في أمريكا كل شيء قابل للبيع والشراء . يمكنك أن تدخل مطعما فتحصل على شطيرة هامبرجر بالإضافات - البطاطس المقلية والكاتشب وخلافه- ثم تدخل المحل المجاور وتخرج منه وأنت تحمل مسدسا سريع الطلقات في حقيبة أنيقة ومعه "الإضافات" أيضا .. كاتم صوت وعلبة رصاص هدية من البائع !.. بكل بساطة وبشكل قانوني 100%.
هذا جزء من ثقافة المجتمع الأمريكي الذي يرفض - حتى اليوم - أي تشريع يحظر بيع الأسلحة للمواطنين, ومن هذه البيئة خرجت شركة "بلاك ووتر" BlackWater ومثيلاتها.
المنتج الأساسي الذي يخرج من هذه الشركة ذات رأس المال المقدر بآلاف الملايين من الدولارات هو .. المرتزقة. رجال جيش سابقون وضباط بوليس ومخابرات, بعضهم تم فصله من عمله الرسمي لسوء سلوكه, والبعض الآخر استقال من الأجهزة الأمنية الحكومية واتجه لاستثمار مهاراته القتالية في مجال أكثر ربحا, وكانت "بلاك ووتر" هي النسر الذي أخذ هؤلاء تحت جناحه ووفر لهم – مقابل خدماتهم وولائهم للشركة – حياة رغدة, مع الوعد برعاية أسرهم إن مات جندي المرتزقة أثناء "تأدية وظيفته".
تأسيس الشركة
"إيريك برينس" Erik Prince هو ابن لأسرة فاحشة الثراء, يتجنب التصوير والمقابلات الصحفية, معروف بآرائه الدينية المتزمتة وتأييده لسياسات بوش والحزب الجمهوري, لكن أبرز صفة تقال عن التعريف به هي أنه "رجل يملك جيشا خاصا قادرا على قتال دولة كاملة بمفرده لو أراد! "
في البداية اشترى أرضا شاسعة المساحة بإحدى الولايات الأمريكية وبنى عليها معسكرات تدريب ضخمة مزودة بترسانة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة, ثم بدأ يجنّد الرجال ويغريهم بالمكافآت إلى أن صار لديه أكثر من عشرين ألف جندي بمعداتهم الحربية وهم مستعدون لتلبية طلبات أي زبون .. مهما كانت !
جمع الأرباح
بعد كل هذه المصاريف والتجهيزات كان لابد من البدء في تحقيق المكاسب, وهنا – وكأنها مجرد صدفة! – أعلن بوش الحرب ضد "الإرهاب", وبدأ زحف الجيوش على بلاد الأفغان عام 2001.
لكن الجيش الأمريكي مقيد رسميا باتفاقات دولية عن جرائم الحرب ومعاملة الأسرى وأساليب القتال "النظيفة", هذا غير ضغط الرأي العام هناك كلما وصلت شحنة جديدة من جثث جنودهم الشباب محمولة في الأكياس البلاستيكية السوداء الشهيرة على متن الطائرات العائدة من جبهات القتال, فيتسلمها أهلهم وهم يتساءلون:"لماذا مات أبناؤنا في تلك البلاد البعيدة ؟!"
من أجل كل ما سبق استعانت الحكومة الأمريكية بالشركات الأمنية الخاصة وتعاقدت معها على القيام بالمهام العسكرية الصعبة, إذ أنه رسميا لا مسئولية للحكومة عن هؤلاء المرتزقة, ولا تُشرف على طرقهم في الاستجواب أو القتال.. كل المطلوب هو إتمام المهمة, وليس مهما كيف !
ثم دخلت أمريكا العراق, فاتسع نشاط الشركة وزاد الطلب على خدماتها!. تم توقيع عقد آخر بملايين الدولارات انتشر بموجبه آلاف من أفراد بلاك ووتر في أنحاء العراق بلا رقيب أو محاسب, لينفذوا أهداف أمريكا في إخضاع أهالي المحافظات التي رفضت الاستسلام بعد سقوط الحكومة واختارت المقاومة.
ولهول ما حدث عندما تم إطلاق هذه الوحوش المسعورة لتنهش الناس, صارت الأمهات العراقيات يخوّفن الأطفال بـ(البعبع) الذي قد يأتي ويأخذهم إن لم يحسنوا التصرف!
ولا عجب في رعب الأطفال - بل والكبار – من جنود شركة الماء الأسود, فشكل الواحد منهم بعضلاته الضخمة ونظارته السوداء وسلاحه الرشاش المعلق على كتفه وشعار شركته - كف دب أسود داخل هدف قناص - المرسوم على ملابسه يغري الجميع بالابتعاد عن مرمى بصره في الحال والدعاء بألا يكون قد لمحك.ٍ فقد أثبتت التجربة اليومية للمواطنين أن هذا النوع من الجنود لا يميز بين مقاوم ومدني أعزل, بل فلسفته "اضرب أولا ثم اسأل!", ومادام لم يرتح لملامح من يتقدم ناحيته وتسلل الشك إلى قلبه فهو يطلق النار وبعدها يفحص الجثة ليرى إن كان القتيل يحمل سلاحا في ملابسه فعلا أم لا.
الحادث
كل هذا كان يحدث يوميا دون أن نعلم عنه شيئا, ونتعجب من قلة أعداد القتلى المعلنة في صفوف الجيش الأمريكي في حين أن الحقيقة أكبر من ذلك بكثير لكن قتلى الشركات الخاصة لا يتم حسابهم ضمن التعداد الرسمي الذي يوزع على الصحافة لأنهم - حسب الأوراق – ليسوا تابعين لجيش الاحتلال !
ما الذي تغير إذن ودفع باسم هذه الشركة لبؤرة الضوء الإعلامي؟!.. لقد اقتنصت المقاومة العراقية أربعة دفعة واحدة من جنود بلاك ووتر في كمين بمدينة الفلوجة. ولك أن تتخيل الفرحة التي ملأت قلوب العامة وهم يشاهدون الأجساد الأربعة أمامهم على الأرض وقد فارقتها الروح ولم تعد تثير الفزع. مجرد معرفة أن (البعبع) قابل للقتل فعلا وليس جنديا خارقا كما يوحي مظهره, أعادت الأمل في النفوس. تماما كما حطمنا يوما ما أسطورة "جيش إسرائيل الذي لا يقهر", لكن الفرق أن يومها وقف العرب والمسلمون معنا أما اليوم فالعراق يقف وحيدا في مهب الريح بلا ظهر يسنده. لكن دعنا من الاستطرادات ولنعد للموضوع..
لما نشرت الجرائد ما حدث أرادت الشركة أن تثأر لنفسها وكرامتها, فدخلت المدينة بتصريح ودعم من القيادة الأمريكية وطاحت يمينا ويسارا بلا تمييز, ولا يزال بعض مراسلي الأخبار الذين شاهدوا أشلاء الضحايا وصوروها مصابين باضطرابات عصبية ونفسية مع أنهم لم يتوجهوا للفلوحة إلا بعد أن توقف القصف وانتهت المذبحة, فما بالك بمن حضرها فعلا وكان ضحية لها !
وقد عادت أخبار الشركة للساحة مرة أخرى في حادث آخر, حيث كان بعض الجنود في دورية لـ"حفظ الأمن", ويبدو أن المرور عطلهم قليلا فبدلا من إطلاق آلات التنبيه لفتح الطريق أمامهم ,فعلوا ببساطة ما تم تدريبهم عليه وأطلقوا النار عشوائيا في كل الاتجاهات فقتلوا 17 عراقيا !
التوسع
من المعروف أن بول بريمر Paul Bremer الحاكم السابق للعراق عندما أراد حماية شخصية لم يستعن بالجيش الأمريكي أو البريطاني أو أي دولة أخرى في تحالف احتلال العراق, بل فضّل الصنف المتميز الذي تقدمه شركة بلاك ووتر! ويبدو أن رضاه عنهم كان كبيرا حتى أنه قبل أن يترك منصبه للحكومة العراقية بيومين وقع قرارا يعطي الحصانة لجنود أي شركة أمنية خاصة ويمنع تطبيق القانون العراقي عليها حتى في حالة قيام أحد أفرادها بارتكاب جرائم !
كل هذه الثقة التي حازتها الشركة رفعت من أسهمها في السوق فقرر رئيسها تغيير اسمها من "بلاك ووتر أمريكا" إلى "بلاك ووتر العالمية" كمؤشر على توسع نشاطها لياقي دول العالم. ومؤخرا قال نائب رئيسها - الذي كان مسئولا عن مكتب مكافحة الإرهاب بالمخابرات الأمريكية وقت أحداث 11 سبتمبر! – أن الشركة مستعدة لتوريد كتائب كاملة من الجنود المسلحين لأي دولة تطلب ذلك وتقدر على دفع الثمن.
وأخيرا..
فالحديث عن فضائح هذه الشركة يطول. نحن لم نتكلم بعد عن تورطها في تهريب أسلحة للأكراد, ولا عن الشائعات التي باتت تتردد همسا داخل أمريكا عن أن الشركة تجهز لانقلاب عسكري على الحكومة في حالة عدم حصول حليفها الجمهوري على مقعد الرئاسة.. لكن الأفضل أن ندع كل هذا لمقال آخر قريب بإذن الله.
هذا جزء من ثقافة المجتمع الأمريكي الذي يرفض - حتى اليوم - أي تشريع يحظر بيع الأسلحة للمواطنين, ومن هذه البيئة خرجت شركة "بلاك ووتر" BlackWater ومثيلاتها.
المنتج الأساسي الذي يخرج من هذه الشركة ذات رأس المال المقدر بآلاف الملايين من الدولارات هو .. المرتزقة. رجال جيش سابقون وضباط بوليس ومخابرات, بعضهم تم فصله من عمله الرسمي لسوء سلوكه, والبعض الآخر استقال من الأجهزة الأمنية الحكومية واتجه لاستثمار مهاراته القتالية في مجال أكثر ربحا, وكانت "بلاك ووتر" هي النسر الذي أخذ هؤلاء تحت جناحه ووفر لهم – مقابل خدماتهم وولائهم للشركة – حياة رغدة, مع الوعد برعاية أسرهم إن مات جندي المرتزقة أثناء "تأدية وظيفته".
تأسيس الشركة
"إيريك برينس" Erik Prince هو ابن لأسرة فاحشة الثراء, يتجنب التصوير والمقابلات الصحفية, معروف بآرائه الدينية المتزمتة وتأييده لسياسات بوش والحزب الجمهوري, لكن أبرز صفة تقال عن التعريف به هي أنه "رجل يملك جيشا خاصا قادرا على قتال دولة كاملة بمفرده لو أراد! "
في البداية اشترى أرضا شاسعة المساحة بإحدى الولايات الأمريكية وبنى عليها معسكرات تدريب ضخمة مزودة بترسانة من الأسلحة الثقيلة والخفيفة, ثم بدأ يجنّد الرجال ويغريهم بالمكافآت إلى أن صار لديه أكثر من عشرين ألف جندي بمعداتهم الحربية وهم مستعدون لتلبية طلبات أي زبون .. مهما كانت !
جمع الأرباح
بعد كل هذه المصاريف والتجهيزات كان لابد من البدء في تحقيق المكاسب, وهنا – وكأنها مجرد صدفة! – أعلن بوش الحرب ضد "الإرهاب", وبدأ زحف الجيوش على بلاد الأفغان عام 2001.
لكن الجيش الأمريكي مقيد رسميا باتفاقات دولية عن جرائم الحرب ومعاملة الأسرى وأساليب القتال "النظيفة", هذا غير ضغط الرأي العام هناك كلما وصلت شحنة جديدة من جثث جنودهم الشباب محمولة في الأكياس البلاستيكية السوداء الشهيرة على متن الطائرات العائدة من جبهات القتال, فيتسلمها أهلهم وهم يتساءلون:"لماذا مات أبناؤنا في تلك البلاد البعيدة ؟!"
من أجل كل ما سبق استعانت الحكومة الأمريكية بالشركات الأمنية الخاصة وتعاقدت معها على القيام بالمهام العسكرية الصعبة, إذ أنه رسميا لا مسئولية للحكومة عن هؤلاء المرتزقة, ولا تُشرف على طرقهم في الاستجواب أو القتال.. كل المطلوب هو إتمام المهمة, وليس مهما كيف !
ثم دخلت أمريكا العراق, فاتسع نشاط الشركة وزاد الطلب على خدماتها!. تم توقيع عقد آخر بملايين الدولارات انتشر بموجبه آلاف من أفراد بلاك ووتر في أنحاء العراق بلا رقيب أو محاسب, لينفذوا أهداف أمريكا في إخضاع أهالي المحافظات التي رفضت الاستسلام بعد سقوط الحكومة واختارت المقاومة.
ولهول ما حدث عندما تم إطلاق هذه الوحوش المسعورة لتنهش الناس, صارت الأمهات العراقيات يخوّفن الأطفال بـ(البعبع) الذي قد يأتي ويأخذهم إن لم يحسنوا التصرف!
ولا عجب في رعب الأطفال - بل والكبار – من جنود شركة الماء الأسود, فشكل الواحد منهم بعضلاته الضخمة ونظارته السوداء وسلاحه الرشاش المعلق على كتفه وشعار شركته - كف دب أسود داخل هدف قناص - المرسوم على ملابسه يغري الجميع بالابتعاد عن مرمى بصره في الحال والدعاء بألا يكون قد لمحك.ٍ فقد أثبتت التجربة اليومية للمواطنين أن هذا النوع من الجنود لا يميز بين مقاوم ومدني أعزل, بل فلسفته "اضرب أولا ثم اسأل!", ومادام لم يرتح لملامح من يتقدم ناحيته وتسلل الشك إلى قلبه فهو يطلق النار وبعدها يفحص الجثة ليرى إن كان القتيل يحمل سلاحا في ملابسه فعلا أم لا.
الحادث
كل هذا كان يحدث يوميا دون أن نعلم عنه شيئا, ونتعجب من قلة أعداد القتلى المعلنة في صفوف الجيش الأمريكي في حين أن الحقيقة أكبر من ذلك بكثير لكن قتلى الشركات الخاصة لا يتم حسابهم ضمن التعداد الرسمي الذي يوزع على الصحافة لأنهم - حسب الأوراق – ليسوا تابعين لجيش الاحتلال !
ما الذي تغير إذن ودفع باسم هذه الشركة لبؤرة الضوء الإعلامي؟!.. لقد اقتنصت المقاومة العراقية أربعة دفعة واحدة من جنود بلاك ووتر في كمين بمدينة الفلوجة. ولك أن تتخيل الفرحة التي ملأت قلوب العامة وهم يشاهدون الأجساد الأربعة أمامهم على الأرض وقد فارقتها الروح ولم تعد تثير الفزع. مجرد معرفة أن (البعبع) قابل للقتل فعلا وليس جنديا خارقا كما يوحي مظهره, أعادت الأمل في النفوس. تماما كما حطمنا يوما ما أسطورة "جيش إسرائيل الذي لا يقهر", لكن الفرق أن يومها وقف العرب والمسلمون معنا أما اليوم فالعراق يقف وحيدا في مهب الريح بلا ظهر يسنده. لكن دعنا من الاستطرادات ولنعد للموضوع..
لما نشرت الجرائد ما حدث أرادت الشركة أن تثأر لنفسها وكرامتها, فدخلت المدينة بتصريح ودعم من القيادة الأمريكية وطاحت يمينا ويسارا بلا تمييز, ولا يزال بعض مراسلي الأخبار الذين شاهدوا أشلاء الضحايا وصوروها مصابين باضطرابات عصبية ونفسية مع أنهم لم يتوجهوا للفلوحة إلا بعد أن توقف القصف وانتهت المذبحة, فما بالك بمن حضرها فعلا وكان ضحية لها !
وقد عادت أخبار الشركة للساحة مرة أخرى في حادث آخر, حيث كان بعض الجنود في دورية لـ"حفظ الأمن", ويبدو أن المرور عطلهم قليلا فبدلا من إطلاق آلات التنبيه لفتح الطريق أمامهم ,فعلوا ببساطة ما تم تدريبهم عليه وأطلقوا النار عشوائيا في كل الاتجاهات فقتلوا 17 عراقيا !
التوسع
من المعروف أن بول بريمر Paul Bremer الحاكم السابق للعراق عندما أراد حماية شخصية لم يستعن بالجيش الأمريكي أو البريطاني أو أي دولة أخرى في تحالف احتلال العراق, بل فضّل الصنف المتميز الذي تقدمه شركة بلاك ووتر! ويبدو أن رضاه عنهم كان كبيرا حتى أنه قبل أن يترك منصبه للحكومة العراقية بيومين وقع قرارا يعطي الحصانة لجنود أي شركة أمنية خاصة ويمنع تطبيق القانون العراقي عليها حتى في حالة قيام أحد أفرادها بارتكاب جرائم !
كل هذه الثقة التي حازتها الشركة رفعت من أسهمها في السوق فقرر رئيسها تغيير اسمها من "بلاك ووتر أمريكا" إلى "بلاك ووتر العالمية" كمؤشر على توسع نشاطها لياقي دول العالم. ومؤخرا قال نائب رئيسها - الذي كان مسئولا عن مكتب مكافحة الإرهاب بالمخابرات الأمريكية وقت أحداث 11 سبتمبر! – أن الشركة مستعدة لتوريد كتائب كاملة من الجنود المسلحين لأي دولة تطلب ذلك وتقدر على دفع الثمن.
وأخيرا..
فالحديث عن فضائح هذه الشركة يطول. نحن لم نتكلم بعد عن تورطها في تهريب أسلحة للأكراد, ولا عن الشائعات التي باتت تتردد همسا داخل أمريكا عن أن الشركة تجهز لانقلاب عسكري على الحكومة في حالة عدم حصول حليفها الجمهوري على مقعد الرئاسة.. لكن الأفضل أن ندع كل هذا لمقال آخر قريب بإذن الله.
كتبت المقال في 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق