الأحد، 9 سبتمبر 2012

أوهام صوفية وتجربة روحية

"...وعندما تحقق ما كان يريد لم يكن كما تصوره!.. فالكهف في الصباح كان فارغا إلا من أثر الرماد"

-----
كل شيء في مكانه والعالم يسوده الهدوء..
الدخان الأزرق يحيطني.. الضباب يملأ فراغ الكهف.. وعقلي انقشعت عنه أخيرا سحابة الضباب.
أشعر بالابتسامة ترتسم ببطء على وجهي إذ يهجم سيل الأفكار. كشوفات.. إشراقات.. فتوحات.. كلها تنتظرني فور تبدد حالة الغفلة التي لازمتني منذ بدأت أنا.
ما أجمله من شعور نوراني!.. شمس الوضوح تسطع من جديد بعد أن كاد ليل الجهل يخيم على الروح ويقتلني خنقا تحت ركامه.. توافه "الحياة العادية" ومشاكلها وصخبها.. كل هذا لا يوزن بشيء حسب المقياس العام للأمور.
ها أنا الآن في حالة سلام مع الكون.. كل شيء في مكانه الطبيعي والكهف يسوده الهدوء.
خطرت في ذهني خاطرة.. برقت لهنيهة ثم طواها النسيان، لكن سرعان ما حلت أخرى محلها. كم هو جميل أن تجلس منفردا، بعيدا عن الناس، منزويا عن ضوضاء الحياة، وفي نفس الآن تكون متصلا بكل شيء!
ساعتها يعمل الذهن كجهاز استقبال.. لا تقف في طريق الموجات حوائط ولا جدران.. لا تعوقه المسافات الشاسعة ولا تعجزه محدودية الحواس.
ساعتها يصير عقلك جزءا من الشبكة العالمية للعقول!.. تنساب الأفكار من هنا لهناك، ومن هناك إلى هنا في يسر وسلاسة منقطعة النظير.
لو فهم أهل التكنولوجيا أسرار هذه الطريقة وقدراتها لتواروا خجلا مع علومهم القاصرة، ولوجهوا طاقاتهم  لدراستها، وأفنوا في هذا الأعمار بعد أن كانوا يرفضون مجرد الاعتراف بوجودها!
لكن هيهات..
ضباب عقولهم المحدودة يحجبهم عن رؤية النور.
قبل أن تتبدد ظلمة الجهل يجب أن تصفو الروح فوق ارتباطها بالمادة. ذلك الارتباط الذي يكبلها عن معرفة الحقيقة، ويكتم قبس الإشراق كلما حاول العقل النفاذ من المتاهة المظلمة.

لكن كفاني تفكيرا في الآخرين. طاقاتهم السلبية قد تسلبني ما تحصّل لي من ضياء، وما جمعته بعد جهد من مخزون الإيجابية.
أفكاري تسبح في حرية. أنا في مكاني المناسب من العالم وجدران كهفي تحميني في هدوء.
لو رآني الآن غريب لامتلأ قلبه رعبا وولى هاربا من فوره!
فمن من هؤلاء "العاديين" سيفهم ما أنا عليه الآن؟.. من منهم سيتحمل عقله غير المدرب منظر جسدي كما هو الآن؟.. هالة من الإشعاع تحتويني داخلها، وانا متربع على أرضية الكهف الرطبة، أمام الأخشاب المشتعلة التي تحرق داخلها ما يتحول سريعا لدخان أزرق كثيف يعطر جو المكان.
العبق والنور وجفوني المغلقة وطقطقة النار وسيل الأفكار.
لو لم يكن هذا هو سلام النفس الحقيقي فلا أدري كيف يكون السلام!

لو لم يأتني مرادي الآن بعد كل ما هيأت من ظروف وقدمت من تضحيات وجهزت من تحضيرات فلا أظنه يأتي أبدا!!
فكرة واحدة عبقرية.. هذا كل ما أبحث عنه.
ومضة واحدة تبرق فجأة في جوانب العقل.
ياه.. كم أضناني انتظارها وكم كبدني البحث عنها من مشاق!
لكنها تقترب.. أكاد أشعر بها وأشم ملمسها وأرى رائحتها!
لا شك عندي أني أقترب.
اللحظة المبتغاة هي الآن على الأبواب.. تطرق باب عقلي لتدخل.. ضيف طال الشوق إلى مجيئه.
كل ما عليّ هو أن أفلح في استقبالها.. في اقتناصها فور ظهورها.. وبعدها سيتغير كل شيء بالتأكيد.

لكن..
ماذا لو لم يتحملها عقلي؟!
ماذا لو كانت الفكرة هائلة، شديدة الإشراق والعبقرية فحرقت أسلاكي إذ لم تستوعبها؟!
كالشمس تحاول وهب بعض ضوئها لشمعة صغيرة فإذا بها تسيح وتختفي من الوجود حتى قبل أن يكتمل اقتراب الشمس منها!

لكن لا وقت للشك الآن ولا للتردد. انفض عنك مخاوفك وطاقتك السلبية، فلن يسلب منك نجاحك بعض الأوهام.
فمشوار السعي الطويل يقترب من نهايته السعيدة..
أشعر بالطاقة تغمرني وإحساس عجيب غير مسبوق ينتابني..
كأن كل ذرة في الجسد تهتز راقصة.. طرب يفوق كل طرب أحسسته قبل اليوم..
نوبة طاقة أو صرعة نشوة أو شيء آخر يعجز ذهني الآن عن وصفه..
لكنها ستنتهي.. وعندها سيكون كل شيء في مكانه والعالم يسوده الهدوء من جديد..
وأنا شخص جديد..
لا شك عندي.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق