‏إظهار الرسائل ذات التسميات Literature. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات Literature. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 25 فبراير 2013

ملاحظات سريعة عن معرض الكتاب

للسنة الثالثة على التوالي تم تغيير مكان معرض الكتاب بالإسكندرية. هل لا يفهم المسؤولون عنه أن تغيير المكان يقلل من عدد الزوار الذين اعتادوا على موقعه الأصلي؟!..
ذهبت اليوم في زيارة سريعة وعدت بعدد كتب أقل جدا من المعتاد، والسبب أن أغلب ما أحتاجه أجده على الإنترنت، فلا حاجة لشراء الكتب الورقية بأسعارها المرتفعة.
مكان المعرض بأرض كوتة
امام مكتبة الإسكندرية
المكان هو مسرح عبد الوهاب على البحر، والإقبال متوسط.. ربما لأن وقت زيارتي كان أكثر الأوقات هدوءا. 

على خلاف كل سنة، لم أشتر أي ترجمة لـ د\ محمد عناني.. المسرحية الشكسبيرية التي أصدر ترجمتها هذا العام غير معروفة ولم أسمع عنها أصلا!.. بالإضافة أنه لا زال لدي مسرحيات اشتريتها المعرض الفائت لم تُقرأ بعد.

المسؤولة عن بيع كتب هيئة الكتاب لمحت في يدي نسخة من كتاب عن الفلسفة الغربية فنادت عليّ لتخبرني أن الأجزاء الثلاثة يجب أن تباع معا، مع أني كنت أحتاج الأول فقط. بالطبع اضطررت لشراء الجزئين الباقيين في هدوء دون تعليق كثير. هل هذه سياسة جديدة للهيئة؟

اقترب مني أحد الأشخاص وبعد فتح حوار عن الكتب اتضح أنه يقوم بالدعاية المباشرة لمعرض الأهرام للكتاب والذي سيبدأ بعد انتهاء هذا المعرض. في الحقيقة لا أحب الدعاية غير الصريحة وأعتبرها نصبا مبطنا.

ما اشتريته هو:

تاريخ الفلسفة الغربية - برتراند رسل - ترجمة زكي نجيب محمود - مراجعة أحمد أمين
(طبعا 3 أجزاء!)

الديانة في مصر القديمة - مترجم - ألفه مجموعة من المتخصصين
(كنت أحتاج كتابا في هذا الموضوع بالذات لأني أكتب عنه في بعض فصول كتاب: أساطير الأولين والنظام العالمي الجديد)

تاريخ العلوم والتكنولوجيا - ت: د مصطفى محمود سليمان
(كتاب موسوعي ضخم ومؤلفه مصري. رأيته في معرض سابق لكن انتهت نسخه قبل أن أتمكن من شرائه!.. متميز جدا في تفاصيل علوم المسلمين أيام الخلافة. طباعته جيدة ومتماسك مع أنه أكثر من 700 صفحة وثمنه 20 جنيها قبل الخصم!)


ملاحظات سريعة عن معرض الكتاب

للسنة الثالثة على التوالي تم تغيير مكان معرض الكتاب بالإسكندرية. هل لا يفهم المسؤولون عنه أن تغيير المكان يقلل من عدد الزوار الذين اعتادوا على موقعه الأصلي؟!..
ذهبت اليوم في زيارة سريعة وعدت بعدد كتب أقل جدا من المعتاد، والسبب أن أغلب ما أحتاجه أجده على الإنترنت، فلا حاجة لشراء الكتب الورقية بأسعارها المرتفعة.
مكان المعرض بأرض كوتة
امام مكتبة الإسكندرية
المكان هو مسرح عبد الوهاب على البحر، والإقبال متوسط.. ربما لأن وقت زيارتي كان أكثر الأوقات هدوءا. 

على خلاف كل سنة، لم أشتر أي ترجمة لـ د\ محمد عناني.. المسرحية الشكسبيرية التي أصدر ترجمتها هذا العام غير معروفة ولم أسمع عنها أصلا!.. بالإضافة أنه لا زال لدي مسرحيات اشتريتها المعرض الفائت لم تُقرأ بعد.

المسؤولة عن بيع كتب هيئة الكتاب لمحت في يدي نسخة من كتاب عن الفلسفة الغربية فنادت عليّ لتخبرني أن الأجزاء الثلاثة يجب أن تباع معا، مع أني كنت أحتاج الأول فقط. بالطبع اضطررت لشراء الجزئين الباقيين في دون تعليق كثير. هل هذه سياسة جديدة للهيئة؟

اقترب مني أحد الأشخاص وبعد فتح حوار عن الكتب اتضح أنه يقوم بالدعاية المباشرة لمعرض الأهرام للكتاب والذي سيبدأ بعد انتهاء هذا المعرض. في الحقيقة لا أحب الدعاية غير الصريحة وأعتبرها نصبا مبطنا.

ما اشتريته هو:

تاريخ الفلسفة الغربية - برتراند رسل - ترجمة زكي نجيب محمود - مراجعة أحمد أمين
(طبعا 3 أجزاء!)

الديانة في مصر القديمة - مترجم - ألفه مجموعة من المتخصصين
(كنت أحتاج كتابا في هذا الموضوع بالذات لأني أكتب عنه في بعض فصول كتاب: أساطير الأولين والنظام العالمي الجديد)

تاريخ العلوم والتكنولوجيا - ت: د مصطفى محمود سليمان
(كتاب موسوعي ضخم ومؤلفه مصري. رأيته في معرض سابق لكن انتهت نسخه قبل أن أتمكن من شرائه!.. متميز جدا في تفاصيل علوم المسلمين أيام الخلافة. طباعته جيدة ومتماسك مع أنه أكثر من 700 صفحة وثمنه 20 جنيها قبل الخصم!)


الجمعة، 8 فبراير 2013

قصيدة الغراب - The Raven


بودكاست شبكة السلامة
http://SalamaCast.wordpress.com
قصيدة الغراب للشاعر الأمريكي إدجار ألان بو
إلقاء: سلامة المصري
-----
القصيدة الشهيرة تحكي عن طالب يجلس حزينا بعد وفاة حبيبته، ثم دخول غراب إلى غرفته، فيجري معه محادثة تنتهي بجنون الطالب أو موته
The Raven by Edgar Allan Poe
النص الإنجليزي
صفحة ويكيبيديا

ترجمة زهير سالم
ترجمة شريف بقنة الشهراني
ترجمة سُلاف المنظومة
حلقة صوتية من بودكاست شبكة السلامة تتحدث عن الشاعر وظروف القصيدة

ترجمة غسان أحمد نامق
الترجمة العبقرية لـ سليمان ميهوبي
 ترجمة جهاد هديب

وهناك ترجمات أخرى لـ يحيى معوض أحمد، و عدي جاسر الحربش

الأربعاء، 5 ديسمبر 2012

شر غائب ينتظر - قصة قصيرة


أعزائي..
مر عليّ في محبسي خاطر حثني على أن أكتب إليكم لأول مرة..
أظنه كان بالأمس.. أو ربما قبل الأمس.. فأيامي يشبه أحدها الآخر.

ها أنا أُملي كلماتي هذه من جزيرتي.. تدونها أمامي "جـ.." رفيقة محبسي الوفية.
فكيف كان لي أن أسطر رسالتي بنفسي وأنا مقيد بهذه الأغلال، لا تفارقني لحظة من ليل أو نهار؟!
تمنيتُ أن تكون أولى رسائلي إليكم أكثر حميمية.. مكتوبةً بخط يدي مباشرة، لكن حال بيني وبين تحقيق رغبتي ما لا يَخفى عليكم من صعوبة موقفي وضيق أمري. فلا تظنوا أن وجود واسطة بيننا هو دليل ضعف محبتي إياكم أو قلة تقديري واعتزازي بما حققتموه حتى اليوم..
وحتى لا أطيل عليكم، أو تمل مني مدوِّنة كلماتي، فأنا ألخص لكم ما أريد أن أقول أعظم قدر من التلخيص، وأوجز فحوى الخاطر الذي زار فكري بالأمس أبلغ إيجاز ممكن.. وإن كان أمرا ليس باليسير على نفسي؛ لأن الحال دائما فيما يخص الأفكار أنها تكون ملائمة في القدر لقدر صاحبها، وتبعا لهذا المنطق فلا عجب أن أفكاري دائما من النوع العظيم.. العملاق!

[ يبدو أن مزحة سيدي الصغيرة طابت لنفسه جدا وأعجبته، إذ يكاد صدى ضحكاته الآن يصم آذاني!.. وظني أن لو لم يكن المكان الذي نحن فيه راسخا لانهار فوق رأسينا.    - جـ.. ]

على أية حال، دعوني لا أنسى ما وعدتكم به من أمر الاختصار، وإلا أسهبت في رسالتي الأولى، فأنفركم من متابعة ما قد يكون لها من أخوات مستقبليات.

فالفكرة والخاطرة التي أنا بصددها تدور حول معنى لمع فجأة في بالي كبرق خاطف، أو كما قد يغيب الأمر البديهي عنك طوال اليوم ثم ما أن تضع رأسك ليلا على وسادتك حتى يقفز من ثنايا الذاكرة إلى الواجهة بلا مقدمات.
لقد تذكرت فجأة أني لم أشكركم أبدا على كل ما قدمتموه من أجلي!!

كم هو عجيب أن يغيب عني أمر كهذا طوال هذه القرون!
بل ولم تسمعوا مني - أنتم ولا آباؤكم - جملة تشجيع أو مدح.. حتى بعد كل ما فعلتم من أمور عظيمة الشأن وفائقة الأهمية لا يمكن إنكار دورها في التمهيد لخروجي المرتقب من محبسي، وظهوري لكم بعد طول غياب!

عجيب فعلا وغريب أن يتوه شأن كهذا عن ذهني، وأنا من أنا!
وإن كان انعزالي الاضطراري عن عالمكم يشفع لي بعض الشيء.

واستدراكا لهذه الهفوة، فها أنا أبعث إليكم بشكر لا شك أن طال ترقبكم له، وتلهفكم عليه.. فأن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي إطلاقا، أليس كذلك؟

ولأطيب خاطركم أبلغكم أن لكل واحد منكم منزلة خاصة في قلبي.. وأبشركم أن أفعالكم تصلني أخبارها كل فترة.. يحملها لي من الرحالة من يقذف به البحر ناحية جزيرتي الصغيرة.. فأكون شغوفا لمعرفة آخر ما وصل إليه حالكم، وكيف تعالجون صروف الدهر وتقلبات الزمن.
وإن كان الأمد قد طال منذ حط أحدهم على شاطئ موطني آخر مرة، وأبلغني بما وصلتم إليه من عجائب خرافية وطرائف لم تخطر على بال أسلافكم إلا في الأحلام!
أذكر أنه وصف لي أحداثا شغلتني لأيام.. راحلات تطير في الهواء وتصطدم بالأبراج العالية.. دولا سقطت ما كنت أظن أن تسقط، وأخرى وُلدت كنت أشك أن تولد.. وملاحم عظيمة ومقاتل كبرى.. وأسلحة حرب أشبه بالسحر تقذف قذائفها من قارة إلى أخرى!!

وكم أسعدتني مقالته، وأطربتني دلالة الأحداث!

فإن كانت تعني أي شيء على الإطلاق فإنما تعني قرب انطلاقي من أغلالي التي طال تكبيلها لي، ونهاية مكثي هنا، لأخرج أخيرا آخذا مكاني الطبيعي، ومحققا ما قيل لكم قديما أني سأحققه لا محالة.
فكلما سفكتم من الدماء المزيد انكسرت حلقة من حلقات سلاسل أسري..
وها أنا أقول لكم، أعزائي، استمروا في مجونكم، وانغماسكم في متعكم، ولا تسمعوا لمن يحاول خداعكم بوعود وهمية ستأتيكم في "حياة أخرى"..فأمثال هؤلاء هم أعداء الراحة والحرية.. فاحذروهم، وامسحوا دجلهم هذا من قلوبكم!
فالشرع الوحيد في هذه الحياة هو قانون "افعل ما تشاء".. إلى أن يحين زمن حكمي، فتصير مشيئتي وحدي هي النافذة على الجميع، كأمر طبيعي كما تعلمون.

أعزائي.. أعرف أن غيبتي طالت عليكم، وأن الشوق بلا شك يمزق قلوبكم..
لكن لكل أمر آن. ولكل حدث زمن معين لا يتعداه قيد أنملة. والخلاص قد اقترب على أية حال، فاصبروا.
وبهذا أختم رسالتي إليكم، إلى أن يحين الحين.

المنتظَر،..
- الجزيرة -


الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

أين الشدياق وشاكر والمويلحي في مناهجنا التعليمية؟

لن تصبح الثورة المصرية حقيقة طالما المناهج التعليمية على حالها!
مشكلة هذه المناهج ليست في مجرد "خطأ" ما تعلمه للطلاب بل في ما تتجنب ذكره، وتحجبه عن جيل لم يتعود القراءة خارج الكتب المدرسية!
فهي في الحقيقة حشو لمادة تعليمية غير مهمة بغرض الاستيلاء على أي وقت فراغ لدى الطالب قد يؤدي به لإشباع فضوله المعرفي - إن كانت المناهج مختصرة وتركز على تعليمه طرق البحث عن المعلومة في المقام الأول دون تقديمها له بسهولة فينساها فيما بعد! - وهذا الفضول المعرفي هو الفارق بين أي طالب يحب العلم وآخر يكرهه.

من من أجيال الطلبة الحاليين يعرف أبا فهر محمود محمد شاكر علامة اللغة العربية والأدب الذي كتب وألف عشرات الكتب التي لم يسبق إليها؟!
من من طلبة الجامعات سمع عن أحمد فارس الشدياق أمير النثر العربي الذي كاد يفوق الجاحظ في موسوعيته الأدبية وظرف مؤلفاته وغزارتها؟!
من من دارسي كليات الآداب قرأ حديث عيسى بن هشام للمويلحي والذي يعتبر أول رواية عربية في العصر الحديث؟!

الشدياق - المويلحي - شاكر

لو كنا دولة تحترم عقلية طلاب العلم فيها لما أخفينا هذه الدرر عنهم، لمجرد أنها تربي العقلية الناقدة للقارئ وتساعده على بناء شخصية ثقافية مستقلة، مما يؤدي بالضرورة إلى زيادة وعيه وتمرده على القوالب الثقافية المفتعلة والفارغة التي تصدرها وزارة "الثقافة" وأدباء حظيرة (فاروق حسني) إلى اليوم!!

لا عجب أن يكره التلاميذ القراءة إذا كان كل تصورهم عنها هو ما يتم تلقينه لهم في مناهجهم العقيمة.
لكن الأعجب هو أن يستمر الحال على ما هو عليه بعد الثورة، وكأن جريمة مبارك الوحيدة كانت سرقة الأموال وقتل المتظاهرين ولم يكن العامل الأساسي في انتشار الجهل بين المصريين ولا كان ناشرا للإباحية الأدبية والسطحية الفكرية طوال سنوات حكمه!!


الأحد، 9 سبتمبر 2012

أوهام صوفية وتجربة روحية

"...وعندما تحقق ما كان يريد لم يكن كما تصوره!.. فالكهف في الصباح كان فارغا إلا من أثر الرماد"

-----
كل شيء في مكانه والعالم يسوده الهدوء..
الدخان الأزرق يحيطني.. الضباب يملأ فراغ الكهف.. وعقلي انقشعت عنه أخيرا سحابة الضباب.
أشعر بالابتسامة ترتسم ببطء على وجهي إذ يهجم سيل الأفكار. كشوفات.. إشراقات.. فتوحات.. كلها تنتظرني فور تبدد حالة الغفلة التي لازمتني منذ بدأت أنا.
ما أجمله من شعور نوراني!.. شمس الوضوح تسطع من جديد بعد أن كاد ليل الجهل يخيم على الروح ويقتلني خنقا تحت ركامه.. توافه "الحياة العادية" ومشاكلها وصخبها.. كل هذا لا يوزن بشيء حسب المقياس العام للأمور.
ها أنا الآن في حالة سلام مع الكون.. كل شيء في مكانه الطبيعي والكهف يسوده الهدوء.
خطرت في ذهني خاطرة.. برقت لهنيهة ثم طواها النسيان، لكن سرعان ما حلت أخرى محلها. كم هو جميل أن تجلس منفردا، بعيدا عن الناس، منزويا عن ضوضاء الحياة، وفي نفس الآن تكون متصلا بكل شيء!
ساعتها يعمل الذهن كجهاز استقبال.. لا تقف في طريق الموجات حوائط ولا جدران.. لا تعوقه المسافات الشاسعة ولا تعجزه محدودية الحواس.
ساعتها يصير عقلك جزءا من الشبكة العالمية للعقول!.. تنساب الأفكار من هنا لهناك، ومن هناك إلى هنا في يسر وسلاسة منقطعة النظير.
لو فهم أهل التكنولوجيا أسرار هذه الطريقة وقدراتها لتواروا خجلا مع علومهم القاصرة، ولوجهوا طاقاتهم  لدراستها، وأفنوا في هذا الأعمار بعد أن كانوا يرفضون مجرد الاعتراف بوجودها!
لكن هيهات..
ضباب عقولهم المحدودة يحجبهم عن رؤية النور.
قبل أن تتبدد ظلمة الجهل يجب أن تصفو الروح فوق ارتباطها بالمادة. ذلك الارتباط الذي يكبلها عن معرفة الحقيقة، ويكتم قبس الإشراق كلما حاول العقل النفاذ من المتاهة المظلمة.

لكن كفاني تفكيرا في الآخرين. طاقاتهم السلبية قد تسلبني ما تحصّل لي من ضياء، وما جمعته بعد جهد من مخزون الإيجابية.
أفكاري تسبح في حرية. أنا في مكاني المناسب من العالم وجدران كهفي تحميني في هدوء.
لو رآني الآن غريب لامتلأ قلبه رعبا وولى هاربا من فوره!
فمن من هؤلاء "العاديين" سيفهم ما أنا عليه الآن؟.. من منهم سيتحمل عقله غير المدرب منظر جسدي كما هو الآن؟.. هالة من الإشعاع تحتويني داخلها، وانا متربع على أرضية الكهف الرطبة، أمام الأخشاب المشتعلة التي تحرق داخلها ما يتحول سريعا لدخان أزرق كثيف يعطر جو المكان.
العبق والنور وجفوني المغلقة وطقطقة النار وسيل الأفكار.
لو لم يكن هذا هو سلام النفس الحقيقي فلا أدري كيف يكون السلام!

لو لم يأتني مرادي الآن بعد كل ما هيأت من ظروف وقدمت من تضحيات وجهزت من تحضيرات فلا أظنه يأتي أبدا!!
فكرة واحدة عبقرية.. هذا كل ما أبحث عنه.
ومضة واحدة تبرق فجأة في جوانب العقل.
ياه.. كم أضناني انتظارها وكم كبدني البحث عنها من مشاق!
لكنها تقترب.. أكاد أشعر بها وأشم ملمسها وأرى رائحتها!
لا شك عندي أني أقترب.
اللحظة المبتغاة هي الآن على الأبواب.. تطرق باب عقلي لتدخل.. ضيف طال الشوق إلى مجيئه.
كل ما عليّ هو أن أفلح في استقبالها.. في اقتناصها فور ظهورها.. وبعدها سيتغير كل شيء بالتأكيد.

لكن..
ماذا لو لم يتحملها عقلي؟!
ماذا لو كانت الفكرة هائلة، شديدة الإشراق والعبقرية فحرقت أسلاكي إذ لم تستوعبها؟!
كالشمس تحاول وهب بعض ضوئها لشمعة صغيرة فإذا بها تسيح وتختفي من الوجود حتى قبل أن يكتمل اقتراب الشمس منها!

لكن لا وقت للشك الآن ولا للتردد. انفض عنك مخاوفك وطاقتك السلبية، فلن يسلب منك نجاحك بعض الأوهام.
فمشوار السعي الطويل يقترب من نهايته السعيدة..
أشعر بالطاقة تغمرني وإحساس عجيب غير مسبوق ينتابني..
كأن كل ذرة في الجسد تهتز راقصة.. طرب يفوق كل طرب أحسسته قبل اليوم..
نوبة طاقة أو صرعة نشوة أو شيء آخر يعجز ذهني الآن عن وصفه..
لكنها ستنتهي.. وعندها سيكون كل شيء في مكانه والعالم يسوده الهدوء من جديد..
وأنا شخص جديد..
لا شك عندي.




الاثنين، 14 مايو 2012

Alan Moore

(ألان مور Alan Moore) كاتب من نوع فريد، ومتخصص في تأليف القصص المصورة Graphic Novels التي يرسمها آخرون طبقا لتعليماته الدقيقة وشديدة التفصيل. لكن الغريب في شخصية هذا الرجل البريطاني وفي كتاباته هو الجو العام الذي يحيط به.
فمن نظرة واحدة له سترى ما أعنيه.

فشعره الطويل ولحيته الكثة والخواتم المعدنية الضخمة التي يرتديها، بالإضافة لطريقة كلامه هي مجرد مظاهر تخفي تحتها عقلا يحمل أفكارا ’غير سوية‘ وغير متوافقة مع أغلب ما يعتبره الناس مسلمات مجتمعية.
لو بحثت عن معلومات عنه ستجد خليطا عجيبا من الراديكالية والفكاهة.. والبساطة والتعقيد.. والغموض وغرابة الأطوار.
فالرجل - على سبيل المثال - يعلن أنه يعبد صنما على شكل ثعبان كان بعض الناس يقدسونه قديما!.. وكان يعيش مع زوجته وعشيقتها في نفس المكان!.. ويكتب قصصا مصورة تتحول لأفلام شهيرة ثم يقاطع هذه الأفلام ويرفض استلام أرباحه منها.
وهو من كتب رواية V for Vendetta التي صارت شعارا للثورية والفوضوية Anarchy ووصلت لبلادنا العربية حيث تأثر بها بعض الشباب.


وهو أيضا من كتب Watchmen , League of Extraordinary Gentlemen , From Hell والتي تحولت جميعها لأفلام هوليودية.


لكن ما أنوي أن أكتب عنه فيما بعد هو إحدى سلاسله الطويلة التي بث فيها أفكاره المتشبعة بالصوفية اليهودية (القبالا) وأسماها بروميثيا Promethea.. أي مؤنث اسم بروميثيوس الذي يظهر في الأساطير اليونانية كسارق النار من كبير آلهة الأوليمب ثم معطيها للبشرية!
ومما قد ييسر هذه المهمة عليّ هو وجود تعليقات وحواشٍ مستفيضة Annotations كتبها محبون لأدب (ألان مور)، فصّلوا فيها الكثير من الرموز المخفية في قصته، وتلميحاته للعوالم الغيبية\الغنوصية التي تخلط التفاسير التلمودية اليهودية بالطقوس السحرية والشعائر المقصورة على جماعات سرية معينة Esoteric

وبما أن هذه المدونة تهتم غالبا بأمور المؤامرة وأسرار الـ Elite، فمن المناسب توضيح ما يحمله الإنتاج الأدبي لهذا الرجل من مئات الإشارات التي تهدف لتحويل هذه المسائل الجافة والمستغربة (كعقائد القبالا) إلى شيء يمكن للعوام أن يتقبلوه ويستسيغوه - إلى حد ما - كما هي خطة الـ Elite، استعدادا - في ظنهم - ليوم يخرجون فيه علينا صراحة بهذه المعتقدات والأساطير التي يؤمنون بها، ليجبروا الناس على قبولها كحقائق لا تقبل الجدال!.. وهو ما يحلمون بأن يحدث حين يتم الإعلان النهائي عن اكتمال بناء (نظامهم العالمي الجديد) The New World Order


وأظن أيضا أن الحديث سيجرنا لاستكمال ما ذكرته في سلسلة تدوينات (نحو نظام عالمي جديد..) عن انتشار نوع ما من عبادة وتقديس الشمس Sun Worship بين نخبة الـ Elite حتى يومنا هذا، وحبهم لنشر رموزها في إنتاجهم وأدبياتهم (وعلى الخصوص ما تنتجه هوليود من أفلام).. لأن قصة برميثيا هذه مفعمة بأمثال هذه الرموز والعبادات الوثنية والتنجيم إلخ!


يتبع..

الجمعة، 27 أبريل 2012

ليبريفوكس


قمت بالمشاركة في مشروع (ليبريفوكس) LibriVox وتسجيل قصيدة شعرية للمتنبي، كجزء من مجموعة
Multilingual Poetry Collection 020
القصيدة هي (خير جليس في الزمان كتاب) والتي مطلعها ’’ منى كن لي..‘‘
- الموقع يحتاج إثراءه بالمحتوى العربي الصوتي، فلو لديك الوقت والرغبة أرجو أو تتطوع بتسجيل شيء (نثر أو شعر) ليكون ضمن مكتبة الموقع المفتوحة للجميع.

سلامة

الاثنين، 5 مارس 2012

Khalil does The Act

قصة قصيرة بالإنجليزية،كتبتها منذ فترة، وعنوانها: خليل يؤدي الدور.



Khalil does The Act

by M. Salama

"…one of the best schools in the area. I'm sure you'll make new friends in no time"
I was so deep into my thoughts that I missed the first part of his sentence.
Looking at him, I couldn't help but smile. He looked very much like a big black Sumo wrestler, If there is such a thing.
I struggled to hide my facial expression. After all, it wouldn't be wise to upset anyone on my first day.
We continued walking. Long corridor. The doors looked clean. The floor too.
A picture of my old school flashed in my mind. I sighed.

He took a bite of a generously-made meat sandwich.
Ah.. Eating meat. Another thing I'll have to figure out while living here. It could be pork.. It could have been slaughtered against Islamic law.. too many possibilities. I'll have to be extra careful about what I eat, and make sure it is (Halal).
Sacrificing my normal diet.. CHECK.

"…and don't ever feel awkward about where you came from", He stopped talking for a second then muttered "but do not walk around shouting about it either. Most people here don't even know where Egypt is! Asia is too far away, my boy"
"North Africa, actually" I said in an indifferent tone.
"Well.. still Arabs.. and Muslims. Although your English will help you break the ice"
Silence fell. I took a deep breath preparing myself for The Act.
"But the accent is.. Never mind.. We are a tolerant country as you will see.. Best people in the world, not to brag or anything.. hehehe. I even have Muslim friends. Well, a friend to be honest. Not even a friend per sé but..."
He abruptly ran out of words.
I was too busy getting into (the acting mode) to care about that.

You see.. If I learned one thing from watching American movies on Egypt's "Channel 2" while I was younger, it would be this fact. New kids get bullied in the schools of America. More if they like to read stuff. I'm a New Arab Nerdy Reader. Do the math!
And If I learned anything watching Youtube videos - Channel 2 sucks almost always by the way - it would be the fact that Americans love stand up comedians. Like Seinfeld, Ellen Degeneres, Robin Williams, and Dave chappelle. Hence what I'm about to do now.

Defense Mechanism.. Smooth Social move.. call it what you want. I call it the Not-to-become-a-punching-bag technique. AKA: The Act.

I heard the guy clear his throat. Apparently he was finished with the sandwich. I watched him take a paper out of his pocket; examine it; then stare right at me for a while.
I felt like I was being scanned by invisible rays. Maybe even a little bit violated. Somehow it reminded me of the airport.
"Khalil.. That's a heavy weird name. Am I saying it right? We will have to do something about that. What does it mean in Arabic?"
"A close friend"
I sensed that he wasn't waiting for an answer.
"Maybe we should turn it into something cool.. like (Kal-El), you know?.. Superman's real name"

Losing my name.. CHECK.

"He is somewhat Jewish though" he continued, "I mean the guys who created the comic were. Do you know that?"
It sounded like some kind of a trick question, so I nodded and said nothing.
He seemed a little bit disappointed that the conversation didn't go any further.
"Of course you do!.. You look like a smart little Harry Potter, especially with these glasses"
He giggled to himself. I didn't comment.
Then he knocked on one of the doors and we entered a classroom. A paper was handed to a short bald teacher while my whole concentration was on the students. The audience.

I was introduced and the teacher said something polite that I didn't catch.
My heart was pumping hard. Here it comes. The moment of truth. Will it work?
I cleared my dry throat and said in a horrible Pakistani impression I once heard in a movie: "Soo.. do you speaking English?"
No immediate reaction. Warning!. Warning!
Suddenly I'm hot and sweaty.
The brief moment of silence was like years to me.
I though harder, then said in a Seinfeld imitation:
"Whoa.. Tough crowd tonight! Isn't it?"
They laughed.
Some of them smiled at me.
This is enough. I'm safe for now.
End of Act.
-----



Last Edit 2012 March 04

الجمعة، 2 مارس 2012

بيني وبين أحمد خالد توفيق


كنت قد نشرت موضوعا منذ فترة طويلة عن تشابه إحدى قصص الدكتور أحمد خالد توفيق مع قصة لهيتشكوك .. وقد راسلت المؤلف وأسعدني رده
فها هو الموضوع الأصلي وردود الدكتور، للتاريخ.

 بسم الله الرحمن الرحيم

أمامي الآن كتيبان. الأول كلكم تعرفونه , وهو العدد الخاص الخامس من سلسلة ما وراء الطبيعة (أي العدد رقم 50) وهو "في جانب النجوم" .. من رقم الإيداع علي الصفحة الأخيرة نعرف أنه إصدار عام 2001 م , من المقدمة نعرف أن الدكتور أحمد المؤلف كان قد اعتزم التوقف عند هذا العدد ولكن لاعتبارات (ربما مادية !!) قرر الاستمرار ..


ستة اعترافات قصيرة تسبقها مقدمة تمهيدية , وتليها خاتمة . هذا هو العدد الخمسون .


لكن ما سنتوقف عنده هنا هو الاعتراف السادس والأخير _حيث لا يحسب اعتراف أو قصة د رفعت نفسه _ .. فالقصة المثيرة للشكوك والتي نحن بصددها , جعلها الدكتور في النهاية .. هل نري في ذلك شيئا ما ؟!


المهم .. كنت قد قلت أنه أمامي الآن كتيبين , عرفتم الأول وجاء ميعاد الثاني .. إنه كتيب قديم , اصفر الأوراق تقريبا.. ليس له غلاف خارجي (للأسف تمزق منذ زمن) و لكن علي غلافه الداخلي نري اسم الكتيب مطبوعا بوضوح (الابتزاز) .. الكتيب لا يحوي أية قصة باسم الابتزاز ولكنه يشتمل علي ثلاث قصص قصيرة أولها (تابوت الموتى) والثاني (رحلة غرامية) والثالث وهو المهم (الوحش في الإنسان) .. وأنا أتذكر أن الغلاف الخارجي القديم قبل أن ينفصل عن الكتيب , كان يحمل اسم الأستاذ محمد عبد المنعم جلال وصورة لهتشكوك .. وعلي العموم فان آخر صفحة تحمل كلمة (طبعة 1989) ..


كل من هو من مصر وفي سن يقارب سني (19) أو يكبرني ويهوي القراءة وباعة الكتب القديمة , لابد وأن يكون قد رأي اسم الأستاذ محمد عبد المنعم (أعتقد انه توفي الآن) .. فهو المترجم للكثير من الروايات البوليسية والتي كانت تغزو الأسواق قبل أن تنتشر روايات مصرية للجيب .. فهو من ترجم أغلب قصص أجاثا كريستي للعربية و أيضا أرسين لوبين . وكانت طريقته أن يلخص الرواية لا أن يترجمها حرفيا , وذلك لظروف حجم العدد والسعر .. فقد كانت تباع هذه الروايات بأسعار زهيدة للغاية . ولقد ترجم بعض مجموعات ألفريد هتشكوك القصصية.


وهنا يجب أن نعلم أن هتشكوك المخرج البريطاني لم يكتب هذه القصص بل كان يشتريها من أصحابها ثم يعدلها وينشرها باسمه تحت عناوين مثيرة مثل (قصص لم يسمحوا لي أن أخرجها في التليفزيون) أو (12 قصة من تعديل هتشكوك) , وكان الناس يثقون في أن القصص التي اختارها مخرج إثارة محترف مثله لابد وأن تكون مثيرة , فيشترونها . ومن هذه القصص قصة الوحش في الإنسان .. ربما تساهل الأستاذ عبد المنعم كعادته ولم يترجم العنوان حرفيا , لذا لم أتوصل للأصل الانجليزي لها لمطابقتها علي القصة السادسة للدكتور أحمد خالد توفيق في مجموعة في جانب النجم . وهي اعتراف إليزابيث كراوفورد .


قصة الوحش في الإنسان هي الأصل وقصة الدكتور هي الصورة .. والدليل علي ذلك هو :


في قصة الوحش نجد أن البطل هو أمريكي يجلس في حانة ومن ثم يجلس بجانبه شخص ويحكي له قصة حقيقية ليثبت له أن الإنسان المتحضر ما هو إلا خرافة وأن الوحشية والبربرية تظهر عندما نثار أو نغضب . الرجل يحكي قصة إنسان (نعرف في النهاية انه يحكي قصته هو نفسه !) يدعي مورتون كانت له ابنة يحبها جدا اسمها لوسي ولكنها انتحرت عندما خدعها رجل كانت تحبه وتركها .. هذا الشاب يدعي ديفيز. وعندما يعرف الأب مورتون بالحقيقة وأن ديفيز فعل هذا مع العديدات من قبل , يصمم علي الانتقام البشع .


حسنا .. فلننتظر هنا لحظة ونعود لقصة الدكتور أحمد والتي تحكيها أم اسمها إليزابيث ص 173 من العدد 50 كانت لها ابنة تحبها ولكن البنت عرفت شاب وأحبته ومن ثم خدعها وهجرها فانتحرت وصممت الأم علي الانتقام البشع !! ولكن (توارد الأفكار) لا يقف عند هذا الحد .. ففي القصة الأصلية يقول الأب ( لو أن مورتون كان إنسانا متهورا طائشا لانطلق من فوره إلي ديفيز وافرغ في صدره عشرات الرصاصات . ) ولكنه يقرر أن يجعل انتقامه بطيئا . وفي قصة الدكتور أحمد تقول الأم صفحة 178 ( لست من الطراز الذي يذهب إلي بيتر في مكتبه لأفرغ المسدس في صدره ) .. !! وبالطبع تقرر أن يكون الانتقام بطيئا !


وعلى نفس المنوال تسير الأحداث : ففي القصة الأصلية نري الأب يبحث عن مكان منعزل لا يسمعه فيه أحد ثم يستأجره ويعده طوال عام .. ثم يخدع الشاب ويأتي به إلي المكان المعزول . أما عند الدكتور : فان الأم تستأجر منزل منعزل و تعد خطتها لمدة عام ! وتستأجر من يخطف لها الشاب ويأتي به للمكان المعزول !! وفي القصتين نري الشاب يستيقظ فجأة من تأثير مخدر ليجد نفسه مربوطا في سلسلة للحائط وعنده ما يكفيه من طعام وشراب لمدة شهر فقط والمدة متساوية في القصتين !! وفي القصتين يترك الأب \ الأم الشاب ليموت جوعا وتنتهي القصتين بمفاجأة .. ففي النسخة الأصلية نعرف أن من كان يحكي الحكاية هو نفسه الأب ! , وعند الدكتور نعرف أن الأم قد خطفت الشخص الخطأ ! ..



انتهى الموضوع الأصلي .. وها هو رد الدكتور في رسالتين :
عزيزي .. هذه القصة أصلا جريمة حقيقية وقعت في الولايات المتحدة في الستينات ونشرتها وقتها جريدة الجمهورية .. أب سجن الفتى الذي غرر بابنته حتى الموت. هل استغلال حادث حقيقي يدخل في باب السرقة ؟... إذن فأنا استعملت حوادث حقيقية كثيرة جدا .. أنا قرأت قصة هتشكوك قبل كتابة قصتي .. ولا أنكر أن البناء قريب جدا، لكن الشكل الخارجي واللقاء في بار واكتشاف أن هذا هو الشخص نفسه ... هل وجدت هذا كله في قصتي ؟
في النهاية صدق أو لا تصدق .. هذه حادثة حقيقية قرأت عنها كما قرأ عنها كاتب قصة هتشكوك ..

أحمد خالد

ورسالة أخرى بعنوان : نسيت أن أقول

الموضوع فتح منذ أعوام في منتدى روايات .. لكن بصراحة لا أذكر مكانه
أما عنوان الوحش داخل الانسان فلم يخترعه مؤلف هتشكوك انما هو عنوان رواية شهيرة جدا لأميل زولا ..
على كل حال أشكرك لاهتمامك .. جميل أن يجد المرء قارئًا يدقق وراءه ..

ساعات مهدورة في دنيا الوهم

هرش رأسه حوالي نصف دقيقة مفكرا بعمق ثم قال أخيرا وهو ينظر لنا في وقار:
" ترينيتي طبعا! .. (منة) أقل منها بمراحل "

علت الأصوات ما بين محتج ومؤيد, حتى أن بعض المارة التفتوا لمكاننا على مقهى (حسونة) متوقعين أن يتطور هذا الجدال الصاخب في لحظة واحدة لمعركة بأكواب الشاي واللكمات.

أصل الحكاية هو أن واحدا منا نحن الأربعة طرح السؤال التالي لـ" يشغل الوقت " كما قال : (أيهما أكثر سخونة وأنوثة, بطلة فيلم الماتريكس- ترينيتي - أم منة شلبي؟). لم أجب في الحال مفضلا سماع باقي الآراء أولا رغم أن المسألة عندي محسومة تماما.

في البداية انفعل صلاح الدين. فالقرص الصلب لجهازه يحوي - كم نعلم جميعا - كل صورة تم نشرها على الإنترنت لـ ( كاري آن موس ) - الممثلة التي أدت دور ترينيتي - وهو يعتبر نفسه المتحدث الرسمي باسمها والمدافع عن فنها بكل قطرة من دمه, مع أنها تجهل وجوده في هذه الدنيا أساسا !.. كلنا يعلم هذا لذا كان الأسلم غلق باب النقاش تجنبا للخلاف.

لكن الهجوم المضاد الذي شنه (عمر) - وهو مشعل الفتنة أساسا بسؤاله - زاد من حدة الموقف. فوجهة نظره أن المنتج ( المحلي) مهما كانت عيوبه, هو أفضل من أي منتج (مستورد), وبالتالي علينا تشجيع الأنوثة البلدية لا الغربية, وبهذا - وأنا أنقل كلامه بالحرف! - نفوز في ( صراع الحضارات )!!.

لم تهدأ الأمور بهذا التصريح, بل اتجه الكلام نحو العولمة و( عقدة الخواجة ) , وتطايرت الاتهامات بيننا..

"خائن!"
"عميل للإمبريالية الأمريكية!"
"عديم الذوق في النساء!"
" بيئة! 
"الحساب!"

الصيحة الأخيرة كان مصدرها الجرسون الواقف أمامنا مطالبا بالحساب. دفعنا في صمت وقمنا.

بعد خطوات قليلة أردت تخفيف جو الخصام الناتج من النقاش فقلت في نبرة عاقلة : " لن نخسر صداقتنا من أجل شيء صغير كهذا. عيب جدا على شباب مثقف مثلنا! " , وفعلا جاءت كلماتي بنتيجة فورية, إذ أطرق الثلاثة والندم يكاد ينطق من ملامحهم. حتى أن عمر رفع رأسه وقال: " المسألة لا تستحق.. أنا نفسي لم أشاهد أي فيلم لمنة شلبي!.. وكدليل على الصلح من ناحيتي سأدفع الآن ثمن أي دي.في.دي تختارونه لنشاهده معا على كمبيوتر صلاح"

ابتسمت لموجة الكرم غير المسبوقة هذه, لكن ما لبثت ابتسامتي أن اختفت حين أكمل حديثه. " .., ما اختياركم إذن؟ .. هاري بوتر أم تيتانيك؟ " , وهنا علت أصوات الجدال من جديد.


----




((تعليق القصصي المغربي الشاب رفعت خالد على القصة))

السلام عليكم..

قصة تركز فيها الكاميرا على لقطة تافهة من حديث تافه من أحاديث المقهى التافهة... و كم من الأشياء التافهة التي تبدو في غاية الأهمية إذا ما سُلّط عليها الضوء.

لن أناقش رأيك لأني لا أعلمه صراحة فالعنوان يشي بعكس ما تحمله القصة و لكن حديثي عن القصة و أبطالها..

فعلا، معظم شبابنا حاليا منشغل بقضايا كهذه.. مدى سخونة الممثلات ؟.. و آخر صورة نُشرت للممثلة فلانة و المغنية علانة.. و ربما اللون المفضل لأخرى ! !... سبحان الله !..

أيصل الفراغ و انعدام الهمة بهم إلى هذا الحد ؟.. أيكونون على هذه الدرجة من الهوان و الذل ؟..

و لكنها، برأيي، التربية الغائبة التي تجعل شبابنا يتربون على يد الأفلام و المسلسلات و الكليبات.. و المشكل أن هذا لم يصبح مقتصرا على فئة معينة نسلط عليها الضوء و ندرسها بدقة.. إنما أصبح العكس هو من يشكل الفئة النادرة التي يدرسها البعض بصفتها فئة متزمتة، رجعية (لا) حضارية !..

هذا ما يحز في قلبي.. عندما تجد صورهن و صورهم في كل مكان و قد أضحوا قدوات و مناهج حياة.. حتى أنك تجد من الفتيات من تقول أن الممثل فلان هو رجل حياتي !.. و قد شاهدت، بالمناسبة، فيديو على يوتوب يعرض مقطعا من برنامج ما يستضيف (الفنان) تامر حسني حيث اتصلت إحداهن و قالت أن تامر هو رجل حياتها و أنها مستعدة للارتباط به حتى لو كانت المرأة (السادسة) بحياته ثم انفجرت باكية !..

فكم من الشباب اليوم الذين يرون أن هناك شيئا ليس على ما يرام في كل هذا ؟..

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.




جولة في فيلا نوسترادام (قصة قصيرة)

جولة في فيلا نوسترادام
 
(أحداث هذه القصة فيها شيء من الحقيقة. تذكر.. الحقيقة قد تكون أحيانا أبشع من الخيال!)

---
تحتي شيء ملمسه غريب, متصلب وغير مستو. فتحت عينيّ وأغلقتهما مرة بعد الأخرى لكن الظلام المحيط لم يتغير. سواد حالك يحيط بي من كل مكان, يخنقني. الهواء يزداد ثقلا مع كل نفس أسحبه ورأسي لا يكف عن الدوران وكأني في دوامة. أصوات ضحكات مكتومة تتسرب إليّ عبر جدران لا أراها, مخلوطة بما يشبه صوت الجاروف. شعرت بالاختناق وبالنهاية تقترب رويدا رويدا ثم فجأة..
تررن .. تررن
أيقظني صوت الجرس من كابوسي الغريب. العرق يغمرني وعضلات جسمي متخشبة كالذي يقوم من موت. فاتت برهة قبل أن أتنبه لمحيطي. استجمعت قواي ونهضت لألتقط السماعة. على الطرف الآخر اسمع نتف من حديث هامس لا أتبينه قبل أن يكلمني صوت مضطرب لم أتعرفه في البداية, لكن بعد بضعة كلمات أسعفتني ذاكرتي بالاسم.
"ضاري ؟!.. ماذا جرى لصوتك ؟ تبدو منزعجا على غير عادتك"
"لا شيء. المهم أن تسمعني. لدي لك خبر ممتاز. يجب أن تحضر حالا. فيلا نوسترادام بشارع زرقاء اليمامة"
استمرت المكالمة دقيقتين أخرتين ثم أغلقت الهاتف على وعد بالحضور بأسرع ما يمكنني.
ضاري هو صديقي منذ فترة ويساعدني في محتويات مدونتي الإلكترونية أو (البلوج) blog كما يقال بالإنجليزية. فأنا لدي موقع على الإنترنت يختص بنظريات المؤامرة وخفايا السياسة يسمى (نعاج) وهي الحروف الأولى من عبارة (نظام عالمي أمريكي جديد). أعجبني الاختصار لكونه يمثل حالة الشعوب في السير كالنعاج وراء ما يخطط لها في الظلام. كنت قد بدأت أحظى ببعض الشهرة على الإنترنت وفي محيط المهتمين بمثل هذه المواضيع حتى أن جريدة محلية أجرت معي مؤخرا حوارا استغرق ساعتين. للأسف لم ينشر منه إلا فقرات ومعها أخطأوا في كتابة العنوان الإلكتروني للموقع, لكن هذا على الأقل خير من لا شيء.
والآن ضاري يخبرني أنه وقع على قصة جديدة ومثيرة ستتحرك لها شهيتي الصحفية لكن الأمر يتطلب حضوري الفوري لهذا العنوان. ارتديت ملابسي في عجلة وتمنيت ألا تتعطل السيارة الصغيرة كالعادة, فلا مواصلات متيسرة في مثل هذه الساعة من الليل.
وصلت بسرعة إذ كان الطريق أمامي خاليا. حي الأغنياء, لم أزر المكان كثيرا لكن استطعت التعرف على الفيلا المطلوبة برقعة الاسم على واجهتها والأضواء المنبعثة منها. كلما اقتربت زاد الصخب وتبينت أصوات ضحكات. تذكرت الحلم لكن سرعان ما نفضته من ذهني ووقفت أدق زر الجرس الصغير. خشيت ألا يسمعوني. فكرت في العودة لكن القصة الصحفية التي وُعدت بها وفضولي تمكنا مني فانتظرت.
انفتحت البوابة الحديدية الخضراء وظهر من يشبه رؤساء الخدم في روايات أجاثا كريستي. لم يتفوه بكلمة بل كان كل ما فعله هو أن أشار لي بالدخول. خيل إليّ أني لمحت نظرة غريبة في عينيه وكأنه يريد أن يقول شيئا ولا يقدر. قادني عبر حديقة بدت معتنى بها وسرت خلفه في سرعة محاولا اللحاق بخطواته الواسعة. دهمني شعور مفاجئ بالغربة. ماذا أفعل هنا ؟ أين ضاري ؟ ترى ما الذي أوقعت نفسي فيه ؟ أرجو ألا تكون خدعة سخيفة أو مقلب.
ولجنا باب الفيلا الواسع تاركين الحديقة خلفنا. ذكرني تصميم المكان بالمسلسلات التاريخية القديمة أيام حقبة الباشاوات.على الجانب سلم طويل يقود حتما للدور الثاني. اللوحات على الجدران في إطارات مذهبة, بعضها مناظر طبيعية والآخر أجساد عارية في أوضاع غير محتشمة. تساءلت من يعرض لوحات كهذه في مدخل بيته ؟ إما جريء لا يخشى رأي الزوار أو عديم للذوق.
اختفى الخادم قليلا ثم عاد بكأس عصير مثلج. رشفت رشفتين ثم وضعت الكأس على منضدة خشبية مجاورة تبدو أثرية.
سمعت خطوات أعلى السلم فرفعت رأسي. واجهني هابطا رجل متقدم السن أشيب له ملامح أجنبية واضحة ويرتدي رداء منزليا مزينا بصور عديدة لفراشات ملونة. في يده اليمنى تلمع ساعة يد تبدو باهظة الثمن. اقترب مني وعلى وجهه ابتسامة.
"How do you do?"
كدت أجيبه بالإنجليزية قبل أن يعود ويتكلم بالعربية.
"آسف, إنها العادة. أنا أتحدث العربية بلهجات عدة منها المصرية كما ترى, وإن كنت أحن من وقت لآخر للغتي الأم"
كانت لهجته مصرية بالفعل لكن فيها لكنة يمكن تبينها بسهولة. وضع ذراعه على كتفي في عفوية وكأننا أصدقاء طفولة وسار بي إلى باب خلفي خرجنا منه فوجدت أمامي ما صدمني. لم استوعب كامل المشهد إلا بعد لحظات.
كان حمام السباحة يتلألأ بأضواء مصابيح تحيط بجوانبه الأربعة. على سطح الماء تسبح بتلات لأزهار حمراء وعوامة هوائية على شكل سرير, لكن لم يكن هذا الشيء الوحيد الذي يسبح.
نثرت فتاتان الماء من حولهما في لعب صبياني بريء وإن لم يكن بالمشهد أية براءة. كيوم ولدتهما أمهاتهما كانتا, وإن لم يولدا – أنا واثق – بأعضاء في مثل هذا النضج والأنوثة. هيئ لي أني رأيت شفتاهما تتلامسان للحظة لكن عدت وكذبت عيني. على كراسٍ مريحة جلس بجوار حمام السباحة رجال تتابع عيونهم النشاط النسائي في الماء. عددت ستة رجال, أغلبهم بكروش ضخمة وجسد غطاه الشعر. شيء ما كان مألوفا بخصوصهم وإن لم أضع إصبعي على كنه . اندفعت من أحد الأبواب مجموعة جديدة من الفتيات اللاتي – على عكس السابحتين – لم تكن ملامحهما غربية. تجمع بعضهن حول الرجل الجالس في أقصى اليمين وراحا يداعبانه في مجون واضح. شعرت بالدم يندفع لوجهي الذي بالتأكيد صار أحمر كحبة طماطم. التفت لمضيفي فوجدته لا يزال مبتسما. كان في ابتسامته ما يشبه الفخر, كالذي يريني قصة كتبها أو يزهو بأفعال ابن له. فكرت أن ألطمه لأزيل تلك الابتسامة اللزجة عن وجهه لكن غيرت رأيّ وتمالكت نفسي. ما معنى هذا ؟, فكرت في السؤال ثم نطقه لساني.
"أنت يا صديقي تحظى بشرف الانضمام لإحدى حفلاتي التي لا أقيمها إلا للنخبة.. النخبة فقط. من تراهم هنا هم من أهم رجال الاقتصاد والسياسة في البلد. أعضاء نادي لا يسمع عنه إلا القليل ومع ذلك فتأثيره تجده في كل شيء حولك, الأخبار والتعليم والإعلام والمال وحتى في كوب الماء الذي تشربه ومكالمة الجوال التي تقوم بها. إنك ببساطة داخل الرأس الحقيقية للدولة"
عرفت لم بدا لي الرجال مألوفين, فوجوههم تطالعني كل يوم في الجرائد وإن اختلف شكلهم بالسترات الرسمية عن حالهم الآن, عراة إلا من سراويل السباحة.
"اتبعني!". لا أعرف ما الذي دعاني للسير خلفه وعدم مغادرة المكان على الفور. لكن الفضول قتل القط كما يقولون. أخرجت جوالي والتقطت خفية صورا سريعة للجالسين. أكاد أجزم إن الرجل رآني بطرف عينه وإن لم يبد عليه أي رد فعل. أخفيت الجهاز في جيب سروالي وأنا أفكر في تأثير نشر مثل هذه الصور على الموقع. إنها خبطة العمر ولا شك .
وقف أمام باب موارب لحجرة. أشار لي بالاقتراب في هدوء.
مددت رأسي عبر الفتحة فكدت أتقيأ عشائي. كان بالغرفة رجلان عاريان يشتركان في فعل قبيح غير واعيين بمن يتلصص عليهما. زاد من وقع الصدمة أن تعرفت الرجل الراقد على بطنه.
"أليس هذا وزير الـ..؟!" قاطعني بإيماءة صغيرة ونفس الابتسامة.
عدنا لمنطقة حمام السباحة التي كان النشاط فيها قد تطور لمراحل جديدة. رأيت أفعالا يشترك فيها أكثر من فردين بل وثلاثة.
دخلنا حجرة أخرى أحد حوائطها زجاجي. أمام الزجاج جلس رجل وامرأة يتابعان ما يحدث خلف الزجاج. كانت هناك امرأة ترتدي ملابس جلدية سوداء لا تسترها, وتمسك في يدها سوطا قصيرا تضرب به الضربة تلو الأخرى رجلا قصيرا مربوطا من عنقه بسلسلة إلى الحائط, ويبدو عليه لا الألم بل الاستمتاع. تعرفت فورا على الأداء السادي الماسوشي الذي قرأت عنه من قبل ولم أره.
مال مضيفي المريب عليّ وقال "نحن نتابعك منذ مدة. ربما لا تعرف هذا لكن كتاباتك جذبت انتباه أناس في مواقع عالية, أعلى مما يتصوره عقلك الصغير. لقد لمست وترا كنا نحب ألا يسمع صوته أحد. إنك كنت تكتب عن أشياء لا تعرفها, والآن أعطيك جرعة من الحقيقة"
"ألا تخشى أن أذهب فور خروجي من هنا وأقوم بفضح كل ما رأيت ؟"
"لن يصدقك أحد. هذا غير أن رد الفعل سيكون عظيما. ربما يودي بأساسات الدولة كلها. بعض الأشياء لا يجب أن تقال"
لم أقتنع بكلمة قالها وعزمت أمري على النشر مهما يكن. كانت العناوين المثيرة تتشكل في ذهني وتتراقص الكلمات أمام عيني.
عاد يقول "لك أن تعرف أن من وراء كل هذا محركو خيوط, صانعو قرارات يملكون أوراق الجميع. الكل مكشوف أمامهم ومعروفة نقاط ضعفه ولا يكشفهم أحد. إن وراء الستار أمور لا تخطر لك على بال, ولن يكشف هؤلاء أقنعتهم إلا في يوم يكونون متأكدين فيه ألا عقبة أمام حلمهم الكبير"
"أي حلم ؟" , سكت ولم يجب.
"أنت تخدع نفسك يا مستر نوسترادام إن فكرت للحظة أن هذه المغريات التي تريني إياها ستغير من موقفي قيد شعرة. فأنا لا زلت أفكر بعقلي لا بجهازي التناسلي. إن دعوتي الليلة خطأ كبير من جانبك لن تدرك عواقبه إلا متأخرا للغاية"
"حسنا.. وإن كان رأيك هذا لن يكون ذا بال فور أن ترى المحطة القادمة والأخيرة من جولتنا"
وصلنا لجانب خلفي من الحديقة وأنا عازم على الرحيل, لكن بدأت تنتابني حالة غريبة من الخمول والدوار. تعثرت قليلا وكدت أقع أرضا. ترى ماذا وضعوا لي في شراب العصير ؟ . رأيت رجلان ضخمان واقفان ينظران لشيء ما على الأرض. اقتربت بخطى متثاقلة.
كانت التربة محفورة وأسفل الحفرة يرقد ما يشبه التابوت الضخم. داخله كان جسد.. جسد ضاري!
"ماذا فعلتم به أيها السفلة ؟".
شعرت بدفعة من خلفي. سقطت على ظهري فوق الجسد المتصلب. بسرعة رفع الرجلان غطاء أسود وأحكماه فوقي.
ساد الظلام.
ازداد الدوار.
أصوات ضحكات.
التراب أشعر به ينهال فوق غطاء التابوت. ارتفع نبض قلبي من الرعب.فتحت عينيّ وأغلقتهما لكن الظلام كان يحيط بي من كل جانب.
وتذكرت الحلم.

مهووس دوستويفسكي (قصة قصيرة)

مهووس دوستويفسكي
جلس الثلاثة على الكنبة وأمامهم جهاز الكمبيوتر المحمول مفتوحا. علت منه أصوات حراب وسكاكين وبين الحين والآخر ما يشبه صوت البازوكا. لم أكن أشاهد شيئا من "الأكشن" فشعرت بالضيق. فقد وقع الكرسي الخشبي المتهالك هذه المرة من نصيبي فجاء مجلسي خلف الجهاز المسنود على كرسي آخر ولم يكن يواجهني إلا ظهر الشاشة وعليه رمز التفاحة المقضومة علامة شركة Apple. حاولت زحزحة الكرسي بزاوية لأرى فشعرت بشيء حاد يخترق مؤخرتي. تبا لك من كرسي قديم ملئ بالمسامير. بحركة خفية تحسست المنطقة المصابة من البنطلون ولهلعي وجدت الثقب. توقفت عن العبث به حتى لا يتسع أكثر وعدت استمع للعبة التي كانت شاشتها الآن حمراء قانية أرى انعكاسها في نظارة طارق المحملق في الجهاز وفمه مفتوح وكأنه نسى أن يتنفس من أنفه. "جميلة" كانت عن يمينه تشجعه و"مدحت" عن يساره يحتل بجسده الضخم نصف الكنبة ويعطي من وقت لآخر نصائح مثل "نسيت أن تقتل هذا!" "ادخل تحت الجسر قبل أن يلتهمك" و"لا تجعل الأرنب يفلت منك".. تنهدت في حسرة وعدت انظر للتفاحة المقضومة في أسى.
كانت جميلة قد حملت اللعبة من على الإنترنت ولما عجزت عن لعبها جاءت بها لطارق عنتر باعتباره الخبير في هذا المجال بيننا, ولم تمر إلا دقائق حتى تمكن من أزرار التحكم وشرع يعبر المرحلة تلو الأخرى تاركا خلفه تلا من أجساد الجنود الذين تحاربهم أليس في بلاد العجائب وهي تبحث عن الأرنب الأبيض الذي هرب منها. لعبة مسلية جدا سمعت عنها من قبل ويجب أن أجربها فور أن ينتهي هو منها. تمنيت ألا ترحل جميلة مبكرة وتأخذ معها جهازها الذي اشتراه لها خطيبها من السعودية.
لم أحتمل الإثارة أكثر من ذلك فقمت ووقفت خلف الكنبة لأري ما يحدث على الشاشة. حك طارق لحيته الكثيفة للحظة كانت كافية لأن يقع في بحر من اللافا الحارقة وتظهر كلمةGame Over  بحروف سوداء كبيرة وموسيقى حزينة تصاحبها صورة أليس وقد تحولت لهيكل عظمي كئيب المظهر.
قال مدحت " ما هذا النحس؟ نظرة واحدة منك والبنت ماتت محروقة يا عيني"
دافعت عن نفسي وقلت " لم أكن أنا السبب. طارق هرش ذقنه فتشتت انتباهه"
قال طارق في عزم " سأبدأ المرحلة من البداية", لكن جميلة سحبت الجهاز ناحيتها وهي تقول " لا.. هذا يكفي. موعد المكالمة اقترب"
" آه.. الخطيب الولهان أهم طبعا من أصحابك. من لقى أحبابه .."
احمر وجهها لكلام مدحت وابتسمت ثم راحت توصل طرف سلك الإنترنت بالجهاز وتضبط السماعة فوق رأسها.
قام مدحت وتركنا ليسخن الشاي في المطبخ فجلست مكانه بجوار طارق الذي خلع نظارته ووضعها على المكتب وأراح رأسه للخلف وكأنه يفكر في المراحل القادمة من اللعبة. تنحنحت وقلت بصوت خافت " ما أخبار جدتك ؟ عندك حكايات جديدة عن أفعالها مع الجيران ؟"
" ما الذي فكرك بها الآن. على العموم بالأمس فقط كنت عندها – فهي تسكن فوقنا كما تعرف – وجاءت فاتورة الكهرباء فكادت تصاب بأزمة قلبية عندما رأت الرقم, مع أنه أقل من ربع ما ندفع نحن وراحت تساوم المحصل وكأنها تشتري طماطم من السوق"
كان سؤالي لغرض ما في نفسي. فجدة طارق هي "مشروعي" الذي أعمل عليه منذ مدة وحان وقت تنفيذه. فأنا اقرأ كثيرا, ومن قراءاتي هذه اكتشفت منذ سنة شيئا رهيبا غير حياتي. كنت أتصفح مقدمة رواية الأبله لدوستويفسكي عندما اكتشفت أن حياتي وحياة المؤلف متشابهتان لحد مذهل. بالطبع أنا لست روسيا ولم أعتقل أو أنفى لسيبيريا مثله لكن الروح واحدة. اقرأ كلامه فأحس أنه يتكلم بلساني أنا. أتنبئ بنهايات قصصه قبل أن أصل إليها. آراؤنا في تعفن الحضارة الغربية واحدة مائة بالمائة.
هزني الاكتشاف وقررت أن اتخذ قصص هذا الكاتب العظيم مثالا أقتدي به. وكان أول ما فعلته هو قراري أن أعطف على طفلة يتيمة مصابة بالقلب وأرعاها كما فعل بطل قصة "مذلون مهانون" لكن تعذر ذلك ولم أجد طفلة بهذه المواصفات هذا غير أن دخلي لا يسمح لي برعاية أحد. فكان أن أمعنت التفكير حتى اهتديت لحل بديل. فبدلا من طفلة سأربي قطة, وبدلا من مرض القلب ستكون قطتي مصابة بالجرب. وكان هذا حلا أيسر بمراحل. فأمام بيتنا صندوق قمامة تتجمع حوله القطط كل صباح لتنبش عن الطعام فاستيقظت مبكرا واخترت أضعف وأقذر واحدة منها وعدت بها قبل أن يراني أحد. حممتها ومشطت لها شعرها وأطعمتها لبنا وسمكا. لكن بعد ثلاثة أيام أخبرتني حساباتي أن إطعام قطة لا يقل كلفة كثيرا عن إطعام طفلة فاكتفيت بإعطائها الخبز والماء, فرحلت ولم تكلف نفسها حتى نظرة شكر وعرفان.
لم تحبطني تجربتي الأولى وتركت تلك القصة ورائي وعدت لرواية الجريمة والعقاب. وبصدفة غير عادية كلمني وقتها طارق عن جدته العجوز وبخلها الشديد على نفسها وأقاربها.. إلا طبعا في مسألة البسبوسة.
فكل أسبوع تنزل لتشتري من الحلواني كيلو بسبوسة بالقشطة لتأكله وحدها بعيدا عن أنظار الجميع. وأخبرني طارق أن لو حدث وزارها أحد وهي تقوم بهذا الطقس الأسبوعي ما فتحت له الباب ولا ردت عليه. أما في غير هذا التبذير الأسبوعي فهي تقتر على نفسها تقتيرا شديدا. فشقتها دائما مظلمة وملابسها قديمة لا تغيرها وفي الأعياد تكتفي بإعطاء أحفادها ربع جنيه ورقي مجعد وكأنه تمسح به الأرضية وإن احتج أحدهم سحبته من يده وحرمته إياه عيدين كاملين.
وقصة الجريمة والعقاب كما هو معروف تحكي عن شاب يريد أن يثبت لنفسه أنه قادر على القتل لو أراد فيذهب لعجوز مرابية بخيلة ومعه بلطة يخفيها تحت معطفه ويقتلها بشج رأسها ويسرق مالها لكن الندم يتملكه في النهاية فيعترف للبوليس.
أنا بالطبع لن أقتل أحدا بل قررت أن أكتفي بضربة خفيفة على الرأس أجري بعدها من المكان وأكون قد حققت روح القصة على قدر ما أستطيع.
نظرت حولي فرأيت أن جميلة قد انتهت من مكالمتها مع خطيبها فأخبرتهم أني راحل. قال مدحت وقد عاد بالشاي " لاتنس.. سنتقابل غدا في منزل طارق في السابعة. ولا تتأخر فعندي فيلم جديد أريد أن أريك إياه"
" حسنا.. إلى الغد إذن" وعدت لمنزلي أخطط لمغامرتي القادمة.
في اليوم التالي صعدت السلم ببطء ومعي في كيس قطعة خشبية وجدتها في مطبخنا ويبدو أن أمي كانت تستخدمها في تسليك البالوعة. مررت من أمام شقة طارق ونظرت لساعتي فوجدتها السابعة والربع. حزنت لأن هذه الفعلة التي أن مقدم عليها ستكلفني ولا شك صداقة طارق وستجعل الآخرين ينظرون لي كمجنون. لكن هكذا يجب أن تكون الأمور, ولا بد من تضحيات لأجل أي شيء يستحق.
وصلت للشقة وطرقت الباب فانفتح وحده. غريبة أن تترك بابها مفتوحا هكذا. دخلت بحذر فصعقني ما وجدت. كانت السيدة العجوز ترقد على الأرض ووجهها شديد الزرقة وبجانبها طبق بسبوسة مفتوح ومأكول منه قطعة. نسيت الخشبة وركعت على الأرض. ملت فوقها لأسمع تنفسها فلم أسمع شيئا. تحسست قلبها فوجدته يدق دقات ضعيفة.
لم أعلم ماذا أفعل. فكرت أن أصرخ مستنجدا لكن الوقت كان ضيق ولن يصلوا إلينا إلا وقد ماتت. لمحت في خاطري فكرة فشرعت في العمل فورا. دفعت أصابعي في فمها حتى وجدت ما أبحث عنه. أخرجت قطعة البسبوسة من مجرى التنفس فسعلت العجوز وتنشقت الهواء بقوة نظرت حولها في حيرة. وقع بصرها على الطبق المرمي على الأرض ثم على وجهي المضطرب ففهمت كل شيء وابتسمت.
بعد هذا اليوم صرت أنا والعجوز أعز صديقين ونظر لي أصدقائي وكأني بطل. إنه شعور جميل أن تنقذ حياة ما, والفضل في هذا لدوستويفسكي. وها هي صداقتنا الجديدة تعود علي بالنفع, فبالأمس أصلحت لي جدة طارق بنطلوني المثقوب.


على المعبر (قصة قصيرة)


" على المعبر "

" لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ " الحشر 14


لم تعجبه مصر .. كان هذا هو الانطباع الأول الذي تكون لدى الماجور (هنري فورس) منذ أن وطأت قدمه أرض مطار العريش لأول مرة . عندما رأى مجموعة الاستقبال تنتظره وملامحهم تنطق بالشغف والحبور شد من قامته ومشى بخطى سريعة واثقة وكأنه يملك المكان وليس مجرد زائر, فهو قبل كل شيء ممثل لبلده ويتوقع رؤساؤه منه أن يعطي صورة مشرفة عن نظامهم العسكري لأهل العالم الثالث هؤلاء .
كل واحد من الواقفين شد على يده بقوة وهو يصافحهم, وحاول البعض النطق بكلمات ترحيب في إنجليزية ركيكة رد عليها هو بابتسامة متكلفة. فهو لم يأتي للترحيب به ومجاملته, بل عليه مهمة محددة يجب التأكد من تنفيذها على أكمل وجه, وتخول له الاتفاقية المبرمة بين الولايات المتحدة والمصريين الكثير من الصلاحيات والتسهيلات لتسهل عليه إتمام ما أتى من أجله.
ساد الاضطراب لحظة بينهم عندما حاول الاستفسار عمن المسؤول عن توصيله للمستشفى, ثم تقدم رجل قصير وقال وهو يبتسم ابتسامة لزجة:
- أنا (وليم حبيب) وسأكون المرافق لك طوال الرحلة من الآن حتى تصعد لطائرتك عند انتهاء الزيارة.
سار هنري مع الرجل حتى وصلا لصالة المطار وعبرا بلا تعقيدات أمام ضباط التفتيش .حتى عندما صفرت آلة الكشف عن المعادن لم يتوقفا لحظة واحدة وإن تابعتهم أعين بعض المسافرين قي دهشة ووصلت لأذنه بعض الهمسات فلم يلتفت بل كان كل ما فعله هو أن تحسس سلاحه حول وسطه في حركة سريعة غير ملحوظة وتابع سيره.
بعد ساعة ونصف كان الماجور فورس يعبر البوابة الزجاجية لمستشفى رفح وقد بللته قطرات المطر المتساقطة بالخارج وعن يمينه وليم وكظله مساعده الذي عرف أن اسمه (شوكت) . تقدم الثلاثة عبر صالة استقبال بيضاء الجدران ولاحظ المصريان أن الضيف الأمريكي يدير نظره في كل شيء بالمكان ويعاين بدقة كل ما تقع عليه عيناه وكأنه زبون حصيف يقيّم البضاعة قبل أن يشتريها. حاول أحد الأطباء أن يقترب منهم لكن قبل أن ينطق بكلمة كان وليم قد أخرج من حافظته بطاقة صغيرة وهمس بصوت خفيض في أذن الطبيب الذي استمع في انتباه وبصره لا يفارق سطور البطاقة , ولما أنهى الرجل حديثه انطلق بسرعة كاد معها أن يتعثر واتجه ناحية سلم فصعده درجتين درجتين في سرعة متجها للطابق الأعلى . وما هي إلا لحظات حتى عاد ومعه رجل سمين يرتدي نظارات سميكة أخذ يهرول نحو وليم وعيناه تتابعان الأمريكي الذي كان قد ابتعد وراح يفحص عبوات إطفاء الحريق المعلقة على أحد الجدران.
وبعد حديث سريع اتجه وليم وشوكت ومعهما الرجل السمين ناحية هنري الذي كان الآن يأخذ ملاحظات في نوتة صغيرة وهو يتابع طبيبا يفحص سيدة مسنة تتنفس بصعوبة .
بعد أن قدّم وليم مدير المستشفى لهنري وتم التعارف بينهما أخذ المدير يفتخر بكفاءة مستشفاه ويشيد بما تم فيها ووليم يترجم في سرعة للإنجليزية إلا أن الماجور استوقفه وقال :
- أنا أفهم العربية جيدا, لا داعي للترجمة ! . وكانت جملته بالعربية الفصحى. ثم استدار للمدير وسأله عن مكان حجرة العمليات , وهل بنك الدم بالمستشفي به ما يكفي وعن تفاصيل أخرى كثيرة لم يسمعها وليم إذ أخذ هنري المدير من يده واتجها معا نحو أقسام المستشفى الداخلية تاركين إياه مع شوكت الذي أصابته الحيرة من فهم فحوى ما يجري أمامه فحاول الاستفسار من رئيسه عما يحدث وعن مغزى تصرفات الضيف الأمريكي . رفض وليم في البداية لكن بعد إلحاح من مساعده ولملله من الوقوف منتظرا بجانب السيارة قال :
- إن السر هو في منتهى البساطة , فزيارة الماجور لرفح غرضها الاطمئنان أن مستشفاها متطورة بالقدر الذي يسمح لها باستقبال الجنود الأمريكيين لو قُدر ودعت الحاجة أحدهم للعلاج.
- لكن ما الذي سيأتي بجنود أمريكيين إلى هنا ؟
- ليسوا مجرد جنود, بل كتيبة كاملة متوقع أن تصل لحدودنا مع الفلسطينيين قريبا لتشرف على ضبط الحدود .
- ولماذا ضبط الحدود بالذات؟
- يبدو أنك تعيش في العسل يا عزيزي. فالأمريكان يريدون أن يتأكدوا بأنفسهم أن عمليات التهريب عبر الأنفاق الحدودية قد توقفت تماما وتم قطع كل منفذ يؤدي لغزة , لذا أرسلوا منذ شهور طواقم تضع أجهزة استشعار على طول الحدود يراقبون منها كل ضربة معول تحت الأرض. هذا غير خطتهم الأخرى.
- أي خطة ؟
- إنهم يصنعون جد..
لكن قطع استرساله في الحديث مرأى هنري فورس وهو يتقدم نحوهم ثم ما لبث أن ركبوا السيارة وانطلقوا وعقل شوكت لا يزال يفكر في كلام رئيسه ويتساءل : يا ترى عن أية خطة أخرى كان يتحدث ؟! .
---------------------------
كانت الحجرة يغلب عليها الظلام إلا من أضواء شاشات الرصد الثلاثة المنتشرة في المكان ويجلس أمام كل واحدة منها ضابط شاب في زي مدني وهو يضع سماعتين على أذنيه. وفي نهاية الحجرة جلس رجلان ملامحهما أجنبية يراقبان شاشة الكمبيوتر المركزي الذي يحلل ما ترسله أجهزة الرصد من بيانات ويعطي النتائج في صورة رسوم خرائط مطبوعة.
فالحقيقة أن هذا المكان هو واحد من دستة أماكن مماثلة مهمتها منذ ما يزيد عن الستة أشهر هي مراقبة كل حركة على الخط الحدودي القائم بين قطاع غزة وشمال سيناء وتسجيلها وتحديد مصدرها بدقة هائلة ثم تحويل هذه البيانات لفريق آخر مهمته الوصول للمكان المحدد والتأكد من أن مصدر الحركة ليس أعمال حفر تحت الأرض .
في هذه اللحظة كان الهدوء يسود المكان حيث لم تسجل أجهزة الاستشعار أية نشاط على الحدود منذ ما يزيد عن الثلاثة أسابيع, لكن فجأة دخل ضابط طويل ذو شارب كث يتبعه آخر صغير السن ويبدو عليه الارتباك, وبا أنهما يكملان حديثا كانا قد بدءاه منذ فترة:
- ..وهنا غرفة الرصد والتحليل الأساسية حيث سيكون أغلب عملك, والغرفة تحوي كما ترى أجهزة استشعار الحركة المربوطة بالـsensors المدفونة على عمق 15 مترا على طول الحدود , وفور تسجيل أي شيء يتم نقله للفرق المسئولة عن المتابعة وأيضا يتم إرسال المعلومات للجانب الآخر عن طريق ضباط الاتصالات في الغرفة المجاورة لـ ..
- آسف للمقاطعة, لكن ماذا يعني "الجانب الآخر" ؟
- الإسرائيليون بالطبع , فالاتفاقية تحتم علينا التبليغ عن عمليات التهريب وقت وقوعها ليتخذوا الإجراءات اللازمة من طرفهم . فحتى لو فلت المهربون من ناحيتنا سيجدون من يستقبلهم في الجانب الآخر ويصطادهم كالفئران.
ثم ضحك الضابط عفيفي على نكتته الصغيرة والتفت لممدوح الذي كان يحاول الابتسام أيضا مجاملة للضابط الأعلى منه رتبة, ثم سأل:
- لكن الجانب الآخر هو في غزة, فكيف يصل الإسرائيليون لداخل القطاع بسرعة لضبط المهربين؟
- لا تشغل بالك بهذا , وعلى العموم فلليهود ناسهم حتى داخل القطاع ومن الفلسطينيين أنفسهم !
- و.. وماذا عن الجدار؟
توقف عفيفي عن الحركة بغتة وقال :
- من أخبرك بهذا ؟ إنها لا تزال معلومات سرية.
بدا على ممدوح الارتباك أكثر وتلعثم وهو يقول:
- سمعت بعض الزملاء يتحدثون عن الأمر عند وصولي, ولم أعرف أنها معلو..
قاطعه عفيفي وقال وقد لانت ملامحه بعض الشيء :
- لا تخف. أنت واحد مننا الآن ومن الأفضل أن تعرف كل شيء. فالخطة التي وضعها الأمريكان لمكافحة التهريب هي من شقين. الأول رأيته هنا أما الثاني - وهو من اقتراح الإسرائيليين بالمناسبة - فيقتضي إقامة جدار.
- لكن بالفعل هناك جدار أسمنتي على الحدود.
- لا. هذا جدار من نوع آخر . ألواح معدنية فولاذية طول الواحد 18 مترا وسمكه 5 سم, لا تؤثر فيها المعاول ويصعب اختراقها أو حتى تدميرها بالديناميت. ويتم الآن دفنها على عمق مترين قبل الشريط الحدودي بحيث لا تظهر فوق الأرض. وبهذه الطريقة حتى لو لم تلتقط أجهزة الاستشعار حركات المهربين فسيمنعهم الجدار الفولاذي من العبور لجانبنا. إنه الحل النهائي لعزل غزة تماما. خطة ذكية أليس كذلك؟ . الآن دعنا نكمل الدورة داخل المكان حتى تبدأ عملك غدا في أسرع وقت ممكن.
وخرجا من الغرفة فعاد الهدوء يسود المكان مرة أخرى.
----------------------------
تمنى طارق لو تهب نسمة هواء لتبدد الاختناق المحيط به, لكن هيهات. أدار عينيه فيما حوله من أشياء على ضوء الكشاف الهزيل, الأوعية المملوءة بالتراب والحجارة ومربوطة بالحبال التي تمتد خلفه وكأنما لما لانهاية, الجاروف الصغير والمعول وزجاجة ماء ذهب نصفها, قطعة القماش التي بللها عرقه وتغير لونها. لكن على الرغم من كل هذا كان مطمئن البال سعيدا بما يفعل. فهم ينتظرونه, الجميع ينتظره. على الجانب الآخر ينتظره من سيسلمه البضائع .
 في القطاع ينتظرون ما الذي سيأتي به من أطعمة ومقومات حياة .
 حتى الحكومة المصرية يخيم شبحها عليه وينتظره ليقبض عليه عند أول خطأ يرتكبه.
لكنه سيصل لنهاية النفق . سيرى الضوء بعد قليل ويعود كما جاء . لا .. ليس كما جاء, إنه سيعود منتصرا ومحملا بالعديد من الأشياء .
لا يدري لماذا تذكر أخاه الصغير وتخيله جالسا في بيتهم ينتظر الشموع والكيروسين ليذاكر دروسه على ضوئها. لا تكتئب يا أخي, لن يطول انتظارك.
نفض عنه الأفكار وشرع مرة أخرى في العمل.
مرت ساعة أو ربما أقل , فالوقت يمر هنا داخل النفق  ببطء شديد. سمع حركة غريبة فوقه فتوقف عن الضرب بالمعول ليرهف السمع. ربما تهيؤات, فالجو الخانق بالأسفل قد يلعب بعقلك الألاعيب. لكن الصوت تكرر مرة أخرى. ترى ماذا يعني؟ .
اهتز المكان حتى خاف أن تقع العوارض الخشبية التي تسند السقف. زاد الاهتزاز .. وفجأة انفتحت طاقة من نور فوقه . هل يحفر زملاؤه من الجانب الآخر؟ .
لكن شيئا ما في الأصوات التي سمعها أثار الرعب في قلبه .
أحدهم رمى شيئا عليه . إنها قنبلة دخان. كاد يختنق وملأت الدموع عينيه.
صرخ.
امتدت أيدي وسحبته بحركة عنيفة.
أحدهم يضربه في بطنه والآخر يلكمه في وجهه.
إنه الآن على سطح الأرض ويشعر بهبات النسيم تداعب وجهه, لكن بشكل ما لم يشعره هذا بأي تحسن .. هذا لم يكن النسيم الذي تمناه .
::: النهاية :::

كُتبت نهاية 2009 بعد قراءة خبر صحفي عن الجدار الفولاذي الذي سيسجن مسلمي غزة, وتقيمه الحكومة المصرية.