الجمعة، 1 يونيو 2012

عند القائد إبراهيم


بسرعة سأحاول أن أسجل هنا بعض احداث وحوارات اليوم. فبعد الخروج من صلاة الجمعة (كانت الخطبة ممتازة بالمناسبة!) وشراء جريدتي الأسبوعية المعتادة، جريدة الفتح الصادرة عن الدعوة السلفية، توجهت نحو المكان المعتاد للتظاهرات بالاسكندرية، أي ساحة مسجد القائد إبراهيم المطل على شاطئ البحر.
كانت حرارة الجو تفوق القدرة على التحمل، كما هو متوقع من طقس أول يوم من شهر يونيو. وبعد فترة من السير تحت قيظ الشمس وصلت أخيرا للمكان المنشود، وكلي استعداد للمشاركة في المظاهرة التي دعت إليها بعض القوى السياسية الثورية احتجاجا على عدم تنفيذ قانون العزل السياسي ضد مرشح فلول الحزب الوطني للرئاسة، الفريق أحمد شفيق.

لم تكن الساحة مزدحمة كما كنت أتوقع، وأظن حالة الطقس هي السبب بالإضافة لجو الانتظار الذي يسيطر حاليا على المصريين المترقبين لتطورات الموقف السياسي وإعلان نتيجة محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك غدا، والاستعداد لجولة الإعادة الانتخابية بين شفيق ومرشح الثورة والإخوان المسلمين: الدكتور محمد مرسي.

بعد معاينة  سريعة للمكان وطبيعة المتظاهرين وقلة عددهم قررت الجلوس على سور أحد المباني المجاورة وتصفح الجريدة التي أحملها معي.. لكن المناقشات حولي بين الناس كانت قد بدأت وعلا الصوت وارتفعت حدة الحوار بين الداعين لمقاطعة العملية الانتخابية أصلا والذين يؤيدون محمد مرسي كحل أخير لإنقاذ الثورة من براثن حكم العسكر ولول النظام الفاسد القديم الذي يعاود الظهور بقوة ويحاول استعادة عرشه الذي ظن الجميع أنه انزاح عنه للأبد.

وجدت حولي فئات متنوعة من المواطنين، بينهم الشباب والشيوخ وذوي التوجه الإسلامي وغيرهم، مما أعطى للوقفة الاحتجاجية نكهة تعبر عن المصريين بشكل عام، دون ظهور واضح لتوجه على حساب الآخر.. وإن كانت الملصقات الدعائية تعلن التأييد للمرشح الخاسر الناصري اليساري (حمدين صباحي).
وفجأة، ظهر امامي شخص يرتدي بدلة رسمية ويحمل الميكروفون وجواره مصور يحمل كاميرا التليفزيون!
كان من الواضح أن المذيع اختارني من بين الجلوس لأسباب شكلية ظاهرية بحتة. وأظنه رأى شابا ملتحيا يرتدى ملابس (كاجوال) ويقرأ جريدة وسط وقفة احتجاجية، فقرر أني ضالته التي يريد أن يسجل معها حواره.
وطبعا كأي مصري الآن، فلدي حساسية من الإعلام عامة، لما يقوم به من دور تحريضي وتشويهي منذ بداية الثورة. ولما تقوم به القنوات الفضائية من قلب للحقائق والانحياز لصف الفلول ضد الثورة وضد كل ما هو إسلامي. فكان أول خاطر مر على ذهني هو أنه سيسجل معي الحوار ثم يقتطع منه ما يخدم غرض قناته التي يعمل بها، مخرجا كلامي من سياقه، مما قد يعطي للمشاهد انطباعا هو عكس ما سأقوله تماما، كما حدث مع كثيرين غيري مؤخرا.. فقررت عدم قبول التسجيل معه قبل أن أعرف لأي جهة إعلامية ينتمي.
-          (قلت بحدة ودون وجل من عدسة الكاميرا المصوبة على وجهي) قناة إيه؟
-          (يرد المذيع بابتسامة لزجة وكأنه غير مصدق أني لم أنبهر بكوني محط أنظار كاميرته، ولم أدخل في حالة الانفعال والخطاب الدرامي التي تصيب الكثير من المواطنين لحظة توجيه أي كاميرا تليفزيونية لهم) الاسكندرية
-          فيه قناة اسمها الاسكندرية؟! (سألته في استفهام حقيقي، لكن مع الاحتفاظ بحدة النبرة، وكأني محقق شرطة يستجوب متهما)
-          (رد أحد الجالسين عن يساري على سؤالي وأفهمني أنه يقصد القناة الخامسة المحلية. وهي ضعيفة الإنتاج وتملكها الحكومة ولا يشاهدها أحد تقريبا. فأشرت له بامتعاض رافضا التصوير)
-          ما تقول إنك مش عايز تسجل معانا!
-          أيوة، أنا مش عايز أسجل معاك!
فتركني وانحرف مع المصور الذي يتبعه ناحية اليمين قليلا. لكنه واجه رفضا أكثر حدة من شخص آخر، الذي ارتفع صوته وهو يسب التلفزيون الحكومي ويصفه بأنه مضلل للناس وكاذب، وكادت أنت بدأت مشاجرة كلامية بين الطرفين. وكان رد المذيع على هجوم الشخص الآخر هو قوله: على العموم ’كل إناء بما فيه ينضح‘ !!
ورحل المذيع ومعه المصور بعد أن استشعرا عدائية الجمهور لهم.
فالتف حولي بتلقائية بعض الشباب، ربما إعجابا بموقفي وأني رفضت هذه الفرصة ’الذهبية‘ التي كادت تتيح لي الظهور في التليفزين!
وبدأ نقاش حول رد الفعل إن تم تزوير العملية الانتخابية في الجولة الثانية لصالح المرشح الفاسد (أحمد شفيق) ومن يدعمه من العسكر والشرطة وفلول نظام الحزب الوطني المنحل. ودخلت أطراف أخرى في الحوار، من المواطنين المتذبذبين في اختيارهم، وآخرين يميلون للحل الثوري، وآخرين يريدون استقرارا مزعوما يتوهمون أن التصويت لشفيق سيجلبه لمصر!
أحد كبار السن أطال الحوار معي حول مرشحه الذي كان يدعمه في المرحلة الأولى ثم تحويل جهوده ناحية محمد مرسي بصفته المرشح الثوري الوحيد المتبقي بعد استبعاد الباقين أو خروجهم من السباق.
واستغليت الفرصة لنشر الجريدة بين المحيطين بي، حتى أخذها أحدهم ليقرأ خبرا أعجبه فيها. وسألني آخر عن ميولي إن كانت إخوانية أم سلفية، وحكى لي آخر تفاصيل بعد وقائع التزوير الحكومي لصالح شفيق وتعمد قوات الأمن لترك حالة الانفلات وعدم التضييق على اللصوص حتى يضغطوا على الشعب لقبول من ستفرضه عليهم القيادة العسكرية الحالية!
حكى لي عن أسرة أحد العسكريين المتوفين إذ اكتشفوا تلاعب في صورة بطاقته الشخصية كجزء من عملية التزوير المتوقعة لصالح شفيق، وعن مخطط الحكومة في قطع الكهرباء عن المواطنين في أوقات معينة لتأخير وصول أخبار الاحتجاجات لهم عبر شاشات الفضائيات ومواقع الإنترنت.
كان الحديث مفيدا وشيقا في الجملة، خصوصا وقد صحح لي ما كنته أظنه في مسألة تنازل أحد المرشحين عن الانتخابات. ففي حين كان ظني هو أن يفوز الآخر تلقائيا، إلا أنه أخبرني بضرورة أن تجري الانتخابات بالمرشح الواحد المتبقي، فإن حصل على أكثر من نصف أصوات الناخبين صار ئيس مصر، وإلا تمت إعادة العملية الإنتخابية كلها من البداية.

نشرت بين الناس الجلوس بعض أقوال شفيق الغبية التي صرح بها للإعلام، خصوصا وأني متابع لحملته الانتخابية في الفترة الأخيرة.. ومنها وعده للأقباط أن يحذف الآيات القرآنية من كتب اللغة العربية أو على الأقل يضيف آيات من الإنجليل لتصير مقررة على الطلبة المسلمين!.. وتصريحه بأنه سيقتل المتظاهرين ضده ولو وصل عددهم لـ 2 مليون مواطن!.. وبعض الأقوال الأخرى من هذا القبيل التي تدل على طبيعته ضيقة الأفق وبلطجته، بما لا يصلح معه لمنصب الرئيس إطلاقا.

على العموم، سنرى كيف ستكون ردة فعل الجماهير إن حدث تزوير لصالح هذه الشخصية الفاسدة المتعجرفة، والتي أتوقع أن تكون غضبة عارمة من البعض، قد تدخل بمصر عهدا فوضويا لم تعهده منذ فترة طويلة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق