سُقينا الذل أوعية.. سُقينا الجهل أدعية.. مللنا السقْيَ والساقي..! هكذا أحدث نفسي دائما بما يحدث لنا كدوامة تأخذ إن شائت معها من تشاء وتترك إن شائت ماتشاء! فليس الأسف ما شهدته سماء التحرير من ساعات الأيام المنصرمة لكنه هوالأسف بعينه الذي جرف في تياراته شتي تيارات الوطن..! فحينما خرجت الجموع في يوم (رفض وثيقة السلمي)* .. خرجت معها الأقاويل مابين القيل والقال؛ إذ أن كل من خرج يومها هم من ذوي الدم الحار في ملحمة لـ(حب مصر)، أو كما يقال عليهم الأغلبية المطلقة في ظل تمنع الآخرين! والسبب- أيها المواطن البسيط- تمتنع من أن تعرفه! وإن وصل هذا اليوم في أبهي حلته إلي نهاية فقرته مابين رفض وقبول إعتصام الميدان، حتي فتحت علينا النيران في ثاني أيامه .. تأخذ في طياتها كل شامي ومغربي دون الولوج في مفاوضات تذكر مع مواطنة الميدان! بل تشكلت قوات الردع مابين قوات مكافحة الشغب ومحترفي القنص من جانب وقوات الجيش والشرطة العسكرية من جانب آخر؛ كمقصلة تلتهم دون رحمة في كرامة عزل السلاح .. عزل الصياح إن هم أحدهم صاح في إثارة حفيظتهم من أساسه! ليرفض من رفض عبودية البرجوازية المتعفنة التي مازالت تفوح برائحة سلاحها يخترق أعين الأحرار وتهتري له صدور الأبرار، حتي لانجد لنا ملاذا غير النصر أو الشهادة .. غير بمواصلة الحلم أو نحترق ليعيش غيرنا.
الشاهد لدينا بأن هناك ثلاث سلطات دائما مايشار إليها في ترسيخ دعامة فكرة الدولة بكيانها.. وهم الله والدين والملكية العامة.. مثلهم ثلاث القضائية، التنفيذية والتشريعية. وهناك ثلاث سلطات دائما مايشار إليها في أناركية** البلاد وهم ماركس ولينين وستالين.. مثلهم ثلاث الإنتهازية، والقبلية والطائفية.. لكن هناك ثلاث تكفل بها ميدان التحرير منذ باديء ذي بدء لواقع الربيع الثوري المصري وهم العسكريون، الإسلاميون والآخرون***.. والذي سنتناول منهم كلا علي حده:
أولا: بما يخص الشق الأول.. ونخص بالذكر (المجلس الأعلي للقوات المسلحة) وإن أصح التعبير (المجلس العسكري الإنتقالي) والذي بطبيعة العقيدة العسكرية هوائي ويلعب علينا لعبة قذرة مفتعلة بمبدأ (العصا والجزرة)، فيعطي (العصا) لمن عصا حتي لو كان من الصبا فتسلم يد بيد لقوات عسكرية أقرب ماتكون سرية تلعب علينا في الخفاء سواء أمن مركزي وطني أو عام والمندسين وسطهم من الفلول وأعوان الشيطان وشرذمة خازن النار.. أما (الجزرة) فيتملكها صاحب الأمر ومجلسه الموقر المبجل ليتلاعبوا- يدادوا- بنا يميناً ويساراً كاليويو تُحير حاملها؛ حتي وإن كانت تلك الساعات الماضية خارجة حسابات بعض القيادات النبيلة- الأميرة- من عسكرة الدولة، إلا إنها جائت لهم كفرصة تلوح لهم من الأفق في فرض بعض من بنات أفكارهم البائدة في رسم خطتهم الشنعاء في جعل البلاد تمر تحت لهيب الهولوكوست فينصهر المعدن علي المرفق فيثبط حركة سواعدنا طلبا في الهدف المنشود المحتوم لصناعة الأمل.
ثانيا: الإسلاميون.. ونخص بهم الإخوان المسلمين والذي تركزت عليهم وسائل الإعلام الإذاعية، والمرئية، والدعائية أيضا وبشكل يخجل له الجبين، وتهتز له الأوصال، وترتعد له الأفكار من بعد تصريحاتهم المنطقية بعدم الخروج لساحة الحرية وإبراز العضلات كما يقال عليهم دائما..! فيصدق البعض عاطفته في رفضه التام لموقف جماعة الإخوان المسلمين حينما بدرت منهم مثل ذلك البيانات بعدم الخوض في معترك (محمد محمود)، التي وإن يصدقها غالبيتنا وبعقلنا الراجح بأنه من سابع بل وعاشر المستحيلات وجودهم بالميدان وذلك لعدة أسباب لم يتداركها البعض منهم وهي كالتالي:
-الأمر الأول..! وجود الإخوان المسلمون علي الساحة الإنتخابية وبقوة جارفة في الجامعات والنقابات والمؤسسات والهيئات...إلخ مع أخذ كلمة جارفة وبإكتساح في سياق المغزي واللتان كانتا حليفا للجماعة بالفترة الماضية، مما خلق نوعية وإن أصح التعبير قولا وفعلا بعدم صفاء القلب وتخوف محتمل من وقوع كوارث ومصائب زمن الزمان في تملك الإسلامي لسلطات البلاد؛ وكأن الإسلامي تربي علي أن يكون في المسجد يمسك مصحفا أو إرهابيا يقتل أجنبيا فقط لاغير!
-الأمر الثاني..! والذي تركزت عليه جماعة الإخوان المسلمين من بعد تجنب طائفة (لا لحكم الإخوان المسلمين في مصر والعالم بالمرة!) هي إنهم لن يكونوا الفريسة التي يحاول الديدبان .. المشير .. الجبان وضعها في الميدان، حتي يجتث قوميتنا ونصبح لانصلح..! لكن وللعلم نظن بأننا نصلح لكي نخرب! فالمجلس العسكري مؤمن وبشكل يؤيده إئتلافات شباب الثورة بإنه يُخلص في مبدأ (فرق .. تسد)، بل وأعتقد بأن اتجاه المشير لمقولة (البكباشي/ جمال عبدالناصر) هي الأقرب حسبا وإختصارا: (إقتل ثُلثي الشعب .. حتي يدين الثلث الآخير لك بالولاء).
-الأمر الثالث..! لو كانت مشكلة البحث عن كرسي تحت قبة البرلمان مأخوذة في عين الإعتبار، لفعلها الإخوان وخرجوا إلي الميدان بمنتهي الأريحية، فوجودهم علي صينية التحرير وسط الحشود سيجلب لهم الأصوات بأقل تعب يذكر، لكنهم رفضوا تخصيص الخاص عن العام.. والتركيز علي مصلحة البلاد بوضعها في عين الإعتبار والتي ذكرتها في أول نقطتين.
-الأمر الرابع والأخير..! إن كانت غابت كوادر الإخوان المسلمين، فلا أخفي لكم سرا .. فشباب جماعة الإخوان المسلمين لم يغب عليه المشهد الميداني في التحرير .. فمنهم من خرج بقرار من قيادات الجماعة بالنزول لمواصلة الدعم هناك، ومنهم أيضا من خرج ضاربا عرض الحائط إنتظار- والذي لم يَطِل- لقرار الأفراد راجيا حتمية قرار الأوضاع. وهذا ماحدث بالفعل والحق يقال طالما تسممت الألباب بنفحات الأفكار الغاشمة.
ثالثا: الآخرون.. وليس هم فصيل أو فئه بعينها، إنما هم قلة وجدت ترهب في النفوس.. ترغب في فعلك لأسوأ الأمور.. تزايد بإٍسم الشيوخ.. تتاجر بالدين بإسم الرسول. تثابر في نقض العهود.. تختلق الحجج في بسط النفوذ.. تشن حملاتها في تخوين الألوف.. تفرض رأيها فيقولوا مالايفعلون.. تصر في عنادها حتي تأخذ من معها ونحن معها إلي مهالك الأخدود.. وتصر أكثر فلا يكاد الطفل يبلغ الحُلم حتي سُلب منه الحِلم.. الحِلم الذي أصبحنا مدججين بتطلعاته وآماله في رسم شمولية نجاح ثورتنا، وما إن تسدل الستائر عنه حتي يحاول الآخرين ضرب الفكرة بقبضة من نار والأخري من حديد..! فمصر لا ولن تعيش حاضرها ومستقبلها إلا بعد شنق آخر قيصر بأحشاء هؤلاء الآخرين .. أقصد شرذمة البهائم التي تخور بأفكارها الزائفة فتضفي رائحة كريهة لعبق ثورة الخامس والعشرين من فاتح هذه السنة.
ولنهاية كلامي فإن هناك عظيم قالها يوما: (إن الشعب هو صاحب الكلمة الأولي والأخيرة في تسيير حركة الإستقرار بداخل البلاد، فإذا ماسقطت الفكرة الرئيسية في ماهية واقع الديمقراطية- والتي هي مدنية بطبيعة الحال وبمرجعية سلمية- سقطت معها مباديء الحرية). فافيقوا ولاتموت عقولكم فتموت معها ضمائركم. دمتم في رعايته.
*جمعة (رفض وثيقة السلمي) لـ18 من نوفمبر لعام 2011
**الأناركية: وهي اللاسلطوية التي تعارض القسرية وفكرة هيكلة الدولة، بإعتبارها كيانا قائما علي العنف سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.. حيث تمنع الناس من الإلتقاء حول حاجاتهم الأساسية.
***الآخرين: هنا بالمقال لم أتدرج لإتهام فصيل أو فئة بعينها، لكن المتهم دائما هو من يجد نفسه تحت منطلق هذا المصطلح.
---------------------------------
البِـــــــــــــــــــــــك...