كمسلم عليك أن تفهم مفتاح عقيدة النصارى، لتعلم كيف يبررون لأنفسهم ما يؤمنون به.
وهذا المفتاح ببساطة هو الإيمان بالرمزية. أي تأويل النص إلى معنى رمزي يغير من مدلوله الظاهر، فتختفي التناقضات الواضحة!
كل تعليمات وأوامر العهد القديم (التوراة) يقوم المسيحيون بالتنصل منها عن طريق القول بأنها كانت عهدا "قديما" بين الإله والبشر، وتم إبطالها بأن قدم المسيح نفسه قربانا. أي أن خطايا البشر غفرها الإله بأن قام بقتل جزء منه (أي المسيح الذي يؤمنون أنه جزء من الثالوث الإلهي) ثم انتهت المسرحية بالطبع بأن عاد هذا الجزء للحياة مرة أخرى، وتم المراد!
لكن المشكلة التي واجهت النصارى بعد ذلك كانت في كيفية تأويل قصص التوارة بحيث تطابق العقيدة النصرانية الكنسية الجديدة. فمن الواضح طبعا أن "الكتاب المقدس" في أسفاره الأولى لا يتكلم بحرف واحد عن مسألة أن الإله في الحقيقة هو ثالوث.. لكن الأسفار الإنجيلية التي تأتي بعد ذلك في الكتاب تقول بهذا. فكيف يمكنهم التوفيق؟
الحل كان في تأويل كل النصوص القديمة بأنها مجرد رموز وحكايات تبشر بقدوم الحدث الأكبر، أي نزول ابن للإله ليفدي البشرية من متاعبها وخطاياها. وتأويل كل أسلوب تعظيم في التوراة للإله، مثل (خلقنا.. جعلنا.. وقلنا لهم.. إنا نحن نحيي الموتى..) بأنه كان رمزا يقصد الإله به أن يقول: أنا ثلاثة، أب وابن وروح قدس!!
لكن مشكلة جديدة ظهرت وواجهتهم. فحتى نصوص العهد الجديد (الإنجيل) تتناقض مع بعضها ومع المعتقدات التي وضعتها الكنيسة كأساس للدين الجديد. وهذا ما سأتحدث عنه هنا.
فهل تعلم مثلا أن الكاثوليك والأرثوذكس يؤمنون بأن مريم هي أم الرب، وأنها ظلت عذراء بتول إلى نهاية حياتها؟
وهل تعلم - في نفس الوقت - أن نصوص الإنجيل تشير إلى أن المسيح كان له إخوة فعليون، ومنهم (يعقوب أخو الرب) ؟!!
فكيف خرجوا من هذه الورطة؟
***
كان الحل ببساطة هو أن يقولوا أن المقصود بأن يعقوب هذا "أخ" للمسيح هو أنه قريب له في النسب.
وهو كما ترى حل بسيط جدا.. غير أنهم يقولون أنه ابن خالة المسيح، وأن أمه كان اسمها مريم أيضا، كما تقول النصوص عندهم. وبهذا يكون لمريم العذراء أخت اسمها مريم!
البروتستانت أراحوا أنفسهم من تناقضات النص في المسألة وقالوا النص كظاهره.. مريم أنجبت إخوة للمسيح بعد ولادته. لكن هذا تفسير يرفضه الأقباط والكاثوليك. فكيف يحمل نفس الرحم الذي حمل "تجسد الرب" شخصا آخر بشريا عاديا؟!
***
وغرضي من الموضوع ليس بحث تفاصيله، بل توضيح تناقض النصارى عندما يشيرون لآية سورة مريم التي يصفها فيها بنو إسرائيل بأنها "أخت هارون".
إذ يقول النصارى، كيف يقول قرآنكم أن مريم هي أخت هارون الذي هو أخو موسى، مع البعد الزمني الكبير جدا بينهما؟
وطبعا يرفضون فهم معنى الآية السليم.. فاليهود كانوا يوبخون مريم لما رأوها قادمة بطفل وهي لم تتزوج، فقالوا لها يا عابدة وتقية ويا شبيهة هارون النبي في العبادة والإيمان، ويا ابنة امرأة صالحة وأب صالح، كيف تقترفين مثل هذا الجرم الشديد.
فهل يا ترى سيفهم النصارى من هذا أني محمد صلى الله عليه وسلم؟!
ويا ترى كيف يفسرون أن هناك صحفي شهير اسمه إبراهيم عيسى.. مع العلم أن هناك فاصل زمني كبير بين الرسولين؟!!
أنا أمزح طبعا.. لكنها كوميديا سوداء تسخر من جهل كل مسيحي لا يزال يصر على أن القرآن يقصد أن مريم العذراء هي أخت هارون أخو موسى.
***
فعجيب جدا أن تجد أحد الأقباط على المنتديات يخرج منه أمران متناقضان في نفس الوقت، دون أن ينتبه. فيقول للمسلمين: كيف يقول قرآنكم عن مريم أنها أخت هارون مع أنها لم تكن أخته فعلا. ثم يقول للنصارى إخوانه: الإنجيل طبعا لا يقصد أن يعقوب هو أخو المسيح فعلا عندما يقول أنه أخوه (!!)
وهذا - لعمري - هو عين التفسير بالأهواء.. وتحريف كل نص لا يوافق هواهم.
***
وإلى هنا تنتهي التدوينة، لكن سأضع بعض النصوص التي تخص الموضوع، لمن يريد مراجعة المسألة.
وأزيد أيضا فأنصح كل من يسمع أحد النصارى يتكلم في مسألة "أخت هارون" بأن يرد عليه تلقائيا بمسألة "يعقوب أخو المسيح".. فسيجد ساعتها ما يسره، وسيرى بنفسه ملامح تشبه ملامح النمرود حين رد عليه الخليل إبراهيم.. فبُهت الذي كفر !
ومسألة تشابه الأسماء لها رد آخر جميل، لكن لا تطمع كثيرا أن يفهمه عوام النصارى إن أشرت إليه لجهلهم عادة بالمسائل اللغوية وبعبرية التوراة. فالمسيح مثلا كان اسمه هو اسم أحد الأنبياء عند بني إسرائيل، لكن تحويله إلى اليونانية أخفى هذه المسألة وأتاح لمؤلفي الإنجيل أن يحرفوا معنى اسمه بحيث يوافق عقيدة ""ابن الإله الذي خلص البشرية"!
فاسم عيسى عليه السلام كان - بطبيعة الحال - هو اسم باللغة العبرية، بصفته آخر أنبياء بني إسرائيل. واسمه كما يقولون هو: يهوشوع، أي يهوه يخلص، أي الله يخلّص. وهو نفسه اسم فتى موسى، يوشع بن نون. وهو نفسه ما تحول بعد ذلك إلى كلمة يسوع!
وتم تغيير المعنى بحيث يتحول من (الله يخلص) إلى (خلاص الله) أي (هو الله الذي سيخلص الناس) !! وأخذوه كنبوءة بالموت على الصليب لخلاص البشرية.
والرد هنا هو، لو كان هذا هو معنى الاسم فهل كان النبي يوشع بن نون أيضا هو المسيح المنتظر ابن الإله مخلص البشرية؟!
وطبعا لن تجد ردا منطقيا منهم.
بل إن الأستاذ رؤوف أبو سعدة يقول في كتابه (العَلم الأعجمي في القرآن) أن الاسم فعلا يمكن أخذه كنبوءة لما حدث للمسيح بأن "خلصه" الله من بين أيدي من أرادوا قتله، فرفعه إليه!
رحم الله الأستاذ أبو سعدة، وجزاه بما نفع المسلمين بكتابه القيم النادر المثيل.
***
يوحنا 19: 25 "وكانت واقفات عند صليب يسوع، أمه، وأخت أمه، مريم زوجة كلوبا، ومريم المجدلية"
لاحظ انتشار اسم مريم بين بني إسرائيل كما هو واضح. ونفس الشيء مع اسم هارون بالطبع.
يروي إنجيل مرقس في الإصحاح السادس على لسان اليهود الهازئين بالمسيح: "أليس هذا هو النجار ابن مريم، وأخو يعقوب ويوسي ويهوذا وسِمعان؟.. أوليست أخواته ههنا عندنا؟"
يقصدون أنه "مجرد واحد من العامة"، فمن أين له هذه الحكمة والمواعظ والمعجزات.
يقول بولس في رسالته إلى أهل غلاطية أنه رأى "... يعقوب أخا الرب" غلاطية 1: 19
***
وهذا المفتاح ببساطة هو الإيمان بالرمزية. أي تأويل النص إلى معنى رمزي يغير من مدلوله الظاهر، فتختفي التناقضات الواضحة!
كل تعليمات وأوامر العهد القديم (التوراة) يقوم المسيحيون بالتنصل منها عن طريق القول بأنها كانت عهدا "قديما" بين الإله والبشر، وتم إبطالها بأن قدم المسيح نفسه قربانا. أي أن خطايا البشر غفرها الإله بأن قام بقتل جزء منه (أي المسيح الذي يؤمنون أنه جزء من الثالوث الإلهي) ثم انتهت المسرحية بالطبع بأن عاد هذا الجزء للحياة مرة أخرى، وتم المراد!
لكن المشكلة التي واجهت النصارى بعد ذلك كانت في كيفية تأويل قصص التوارة بحيث تطابق العقيدة النصرانية الكنسية الجديدة. فمن الواضح طبعا أن "الكتاب المقدس" في أسفاره الأولى لا يتكلم بحرف واحد عن مسألة أن الإله في الحقيقة هو ثالوث.. لكن الأسفار الإنجيلية التي تأتي بعد ذلك في الكتاب تقول بهذا. فكيف يمكنهم التوفيق؟
الحل كان في تأويل كل النصوص القديمة بأنها مجرد رموز وحكايات تبشر بقدوم الحدث الأكبر، أي نزول ابن للإله ليفدي البشرية من متاعبها وخطاياها. وتأويل كل أسلوب تعظيم في التوراة للإله، مثل (خلقنا.. جعلنا.. وقلنا لهم.. إنا نحن نحيي الموتى..) بأنه كان رمزا يقصد الإله به أن يقول: أنا ثلاثة، أب وابن وروح قدس!!
لكن مشكلة جديدة ظهرت وواجهتهم. فحتى نصوص العهد الجديد (الإنجيل) تتناقض مع بعضها ومع المعتقدات التي وضعتها الكنيسة كأساس للدين الجديد. وهذا ما سأتحدث عنه هنا.
فهل تعلم مثلا أن الكاثوليك والأرثوذكس يؤمنون بأن مريم هي أم الرب، وأنها ظلت عذراء بتول إلى نهاية حياتها؟
وهل تعلم - في نفس الوقت - أن نصوص الإنجيل تشير إلى أن المسيح كان له إخوة فعليون، ومنهم (يعقوب أخو الرب) ؟!!
فكيف خرجوا من هذه الورطة؟
***
كان الحل ببساطة هو أن يقولوا أن المقصود بأن يعقوب هذا "أخ" للمسيح هو أنه قريب له في النسب.
وهو كما ترى حل بسيط جدا.. غير أنهم يقولون أنه ابن خالة المسيح، وأن أمه كان اسمها مريم أيضا، كما تقول النصوص عندهم. وبهذا يكون لمريم العذراء أخت اسمها مريم!
البروتستانت أراحوا أنفسهم من تناقضات النص في المسألة وقالوا النص كظاهره.. مريم أنجبت إخوة للمسيح بعد ولادته. لكن هذا تفسير يرفضه الأقباط والكاثوليك. فكيف يحمل نفس الرحم الذي حمل "تجسد الرب" شخصا آخر بشريا عاديا؟!
***
وغرضي من الموضوع ليس بحث تفاصيله، بل توضيح تناقض النصارى عندما يشيرون لآية سورة مريم التي يصفها فيها بنو إسرائيل بأنها "أخت هارون".
إذ يقول النصارى، كيف يقول قرآنكم أن مريم هي أخت هارون الذي هو أخو موسى، مع البعد الزمني الكبير جدا بينهما؟
وطبعا يرفضون فهم معنى الآية السليم.. فاليهود كانوا يوبخون مريم لما رأوها قادمة بطفل وهي لم تتزوج، فقالوا لها يا عابدة وتقية ويا شبيهة هارون النبي في العبادة والإيمان، ويا ابنة امرأة صالحة وأب صالح، كيف تقترفين مثل هذا الجرم الشديد.
يا أختَ هارون ما كان أبوكِ امرأَ سَوْءٍ وما كانت أمّكِ بغياً (مريم 8)فمقصودهم بالأخوية لهارون أنها شبيهة بالنبي هارون، أو بأحد الصالحين العابدين المشهورين والذي كان اسمه أيضا هارون. فاليهود كانوا - مثلنا - يسمون أبناءهم بأسماء الصالحين. فانا مثلا - ويا للهول! - اسمي محمد!!
فهل يا ترى سيفهم النصارى من هذا أني محمد صلى الله عليه وسلم؟!
ويا ترى كيف يفسرون أن هناك صحفي شهير اسمه إبراهيم عيسى.. مع العلم أن هناك فاصل زمني كبير بين الرسولين؟!!
أنا أمزح طبعا.. لكنها كوميديا سوداء تسخر من جهل كل مسيحي لا يزال يصر على أن القرآن يقصد أن مريم العذراء هي أخت هارون أخو موسى.
***
فعجيب جدا أن تجد أحد الأقباط على المنتديات يخرج منه أمران متناقضان في نفس الوقت، دون أن ينتبه. فيقول للمسلمين: كيف يقول قرآنكم عن مريم أنها أخت هارون مع أنها لم تكن أخته فعلا. ثم يقول للنصارى إخوانه: الإنجيل طبعا لا يقصد أن يعقوب هو أخو المسيح فعلا عندما يقول أنه أخوه (!!)
وهذا - لعمري - هو عين التفسير بالأهواء.. وتحريف كل نص لا يوافق هواهم.
***
وإلى هنا تنتهي التدوينة، لكن سأضع بعض النصوص التي تخص الموضوع، لمن يريد مراجعة المسألة.
وأزيد أيضا فأنصح كل من يسمع أحد النصارى يتكلم في مسألة "أخت هارون" بأن يرد عليه تلقائيا بمسألة "يعقوب أخو المسيح".. فسيجد ساعتها ما يسره، وسيرى بنفسه ملامح تشبه ملامح النمرود حين رد عليه الخليل إبراهيم.. فبُهت الذي كفر !
ومسألة تشابه الأسماء لها رد آخر جميل، لكن لا تطمع كثيرا أن يفهمه عوام النصارى إن أشرت إليه لجهلهم عادة بالمسائل اللغوية وبعبرية التوراة. فالمسيح مثلا كان اسمه هو اسم أحد الأنبياء عند بني إسرائيل، لكن تحويله إلى اليونانية أخفى هذه المسألة وأتاح لمؤلفي الإنجيل أن يحرفوا معنى اسمه بحيث يوافق عقيدة ""ابن الإله الذي خلص البشرية"!
فاسم عيسى عليه السلام كان - بطبيعة الحال - هو اسم باللغة العبرية، بصفته آخر أنبياء بني إسرائيل. واسمه كما يقولون هو: يهوشوع، أي يهوه يخلص، أي الله يخلّص. وهو نفسه اسم فتى موسى، يوشع بن نون. وهو نفسه ما تحول بعد ذلك إلى كلمة يسوع!
وتم تغيير المعنى بحيث يتحول من (الله يخلص) إلى (خلاص الله) أي (هو الله الذي سيخلص الناس) !! وأخذوه كنبوءة بالموت على الصليب لخلاص البشرية.
والرد هنا هو، لو كان هذا هو معنى الاسم فهل كان النبي يوشع بن نون أيضا هو المسيح المنتظر ابن الإله مخلص البشرية؟!
وطبعا لن تجد ردا منطقيا منهم.
بل إن الأستاذ رؤوف أبو سعدة يقول في كتابه (العَلم الأعجمي في القرآن) أن الاسم فعلا يمكن أخذه كنبوءة لما حدث للمسيح بأن "خلصه" الله من بين أيدي من أرادوا قتله، فرفعه إليه!
رحم الله الأستاذ أبو سعدة، وجزاه بما نفع المسلمين بكتابه القيم النادر المثيل.
***
يوحنا 19: 25 "وكانت واقفات عند صليب يسوع، أمه، وأخت أمه، مريم زوجة كلوبا، ومريم المجدلية"
لاحظ انتشار اسم مريم بين بني إسرائيل كما هو واضح. ونفس الشيء مع اسم هارون بالطبع.
يروي إنجيل مرقس في الإصحاح السادس على لسان اليهود الهازئين بالمسيح: "أليس هذا هو النجار ابن مريم، وأخو يعقوب ويوسي ويهوذا وسِمعان؟.. أوليست أخواته ههنا عندنا؟"
يقصدون أنه "مجرد واحد من العامة"، فمن أين له هذه الحكمة والمواعظ والمعجزات.
يقول بولس في رسالته إلى أهل غلاطية أنه رأى "... يعقوب أخا الرب" غلاطية 1: 19
***
(إضافة)
البحث في هذه المسائل من الأمور الشيقة جدا، لكن تحتاج معرفة قوية أولا بكل حقيقة إسلامية عن الموضوع محل البحث قبل الدخول في مقارنات توراتية أو إنجيلية.. وإلا تشتت فكر الباحث المسلم، فيقبل نصا هو في الحقيقة محرف، أو يرفض نصا هو في الحقيقة سليم وموافق للشريعة.
ومسألة تشابهات الأسماء هذه واسعة. فأخت موسى التي تتبعته في التابوت تسمى في التوراة مريم. إذن هارون كانت له أخت فعلا اسمها مريم!
وأبو موسى وهارون اسمه بالطبع عمران. وأبو مريم اسمه عمران!
وعمران اسم هام عندنا حيث أن ثالث سور المصحف هي سورة آل عمران.. أي ابنته مريم وحفيده عيسى بن مريم.
ويوشع بن نون هو فتى موسى في قصة الخضر والحوت الذي هرب في البحر. وكلمة نون طبعا تعني الحوت! وانظر قصة يونس "ذي النون" الذي التقمه الحوت. وقصته في التوراة تجدها تحت اسم يونان النبي.
ويوشع بن نون هو فتى موسى في قصة الخضر والحوت الذي هرب في البحر. وكلمة نون طبعا تعني الحوت! وانظر قصة يونس "ذي النون" الذي التقمه الحوت. وقصته في التوراة تجدها تحت اسم يونان النبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق