقذفتها بالآلاف من جياع الأسر وذئاب البشر.



3 - مصر و السودان تحت الحماية الإنجليزية لا تملك إحداهما لنفسها من أمرها شيئا.



4 - فلسطين مستعمرة إنجليزية أباحت إنجلترا لنفسها أن تبيعها لليهود لينشئوا فيها الوطن القومي الصهيوني.



5 - سوريا مستعمرة فرنسية.



6 - العراق مستعمرة إنجليزية.



7 - الحجاز حكومة ضعيفة متداعية تنتظر الصدقات وتتشبث بالعهود الزائفة والمواثيق الباطلة.



8 - اليمن حكومة منزوية وشعب فقير مهدد بالغزو في كل مكان في أي وقت من الأوقات.



9 - بقية أقسام الجزيرة العربية إمارات صغيرة يعيش أمراؤها في كنف القناصل الإنجليزية ويقاتلون بفتات موائدهم وتشتعل صدورهم بنيران التحاقد والتباغض, هذا مع الوعود المؤكدة والمواثيق المغلظة التي قطعها الحلفاء لعاهل الجزيرة الملك حسين أن يساعدوه على استقلال العرب وتدعيم سلطان الخلافة العربية.



10 - إيران والأفغان حكومات مضطربة تتوزعها الأطماع من كل مكان فهي تحت كنف هذه الأمة تارة وإلى جانب تلك تارة أخرى.



11 - الهند مستعمرة إنجليزية.



12 - تركستان وما جاورها مستعمرات روسية يذيقها البلاشفة مر العذاب.



وفيما عدا ذلك فهناك الأقليات الإسلامية المنثورة في كثير من البلدان لا تعرف دولة تلجأ إلى حمايتها, أو حكومة مسلحة تحتمي بجنسيتها كالمسلمين في الحبشة والصين والبلقان وبلاد أفريقية الوسطى والجنوبية والشرقية والغربية.

وبهذا الوضع انتصرت أوربا في هذا الصراع السياسي, وتم لها ما أرادت من تمزيق الإمبراطورية الإسلامية والذهاب بدولة الإسلام, وحذفها سياسيا من دائرة الدول الحية العظيمة.



( هـ ) إلى القوة من جديد: ولكن هذا العدوان الصارخ والاستهتار بالعهود والمواثيق أحرج الصدور وأثار النفوس, فهبت هذه الأمم تطالب باستقلالها وتجاهد لاسترداد حريتها ومجدها, واشتعلت فيها الثورات لهذا المعنى, فثارت تركيا وثارت مصر وثارت العراق وسوريا وتكررت الثورات في فلسطين والريف في بلاد المغرب, وعمت اليقظة في النفوس كل مكان, ووصلت شعوب الإسلام بذلك إلى بعض الحقوق, فاستقلت تركيا في حدودها الجديدة, واعتبرت مصر والعراق دولتين مستقلتين, وقامت في الحجاز ونجد دولة السعوديين, وحافظت اليمن وإيران وأفغانستان على وضعياتها, المستقلة, وقاربت سوريا أن تسلب الاعتراف باستقلالها, ولفتت فلسطين أنظار العالم إليها بكفاحها, وخطا المسلمون ولا شك خطوات طيبة وأن كانت قليلة وبطيئة نحو الأهداف الكريمة التي قصدوها من استعادة حريتهم واسترداد مجدهم وبناء دولتهم, ولئن اتجهت هذه الخطوات إلى المعنى القومي الخاص وطالبت كل أمة بحقها في الحرية كأمة مستقلة, وتعمد كثير من العاملين لهذه النهضة أن يغفل فكرة الوحدة فإن مصير هذه الخطوات سيكون ولا شك التجمع وعودة الأمة الإسلامية كدولة متحدة تضم شتات شعوب العالم الإسلامي وترفع راية الإسلام وتحمل دعوته, فليس في الدنيا أمة يجمعها ما يجمع المسلمون من وحدة اللغة والاشتراك في المصالح المادية والروحية والتشابه في الآلام والآمال.



( و ) حرب جديدة: ولقد خرجت الدول الأوربية من الحرب العالمية وبذور الحقد والبغضاء متأثرة في صدور الكثير منها, وجاء مؤتمر الصلح و معاهداته لطمات قاسية لبعضها وخيبة أمل مؤلمة لكثير منها, هذا إلى ظهور كثير من الفكر الجديدة, المبادئ المتعصبة شديدة التعصب, ولابد أن تنتهي هذه الحال بهذه الأمم إلى خلاف جديد وحرب طاحنة ضروس تبدد شملهم وتمزق وحدتهم وتعيدهم إلى رشدهم وتردهم عن ظلمهم, وتهب لأمم الإسلام فرصة أخرى تسوي فيها صفوفها وتجمع شملها وتستكمل حريتها واستقلالها وتسترد دولتها ووحدتها تحت لواء أمير المؤمنين:

(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ , وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ) (القصص:5-6).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق