هناك مشكلة قديمة ومعروفة للمثقفين العرب، وهي الفجوة الكبيرة التي تكون بين صدور أي منتج ثقافي في الغرب وصدور ترجمة عربية له تنقل فحواه للجمهور الناطق بالعربية.
والحقيقة أن المرشح السابق للرئاسة في مصر، الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل كان ضمن برنامجه خطة واضحة لتقليل هذه الفجوة، وحث الأكاديميين العرب وغير المتخصصين أيضا على المشاركة في ترجمة الكتب التي تصدر بلغات أجنبية إلى العربية في أقل وقت ممكن.. لكن المشروع اختفى تدريجيا بعد خروجه من السباق الرئاسي - بأوامر أمريكية صريحة لقادة مصر العسكريين وقتها!! - وإن ظلت هناك بعض الأصوات التي تنفخ الروح في مشروع مماثل، كفكرة المهندس والمبرمج والمفكر الذي أحترمه أنا كثيرا وأتابع إنتاجه منذ سنوات: محمد حمدي غانم.. لكن بالطبع دعم رئيس جمهورية لمشروع ما تختلف نتيجته عن دعم أي فرد آخر لنفس المشروع، لأننا نعيش في دولة بيروقراطية تقدس الأوامر القادمة من المنصب الأعلى ولا تنتبه لما يصدر من أفكار عن الأفراد "العاديين" من الشعب!
ما دفعني للكتابة عن هذا الأمر هنا هو أني بصدد ترجمة Subtitle لفيلم وثائقي أمريكي شبه مغمور لكنه شديد الأهمية، صدر في التسعينيات، وفضح ما يمكن تسميته بالدهاليز الإعلامية لعالم السياسة الأمريكية، وكيف يتم التلاعب بالأسئلة التي توجه للسياسيين بأسلوب يسمى (المراوغة) أو Spin حيث يلتف السياسي حول هدف السؤال ويجيب عن شيء آخر تماما، متجنبا السؤال الأصلي.. إما لأنه سيسبب له إحراجا، أو لأنه سيقلل من شعبيته عند إحدى فئات المجتمع التي يرغب في الحصول على أصواتها الإنتخابية.
لكن المثير والمميز في هذا الفيلم الوثائقي هو حصول صاحبه على كنز من المشاهد واللقطات الواقعية التي كان يتم بثها على القنوات الفضائية قبل وبعد البث الحي المباشر المعتاد. تصور مثلا أن قناة الجزيرة الفضائية لها قنوات أخرى تنقل ما يدور في الاستوديو من حوار بين المذيعين والضيوف قبل الظهور على الهواء Live وأن أحدهم تتبع هذه الحوارات وسجلها على شرائط!!.. يا لها من ثروة حقيقية.
فهذه اللحظات الأولى يكون الضيف فيها على راحته ولم يلبس قناع التصنع المعتاد أمام الجماهير، ويتكلم المذيع بأسلوب تلقائي مختلف عما تقتضيه مهنته من تصنع للحيادية والموضوعية والأدب واللباقة أمام المشاهدين!
وقد سجل صاحب الفيلم (براين سبرينجر) Brian Springer مئات الساعات من هذه المشاهد الإخبارية والحوارية التي لم تقصد الشبكات الفضائية بثها، وحفظها على شرائط فيديو كاسيت - قبل عصر التسجيل الإلكتروني والإنترنت - وكان أغلبها عام 1992 ، تلك السنة التي شهدت الحملة الإنتخابية لبيل كلينتون Bill Clinton مرشح الحزب الديمقراطي ضد بوش الأب George H. W. Bush الرئيس الجمهوري.
وشهدت السنة أيضا الفضيحة الإعلامية الشهيرة التي تم فيها تسجيل واقعة اعتداء الشرطة بلوس أنجيلوس على المواطن الأمريكي الأسود(رودني كينج) Rodney King بالضرب وما تبعها من ثورة عارمة في شوارع المدينة ونهب وسرقة وقتل وإصابة العشرات إلى أن تدخل الجيش وقمع الاضطرابات، وخرج رودني كينج نفسه باكيا يطلب من الجميع التوقف عن العنف، حتى بعد أن صدر حكم ببراءة الضباط الذين اعتدوا عليه.
وقد تمت إعادة للمحاكمة وصدرت بعد ذلك أحكام بمعاقبة اثنين من الضباط، وتعويض مالي لـ رودني كينج.
وكانت تلك السنة أيضا هي سنة "تألق" الإعلامي اليهودي لاري كينج، حيث تم استخدام برنامجه المباشر Larry King Live على قناة CNN لتوجيه الجماهير في الانتخابات بشكل ممنهج.
ويظهر الفيلم الوثائقي أيضا الوجه الخفي القبيح للحركة المسيحية المحافظة وممثلها الإعلامي في ذلك الوقت (بات روبرتسون) Pat Robertson ومدى البون الشاسع بين أسلوبه الحقيقي وأسلوبه أمام الكاميرات!
لا أريد أن "أحرق" الفيلم لمن لم يشاهده بعد، لكن هناك العديد من المشاهد الحقيقية والصادقة والطبيعية التي يجب التعليق عليها لأهميتها ولوضعها في سياقها التاريخي ليفهمها من لا يتابع السياسة الأمريكية.
فباختصار:
الحزب الديمقراطي يميل للعلمانية والاشتراكية وتشريع الإجهاض وحقوق الشواذ
في حين أن الحزب الجمهوري يميل لاستخدام الخطاب الديني المتعصب وحقوق الأغنياء والرأسمالية والتدخل العسكري في شؤون الدول الأخرى
هذا في الظاهر.. أما في الحقيقة فالحزبان واقعان تحت سيطرة نفس النوعية من البشر الذين يتلاعبون بأتباعهم لأغراض سياسية ومالية وغيرها!
وكل من لا يخدم هذه الأجندة وهذه الأهداف يتم إخراجه من اللعبة السياسية التي تقتصر على "الكبار"..
لا أريد أن أطيل الحديث عن الفيلم قبل إتمام ترجمته، لكن ها هي صفحته على موقع IMDB
Spin (1995) - 57 min - Documentary
تحميل ملف الترجمة
مشاهدة الفيلم على اليوتيوب
وهنا رفعت الفيديو على قناتي باليوتيوب، مع إضافة خاصية إظهار الترجمة العربية المدمجة به
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق